تعريف القانون و مصادره
الأستاذ عبد العزيز بريبيش لأفتتتح هذا القسم للتعريف بماهية القانون و مصادره وأهميته في ضبط العلاقة بين أفراد المجتمع.
الإنسان «كائن اجتماعي بفطرته وطبيعته لا يستطيع أن يعتزل الناس لأنه عاجز بمفرده عن الوفاء بحاجياته وذلك يستتبع وجود علاقات عديدة بين أفراد المجتمع وهي علاقات لا يمكن أن تترك فوضى ينظمها كل فرد وفق رغبته ومشيئته، لذلك لا بدّ من وجود قواعد موضوعة تهدف إلى إقامة التوازن بين الحريات المتعارضة والمصالح المتضاربة محققة بذلك العدل والإستقرار»
القانون في اللغة هو مقياس كل شيء وهي كلمة معربة ، قيل ان أصلها رومي وقيل
قارسي .
وهو في اصطلاح علماء أصول الفقه: هو القاعدة الكلية التي
يتعرف منها أحكام جزئياتها .
وتنصرف كلمة قانون لأكثر من معنى
وتحمل تعريفات كثيرة . لكن لا يعنينا هنا إلا ان نثبت له تعريفا علميا ذلك
ان الغاية من التعريف هي إمكان تحديد ما يصدق عليه اللفظ ، و تكون وسيلة
التعريف هي بيان الخصائص المميزة له عن غيره مما لايسمى قانونا.
ولفظ
قانون يصدق في أوسع معانيه على كل علاقة مطردة بين ظاهرتين وهو الاستخدام
المستعمل في العلوم الطبيعية والفلسفة والمنطق و يتوافق هذا المعنى مع لفظ
القاعدة وهو المستخدم في الدراسات القانونية ، فالقاعدة هي علاقة بين
ظاهرتين أما القانون بالمعنى الذي يهمنا فيقصد به - مجموعة القواعد التي
تنظم سلوك الأفراد في مجتمع يلزم بها أفراده ويقرنها بجزاء يوقع جبرا على
من يخالفها.
ومن هذا يستفاد أن:
أولا:- القانون
مجموعة قواعد.
ثانيا:- أن هذه القواعد تنظم سلوك الأفراد في
المجتمع.
ثالثا:- أن المجتمع يلزم أفراده بهذه القواعد ويقرنها
بجزاء يوقع جبرا على من يخالف هذه القواعد.
فالقانون في مجمله
هو مجموعة من القواعد التي تحكم وتنظم سلوك الأفراد في الجماعة وتوفق بين
مصالحهم والتي يفرض على مخالفها جزاء توقعه السلطة العامة، والقانون بهذا
المعنى ليس إلا مجموعة من القواعد ، فالقاعدة هي الوحدة أو الخلية التي
يتكون منها ، وللقاعدة القانونية عدة خصائص هي :
إنها قاعدة سلوكية
إن هدف القاعدة القانونية هو تنظيم السلوك فهي قاعدة تقويمية يراد بها
توجيه السلوك وجهة معينة ، وهذا التوجيه قد يكون بطريقة مباشرة عندما
تتضمن القاعدة أمرا أو نهيا كما قد يكون توجيه السلوك بطريقة غير مباشرة
حيث تضمن القاعدة تعريفا أو تنظيما فيكون الالتزام بها بمطابقة السلوك
لأحكام هذا التنظيم .
إنها قاعدة عامة ومجردة
يقصد بعموم القاعدة
القانونية أن تكون القاعدة غير مخصصة فيما تضعه من أحكام بشخص أو أشخاص
معينين بذواتهم ، ويقصد بالتجريد أن خطاب القاعدة القانونية لا يوجد إلى
شخص بعينه أو واقعة بذاتها وانما العبرة فيه تكون بعموم الصفة وبتحقق
بشأنها الشروط بحيث تنطبق على كل واقعة تتحقق بشأنها الشروط المتطلبة وعلى
كل شخص اجتمعت فيه الصفات المستلزمة ، لذلك يضطرد تطبيق القاعدة القانونية
على كل حالة تنشأ في أي وقت وتتوفر فيها شروط انطباقها .
إنها قاعدة
اجتماعيه
إن الحاجة إلى قواعد القانون لا تظهر إلا مع قيام الجماعة حيث
تظهر الحاجة إلى تنظيم علاقات أفراد هذه الجماعة بعضهم البعض ، فالحياة
الاجتماعية تقتضي ضبط علاقات الأفراد وإخضاعها للقيود التي ترمي إلى تحقيق
التوازن بين الجانب الفردي والجانب الاجتماعي لتحقيق الاستقرار والسلام في
الجماعة وهذا دور القاعدة القانونية .
والقاعدة القانونية وفق هذا
المعنى هي قاعدة اجتماعية فيجب أن تتواءم مع ظروف المجتمع وعاداته وتقاليده
ومعتقداته ، فإذا انحرفت القاعدة عن هذه الأسس ولم تراع المثل العليا لذلك
المجتمع قدر لها أن تفشل في حكم وتوجيه سلوك أفراد الجماعة .
إنها
قاعدة ملزمة ومقترنة بجزاء
ويقصد بذلك أن للقاعدة القانونية جزاء
ماديا يفرض على مخالفها ، تتولى توقيعه السلطة العامة ومرد ذلك هو الغاية
من القاعدة ذاتها ، فالقانون يهدف إلى إقامة النظام في المجتمع وحكم سلوك
أفراده وهو ما لا يتأتى إن ترك أمر الانصياع إلى حكمه لتقدير المخاطب
بأحكامه بل إن قواعد القانون هي قواعد إجبارية ومن شأن مخالفتها ترتيب
الجزاء .
مصادر القاعدة القانونية
يمكن تقسيم مصادر القاعدة
القانونية إلى قسمين :
المصادر المادية أو الموضوعية
وهي
المصادر التي يستمد منها مضمون القاعدة القانونية ،أو بمعنى آخر هي العوامل
التي أسهمت في تكوين مضمون القاعدة كالعوامل الاجتماعية أو الاقتصادية .
المصادر
الرسمية أو الشكلية
وهي الوسائل التي تخرج بها القاعدة إلى حيز النفاذ
لتخاطب الناس بأحكامها على نحو ملزم ، وتسمى رسمية لكونها الطرق المعتمدة
التي
تجعل من القاعدة ملزمة ، وهي مصادر شكلية في كونها الشكل الذي
تظهر به القاعدة ملزمة للجماعة . وهي :-
1- التشريع
ويقصد به
سن القواعد القانونية في صورة مكتومة بمعرفة سلطة عامة في الدولة مختصة
بوضعه ، كما يطلق مصطلح التشريع على المصدر أو القاعدة التي تخرج من هذا
المصدر .
والتشريع وفق هذا المعنى له ثلاث خصائص ، فالأولى تتمثل في
وجوب صدوره في صورة نصوص مكتوبة ، والثانية في كونه صادرا عن سلطة عامة
مختصة بوضعه ، والثالثة أن القاعدة التي مصدرها التشريع تتوافر بشأنها
خصائص القاعدة القانونية لا سيما خاصية التجريد التي تؤدي إلى عموم تطبيق
القاعدة القانونية . وللتشريع مزايا متعددة أهمها سهولة وضعه وتعديله
وإلغائه ، وكذلك سهولة الرجوع إليه فضلا عما يؤدي إليه من توحيد النظام
القانوني في الدولة وتحديده وتطوير المجتمع . ويعتبر التشريع أهم المصادر
الرسمية للقانون في الدول الحديثة إذ أن أغلب القواعد القانونية مصدرها
التشريع ..
-2 الدين
يعتبر الدين مصدرا رسميا أصليا للقواعد
القانونية التي تحكم المسائل التي تثيرها
علاقات الناس بعضهم البعض
وعلى الأخص في الدول الإسلامية ، والمقصود بالدين في هذه الدول القواعد
والأحكام التي أنزلها الله تعالى لارشاد الناس وتوجيه سلوكهم ابتداء من نظم
العبادات أي علاقة الإنسان بخالقه وكذلك المعاملات أي علاقة الخلق بعضهم
البعض .
3-العرف
يقصد بالعرف اعتياد الناس على سلوك معين في
مسألة من المسائل مع اعتقادهم بأن هذا السلوك اصبح ملزما وأن مخالفته
تستتبع توقيع جزاء مادي جبرا .
ويعد العرف أقدم المصادر الرسمية
للقانون وهو مصدر تلقائي يرتبط مباشرة بنشأة وتطور المجتمعات ويتميز العرف
بأنه ينبع من الناس باتباعهم سنة معينة في أمر من أمور حياتهم الاجتماعية .
ووفق هذا التعريف فانه يستلزم وجود ركنين للعرف ، الأول مادي يتمثل في
الاعتياد على سلوك معين وهو ما يسمى بالعادة ، والآخر معنوي يتمثل في
الشعور بإلزام هذه العادة التي اضطرد على ابتاعها .
4) الفقه
والقضاء
كان الفقه والقضاء مصدرين رسميين للقانون في بعض الأنظمة
القديمة ، إلا أن، دور الفقه تضاءل في القوانين الحديثة حيث انحصر دوره في
كونه مصدرا تفسيريا يرجع إليه للاستئناس فحسب ، غير أن ذلك لا يمس بالدور
الذي يقوم به الفقه في تطوير القانون حيث انه الكاشف الأول لقصور القانون
والمطالب الأول لسد النقص فيه .
وفيما يتعلق بالقضاء فقد كانت السوابق
القضائية مصدرا رسميا من مصادر القانون حيث أن الأحكام الصادرة عن المحاكم
تدخل بصفة تلقائية في صلب القانون كقواعد لها نفس قوته . وكما هو الحال
بالنسبة للفقه فقد تضائل دور القضاء في القوانين الحديثة فيما عدا القانون
الإنجليزي والقوانين التي تنهج نهجه إذ يمثل القضاء مصدرا رسميا لقواعده
القانونية .
5) مبادئ العدالة الطبيعية
بعيدا عن الجدل في
تصنيفها مصدرا رسميا أو غير رسمي للقاعدة القانونية فان المبادئ الطبيعية
أو ما يسمى ( مبادئ العدالة الطبيعية ) تعد مصدرا مهما للقاعدة القانونية ،
ويقصد بهذه المبادئ الأسس الطبيعية ( الفطرية) التي تحكم سلوك البشر
من كتاب المدخل لدراسة القانون المغربي