لعل البحث في الذاكرة عن هذه المدينة من الذكريات والصور التاريخية والمواقف الانسانية لنسائها ورجالها وما رمزت اليه في الماضي القريب أو البعيد من دلالات ومعاني بعضها ترفعها الى مصاف المدن العريقة المحافظة على أصالتها وثراتها ؛ وإن كان واقعها الحاضر يضعها في صورة أقل روعة وجمالا مما كانت عليه سيدي سليمان ولنا اليوم بعض الارتسامات عن معهد عتيق المدرسة الحسنية التي عايشتها ذات مرة مدرسا .
ذكريات مدرسة الحسنية ... بقلم عبد الكريم لراك
إن أنس لا أنسى ذكريات المدرسة الحسنية بسيدي سليمان هذا المعهد العتيد الذي خرج أجيالا عدة وطاقات جمة خدمت هذا الوطن في شتى مناحي الحياة على مدى أزيد من ستة عقود والى اليوم .
فقد كان تدشينها على يد المولى الحسن ولي العهد مطلع الستينات من القرن الماضي أو قبيله بقليل وهي مدرسة حرة جمعت شتى المستويات الثقافية بداية من التهيئي المندمج مع قسم التحضيري وانتهاء بقسم الخامس وقد كانت تتكون أواخر السبعينات حيث التحقت معلما بها من جناحين ذا طابق واحد تتوسطها الادارة وهي عبارة عن غرفة صغيرة آنذاك بها مكتب السيد المدير مصطفى الجاي رحمة الله عليه ؛ وساحة ترابية مستطيلة الشكل بهية المنظر يجاورها من اليمين والشمال أبنية عتيقة تعود لايام الخمسينات .
الى جانب هذا عرفت هذه المدرسة العتيقة الأصيلة في عطاءاتها رجالات قل نظيرهم وعز مثيلهم فالاستاذ الراحل عبد الهادي البقالي يعتبر من خيرة من علم وربى آية عصره في تدريس اللغة العربية نهلت من تجربته الشيء الكثير وكان يوعز لي في كثير من الأحيان النيابة عنه بقسم الخامس وكنت أقلد اسلوبه وطريقته بشكل أتعجب منه الآن بعد هذه السنين الطوال ولا انسى صرامته وجديته التي كان يحسب لها ألف حساب .
كما كنت ألمس في تلاميذ ذاك الزمن الجميل محبتهم للشعر العربي وأشتاتا من النثر فكنت أقرأ عليهم هذه القصيدة أو تلك من شعر القدماء تارة وشعر المحدثين تارة أخرى ؛ كما أذكر أستاذا آخر رمز للجدية بكل اقتدار وامتياز حافظ لكتاب الله يسير الهوينى يراجع في صوت خافت حزبه ذهابا الى بيته أو غاديا الى المدرسة وأعجبت كثيرا بشخصيته الفذة إعجابي بصبره وعراقة ما يقدمه للتلاميذ من تعليم جاد مفيد قسمه التحضيري وهو مزيج من التهيئي فقد كان القسم يسع اثنا وسبعون تلميذا وصبي يقدم لشطر منهم مادته المناسبة وللشطر الثاني ما يليق به كل ذلك في حفاظ على الانضباط والانتباه التام من الجميع ؛ وكان صاحب خط مغربي أصيل ؛ لا يلقاك رحمه الله الا باسما ولا يبطأ في مد يد المساعدة اليك بالرأي والنصيحة كلفت بالنيابة عنه لمدة طويلة إثر توعك صحته وحين انتقلت زوجته الى رحمة الله وبما أن التلاميذ ألفوني مصادقا للاستاذ محمد العثماني أثيرا عنده رحمه الله فقد كانت نيابتي عنه جد شاقة ولكن تقليدي لطريقته سهل علي كثيرا من الاموروأغنى تجربتي بأشياء كثيرة .
أما قسمي الثالث فلم يكن يتعدى الستة عشر تلميذا أدرسهم مادة العربية أذكر منهم سي الطيبي الحافظ لكتاب الله والذي كان يفتتح الحصة بايات بينات من الذكر الحكيم كل يوم طوال السنة كما أذكر أنجب التلاميذ أيامها سي شفقة ادريس وكان أية في المثابرة والأدب ؛وكانت أسعد أيام حياتي حقا تلك الفترة الذهبية التي عشتها زهاء سنواتأوخر السبعينات ومطلع الثمانينات.
والحديث شيق وذو شجون ولا زال بالجعبة الشيء الكثير نلتقي في فرصة ثانية مع ذكريات هذه المدرسة الجميلة الأصيلة الحسنية الاسم على مسمى .
ذكرياتي
بقلم عبد الكريم لراك
14/02/2019