ـ تعريف الاشتراط لمصلحة الغير :
هو عقد يشترط فيه أحد المتعاقدين ، و يسمى المشترط ، على الطرف الآخر ، و يسمى المتعهد ، التزاماً لمصلحة شخص ثالث ليس طرفاً في العقد ، يسمى المنتفع ، بحيث ينشأ عن هذا العقد حق مباشر للمنتفع قبل المتعهد .
ـ أمثلة :
· كما لو عقد الأب تأميناً على حياته لمصلحة أولاده ، فيكسب الأولاد بمقتضى هذا العقد حقاً مباشراً قبل شركة التأمين بمطالبتها بمبلغ التأمين عند وفاة والدهم .
· وكما لو عقد صاحب سيارة تأميناً على الحوادث التي يمكن أن يتسبب بها لمصلحة المضرور .
· وكما لو اشترط البائع على المشــــتري أن يؤدي الثمن أو جزءاً منه إلى شخص ثالث .
و الاشتراط لمصلحة الغير هو استثناء من المبدأ العام الذي يجعل العقود لا تؤثر - لا نفعاً و لا ضرراً - في مصالح الغير ، أي استثناء من القاعدة العامة في قصور حكم العقد على عاقديه . ( أي اسـتثناء من مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ) ... لماذا ؟
لأنه يضعنا أمام عقد يبرم بين شخصين , و يستفيد منه شخص ثالث لم يكن طرفاً في العقد لا أصالة و لا نيابة , وهو ليس بخلف عام و لا خلف خاص لأحد المتعاقدين .
ـ شروط الاشتراط لمصلحة الغير :
بالإضافة للشروط العامة التي يجب أن تتوفر في كل عقد ( كالرضا و المحل و السبب ) يجب أن توجد في الاشتراط لمصلحة الغير الشروط الخاصة التالية :
1 ـ يجب أن يتعاقد المشترط باسمه الخاص لا باسم المنتفع :
و من هنا يظهر الفرق بين الاشتراط و التعاقد وكالة :
# فالوكيل لا يتعاقد شخصياً , وإنما باسم الأصيل الذي يعد هو الطرف الآخر للعقد .
# أما المشترط فيتعاقد باسمه , و هو طرف في العقد .
2 ـ أن يحصل المستفيد على حق شخصي مباشرة من العقد :
أي دون أن يمر هذا الحق بالذمة المالية للمشترط .
و على ذلك ، فإن الاشتراط لمصلحة الغير لا يتحقق إذا اكتسب العاقد الحق من العقد ، ثم نقل هذا الحق إلى غيره بســــبب من أسباب الانتقال كحوالة أو ميراث أو استخلاف خاص .
مثال : لا نكون أمام اشتراط لمصلحة الغير ، إذا باع شخص عقاراً ثم قام بتحويل الثمن إلى شخص ثالث ، لأن حق المحال له لا ينشـأ مباشرة من الاشتراط الموجود في عقد البيع ، و إنما ينشأ من الحوالة .
إذاً : حق المنتفع ( المستفيد ) لا يمر قبل وصوله إليه في ذمة أي من المتعاقدين ، بل يتلقاه مباشرة من العقد الذي لم يكن طرفاً فيه .
3 ـ يجب وجود مصلحة شخصية للمشترط :
و هذه المصلحة قد تكون مادية ، كأن يكون هدف المشترط الوفاء بدين عليه
للمنتفع أو استيفاء ثمن البضاعة ، و قد تكون أدبية تتمثل بنية التبرع ، كتأمين الأب على حياته لمصلحة أولاده .
فمثلاً : إذا اشترط شخص لمصلحة شخص آخر ظناً منه أنه تربطه به قرابة ، ثم اتضح خلاف ذلك ، فيكون الاشتراط باطلاً .
والمصلحة يجب أن تكون مشروعة ، فإذا كانت غير مشروعة ، كان الاشتراط باطلاً .
مثال : كان يؤمِّن العاشق على حياته لمصلحة خليلته , ابتغاء استدامة العلاقة غير المشروعة بينهما .
& ولا يشترط أن يكون المنتفع موجوداً وقت الاشتراط ، و إنما يجب وجوده أثناء التنفيذ : فمثلاً : يجوز للشخص أن يؤمن على حياته لمصلحة أولاده , من ولد منهم و من لم يولد بعد .
& و أيضاً ليس من الضرورة أن يعين المنتفع بذاته أثناء الاشتراط ، و إنما قد يعين في وقت لاحق .
مثالان : ـ كأن يؤمن شخص على حياته لمصلحة زوجته ، و إن لم يكن متزوجاً عند إبرام عقد الاشتراط .
ـ وكأن يشترط الواهب إلى الجامعة منح جائزة للناجح الأول .
آثـار الاشـتراط لمصلحة الغير
لمعرفة آثار الاشتراط لمصلحة الغير ، تجب دراسة علاقة المشترط بالمتعهد , و علاقة المشترط بالمنتفع , و علاقة المتعهد بالمنتفع :
[1] ـ علاقة المشترط بالمتعهد :
هي علاقة تعاقدية يحكمها عقد الاشتراط الذي أبرم بينهما .
و بالتالي فإن المشترط يستطيع رفع الدعوى على المتعهد لإلزامه بتنفيذ التزامه تجاه المستفيد ( المنتفع ) .
و لكن يمكن أن يتم الاتفاق على أن يكون للمنتفع وحده حق مطالبة المتعهد بتنفيذ التزامه نحوه . و هذا ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 155 من القانون المدني السوري التي تقول :
" و يجوز كذلك للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع ، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك " .
[2] ـ العلاقة بين المشترط و المستفيد :
قد تكون هذه العلاقة من قبيل التبرع ، و قد تكون من قبيل المعاوضة :
# فإذا كانت نية المشترط قد اتجهت إلى التبرع ، عد ذلك هبة غير مباشرة منه إلى المنتفع .
ولأن الهبة هنا قد تمت بصورة غير مباشرة ، فإنها لا تخضع للقواعد الشكلية للهبات ، و بالتالي فلا ضرورة لتحريرها في سند رسمي ... فالهبة هنا تكون قد تمت تحت ستار عقد الاشتراط لمصلحة الغير ، أي بصورة غير مباشرة ، و المادة 456 / 1 ق . م تقول :
" تكون الهبة بســند رسمي و إلا وقعت باطلة ، ما لم تتم تحت ستار عقد آخر " .
و لكن القواعد الموضوعية للهبة تكون واجبة التطبيق . فمثلاً يجب توافر أهلية التبرع ( 18 سنة ) في المشترط وقت عقده .
# و إذا كان الاشتراط لمصلحة الغير مبنياً على أساس المعاوضة بين المشترط و المنتفع ، كما لو قصد المشترط الوفاء بدين عليه للمنتفع ، فحينئذ لا تطبق أحكام التبرع .
[3] ـ علاقة المتعهد مع المستفيد :
يكتسب المنتفع ( المستفيد ) حقاً مباشراً من عقد الاشتراط الذي تم بين المشترط و المتعهد ، و لذا يصبح دائناً شخصياً للمتعهد ، و بالتالي فله مطالبة المتعهد بتنفيذ التزاماته و الرجوع عليه بالتعويض في حال امتناعه ، و هذا ليس من النظام العام ، فيمكن الاتفاق على أن حق مقاضاة المتعهد وقف على المشترط .
ويترتب على اعتبار حق المنتفع حقاً شخصياً مباشراً يتلقاه مباشرة من عقد الاشتراط النتائج التالية :
1 ـ لا يحق لدائني المشترط استيفاء ديونهم من حق المنتفع ، و كذلك ليس لورثة المشترط شأن في حق المنتفع ، لأنه ليس جزءاً من تركة المشترط بعد وفاته .
وإذا توفي المشترط وكان هناك حوالة حق فلا تنتقل لورثته بل للمستفيد .
وإذا توفي المشترط وكان عليه ديون و له حق في التأمين لصالح الغير فلا يحجز عليه , لأنه لا يدخل في الذمة المالية للمشترط .
2 ـ تثبت للمنتفع حقوق الاشتراط من تاريخ إبرام عقد الاشتراط ، و ليس من وقت القبول ، و بالتالي ففقدان المتعهد أو المشترط لأهليته بعد التعاقد لا يمنع من استفادة المنتفع من الاشتراط الذي تقرر لمصلحته .
ـ هل يجوز للمشـترط الرجوع عن عقد الاشتراط قبل أن يتم قبوله من المنتفع ؟
نعم ، يجوز للمشترط ـ دون دائنيه أو ورثته ـ أن ينقض المشارطة قبل أن يصرح المنتفع أو المشترط برغبته في الاستفادة منها ، ما لم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد .
فحق المشترط في نقض المشارطة مقيد بأن لا يكون مخالفاً لما يقتضيه العقد .
مثال : كما لو كان حق المنتفع هبة من المشـــــترط في حالة لا يجوز فيها الرجوع عن الهبة .
ولا يترتب على نقض المشارطة أن تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط ، إلا إذا اتفق صراحة أو ضمناً على خلاف ذلك .
و للمشترط إحلال منتفع آخر محل المنتفع الأول ، ويثبت الحق للمنتفع الجديد من وقت عقد الاشتراط لا من وقت تعيينه ، و حق المنتفع الجديد يعد مستمداً من العقد لا منتقلاًً إليه من المنتفع الأول .
كما يمكن للمشترط أن يســتأثر لنفسه بالانتفاع من المشارطة ، بدلاً من تعيين منتفع جديد ، و عندئذ ينقلب الاشتراط لمصلحة الغير إلى عقد عادي لا يسري أثره على الغير .
منقول للإفادة