"الشرط في القانون المدني المغربي
*ملخص أطروحة لنيل الدكتوراه نوقشت بكلية الحقوق بالدار البيضاء بتاريخ 21/04/2007 تحت إشراف الدكتور محمد الكشبور في موضوع "الشرط في القانون المدني المغربي "
الأستاذة أمينة ناعمي :قاضية لدى ابتدائية صفرو
أولا: أهمية النظام القانوني للشرط
إن القانون، هو وليد المجتمع، لذلك فهو يرتبط بتطور المجتمعات وارتقائها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، مما يؤثر على التصرفات القانونية للأفراد الذين لهم كامل الحرية في إنشاء العقود تبعا لحاجاتهم المتجددة.
ومبدأ الحرية التعاقدية المسيطرة على قانون العقد، يجعل للشخص كامل الحرية في إبرام العقود أو عدم إبرامها، وتحديد مضمون وشكل العقد وأيضا طريقة إنهائه باستثناء بعض النصوص القانونية ذات الصبغة الآمرة أو تلك المتعلقة بالنظام العام التي تمنع بعض أنماط التعاقد أوتقيدها بشروط معينة، وذلك من أجل تأكيد الحرية التعاقدية وتحقيق توازن بين مصالح الأطراف المتعاقدة باعتبار كل ذلك هو المحرك الرئيسي للحياة الاقتصادية[1].
فالأصل، في إبرام العقود هو مبدأ سلطان الإرادة، وإذا ما انعقد العقد فإنه لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، فالعقد شريعة المتعاقدين، وينص على هذا المبدأ في القانون المغربي الفصل 230 ق.ل.ع.
وانطلاقا من هذه الحرية التي للأفراد في إبرام العقود، ازدادت أهمية الشروط في العقود، إذ أن كل فرد يقبل على تصرف قانوني أو التزام إلا ويرغب في حماية مصالحه والاحتياط والاحتراز من تلك العملية التعاقدية مستقبلا، فيشرط لنفسه مجموعة شروط.
فالشرط أضحى، تلك النافذة التي يطل منها النظام القانوني على المستقبل ذلك أن النشاط القانوني لا يستطيع أن يقتصر على الحاضر بل لابد أن يمتد إلى المستقبل، فإن أبسط حاجات الإنسان تقتضي منه ذلك وتدفعه إليه دفعا.
وكثير من العلاقات التعاقدية التي لا يمكن البت فيها إلا في ظروف وملابسات غير محددة، والمستقبل وحده هو الذي يكشف عنها ولا يصل القانون إلى تحقيق ذلك إلا عن طريق الشرط، فهو أمر مستقبل يرد إليه مصير العلاقات القانونية وبالتالي يستطيع الفرد التحكم في مستقبل تصرفه القانوني[2].
وإن المتصفح لمختلف العقود المنتشرة في الواقع العملي، سواء منها المدنية أو التجارية، ليقف على ذيوع فكرة الشرط وحضورها في العديد منها، فواقع المعاملات التجارية والاقتصادية وتعقد سوق السلع والخدمات أفرز الحاجة القانونية والواقعية لفكرة الشرط تحت مبرر الحاجة أو الضرورة أو المصلحة لأحد المتعاقدين أو كليهما.
وبالرجوع إلى الفقه الإسلامي، نجده قد عرف أيضا مؤسسة الشرط وأسسها على فكرة المصلحة، فابن قيم الجوزية[3] يؤكد على أن تعليق العقود ... وغيرها بالشروط، أمر قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة فلا يستغني عنه المكلف... ".
وتعليق العقود بالشروط لا يعكس فقط مجرد إرادة الدائن أو المدين في هذا التعليق وترتيب آثار المعاملات في المستقبل وإنما أيضا الرغبة في تكييف العملية التعاقدية مع مصالحه الاقتصادية، التي قد لا تكون آنية وإنما تدور في المستقبل وجودا وعدما.
وهنا تظهر أهمية الشرط باعتباره تدبيرا احترازيا وعلامة من علامات الأمان والاطمئنان للمستقبل، فمثلا قد يشترط البائع على المشتري أن يبيع له مشروعا تجاريا في المغرب شريطة الحصول على رخصة لممارسة نفس المشروع في الخارج.
ففكرة الاحتياط للمستقبل وعدم الوقوع في الخطأ بتفويت مشروع دون اتخاذ الإجراءات الملائمة لممارسة تجارة أخرى تجد ضالتها في فكرة الشرط، كما أن نظرية الشرط لا يقتصر دورها على الأثر الوقائي لفكرة الشك والترقب وإنما لها دور مهم في تشجيع الاستثمار وتحريك الدورة الاقتصادية، ذلك أن وجود الشرط لا يعرقل تفويت الحق وانتقاله مما يساهم في تداول الحقوق وانتعاش الاقتصاد.
فانتقال الالتزامات بين المتعاقدين، رغم وجود الشرط، نابع من حيوية نظام الشرط ذلك أنه لا يضفي على العقد الثبات وإنما يضفي عليه التحول والديناميكية اللازمة لحياة أية مؤسسة قانونية.
وتزداد أهمية فكرة الشرط، باعتباره أداة لمعالجة أزمة الاستدانة الفاحشة للدائن أو المدين ما دام أن تعليق العقد على الشرط ومنع إنتاج آثاره في الحال، يهدف منه أحد المتعاقدين أو هما معا، توقي خطر إعساره أو مغامرته عند الدخول في عملية تعاقدية دون دراسة جدوى وأهمية المصالح المنتظرة من العقد أو خطر عدم الحصول على القرض من جهة تمويل المشروع.
ولقد ساهمت نظرية الشرط في تطوير النظم القانونية بظهور عقود تجارية جديدة لم تكن لتظهر بدون نظام الشرط الذي يقوم على مبدأ سلطان الإرادة الذي يرتكز على أن العقد شريعة المتعاقدين.
فحرية التعاقد تستلزم التفاوض حول شروط العقد هذه الشروط التي قد تكون مجرد أحد بنود العقد، لكنها تشكل أيضا أحد أوصاف الالتزام وهو ما يهمنا في هذه الدراسة.
فالشرط كوصف للالتزام يتميز عن الالتزام في صورته البسيطة والناجزة في أن هذا الأخير تكون فيه الرابطة القانونية وجودها محققا ونفادها فوريا بخلاف الرابطة القانونية الموصوفة[4] التي تعلق على شرط ويصبح وجودها غير محقق ويسمى هذا الوصف بالشرط بالمفهوم الفني ( Condition ).
والوصف أمر عارض يضاف إلى الالتزام بعد أن يستجمع هذا الأخير سائر أركان وجوده فلو رفع عنه لارتفع دون أن يزول الالتزام، بل يبقى دون وصف في صورته البسيطة فلو مس الوصف ركنا من أركان الالتزام لما كان أمرا عارضا ولزال الالتزام بزواله[5]. فالشرط وصف لتصرف أبرم فعلا وإن كان مصيره منوطا بحدوث واقعة عارضة، ويعتبر الشرط بالمفهوم الفني كما عرفه قانون الالتزامات والعقود المغربي في الفصل 107 من بأنه " تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع إما وجود الالتزام أو زواله "، وهو إما أن يكون شرطا واقفا يعلق عليه وجود الالتزام وإما شرطا فاسخا يعلق عليه زوال الالتزام.
والملاحظ أنه في النظم القانونية التي سادت الإمبراطورية الرومانية لم يكن القانون يجيز أن يشتمل العقد إلا على صفقة واحدة، فالصناعة القانونية القديمة لم تكن تسمح أن تختل في التصرف القانوني وحدة الزمان أو أن تتأخر آثاره لوقت لاحق لإبرامه، ولم تكن لتبيح أن يكون التصرف ذاته هو المعلق على شرط بل أوجبت أن يكون التصرف منجزا حتى تتحقق الوحدة الزمانية في الحاضر، والدين الذي ينشأ من التصرف القانوني هو الذي يكون معلقا على شرط[6].
ثانيا: خصائص نظام الحماية في الشرط:
لم يكن الهدف من عرض خصائص الحماية القانونية للطرف الضعيف من خلال النظام القانوني للشرط في القانون" المدني" المغربي، استباق الأمور أو عرض خلاصات للموضوع، وإنما فقط إبراز بعض الملامح الأساسية التي نرى التمهيد لها كمدخل ضروري لفهم الموضوع لتعلقها بكليات يستحسن بحثها ضمن هذا التقديم.
وسنتناول ضمن خصائص الحماية في النظام القانوني للشرط، التنظيم التشريعي للشرط، حماية المستهلك من خلال نظام الشرط، حماية المستهلك من خلال قانون المنافسة وأخيرا الحماية القضائية.
1- التنظيم التشريعي للشرط:
نظم المشرع المغربي الشرط تنظيما وافيا في الفصول من 107 إلى 126 من ق.ل.ع، مع إدخال الغايتين، بحيث تعرض لماهية الشرط بنوعيه الواقف والفاسخ وخصائصه وآثاره. ولم يقتصر على القواعد الأساسية وإنما نظم مختلف القواعد التي يدور في فلكها تكوين الشرط وتنفيذه وانقضائه بحيث لم يبقى معه خيارا كبيرا للمتعاقدين في تحديد شروطه وآثاره.
ولقد استهدف المشرع من خلال هذا التنظيم الدقيق والمسبق للشرط حماية التوازن العقدي وتحقيق العدالة ومتطلبات استقرار المعاملات بضمان فاعلية النظام القانوني بما يتضمنه من توفير الأمان القانوني للعلاقات العقدية.
ويعتبر التنظيم المسبق للشرط كآلية تشريعية وقائية وعلاجية لحماية رضا الطرف الضعيف في العقد من تعسف وجور الطرف القوي وتحكمه في صياغة وتنظيم الشرط في العقد بشكل يضمن تحقيق مصالحه الاقتصادية ولو على حساب العدالة ومبادئ حسن النية.
كما أن هذا التنظيم المسبق للشرط يساهم في الحد من مبدأ سلطان الإرادة[7] والتخفيف من غلوائه بجعله نظاما أكثر مرونة وليونة بتشذيب ما علق به من مظاهر وآثار سيئة على النظام القانوني لنظرية العقد.
لكن أبرز معوقات فاعلية النظام التشريعي للشرط أنه تنظيم غير آمر بحيث إن أغلب النصوص المنظمة له مجرد قواعد مكملة يمكن للأطراف الاتفاق على مخالفتها مما يضيع على الطرف الضعيف في العقد الحماية التي يوفرها النظام القانوني للشرط، ويساهم في المقابل باسم القانون في تعسف الطرف القوي في استعمال مبدأ الحرية التعاقدية لصالحه عن طريق فرض شروط تعسفية تخل بالتوازن المالي والاقتصادي للعقد.
2- حماية المستهلك من خلال نظام الشرط
لم يعرف المشرع المغربي المستهلك سواء في النصوص العامة أو النصوص الخاصة التي لها صلة بحماية المستهلك كقانون 5 أكتوبر 1984 المتعلق بقمع الغش في البضائع التي اكتفت باستعمال عبارات واسعة ومحايدة مثل الزبون أو المشتري أو العموم.
وإن كان قانون 06/99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[8] قد استعمل مصطلح المستهلك إلا أنه لم يورد تعريفا له تاركا هذه المهمة للفقه والقضاء.
وقد عرفته اللجنة المنظمة لأشغال ندوة حماية المستهلك بالمغرب بأنه " كل ضعيف في العلاقة التعـاقدية متى كان ضعفه راجعا إلى كونه غير محترف وجاهل بموضوع المعاملة محل التعاقد، وبصفة عامة الطرف الذي تملى عليه شروط عقد الإذعان "[9]، وقد عرفه مقترح القانون المغربي المتعلق بإخبار وحماية المستهلك[10] بأنه كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لأغراض غير مهنية منتوجات أو خدمات معروضة في السوق.
وإذا كان النظام القانوني للشرط يسعى لحماية الطرف الضعيف في العقد المعلق على شرط وهو حسب الأحوال إما أن يكون دائنا أو مدينا فما هي إذن تجليات هذه الحماية؟
أ- حماية المدين بالشرط :
تتجلى أهمية حماية المدين بالشرط سواء من خلال الإقرار التشريعي لما يلي:
ü بطلان كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من الرخص الثابتة لكل إنسان
لقد نص الفصل 109 من ق.ل.ع، بأن" كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الرخص الثابتة لكل إنسان كحق الإنسان في أن يتزوج وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه".
ü بطلان شرط عدم المنافسة غير المحدد في الزمان والمكان.
نصت الفقرة الثانية من الفصل 109 من ق.ل.ع، " ولا يطبق هذا الحكم ( أي حكم البطلان ) على الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين " أي بمفهوم المخالفة يعتبر كل شرط بعدم المنافسة غير محدد في الزمان والمكان باطلا.
ب- حماية الدائن بالشرط:
وتكمن أهمية حماية الدائن بالشرط من خلال الإقرار التشريعي لما يلي:
ü بطلان الشرط الإرادي المحض:
نص الفصل 112 من ق.ل.ع على أنه " يبطل الالتزام إذا كان وجوده معلقا على محض إرادة الملتزم" أي المدين بالشرط.
ü بطلان أعمال الغش التي يقوم بها المدين بالشرط:
- يعتبر الشرط متحققا إذا حال من غير حق المدين الملتزم على شرط دون تحققه أو إذا كان مماطلا في العمل على تحققه ". ( الفصل 122 من ق.ل.ع ).
- لا يجوز للملتزم تحت شرط واقف أن يجري قبل تحقق الشرط أي عمل من شأنه أن يمنع أو يصعب على الدائن مباشرة حقوقه التي تثبت له إذا ما تحقق الشرط. ( الفصل 125 من ق.ل.ع ).
ج- حماية من له المصلحة في الشرط دائنا كان أو مدينا:
يمكن تحديد ملامح حماية من له المصلحة من الشرط دائنا كان أو مدينا من خلال الإقرار التشريعي لما يلي:
ü بطلان كل شرط يقوم على شيء مستحيل أو مخالف للأخلاق الحميدة أو للقانون:
نص الفصل 108 من ق.ل.ع، على أن "كل شرط يقوم على شيء مستحيل أو مخالف للأخلاق الحميدة أو للقانون يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه، ولا يصير الالتزام صحيحا إذا أصبح الشرط ممكنا فيما بعد".
ü بطلان كل شرط يتنافى وطبيعة العقد المضاف إليه:
نص الفصل 110 من ق.ل.ع، على أن" الشرط الذي ينافي طبيعة الفعل القانوني الذي أضيف إليه يكون باطلا ويبطل الالتزام الذي يعلق عليه.
ومع ذلك يجوز تصحيح هذا الالتزام إذا تنازل صراحة عن التمسك بالشرط الطرف الذي وضع لصالحه".
ü بطلان الشرط الذي تنعدم فيه كل فائدة:
نص الفصل 111 من ق.ل.ع، أنه يبطل ويعتبر كأن لم يكن الشرط الذي تنعدم فيه كل فائدة ذات بال سواء بالنسبة إلى من وضعه أو إلى شخص آخر غيره أو بالنسبة إلى مادة الالتزام.
ü بطلان شرط الإبقاء على العقد أو فسخه في بعض العقود الخاصة:
نص الفصل 112 من ق.ل.ع، على أنه" لا يسوغ الاحتفاظ بهذا الحق ( الإبقاء على العقد أو فسخه خلال أجل محدد ) في الاعتراف بالدين ولا في الهبة ولا في الإبراء من الدين ولا في بيع الأشياء المستقبلة المسمى بالسلم".
ü بطلان أعمال الغش:
- تحقق الشرط لا ينتج أي أثر إذا حصل بتدليس ممن كانت له فيه مصلحة ( الفصل 123 من ق.ل.ع ).
ü بطلان كل شرط يتنافى وخصائص الشرط:
- كما يعتبر باطلا كل إسقاط لخاصية من خصائص الشرط بحيث يفقده معناه الفني ويصبح مجرد أحد بنود العقد، كما أن الأمر الذي وقع في الماضي أو الحاضر - أي الواقع حالا -، لا يصلح أن يكون شرطا وإن كان مجهولا من الطرفين( الفصل 107 من ق.ل.ع ). أي سواء أكان معلوما من الطرفين أو مجهولا منهما.
3- حماية المستهلك من خلال قانون المنافسة:
نظم المشرع المغربي قواعد المنافسة التجارية بالقانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. ويهدف هذا القانون، كما تنص على ذلك ديباجته، إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار وإلى تنظيم المنافسة الحرة وتحدد فيه قواعد حماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين، ويهدف كذلك إلى ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
فقواعد المنافسة تدفع بالمهنيين إلى اتباع أساليب جديدة في تسويق السلع والخدمات تعتمد على الشفافية وعرض شروط أفضل امتيازية عما هو موجود في السوق في مصلحة المستهلكين، هذه الشروط قد تكون مجرد شروط بالمفهوم العادي ولكنها قد تشكل أيضا شروطا بالمفهوم الفني يعلق عليها وجود الالتزام أو زواله. وتبرز أهمية هذه الشروط خاصة متى كانت في مصلحة المستهلك.
كما يمكن لمجلس المنافسة، أن يلعب دورا رياديا في حماية المستهلكين من خلال محاربته عرقلة المنافسة بوجه عام، أو الحد منها، أو تحريف سيرها في سوق ما لضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
4- الحماية القضائية من خلال نظام الشرط:
لما كانت وظيفة النظام القانوني للشرط هي حماية الطرف الضعيف، بغض النظر عن كونه دائنا أو مدينا، بقصد ضمان عدالة التوازن العقدي وتحقيق متطلبات استقرار المعاملات، فإن وظيفة القضاء هي حماية هذا النظام القانوني وتفعيله عن طريق ضمان تفسير موحد وعادل له.
ويعتمد القضاء عدة آليات تشريعية لحماية الطرف الضعيف في نظام الشرط سواء على مستوى تفسير الشروط الغامضة لمصلحته، أو على مستوى الرقابة على الشروط التعسفية، أو غير المشروعة المخالفة للنظام العام والآداب العامة، وأخيرا على مستوى تفعيل حقوق الدائن أو المدين بالشرط الواقف أو الفاسخ، مما يضمن حيوية نظام الشرط وأهليته لتحقيق تداول الحقوق وانتقالها، وتشجيع المبادلات المدنية والتجارية.
كما يكمن دور القضاء في إيجاد توازن بين حماية حرية الإرادة وحماية التوازن العقدي والعدالة وحسن النية أثناء إبرام العقد وتنفيذه وانقضائه.
ثالثا: منهج البحث وخطته:
إن دراسة موضوع النظام القانوني لنظرية الشرط في القانون " المدني " المغربي يستلزم منا الاعتماد على المنهج التحليلي النقدي المقارن كآلية لبحث مكانة النظرية العامة للشرط في القانون المدني المغربي، أي بحث ماهية وخصائص وآثار الشرط على مستوى التزامات وحقوق طرفي الاشتراط.
فهل ساهم النظام القانوني للشرط في تحقيق حماية فعالة لرضى الطرف الضعيف في العقد؟ وما هي حدود وآثار هذه الحماية على تحقيق التوازن العقدي ومتطلبات العدالة؟
وهل ساهم القضاء المغربي في تطوير نظرية الشرط واستقلال معالمها وأركانها عن النظريات الأخرى؟، وهل ما زالت نظرية الشرط تحتفظ بأهميتها في واقع المعاملات الاقتصادية؟ أو بمعنى آخر، هل تحتاج النظرية إلى تعديل بعض أحكامها، خصوصا مع تكون قانون جديد ونظرية عامة جديدة تسمى النظرية العامة لعقد الاستهلاك ومناهج حديثة تدعو إلى حماية المستهلك؟
وهل يكفي تدعيم نظرية الشرط بالصفة الآمرة؟ أم يلزم أيضا إيجاد مؤسسات وهياكل إدارية مستقلة تعمل على محاربة الشروط التعسفية وتهذيب نظام الشرط لملاءمته مع التطورات التي تعرفها التشريعات المقارنة وذلك للحفاظ على هيبته وحيويته وفاعليته.
وإذا كانت الدراسة مجالها هو القانون المدني المغربي بمفهومه العام، فالحقيقة أن هذه التسمية غريبة عن منظومتنا القانونية لكونها شاعت في النظم اللاتينية التي تجمع بين الأحوال المالية والشخصية ضمن مدونة واحدة، إلا أن استعمالنا لهذا المفهوم يأتي استجابة لاعتبارات منهجية. وعليه، فإننا نقصد به في هذا المقام، قانون الالتزامات والعقود، القانون العقاري، مدونة الأسرة، مدونة الشغل وأخيرا مدونة التأمينات.
ورغم أن مختلف هذه القوانين قد عرفت استقلالا عن القانون المدني إلا أننا ارتأينا على الأقل لاعتبارات منهجية الإبقاء عليها ضمن هذا المفهوم.
إن كل هذه الإشكاليات وغيرها المشار إليه آنفا سنتولى الإجابة عنها من خلال تقسيم موضوع الأطروحة إلى بابين على الشكل التالي:
الباب الأول: نظرية عامة لمفهوم الشرط في التصرفات القانونية.
الباب الثاني: إعمال الشرط وأثره نحو الحد من مبدأ قانون العقد.
الخاتمة
إن الشرط باعتباره آلية قانونية يسعى إلى تكييف إرادة المتعاقدين مع الحاجة أو الضرورة أو المصلحة التي تستدعي تعليق العقود بالشروط وربط آثارها بالمستقبل.
فالشرط يستجيب لحقيقة نفسية ترفع التكليف عن المتعاقد الذي لا تسعفه الإرادة أو الظروف الاقتصادية المحيطة بها في جعل الالتزام بسيطا وناجزا.
ولقد خلصنا في هذا العمل المتواضع إلى أن الشرط بالمفهوم الفني يعتبر وصفا للرضاء أو الإرادة أو التراضي، وليس وصفا لمطلق الالتزام لأن الإرادة كمبدأ عام هي المصدر الوحيد للشرط.
وأوضحنا أيضا أن الشرط بمفهومه الحالي يعتبر أمرا عارضا ( الصفة العارضة للشرط ) فهو لا يدخل في تكوين العقد حيث لا يعتبر ركنا من أركانه لكونه ينضم إلى عقد استجمع سائر أركان وشروط وجوده.
والصفة العارضة للشرط هي التي تستطيع أن تميز الشرط عن غيره من المؤسسات القانونية المشابهة، لذلك كان من الضروري أن يعرف الشرط بأنه أمر عارض، مستقبل، غير محقق تعلق عليه الإرادة وجود الالتزام أو زواله.
وقد سعى المشرع إلى تحقيق نوع من التوازن بين حقوق الدائن والمدين أثناء تعليق الالتزام من خلال:
1- إبطال كل الشروط المستحيلة أو غير المشروعة التي تخالف القانون أو النظام العام أو الآداب العامة.
2- منع كل مس أو عرقلة لتحقق الشرط أو للحيلولة دون تحققه.
3- بطلان الشرط الإرادي المحض.
4- منح الدائن بالشرط حق اتخاذ كافة الإجراءات التحفظية لحماية حقه تأكيدا لوجوده.
ولقد ساهم القضاء المغربي أيضا في تفعيل النظام القانوني للشرط من خلال:
1- إبطال شرط عدم المنافسة غير المحدد في الزمان أو المكان.
2- بطلان شرط العزوبة لوحده فقط مع إبقاء عقد الشغل صحيحا.
3- الاعتراف بصحة شرط المنع من التصرف، رغم سكوت المشرع عن ذكره.
4- الرقابة على تحقق الشرط أو تخلفه.
5- عدم استحقاق الإدارة الضريبية لواجبات التسجيل في العقود المعلقة على شرط واقف.
6- حماية الدائن أو المدين للشرط بحسب المصلحة المراد حمايتها عن طريق ضمان التطبيق السليم والمتوازن للنظرية العامة للشرط في ضوء مبادئ العدالة وحماية الطرف الضعيف في العقد.
ولقد تبين لنا أن كلا من القانون والقضاء المغربيين يعتبران أن حق الدائن في الالتزام المعلق على شرط واقف هو حق موجود وليس مجرد أمل أو حق احتمالي لكنه حق غير مكتمل وغير نافد، كما أن حق المدين في الالتزام على شرط فاسخ هو حق موجود ونافد إلا أنه مهدد بالزوال.
لكن فعالية نظام الشرط تستلزم:
1- إلزام كتابة العقد كمبدأ عام باللغة العربية.
2- إلزام كتابة العقد بحروف جد بارزة، خاصة ما تعلق بالشروط الواقفة والفاسخة.
3- إضفاء الصفة الآمرة على قواعده بحيث يمكن للمحكمة إثارة أي خرق له من تلقاء نفسها لتقوية جانب الإرادة الضعيفة.
4- تحديد أجل قانوني معقول للحكم على تحقق الشرط أو تخلفه لثبات واستقرار المعاملات الاقتصادية لما في ذلك من أثار حسنة على تشجيع الاستثمار.
5- منع الاتفاق على الشرط الفاسخ الصريح بين المهنيين والمستهلكين.
6- منع شروط الإحالة ( Les Clauses de Référence ) واعتبار أي شرط غير مضمن في صلب العقد الموقع عليه من لدن الأطراف كأن لم يكن.
7- تفعيل الالتزام بالإخبار في عقود الاستهلاك وتقويته بجزاءات مدنية وزجرية صارمة حتى يتسنى للطرف الضعيف في العقد العلم الكافي بالبيانات والمعلومات والشروط التي تتصل بالعقد المراد إبرامه.
8- تجريم استغلال ضعف ( L'abus de faiblesse ) المستهلك للحصول على ميزات وشروط مبالغ فيها متى لم يكن باستطاعته تقدير حجم التزاماته أو كشف الحيل المستعملة من أجل إقناعه بهذا الالتزام أو تبين أنه كان خاضعا لضغط معين.
9- منح المستهلك حق الرجوع عن التعاقد إذا تبين له عدم ملاءمة العملية التعاقدية لمصالحه الاقتصادية سواء قبل تحقق أو تخلف الشرط أو بعدهما.
10- منح القضاء سلطة إبطال البنود أو الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك بوجه عام عن طريق إضافة خاصية جديدة للشرط وهي ألا يكون تعسفيا.
11- منح القضاء السلطة التقديرية لإبطال الشرط دون العقد حسب الأحوال والظروف.
12- منح القضاء سلطة إعادة التوازن العقدي إلى مجراه العادي والطبيعي تطبيقا لنظرية الظروف الطارئة.
13- النص صراحة على قاعدة تفسير الشك لصالح الطرف الضعيف في العقد المستهلك بصرف النظر عن كونه دائنا أو مدينا.
14- خلق أجهزة إدارية ( Organes de Régulation ) ذات فعالية موازية للقضاء تستهدف تنظيم العقود ومحاربة الشروط التعسفية.
15- منح الجمعيات حق تمثيل المستهلك والدفاع عن حقوقه سواء أمام القضاء أو أمام أجهزة النوظمة أي هيئات ضبط وتنظيم المهن.
ولا شك أن إصدار مدونة الاستهلاك من شأنه أن يمنح فعالية أكبر لنظام الشرط تنقصه وهي تحقيق التوازن العقدي حماية للطرف الضعيف في العقد في مواجهة المهني المحترف