إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى
ولكن تفوق الناس رأيا وحكمة *** كما فقتهم حالا ونفسا ومحتدا
يدق على الأفكار ما أنت فاعل *** فيترك ما يخفى ويؤخذ ما بدا
أزل حسد الحساد عني بكبتهم *** فأنت الذي صيرتهم لي حسدا
قائل هذه الأبيات هو أبو الطيب المتنبي الشاعر الذي مد جناحيه على كل العصور وكفى به حكيما ابيا شجاعا في كل ما قال من شعر وأدب غزير .
من منا لم يسمع أو يقرأ لأبي الطيب المتنبي شاعر الشعراء ومفخرتهم ورمز الهامهم ؛ عرف ابو الطيب بفلسفته وحكمته وشجاعته كما عرف بغزارة انتاجه الشعري مدح قادة وولاة عصره في القرن الرابع للهجرة أيام العصر العباسي الزمن الجميل الذي أذكى الثورة الثقافية بالكوفة والبصرة وبغداد مرورا بالشام الى مصر؛ أبي النفس عزيزها ولا يتورع أن يفرض شروطه أمامهم عايش سيف الدولة الحمداني تسع سنوات كانت أجمل أيامه عاصر معه عدة ملاحم وحروب وكانت مجالس الشعر ايقونة عقدهم الفريد .
ومثلما فعل في المديح هجا ايضا كافورا وغيره و بعض ابياته التي قالها في ضبة كانت سببا في انهاء حياته في منتصف القرن الرابع الهجري وبالتحديد سنة 354 ه كما يقول المؤرخون .
وما يهمنا اليوم قوله في ثمرة الاحسان الى الناس خاصة من كرمت نفسه والنبي عليه السلام يقول اتق شر من احسنت اليه ..نجد المتنبي يجيب بطريقة اخرى بقوله اذا أنت اكرمت اللئيم تمردا فهذا الأخير لا يجدي المعروف فيه شيئا كما قال زهير ابن ابي سلمى ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم ؛ في حين نراه يضع جانب الرفق والليونة في مكانها وللشدة مكانها الآخر ووضع هذه في مكان تلك مضر كوضع السيف في موضع الندى ومن العدالة وضع الأشياء في مكانها المناسب ثم يمضي المتنبي في ابراز عبقرية الاميرفي سياسة الدولة الى أن يقول :
أزل حسد الحساد عني بكبتهم** فـأنت الذي صيرتهم لي حسدا
يستنهض همة الأمير الى ترشيد بطانته وكا ن من بينهم ابو فراس الحمداني ابن عم سيف الدولة وابن خالويه وهم من اشد معارضيه ومنتقديه حتى في مجلس الامير سيف الدولة وحسدهم ذاك هو الذي ابعده والجأه الى مصر حيث كافور الاخشيدي وهذا حديث آخر موعدنا معه غدا بحول الله .
عبد الكريم لراك 16/01/2018[