التقديم
لم تكن الكفالة في إطار القانون الروماني تتميز عن التضامن بل كانت هي والتضامن شيئا واحدا وكان الكفيل متضامن مع المدين الأصلي.
كما أنها لم تكن خاضعة لفكرة التبعية بل كان الكفيل مثل المدين الأصلي ملزما بصفة أصلية بل أحيانا أسوء من مركز المدين نفسه إذ كان يتعرض للتصفية الجسدية أو يباع عبدا في الأسواق إذا لم يقم المدين بالوفاء ولو كان الكفيل نفسه معسرا، كما كان للدائن أيضا أن يرفع الدعوى على الكفيل وأن يحصل على حكم في مواجهته قبل أن يرفعها على المدين.
وفي خضم التطورات والتحولات التي شهدتها المفاهيم القانونية أضحت الفكرة النمطية المتعلقة بالكفالة متجاوزة، وأصبحت تتأكد الصفة التبعية للكفيل حيث اعترف له بحق التجريد الذي بمقتضاه يلتزم الدائن بالتنفيذ على أموال المدين أولا وقبل الكفيل، كما اعترف له بحق التقسيم أو التجزئة في حالة تعدد الكفلاء. وما زكى هذا المعطى ما جاء به التقنين الفرنسي في المواد 2011- 2043 مدني فرنسي. إذ اعترف بالصفة التبعية للالتزام الكفيل وله بذلك حق الدفع بالتجريد والدفع بالتقسيم.
لتستقر الكفالة بصفتها الحالية في مجموعة من التشريعات ومنها القانون المغربي الذي أسند لها حيزا مهما في قانون الالتزامات والعقود حيث أفردها في القسم العاشر تحت أربعة أبواب خصص أولها للكفالة بوجه عام وثانيها لأثار الكفالة وثالثها لانقضاء الكفالة وأخرها لكفالة الحضور
وسنحاول من خلال عرضنا هذا أن نتوقف عند تأصيل الكفالة بوجه عام دون أنحيد على المطلوب وهو موضوع الكفالة العينية العقارية. ومن خلال ما ذكر سالفا ستكون منهجية بحثنا
على الشكل التالي:
المبحث الأول: أحكام الكفالة.
المطلب الأول: انعقاد الكفالة.
المطلب الثاني: تمييز عقد الكفالة في بعض الضمانات المشابهة له.
المبحث الثاني: آثار الكفالة وانقضائها.
المطلب الاول: انقضاء الكفالة
المطلب الثاني: أثار الكفالة.
لكن قبل هذا وذاك لابد من الانطلاق من الأصل الذي هو الكفالة بوجه عام .
فالكفالة من الناحية اللغوية يقصد بها الالتزام. يقال تكفلت بالمال بمعنى التزمت به
وألزمت نفسي به أو هي بمعنى الضم ومنه قوله تعالى « وكفلها زكرياء»(1) أي ضمنها إلى نفسه وقوله عليه الصلاة و السلام « أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة » أي ضام اليتيم إلى نفسه
أما من الناحية الاصطلاحية فقد عرفها بعض الفقهاء بأنها التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من عليه الدين.
أما من الناحية التشريعية فعرفها قانون الالتزامات و العقود في الفصل1117 على أنها عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن بأداء التزام المدين إذا لم يؤده هذا الأخير نفسه.
من خلال ما سبق يتضح أن هذه التعريفات تصب في خانة الكفالة الشخصية حيث أنها هي المنطلق في حين أن هناك نوع آخر من الكفالات وهي الكفالة العينية العقارية وهي التي يقدم فيها الكفيل شيئا مملوكا له –عقار- رهنا لوفاء دين الغير حيث يسمى حينها بالكفيل العيني.
والاختلاف واضح ما بين الكفالة العينية والكفالة الشخصية فالفيصل بينهما يكمن في مقدار المسؤلية عن الدين (2) فالكفيل في الأولى لا يكون مسؤولا إلا في حدود العين المرهونة في حين تعتبر أمواله في الثانية ضمانا عاما لدائنيه.
ومن خلال تعريفنا للكفالة العينية يتضح أنها تكتسي مجموعة من الخصائص.
الكفالة عقد رضائي.
ان الكفالة عقد ولذا يشترط في العقد بصفة عامة. و ادا كان الفصل 1123 ق.ل.ع ينص على انه " يجب ان يكون التزام الكفيل صريحا و الكفالة لا تفترض " . فان هدا لا يجعل من الكفالة عقدا شكليا بل انها تنعقد بمجرد التراضي.(3)
الكفالة العينية ضمان عيني/شخصي.
حيث يكون الهدف منها تأمين دائن على حقه بأن يقدم الكفيل مالا مملوكا له ضمانا لدين الدائن كأن يقدم عقارا ضمانا للدين.
وتسري على الكفيل العيني أحكام الرهن و الكفالة في نفس الوقت ولكن لا تسري عليه بعض أحكام الكفالة التي لا تتفق مع طبيعة مركزه.
وبصفة خاصة فإن حق الدائن لا يرد على ضمان عام بل يرد على المال الخاص الذي خصصه لضمان الوفاء بالدين.
-1 سورة آل عمران الآية .38
2- مصطفى اشيبان / الكفالة العينية العقارية. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة- السنة الجامعية 1997-1996.
3- د. سمير عبد السيد تناغو. التأمينات الشخصية و العينية 1991 ص 22.
الكفالة العينية عقد تابع.
بمعنى أن التزام الكفيل يعتبر تابعا للالتزام المدين الأصلي فهو تابع له في صحته وبطلانه وفي مبلغه وفوائده ومصاريفه.
فمركز الكفيل غير مركز المدين الأصلي حيث يترتب على ذلك أن الدائن عليه الرجوع إلى المدين الأصلي أولا ثم الكفيل ثانيا إذا لم يف المدين بالتزامه.
الكفالة العينية العقارية هو حق عيني عقاري.
فالكفالة العينية العقارية هي رهن واعتبارها هذا يعني أن الكفيل العيني يقوم برهن عقاره للدائن من أجل تعزيز الضمان وحصول هذا الأخير على حقه.
الكفالة العينية عقد ملزم لجانب واحد .
الكفالة في صورتها المعتادة هي ان الكفيل هو الدي يلتزم بعقد الكفالة اما الدائن فهو الطرف الاخر في العقد فهو لا يلتزم عادة بشيئ نحو الكفيل.(1) لكن هذا لا يعني أن الكفالة لا يمكن أن تكون عقدا ملزما للجانبين إذا اشترطت عند إبرامها على الدائن التزامات يتحصل بها لمصلحة المدين أو لمصلحة الكفيل كأن يشترط الكفيل على الدائن نظير الكفالة أن يمنح المدين أجلا أو أن يزيد مقدار القرض الممنوح له.
الكفالة من عقود التبرع.
الكفيل قد يكون متبرعا للمدين بالكفالة وقد يكون متبرعا بحقه في الرجوع عليه بعد الوفاء بالدين وقد لا يكون متبرعا له بشيء من ذلك بل كفالة مقابل مبلغ نقدي مع حفظ حقه في الرجوع بما يوفيه للدائن، وكل هذا لا يؤثر في طبيعة عقد الكفالة لأن العلاقة بين الكفيل والمدين خارجة عن هذا العقد إذ المدين أجنبي عن عقد الكفالة.
ويترتب على اعتبار عقد الكفالة من عقود التبرع اشترط أهلية خاصة في الكفيل حتى يعتبر العقد صحيحا وهي أهلية التبرع.
1- د.نبيل ابراهيم سعد. التامينات الشخصية و العينية. ص251.
الكفالة عقد شكلي.
ومرد ذلك لضرورة التوقيع بالعقد من طرف الكفيل الذي يفيد التزامه بالوفاء بالدين إذا لم يف به المدين الأصلي.
المبحث الأول: أحكام الكفالة.
المطلب الثاني: تمييز عقد الكفالة في بعض الضمانات المشابهة له.
1-الكفالة والتضامن.
تتميز الكفالة عن التضامن بين المدين في كون المدين المتضامن يلتزم بصفة أصلية في مواجهة الدائن بالدين الذي يلتزم به باقي المدنيين أما الكفيل فالتزامه يقع في الدرجة الثانية فهو لا يلزم بصفة أصلية بل بصفة تبعية فهو يلتزم بالوفاء بالدين المكفول إذا لم يوف به المدين.
2-الكفالة و التعهد عن الغير.
يختلف موضوع التزام الكفالة عن موضوع التزام المتعهد عن الغير فالكفيل يلتزم بدفع الدين للدائن إذا لم يوف به المدين.
أما المتعهد عن الغير فالتزامه قاصر على حمل الغير على قبوله التعهد وبذلك فإن التزام المتعهد هو التزام أصلي بأن يجعل الغير يلتزم بأمر معين فإذا قبل الغير التعهد وقف التزام المتعهد عند هذا الحد.
3-الكفالة و التأمين
من خصائص الكفالة أنها ترتب في ذمة الكفيل التزاما تابعا للالتزام الأصلي أما عقد التأمين فإنه يرتب في ذمة المؤمن التزاما أصليا لتغطية الخطر المؤمن به، ومحل هذا الالتزام هو قيام المؤمن بأداء معين أي دفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد في حالة تحقق الخطر المؤمن ضده وقد يشتبه التأمين بالكفالة في حالة التأمين ضد اعسار المدين أو تأمين الائتمان. ففي التأمين ضد الإعسار يؤمن الدائن نفسه ضد خطر إعسار المدين أو إفلاسه بحيث يكون له الرجوع بالتعويض على شركة التأمين في حالة تحقق هذا الخطر.
4-الكفالة والتعهد بالكفالة.
يجد هذا التمييز علته في الفصل 1124 ق.ل.ع فتعهد شخص لدائن بأن يكفل مدينا له لا يرقى إلى منزلة الكفالة بل يبقى تعهدا بتقديم الكفالة يعطي الدائن حق المطالبة بتنفيذه فإذا أخل المتعهد بتعهده فلا سبيل لإجباره على تقديم كفالته رغما عنه بل يثبت للدائن حق المطالبة بالتعويض. 1
5-الكفالة وخطابات النوايا والثقة.
يجري الفقه و القضاء على عدم التفرقة بين خطابات النوايا وخطابات الثقة ، وهذه الخطابات تهدف بصفة أساسية إلى إعطاء الثقة للدائن قبل أن يدخل في علاقات دائمة مع المدين لذلك فهي تترجم في الواقع في شكل خطاب مرسل إلى شخص بمقتضاه يقوم شخص موسر، طبيعي أو معنوي بتعزيز الثقة في المدين المراد منحه ائتمانا من جانب شخص آخر طبيعي أو معنوي بأن يعلن فيه بأنه سينهض عند الضرورة بمساعدة المدين إذا تعرض لصعوبات مادية أو مالية.
ولعل وجه الخلاف بين الكفالة وهذه الخطابات يكمن في الهدف المنشود من كل منهم.
ففي خطابات النوايا و الثقة نجد أن التزام صاحب الخطاب التزام بعمل أو التزام بامتناع عن عمل الغاية منه تمكين المدين من الوفاء بالتزاماته، لكن دون أي التزام من جانبه بالوفاء في مواجهة المستفيد. فصاحب خطاب النوايا والثقة يريد أن يساعد أو يقدم العون للمدين من خلال تعهداته، وعلى إثر ذلك يقوم المدين بنفسه بتوظيف هذه المساعدة أو العون في الوفاء لدائنيه. ومن هنا يظهر فارق جوهري بين هذه الخطابات والكفالة من حيث أن التزم الكفيل هو الوفاء بالتزام المدين إن لم يف هذا الأخير نفسه بالتزامه.
6-الكفالة والضمان بمجرد الطلب
هذا الضمان يمنح بواسطة بنك بناء على طلب عمليه معطي الأمر، وهو يشكل- أي عنصر الضمان- نقطة التقاء بين الكفالة والضمان بمجرد الطلب مع العلم أن دراسة الكفالة تتم في إطار الضمانات الشخصية في حين أن الضمان بمجرد الطلب تتم دراسته في إطار الضمانات المستقلة. ثم إن نقطة التشابه بين الكفالة والضمان بمجرد الطلب تكمن في أن كلاهما يستجيب لنفس الفكرة وهو أنه عندما توجد كفالة أو ضمان، فإن المستفيد- الشخص المانح للائتمان- يهدف إلى أن يكون له الحق في مواجهة الغير أو بنك بما له من ملائمة، ورغم ذلك فإن هناك فروق أساسية بين كلا الشكلين من الضمان.
1- مأمون الكزبري / التشريع العقاري و الضمانات. ص .75
فالكفالة كما هو معلوم عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ الالتزام، بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه، إذا فالتزام الكفيل يعتبر التزاما تبعيا مع ما يترتب عن لذلك من نتائج، أما في الضمان بمجرد الطلب فإن الضامن لا يلتزم نحو المستفيد بأن يفي بالتزام الغير وإنما يلتزم بالوفاء بالتزام بنتيجة يقع على عاتقه هو. 1
وعلى ذلك، فإن معيار التفرقة بين الكفالة والضمان بمجرد الطلب يكمن في المحل، فمحل الضمان بمجرد الطلب مبلغ معين من النقود يتعلق بعقد معين، أما محل الكفالة فهو الالتزام الأصلي حيث يلزم الكفيل بالوفاء بالتزام المدين الأصلي.
1- ذ. نبيل ابراهيم سعد / الضمانات غير المسماة في القانون الخاص ص.14
منقول للإفادة