مقدمة:
بالرغم من كون التجارة بشتى أنواعها وطرق ممارستها، قديمة من الناحية التاريخية، فإن ظهور المؤسسة القانونية المعروفة اليوم بالأصل التجاري لم يتم بصورة فعلية إلا ابتداء من القرن 19.
وقد كان من نتائج ظهور وتطور فكرة الأصل التجاري أن عملت التشريعات التجارية على مواكبة هذا التطور، وذلك عن طريق وضع قوانين خاصة بالأصل التجاري باعتباره مالا ترد عليه الملكية، ويمكن تبعا لذلك أن يكون قابلا للتصرف فيه بواسطة البيع أو لتقديمه كحصة في شركة أو لرهنه مقابل الحصول على ائتمان بنكي أو لتأجيره بمعزل عن العقار الذي يستغل فيه.
ولم يكن المشرع المغربي ليشد عن هذه التشريعات بل ركن إلى إصدار مجموعة من القوانين التي من شأنها تقنين وحماية الأصل التجاري بدءا بظهير 31 دجنبر 1914 المتعلق ببيع ورهن الأصل التجاري ومرورا بظهير 23 يونيو 1916 الخاص بحماية الملكية الصناعية والأدبية والفنية، وكذا ظهير 24 ماي 1955 المنظم لكراء المحلات المعدة للاستغلال الصناعي والتجاري والحرفي قبل أن يصل المشرع المغربي إلى وضع أحكام قانونية خاصة بالأصل التجاري في الكتاب الثاني من مدونة التجارة لعام 1996 قبل أن يذيله بقانون 17.97 الخاص بحماية الملكية الصناعية والأدبية والفنية.
وقد جاء هذا القانون إلى الوجود كرد فعل نظام الاقتصاد الليبرالي الذي فرض نفسه على العالم، والذي يقوم على مبدأ المنافسة، وهو ما يعني حق لكل مواطن في مزاولة العمل التجاري والصناعي بكل حرية، ومزاحمة غيره من التجار والصناع في اجتذاب الزبائن ولو أدى ذلك إلى الإضرار بمنافسيه، إلا إنه يشترط لذلك أن تكون الوسائل المتبعة مشروعة، ولا تتنافى مع النزاهة والشرف والعرف التجاري.
ولعل الدافع وراء تسطير هذا المبدأ هو اعتبارات اقتصادية مفادها أن قواعد المنافسة تؤدي إلى استبعاد التجار السيئين من السوق، لأن الزبائن يتعاملون مع التاجر الذي يبيع أجود سلعة بأقل ثمن.
غير أنه إذا كانت الحرية كثيرا ما تؤدي إلى تجاوزات، وقد لجأ بعض التجار إلى استعمال وسائل غير مشروعة لمنافسة ومزاحمة باقي التجار في السوق، فإن القانون أعطى التاجر المتضرر الحق في الرجوع على المتسبب له في الضرر بالتعويض عن طريق دعوى المنافسة غير المشروعة.
وبالإضافة إلى هذه الحماية القانونية التي يوفرها القانون للتاجر، فإن هذا الأخير قد يسعى إلى توفير الحماية لنفسه من المنافسة عن طريق الاتفاقات.
وبناءا على ما سبق فإننا سنحاول التعرض إلى هذه المؤسسة التي حظيت بهذه الالتفاتة الهامة من المشرع المغربي لنعرف أحكامها قبل أن نركن إلى تعريف طرق حمايتها وقبل أن نتطرق في مبحث ثان إلى شروط دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها.
وعليه سيكون محور دراستنا لهذا الموضوع على الشكل التالي:
تقديم عام.
المبحث الأول: ماهية الأصل التجاري والمنافسة غير المشروعة
المطلب الأول: مفهوم الأصل التجاري
الفقرة الأولى: تعريف الأصل التجاري
الفقرة الثانية: عناصر الأصل التجاري
الفقرة الثالثة: الطبيعة القانونية للأصل التجاري
المطلب الثاني: ماهية المنافسة غير المشروعة
الفقرة الأولى: مفهوم المنافسة غير المشروعة
الفقرة الثانية: المنافسة غير المشروعة وتزييف حقوق الملكية الصناعية
الفقرة الثالثة: المنافسة غير المشروعة والمنافسة الممنوعة
المبحث الثاني: شروط ومسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها
المطلب الأول: شروط دعوى المنافسة غير المشروعة
الفقرة الأولى: الخطأ
الفقرة الثانية: الضرر
الفقرة الثالثة: العلاقة السببية
المطلب الثاني: مسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها
الفقرة الأولى: مسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة
الفقرة الثانية: الجزاءات المترتبة عن المنافسة غير المشروعة
خاتمة.
المبحث الأول: ماهية الأصل التجارية والمنافسة غير المشروعة
لقد عرف الأصل التجاري كمؤسسة قانونية حديثة العهد لم يتعرف عليها الجمهور إلا في بداية القرن التاسع عشر، وكانت عبارة عن مفهوم فريد أو شاذ قبل أن يصبح مألوفا لدى جمهور عريض من المهتمين، وقد كانت عبارة الأصل التجاري تعني فقط البضائع والآلات، أو كل ما ينتفع به أو يستخدم من الآلات والأدوات، كما كانت العبارة الخاصة بمؤسسة الأصل التجاري تعوض المتجر أو الدكان أو مال البضائع، ولم يفرض هذا المصطلح نفسه كمفهوم جديد سوى في وقتنا الراهن، وذلك بمبادرة من العمل التجاري والقانوني.
المطلب الأول: ماهية الأصل التجاري
الفقرة الأولى: تعريف الأصل التجاري
الأصل التجاري هو مال معنوي منقول، يشمل مجموع العناصر المادية والمعنوية المنقولة التي يسخرها التاجر لممارسة نشاطه التجاري، وهو يشكل وحدة قانونية مستقلة عن العناصر المكونة له.
وقد عرف المشرع المغربي، وعلى خلاف أغلب التشريعات، الأصل التجاري في المادة 79 من مدونة التجارة على أنه: "مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية".
وقد ظهر الأصل التجاري بمفهومه القانوني الحديث في فرنسا خلال القرن التاسع عشر، وذلك بفضل مطالبة التجار بحماية حقهم على زبنائهم من المنافسة سعيا وراء استقرار هذا العنصر ما أمكن حماية للاستثمارات المالية والأدبية التي وضعوها أثناء إنشائهم لمؤسساتهم، ومن ناحية ثانية بفعل مطالبة الدائنين باعتراف القانون بالأصل التجاري كوحدة قانونية مستقلة عن العناصر المادية والمعنوية التي يتشكل منها والتي يعتمد عليها التاجر في تجارته منعا لتصرف هذا الأخير فيها وتهريبها منهم لحرمانهم من استيفاء ديونهم.
ولقد كان أول قانون كرس هذه الفكرة رسميا القانون الضريبي لـ 28 فبراير 1872 والذي فرض رسما ضريبيا على بيع الأصل التجاري، ثم تبعه قانون فاتح مارس 1898 الذي نظم رهن الأصل التجاري الذي كان القصد منه توسيع ائتمان التجار، إلى أن جاء قانون 17 مارس 1909 الذي نظم فيه المشرع الفرنسي بيع الأصل التجاري ورهنه وتقديمه حصة في شركة.
الفقرة الثانية: عناصر الأصل التجاري
يتكون الأصل التجاري من مجموعة من العناصر منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، وهذه العناصر ليست واحدة بالنسبة لكافة الأصول التجارية فهي تختلف باختلاف المشروع أو المؤسسة التجارية، وذلك تبعا لطبيعة النشاط الذي تتخصص فيه، فبالنسبة لبعض الأنشطة التجارية العنصر الأساسي المكون للأصل التجاري هو استغلال علامة تجارية أو صناعية معينة، وبالنسبة للبعض الآخر هو الحق في الكراء أو الإيجار الذي يعطي للأصل التجاري سندا موقعيا هو السبب في جلب الزبائن.
ويكتسي كل عنصر من عناصر الأصل التجاري أهمية كبيرة بالنسبة له، سواء كانت هذه العناصر مادية أو معنوية، غير أن هذه الأخيرة من الأهمية بمكان خاصة وأن المشرع نص في الفصل 80 من مدونة التجارة على أن الأصل التجاري يتكون من زبناء وسمعة تجارية، فهي بالتالي قوام الأصل التجاري وسبب وجوده كمؤسسة قانونية.
أولا: العناصر المعنوية.
1 ـ الزبائن:
يعتبر عنصر الزبائن من أهم العناصر الأساسية للأصل التجاري، وقد نص المشرع في المادة 80 من مدونة التجارة على أن الأصل التجاري يتكون وجوبا من الزبائن والسمعة التجارية.
ويتبين من خلال هذا النص مدى أهمية عنصر الزبائن إلى جانب السمعة التجارية في الأصل التجاري.
وقد ذهب بعض الفقه إلى اعتبار عنصر الزبائن هو الأصل التجاري نفسه والعناصر الأخرى تعمل على تنميته والمحافظة عليه.
2 ـ السمعة التجارية:
إلى جانب عنصر الزبائن يكتسي عنصر السمعة التجارية أهمية كبيرة داخل الأصل التجاري، فالعنصرين يرتبطان بشكل كبير إلى درجة صعوبة التمييز بينهما. وقد ذهب بعض الفقه ـ في إطار التمييز بين العنصرين ـ أن الرصيد من الزبائن يتشكل من العملاء القارين الذين يتعاملون مع التاجر، في حين أن السمعة التجارية هي قدرة الأصل التجاري على اجتذاب الزبائن العرضيين.
3 ـ الحق في الإيجار:
يمارس التاجر أنشطة التجارية داخل محل غالبا ما يكون غير مملوك من طرفه، وبالتالي من اللازم الحفاظ على هذا المحل كي يستمر في ممارسته لأنشطته.
وإذا كانت القواعد العامة تقضي بانتهاء الكراء بانتهاء مدته، فإن المشرع ومراعاة لأحوال التاجر والحقوق التي اكتسبها من خلال ممارسته لأنشطته خاصة فيما يتعلق بالأصل التجاري أوجد بعض الحلول التي من خلالها يتم تفادي سلبيات إنهاء العقد (الكراء).
وتتجلى هذه الحلول إما الحق في تجديد عقد الكراء أو الحصول على التعويض في حالة رفض التجديد من قبل المكري، وذلك طبقا للمسطرة المحددة في ظهير 24 ماي 1955.
ويرجع السبب في اعتراف ظهير 24 ماي 1955 للمكتري بالحق في الإيجار، في كونه قد اكتسب رصيدا من الزبائن، وإذا ما أعطي للمكري الحق في إنهاء الكراء دون تعويض، فإن ذلك سيكون تعسفا في حق التاجر وإثراء بلا سبب للمكرين أو المكترين الجدد الذين سيستغلون لا محالة رصيد الزبائن الذي حققه التاجر.
4 ـ العنوان التجاري:
هو التسمية التي يتخذها التاجر الفرد ليزاول تحتها تجارته، فيعرف به في الوسط التجاري، ويظهر على مطبوعاته ويمضي به مراسلته.
5 ـ الشعار:
الشعار تسمية مبتكرة أو رمز أو صورة أو إشارة يستخدمها التاجر لإعطاء زبنائه علامة يميزون بها مؤسسته عن غيرها، وغالبا ما يستعمل الاسم التجاري كشعار.
6 ـ الاسم التجاري:
لقد عرف المشرع المغربي الاسم التجاري في المادة 177 من قانون الملكية الصناعية رقم 17.97 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 31.05 بقوله: "يراد بالاسم التجاري التسمية أو الشارة التي تستغل بها منشأة من المنشآت".
ويعد التشريع المغربي من التشريعات القليلة التي عرفت الاسم التجاري رغم أن هذه المهمة موكولة عادة للفقه والقضاء، هذان الأخيران اللذان لم يبخلا بدونهما بإعطاء تعريفات متنوعة للاسم التجاري.
ويحسن بنا أن نورد في هذا الصدد بع ضا منها؛ فقد عرفها الأستاذ الفاصل عبد اللطيف هداية الله بأن الاسم التجاري هو: "اسم يميز به متجره عن غيره من المتاجر ويعرف في الوسط التجاري وبين زبنائه، وعادة ما يظهر في واجهة المتجر وفي مطبوعات التاجر".
كما عرفه امحمد لفروجي بأن الاسم التجاري هو ذلك: "الاسم الذي يطلقه التاجر على متجره لتمييزه عما سواه من المتاجر" بالإضافة إلى تعريفات أخرى لكل من الأستاذ عز الدين بنستي ومحمد الشافعي وسميحة القليوبي وفؤاد معلال وغيرهم. كما أن المجلس الأعلى عرف الاسم التجاري في إحدى قراراته بأنه: "الاسم الذي له صلة بالاسم المدني للتاجر".
7 ـ حقوق الملكية الصناعية:
هي الحقوق الواردة على براءات الاختراع، وتصاميم تشكل الدوائر المندمجة والرسوم والنماذج الصناعية، وعلامات الصنع أو التجارة أو الخدمة والاسم التجاري، وبيانات المصدر وتسميات المنشأ.
وقد تنبه المشرع المغربي لأهمية هذه الحقوق في الزمن المعاصر، وهذا ما دفعه إلى تنظيمها بمقتضى قانون رقم 17.97 لسنة 2000 والذي جرى تعديله وتتميمه بمقتضى القانون رقم 05.31 لسنة 2006.
8 ـ حقوق الملكية الأدبية والفنية:
وهي ترمي بالدرجة الأولى إلى حماية حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية، وذلك اعترافا بالمجهودات التي يبذلونها أصحابها في الوصول إليها من جهة، ثم تشجيعها على الابتكار الأدبي والفني من جهة أخرى، وهي تلك الحقوق التي سماها المشرع المغربي في القانون الجديد رقم 2.00 بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 34.05، هذا القانون الذي تضمن كل من الحق الأدبي للمؤلف والحق المالي للمؤلف بالإضافة إلى حقوق فناني الأداء وحقوق منتجي المسجلات الصوتية وحقوق هيئات الإذاعة.
9 ـ الرخصة الإدارية:
يقصد بالرخص التجارية كعنصر من عنصر الأصل التجاري التراخيص والتصاريح التي تمنحها الجهات الإداري للاتجار في سلعة معينة، ويتجلى ذلك في الحالة التي يقوم فيها المشروع على استغلال رخصة إدارية مثل مقهى أو مطعم أو صالة ألعاب...
وتعتبر الرخص الإدارية التي تقوم على شروط موضوعية من مقومات الأصل التجاري بحيث تشملها التصرفات القانونية التي ترد عليه بالبيع والرهن والتسيير الحر ما لم يتفق المتعاقدان على استبعادها من نطاق التصرف.
ثانيا: العناصر المادية:
إلى جانب العناصر المعنوية هناك عناصر مادية تشكل الأصل التجاري وتتكون من البضائع والمعدات والأدوات، كما أشار إليها المشرع في المادة 80 من مدونة التجارة، أما العقارات فلا تدخل في تلك العناصر.
1 ـ البضائع:
البضائع هي عبارة عن مجموع السلع الموجودة في الأصل التجاري والمعدة للبيع أو في المخازن التابعة له، وتعد البضائع من الأشياء القابلة للاستهلاك، وهي قابلة للتلف والهلاك السريع، وعلى هذا الأساس جاءت المادة 107 من مدونة التجارة لتستبعدها من العناصر التي يشملها رهن الأصل التجاري حيث نص في هذا الصدد على أنه: "لا يجوز أن يشمل رهن الأصل التجاري سوى العناصر المحددة في المادة 80 باستثناء البضائع".
2 ـ المعدات والأدوات:
ويقصد بها تلك المنقولات التي تستعمل لفائدة استغلال مؤسسة تجارية مثل الآلات التي تستخدم في الإنتاج وسيارات النقل والأثاث والموازين والمكاتب والمقاعد والخزائن وغيرها. ويشترط في المعدات والأدوات أن تتميز بنوع من الثبات الضروري لاستمرار نشاط الأصل التجاري، وذلك عكس البضائع، وأن المشرع إن كان يجيز أن يقع امتياز الأصل التجاري على المعدات والأدوات فقد أوجب أن توضع أثمان متميزة بالنسبة لكل عنصر على حدة كما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 91 من مدونة التجارة.
الفقرة الثالثة: الطبيعة القانونية للأصل التجاري
إذا كان الفقه قد أجمع على أن الأصل التجاري مال منقول معنوي يتكون من مجموعة من العناصر المادية والمعنوية، فقد وقع خلاف حول الطبيعة القانونية للأصل التجاري، وهذا ما جعل منه مؤسسة قاصرة.
وفي ها الإطار هناك ثلاث نظريات طرحت لتحديد الطبيعة القانونية للأصل التجاري وهي:
النظرية الأولى: نظرية المجموعة القانونية للأموال أو الذمة المستقلة:
نادى بهذه النظرية الفقهاء الألمان، وتعتبر أن الأصل التجاري هو مجموعة قانونية من الأموال تشمل الحقوق والديون المرتبطة بالمشروع التجاري، وهي تشكل ذمة خاصة متميزة عن الذمة المالية العامة للتاجر.
النظرية الثانية: نظرية المجموعة الواقعية للأموال:
ذهب جانب من الفقه ـ أمام عدم إمكانية اعتبار الأصل التجاري مجموعة قانونية من الأموال على غرار الذمة المالية ـ إلى أن ذلك لا يمنع من أنه يشكل رابطة فعلية أو واقعية بين مختلف العناصر المكونة له مما يجعله يخضع لأحكام مختلفة عن الأحكام التي يخضع لها كل عنصر على حدة.
النظرية الثالثة: نظرية الملكية المعنوية:
وهي النظرية التي تحظى بتأييد غالبية الفقه المعاصر، وتعتبر الأصل التجاري مالا معنويا منقولا يدخل في الذمة المالية لصاحبه فيعطيه حق احتكاره للاستثمار، يحتج به على الكافة وتحميه دعوى المنافسة غير المشروعة كالملكية الأدبية التي تحميها دعوى الاستحقاق.
والذي يلاحظ على الأصل التجاري كتصور قانونية كونه مؤسسة غير محكمة البناء وغير مكتملة البناء، وهذا راجع لكون المشرع لم يعترف به كذمة مالية مستقلة ولم يجعل منه ضمانا خاصا للديون المتعلقة به.
المطلب الثاني: ماهية المنافسة غير المشروعة
الفقرة الأولى: مفهوم المنافسة غير المشروعة وأساسها القانوني.
أولا: مفهوم المنافسة غير المشروعة:
إن المنافسة هي تلك النزعة الفطرية التي تدعو إلى بذل الجهد في سبيل التفوق، والمنافسة تقابل التنافس، وقد حث الله سبحانه وتعالى المؤمنين على التنافس في عمل الخير حتى ينالوا الجنة، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
ونظرا لأهميتها فقد خصها القانون والفقه والقضاء بتعريفات مختلفة.
1 ـ التعريف القانوني:
الملاحظ أن المشرع المغربي لم يكن يعرف المنافسة غير المشروعة في ظهير 23 يونيو 1916 المتعلق بالملكية الصناعية، ونرى أنه قد أحسن صنعا في عدم إدخال نفسه في تعاريف هي من اختصاص الفقه والقضاء، أما القانون الجديد رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية فقد عرفها في المادة 184 التي نصت على أنه: "يعتبر عملا من أعمال المنافسة غير المشروعة كل عمل منافسة يتنافى وأعراف الشرف في الميدان الصناعي والتجاري".
وإلى جانب هذا التعريف نجد القانون النموذجي للدول العربية بشأن العلامات التجارية والأسماء التجارية والبيانات التجارية وأعمال المنافسة غير المشروعة الذي عرف في المادة 33 منه المنافسة غير المشروعة كما يلي: "يعتبر عمل غير مشروع كل عمل من أعمال المنافسة غير المشروعة يتنافى مع العادات الشريفة في المعاملات الصناعية والتجارية".
2 ـ التعريف الفقهي:
اهتم الفقه بتعريف المنافسة غير المشروعة فقد اعتبرها أحمد شكري السباعي في مقاله: "الأسس القانونية للمنافسة غير المشروعة على ضوء الفصل 84 من ق.ل.ع" بأنها: "التزاحم على الحرفاء أو الزبناء عن طريق استخدام وسائل منافية للقانون أو الدين أو العرف أو العادات أو الاستقامة التجارية أو الشرف المهني".
وعرفها مصطفى كمال طه بأنها: "استخدام التاجر لطرق منافية للقوانين أو العادات أو الشرف".
3 ـ التعريف القضائي:
عرفت محكمة النقض المصرية المنافسة غير المشروعة بأنها: "ارتكاب أعمال مخالفة للقانون أو العادات أو استخدام وسائل منافية لمبادئ الشرف والأمانة في المعاملات".
ثانيا: الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة:
إن البحث في الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة تعد من أكثر الإشكالات صعوبة، ذلك أن التشريع لم يتدخل في أغلب الدول لينظمها، وذلك كان سببا لفتح الباب أمام القضاء والفقه لوضع أساس قانوني لهذه الدعوى، وترتب عنها تضارب فقهي واختلفت الأسس، وحيث إن المشرع المغربي وإن كان قد لمس بعض جوانب المنافسة غير المشروعة بصفة عامة، فإنه لم يضع نظاما خاصا بها مستقلا عن باقي القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية، ولذلك سنتطرق في هذه النقطة للتجاذب الفقهي، وموقف المشرع والقضاء المغربي من ذلك.
1 ـ الاختلاف في تحديد الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة:
ـ الاتجاه الأول: يعتبر هذا الاتجاه أن الأساس الذي تقوم عليه المنافسة غير المشروعة هو قواعد المسؤولية التقصيرية الخطئية، ذلك أن الفعل المشكل للمنافسة غير المشروعة يعد بمثابة خطأ موجب للتعويض ويسير في هذا الاتجاه بعض الفقه والقضاء في مصر، حيث يؤسسون الدعوى على نص المادة 163 مدني مصري التي تقول أن: "كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه التعويض".
وكذلك القضاء الفرنسي الذي استند على مقتضيات المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي كأساس لدعوى المنافسة غير المشروعة، والقضاء اللبناني بالاستناد إلى نص المادة 122 من قانون الموجبات والعقود والتي تقضي بأن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم مرتكبه التعويض.
غير أن هذا الاتجاه تعرض لانتقاد الأساس الذي ينبني عليه دعوى المنافسة غير المشروعة، لأن هذه الأخيرة وإن كانت تقوم على نفس قواعد المسؤولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، فإن هذه الأركان لها خصوصيات هذا من زاوية، ومن زاوية أخرى فإن هدف دعوى المنافسة غير المشروعة ليس هو التعويض في حد ذاته، وإنما منع مواصلة هذه الأعمال المخالفة لأعراف الشرف السائدة في الميدان التجاري والصناعي، وهو ما نصت عليه المادة 185 من قانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية: "لا يمكن أن تقام على أعمال المنافسة غير المشروعة إلا دعوى مدنية لوقف الأعمال التي تقوم عليها ودعوى المطالبة بالتعويض".
ـ الاتجاه الثاني (حماية حق الملكية): لقد استند هذا الاتجاه في التأسيس لدعوى أن الضرر الرئيسي يكمن في تحويل الزبناء عن التاجر بوسيلة غير مشروعة أو تضييعهم عليه، باعتبار ذلك حق من حقوق الملكية الصناعية والتجارية العائدة له.
لكن هذا التأسيس لا يخلو من الانتقاد استنادا إلى أن التاجر لا يتمتع بحق ملكية على زبنائه وليس من حقه منعه من التعامل مع باقي التجار الآخرين أو منع التجار من التعامل معهم، وهو ما يؤيده القضاء الفرنسي حيث اعتبر: "أن المقاولة لا تتمتع بأي حق خاص على زبنائها وتحويلهم عنها على منافس آخر يعد أمرا مشروعا مادام لم يصاحبه أي عمل غير مشروع". ومن جهة أخرى فإن المساس بالزبناء غير كاف لقيام منافسة غير مشروعة حسب المادة 184 الفقرة الأولى من قانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية التي نصت على ما يلي: "يعتبر عملا من أعمال المنافسة غير المشروعة كل عمل منافسة يتنافى وأعراف الشرف في الميدان الصناعي والتجاري".
ـ الاتجاه الثالث (التعسف في استعمال الحق): ذهب هذا الاتجاه إلى أن دعوى المنافسة غير المشروعة تقوم على أساس التعسف في استعمال الحق، ذلك من خلال الحرية في ممارسة التجارة كأساس لاقتصاد السوق وكحق مقرر للتاجر، لكن متى انحرف عن الحدود المشروعة لممارسة هذا الحق، يجعله متعسفا في استعمال حقه وتكون دعوى المنافسة غير المشروعة كجزاء لذلك.
لكن هذا الاتجاه تعرض بدوره لعدة انتقادات أهمها:
إن التاجر تتوافر في حقه نية الإضرار بمنافسه بمجرد ارتكابه لفعل مشكل لمنافسة غير مشروعة، في حين أن ذلك لا محل له في التعسف في استعمال الحق.
ـ الاتجاه الرابع (دعوى من نوع خاص): اعتبر بعض الفقه أن دعوى المنافسة غير المشروعة تمثل نوعا خاصا من دعاوى المسؤولية المدنية، وذلك راجع لطبيعة الحق الذي تستهدف حمايته، وتذهب المحاكم أبعد من ذلك، إذ لا تشترط لقيام دعوى المنافسة غير المشروعة وقوع ضرر محقق بل تنظر وتفصل فيها حتى ولو كان الضرر محتمل الوقوع، وهذا ما جعل المحاكم تخرج عن المألوف في القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية، أي مجرد وقوع عمل يشكل منافسة غير مشروعة تقضي المحاكم بالتعويض ولو كان الضرر محتملا وليس حالا.
2 ـ موقف المشرع والقضاء المغربي من أساس دعوى المنافسة غير المشروعة:
أ ـ موقف المشرع المغربي من أساس دعوى المنافسة غير المشروعة:
إن ظهير 23 يونيو 1916 نجد في فصله 89 يحيل على الفصل 84 من ق.ل.ع فيما يتعلق بالأفعال المشكلة للمنافسة غير المشروعة، وهذا خلاف قانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل أساس دعوى المنافسة غير المشروعة تغير وأصبحت هناك قطيعة عل هذا المستوى بين قانون الالتزامات والعقود ودعوى المنافسة غير المشروعة؟ وهل يجوز القول إن الفصل 84 من ق.ل.ع قد ألغي بمقتضى المادة 184 من قانون 17.97؟
إذا كان القانون الجديد رقم 17.97 ينسخ صراحة (أو يلغي) القانون السابق (23 يونيو 1916) وجميع الأحكام السابقة التي تصب في نفس الموضوع (الفصل 84 من ق.ل.ع)، فهذا القانون الجديد جاء بمجموعة من المبادئ تساير نسبيا التشريعات الحديثة ومواقف الفقه والقضاء وإن كان لم يسد سائر الثغرات.
فقانون 17.97 يتميز بمجموعة من المميزات من بينها: أن المادة 184 استعملت في التعريف صياغة عامة تحمي التجار الشرفاء من منافسة التجار غير الشرفاء وشاملة لكل أشكال المنافسة، وكذلك وجود نوع من العمومية التي تساعد القضاة على الاجتهاد وتقصي الحقائق، وشملت كذلك أعمال المنافسة الممنوعة (المادة 184 من ق. 17.97)، فمنح كذلك هذا القانون للمتضررين من المنافسة غير المشروعة دعوى مدنية لوقف الأعمال التي تشكل منافسة غير مشروعة (المادة 185)، وخول كذلك هذا القانون للمتضررين أيضا الحق في إقامة دعوى المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة للمنافسة غير المشروعة (المادة 185 من القانون رقم 17.97)، وترفع هذه الدعوى أمام المحاكم التجارية (المادة 15 من القانون رقم 17.97).
وتجدر الإشارة إلى أن أساس الدعوى لم يمسه أي تغيير بدليل أن مقتضى الفصل 91 من ظهير 23 يونيو 1916 لم يتم تغييره بمقتضى قانون 17.97، إذ ورد في المادة 185 ما يلي: "لا يمكن أن تقام على أعمال المنافسة غير المشروعة إلا دعوى مدنية لوقف الأعمال التي تقوم عليها ودعوى المطالبة بالتعويض".
وهذا يدفعنا إلى القول بأن الأساس الذي تقوم عليه الدعوى في ظل قانون 17.97 هو نفسه الوارد في ظهير 1916 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، فنستشف من ذلك أن المشرع المغربي يهدف إلى عدم الإحالة على قانون الالتزامات والعقود.
وهذا ما سار عليه التشريع العراقي والألماني، ولذلك فإن أساس دعوى المنافسة غير المشروعة يختلف بحسب ما إذا كان الحق الذي وقع عليه الاعتداء مسجلا أم لا، فإذا كان الحق محميا فإن أساس الدعوى يخضع لخصوصية قانون 17.97 وإذا كان غير محمي فإن ذلك الأساس يخضع لمقتضيات المسؤولية التقصيرية (الفصل 84 من ق.ل.ع).
ب ـ موقف القضاء المغربي من أساس دعوى المنافسة غير المشروعة:
بالرجوع إلى الأحكام والقرارات الصادرة في دعوى المنافسة غير المشروعة، فالملاحظ أن القضاء يستند على قواعد المسؤولية التقصيرية وعلى المقتضيات الواردة في قانون الملكية الصناعية كأساس لدعوى المنافسة غير المشروعة مما جعلها دعوى من نوع خاص من دعاوى المسؤولية المدنية بالنظر على الشروط المتطلبة لقيامها، ذلك أنه يتساهل بصدد إثبات الضرر والعلاقة السببية ويكتفي في القول بوجود خطأ، إثبات وقوع ما يخالف أعراف الشرف السائدة في الميدان التجاري.
ففي حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 28/06/2000 جاء فيه: "وحيث دفعت المدعى عليها بأن المدعية لم تثبت وجود الضرر الذي لحقها ويبرر رفع هذه الدعوى، غير أن هذا الدفع مردود لأن الضرر متوفر بمجرد الاعتداء على العلامة التجارية وتسجيلها لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية، وإلا فقد انعدمت العلل من تسجيل العلامات التجارية، إذ القصد من التسجيل هو صون تلك العلامات وجعلها حكرا على مالكيها".
الفقرة الثانية: المنافسة غير المشروعة وتزييف حقوق الملكية الصناعية
كثيرا ما يقع الخلط بين المنافسة غير المشروعة وبين تزييف حقوق الملكية الصناعية أو التجارية، وهذا هو حال القضاء المغربي الذي وجدنا في العديد من أحكامه يعتبر المس بأحد تلك الحقوق صورة من صور المنافسة غير المشروعة، والملاحظ من خلال هذا القرار أن المجلس الأعلى يخلط بين دعوى المنافسة غير المشروعة ودعوى تزييف حقوق الملكية الصناعية، ذلك أن حقوق الملكية الصناعية والتجارية هي حقوق ملكية يقرر بمقتضاه القانون لأصحابها حقا استئثاريا بالاستغلال، ومن ثم فإنه يمنع على أي كان استغلالها أو استعمالها بدون إذن صاحبها، وهذا يجعل منها حقوقا تخرج من مجال المنافسة التجارية لتسقط في حضن الملكية الخاصة يمنع معها على غير صاحبها استعمالها، وبالتالي فلا علاقة لها بقواعد الشرف التجارية التي هي قواعد تحكم التزاحم على الزبناء ضمن مجال واحد مباح للجميع.
وزيادة على ذلك فإن التزييف يشكل فعلا جنائيا أساسيا يخضع للعقاب الجنائي، ودعواه تعد دعوى جنائية (إلى جانب الدعوى المدنية المتعلقة بالتزييف) تتقرر لحماية الملكية الصناعية أو بعض العناصر المعنوية المكونة للمتجر أو الأصل التجاري.
ويفرق التشريع المغربي الجديد بين التزييف الذي يقصد به استعمال أو انتزاع العناصر الجوهرية المميزة للحق دون تغيير فيها، وفي ذلك تنص المادة 201 من القانون 17.97: "يعتبر تزييفا كل مساس بحقوق مالك براءة أو شهادة إضافة أو شهادة تصميم تشكل (طبوغرافية ) الدوائر المندمجة أو شهادة رسم أو نموذج صناعي أو شهادة تسجيل علامة منع أو تجارة أو خدمة كما هو معرف بذلك على التوالي في المواد 53 و54 و99 و123 و124 و54 و155..".
هذا وينتج عن الاختلاف القائم بين دعوى المنافسة غير المشروعة ودعوى التزييف النتائج التالية:
1 ـ باعتبارهما دعويين مستقلين، لا يمكن إثارة أحدهما في المرحلة الابتدائية وإثارة الثانية في الاستئناف عملا بمبدأ عدم قبول الطلبات الجديدة في المرحلة الاستئنافية.
2 ـ أنه إذا كان يمكن الجمع بينهما في دعوى واحدة، فإنه يجب أن تتوفر في كل واحدة شروطها الخاصة.
الفقرة الثالثة: المنافسة الممنوعة والمنافسة غير المشروعة
تعتبر المنافسة الممنوعة تلك التي يحرمها القانون بنص خاص أو عن طريق اتفاق الأطراف.
وهي بهذا المعنى لا يمكن أن نعتبرها منافسة ممنوعة إلا إذا خالفت نصا قانونيا أو اتفاقا بين الأطراف، واللذان ينصان على الحظر أي المنع النهائي لكل تزاحم أو منافسة، وذلك بصرف النظر على الوسيلة المستعملة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة. بخلاف المنافسة غير المشروعة والتي تقوم على مجرد استخدام الوسائل المنافية للقانون أو العرف أو العادات أو الشرف المهني أو الدين.
ومن أمثلة المنافسة الممنوعة طبقا للنص القانوني، نجد قانون 19 فبراير 1960 المنظم لمهنة الصيدلة، والذي يمنع في مادته الأولى كل من يزاول هذه المهنة دون أن يكون متوفرا على الشهادة العلمية، بحيث إذا زاول شخص هذه التجارة دون أن يكون حاصلا على هذه الشهادة جاز لأي تاجر آخر أن يواجهه بدعوى المنافسة، ويعاقب المنافس جنائيا أيضا على انتحال صفة الصيدلي بالعقوبة المنصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي، وتتراوح العقوبة الحبسية بين 3 أشهر وسنتين وغرامة ما بين 200 و5000 درهم.
كما أن الصيدلي قد يرتكب مخالفة من نوع آخر تجعله كذلك ينافس منافسة ممنوعة متى أقدم على الممارسة دون الحصول على الرخصة القانونية التي تمنحها الأمانة العامة للحكومة بعد استشارة وزارة الصحة وفق المادة الثانية من نفس ظهير 19 فبراير 1960.
ويدخل ضمن الحماية كذلك من المنافسة الممنوعة الالتزام الذي وضع الفصل 1004 من ق.ل.ع على عاتق الشريك بأن لا ينافس الشركة منافسة غير قانونية، بحيث يحظر هذا الفعل قيام الشريك بدون موافقة باقي شركائه أن يجري لحسابه أو لحساب أحد من الغير عمليات مماثلة للعمليات التي تقوم بها الشركة إذا كانت هذه المنافسة من شأنها أن تضر بمصالحها، فإن خالف هذا الشريك هذا الالتزام تحمل بالتعويض وخضع للطرد من الشركة،
هذا بالنسبة للمنافسة الممنوعة بنص القانون، أما فيما يخص المنافسة الممنوعة بمقتضى الاتفاق أو العقد والمتجلية في خرق شرط صريح أو ضمني في العقد، طبقا للفصل 230 من ق.ل.ع الذي يلزم الأطراف بما اتفقوا عليه من شروط إلى غير ذلك.
ومن بين متجلياته، نجد التزام بائع الأصل التجاري بعدم فتح متجر مماثل ومنافس للمتجر المباع؛ والقضاء المغربي في هذا الشأن يسير في منحى ما اتفق عليه الأطراف من شروط والدعوى إلى تطبيقها والعمل بها، أي الالتزام بما التزموا به، هذا وتجري هذه المقتضيات المتعلقة ببيع الأصل التجاري حتى على العقود الأخرى كعقود الشغل التي يتم تضمين فيها شرط التزام الأجير بعدم منافسة المشغل.
كما يمكن أن ترد على عقد التسيير الحر، وتقديم الأصل التجاري كحصة في الشركة، وعلى باقي عقود الشركات، وكل من خالف الالتزام أو الالتزامات السابقة الذكر سواء منها بنص القانون أو بنص الاتفاق المبرم بين الأطراف، فإنه يتعرض أو تقوم في حقه المسؤولية العقدية، طبقا للنصوص المعمول بها في هذا الإطار، وهذا بخلاف المنافسة غير المشروعة والقائمة على المسؤولية التقصيرية، نظرا للإخلال بالواجب القانوني المتجسد في استخدام وسائل تتنافى مع العادات المحلية الجاري بها العمل في التجارة والصناعة.
المبحث الثاني: شروط ومسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها
إذا كانت المنافسة هي روح التجارة باعتبارها محك الحريات الاقتصادية وهي المرآة الحقيقية التي تعكس مدى التطور الاقتصادي لأي بلد باعتبارها ضرورية لتقدم الإنتاج، ونمو التجارة الداخلية والخارجية، إلا أن المنافسة كعمل مشروع يستند إلى الأخلاق والشرف وحسن المعاملات، قد تتعداه في حدودها الطبيعية لتتحول إلى عمل غير مشروع نتيجة اللجوء إلى وسائل تنافى وأعراف وعادات التجار وتتنافى والشرف المهني، لذا فقد خصها المشرع بالاهتمام من خلال تنظيمها بين التجار حماية لهم وللمستهلكين والاقتصاد الوطني، بحيث تعتبر الوسائل غير المشروعة التي تستخدم من أجل الحصول على زبناء الغير عمل يجرمه القانون عن طريق تعويض الضرر الذي أصاب الغير، وتتمثل المنافسة غير المشروعة في مجال حقوق الملكية الصناعية بتزييفها أو تقليدها لتصبح دعوى جزائية كلما توفرت فيها الشروط لقيامها، مما يترتب عليه جزاءات مدنية.
ومن خلال ما سبق، سنخصص هذا المبحث لدراسة شروط دعوى المنافسة غير المشروعة (المطلب الأول) ثم مسطرة الواجب إتباعها في دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: شروط دعوى المنافسة غير المشروعة
أعطى المشرع للتاجر صاحب الأصل التجاري المتضرر من الأعمال التي تنافى وأعراف الشرف في المجال التجاري أو الصناعي حق رفع دعوى المنافسة غير المشروع، من أجل طلب التعويض ووقف الأعمال التي تشكل عملا غير مشروع، فقد جاء في المادة 185 من قانون 17.97: "لا يمكن أن تقام على أعمال المنافسة غير المشروعة إلا دعوى مدنية لوقف الأعمال التي تقوم عليها ودعوى المطالبة بالتعويض".
غير أنه لقبول هذه الدعوى لابد من تحقق شروطها المتمثلة في أركان المسؤولية التقصيرية أي الخطأ والضرر ثم العلاقة السببية، على اعتبار أن دعوى المنافسة غير المشروعة تنضوي تحت لواء المسؤولية التقصيرية حسب ما استقر عليه القضاء.
الفقرة الأولى: الخطأ
عرف المشرع المغربي الخطأ في الفقرة الأخيرة من الفصل 78 من ق.ل.ع بأنه: "ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر".
فالخطأ يعتبر شرطا أساسيا في دعوى المنافسة غير المشروعة، ففي غياب هذا الخطأ لا يمكن الحديث عن المنافسة غير المشروعة، وبالتالي قيام التاجر بأعمال مشروعة في إطار حرية المنافسة من أجل استقطاب عدد كبير من الزبائن لا يمكن اعتبار هذا العمل منافسة غير مشروعة، ولو أدى إلى نقص زبائن تاجر آخر.
فلتحقق الخطأ يتعين إثبات قيام التاجر المنافس بأعمال تخالف أعراف الشرف والمتعارف عليها في الميدان التجاري أو الصناعي، ومن هذه الأعمال نجد ما نصت عليه المادة 184 من قانون 17.97 التي جاء فيها: "يعتبر عملا من أعمال المنافسة غير المشروعة كل عمل منافسة يتنافى وأعراف الشرف في الميدان الصناعي أو التجاري، وتمنع بصفة خاصة:
• جميع الأعمال كيفما كان نوعها التي قد يترتب عليها بأية وسيلة من الوسائل خلط مع مؤسسة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
• الادعاءات الكاذبة في مزاولة التجارة إذا كان من شأنها أن تسيء إلى سمعة مؤسسة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
• البيانات أو الادعاءات التي يكون من شأن استعمالها في مزاولة التجارة مغالطة الجمهور في طبيعة البضائع أو طريقة صنعها أو مميزاتها أو قابليتها للاستعمال أو كميتها".
إلى جانب هذه الأعمال المنصوص عليها في هذه المادة التي جاءت على سبيل المثال لا الحصر، نجد الفصل 84 من ق.ل.ع الذي جاءت بمجموعة من الأعمال التي تشكل هي الأخرى صور للمنافسة غير المشروعة رغم الخلاف المثار بشأن إلغائها بمقتضيات المادة 184 من قانون 17.97، وتتمثل هذه الأعمال في:
1 ـ استعمال اسم أو علامة تجارية تماثل تقريبا ما هو ثابت قانونا لمؤسسة أو مصنع معروف من قبل ، أو لبلد يتمتع بشهرة عامة ، وذلك بكيفية من شأنها أن تجر الجمهور إلى الغلط في شخصية الصانع أو في مصدر المنتوج.
2 ـ استعمال علامة أو لوحة أو كتابة أو لافتة أو أي رمز آخر يماثل أو يشابه ما سبق استعماله على وجه قانوني سليم من تاجر أو صانع أو مؤسسة قائمة في نفس المكان يتجر في السلع المشابهة ، وذلك بكيفية من شأنها أن تؤدي إلى تحويل الزبناء عن شخص لصالح شخص آخر.
3 ـ أن تضاف إلى اسم إحدى السلع ألفاظ : صناعة كذا... أو وفقا لتركيب كذا.... أو أية عبارة أخرى مماثلة تهدف إلى إيقاع الجمهور في الغلط إما في طبيعة السلعة أو في أصلها.
4 ـ حمل الناس على الاعتقاد أن شخصا قد حل محل مؤسسة معروفة من قبل أو أنه يمثلها ، وذلك بواسطة النشرات وغيرها من الوسائل.
فمختلف هذه الأعمال وغيرها يمكن أن تمثل صورا للمنافسة غير المشروعة، وتشكل خطئا يستوجب التعويض لصاحب الأصل التجاري، حيث إن هذه الأعمال تحدث غلطا أو خلطا في ذهن الزبائن، ذلك أن هؤلاء يعتقدون أنهم يتعاملون مع التاجر الذي يرغبون فيه والحقيقة غير ذلك، أو تحدث تشويها للسمعة التجارية للتاجر صاحب الأصل التجاري أو الحط من قيمتها عن طريق إشاعة معلومات غير صحيحة مثلا أو إفلاسه أو ادعاء أن منتوجاته مغشوشة أو ضارة.
غير أنه لتحقق الخطأ فلابد من وجود منافسة وأن هذه الأخيرة غير مشروعة، وهذا بشرط أن يكون كل من التاجر المتضرر والتاجر المنافس يزاولان نفس التجارة ويقوم المنافس بأعمال تتنافى ومبادئ الشرف والاستقامة السائدة في الميدان التجاري، فيؤدي ذلك إلى الإضرار بمنافسه ولو من دون قصد أي بدون سوء نية.
لذلك لا يستدعي تحقق الخطأ أن يصدر عن سوء نية، بل يكفي أن يصدر عن أعمال، لذلك لا يعتبر سوء النية عنصرا أساسيا لتحقق الخطأ، وفي هذا الصدد نجد قرار المجلس الأعلى جاء فيه: "وحيث تطعن المطالبة في هذا الحكم بانعدام التعليل وعدم الارتكاز على أساس قانوني، ذلك أن المحكمة اعتبرت اسم كاوولا يقصد منه خلق التباس مع متجر جان باتيست كاوولا مما نتج عنه سوء نية بالنسبة للطالبة في حين أن سوء النية لا تفترض".
وتبقى مسألة وجود سوء نية أو غيابها في تحديد قيمة التعويض للمتضرر، كما يبقى تقدير ما إذا كان عمل ما يشكل منافسة غير مشروعة يعتبر من المسائل التي تخضع لتقدير المحكمة التي تعتمد في ذلك الوقائع المعروضة عليها.
الفقرة الثانية: الضرر
يتعين على التاجر صاحب الأصل التجاري إثبات تضرره من الأعمال غير المشروعة للحصول على التعويض، وأن يكون هذا الضرر نتيجة مباشرة لأعمال المنافسة غير المشروعة.
فالضرر يتحقق عادة بفقدان التاجر صاحب الأصل التجاري لزبائنه باعتبارهم عنصر من عناصر الأصل، غير أنه حسب رأي بعض الفقه، لما كان كثير ما لا يترتب على أعمال المنافسة غير المشروعة أي تحويل للزبائن، فإن ذلك يسمح للقضاء التوسع في مفهوم الضرر ليشمل التأثير على فرض مقاولة المتضرر التطور أو الاضطراب التجاري الذي يتمثل في زعزعة استقرار التاجر المتضرر والمس بقدرته التنافسية، بل يمكن التعويض حتى عن الضرر المعنوي، في حين يرى بعض الفقه أنه لا يمكن أن تعوض إلا الأضرار الحقيقية الحالة والمستقبلية، أما الأضرار الاحتمالية فلا تعوض إلا إذا تحققت فعلا.
لكن المتفق عليه فقها وقضاء هو التساهل في اشتراط الضرر لقبول الدعوى والمقصود بالتساهل أن القضاء يفترض وقوع الضرر بمجرد حصول المنافسة غير المشروعة، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالفداء درب السلطان: "وحيث إن الضرر متوفر لمجرد الاعتداء على العلامة التجارية..".
ومع ذلك فإن هذا التساهل يكون له موجب فيما يتعلق بدعوى وقف الأعمال، أما المطالبة بالتعويض فقد لا تستجيب المحكمة في غياب عنصر الضرر الحال أو المستقبل المحقق الوقوع.
وفيما يخص إثبات الضرر في دعوى المنافسة غير المشروعة فإنه يتم بكافة وسائل الإثبات اعتبارا لكون هذه الأفعال تشكل أعمالا مادية واقعية، إضافة إلى حرية الإثبات في المجال التجاري كأصل. أما فيما يتعلق بتقدير الضرر بكل دقة في دعوى المنافسة غير المشروعة فإنه يكون جد صعب نتيجة غياب عناصر مساعدة على ذلك، لهذا كثيرا ما تقدر المحاكم التعويض تقديرا جزافيا، مما يخرجنا من دائرة المسؤولية المدنية إلى نطاق العقوبة المدنية التي لا يرتبط فيها الجزاء بقيام الضرر ولا بمقداره. ويرى البعض إمكانية اعتماد تنازل قدر المعاملات أو انخفاض الأرباح لدى التاجر المتضرر في تقدير التعويض.
الفقرة الثالثة: العلاقة السببية
يعتبر ركن العلاقة السببية بين الخطأ المتجسد في القيام بأعمال غير مشروعة والضرر المترتب عن هذه الأعمال غير ضروري لقيام دعوى المنافسة غير المشروعة، خاصة عندما يكون موضوع هذه الدعوى المطالبة بوقف الأعمال فقط.
فالفقه والقضاء يتساهل في اشتراط علاقة السببية مادام أن الرأي السائد هو افتراض تحقق الضرر بمجرد ارتكاب المعتدي أفعالا تشكل منافسة غير مشروعة، وبذلك فإن أهم ركن في هذه الأخيرة هو ركن الخطأ، وعليه فإنه طالما لا تشترط المحاكم إثبات الضرر الحال المحقق، فإن إثبات العلاقة السببية بين الخطأ والضرر يكون غير ضروري.
المطلب الثاني: مسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها
سنتعرض من خلال هذا المطلب إلى مسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة والجزاءات المترتبة عنها، وذلك بتخصيص الفقرة الأولى للمسطرة المتبعة في دعوى المنافسة غير المشروعة وعلى أن نناقش في الفقرة الثانية الجزاءات المترتبة عنها.
الفقرة الأولى: مسطرة دعوى المنافسة غير المشروعة
إن دعاوى المنافسة غير المشروعة كباقي الدعوى لابد من توفر الشكليات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية والمتعلقة بشروط التداعي وهي الصفة والأهلية والمصلحة، كما أن لكل دعوى أطراف المدعي وهو رافع الدعوى، أي الطرف الذي لحقه ضررا من جراء عمل الطرف الثاني (المدعى عليه).
ومن جهة ثانية تطرح مسألة الاختصاص فيماي تعلق بدعوى المنافسة غير المشروعة، فكا هي إذن المحكمة المختصة لرفع دعوى المنافسة غير المشروعة؟
فبالرجوع إلى قانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية نجده أعطى الاختصاص إلى المحكمة التجارية حيث تنص المادة 204 على أن: "المحكمة المختصة هي المحكمة التابع لها موطن المدعى عليه الحقيقي أو المختار أو المحكمة التابع لها مقر وكيله أو المحكمة التابع لها المكان الذي يوجد به مقر الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية إذا كان موطن هذا الأخير بالخارج، ترفع إلى المحكمة الدعاوى المتعلقة في آن واحد بقضية علامة وقضية رسم أو نموذج أو منافسة غير مشروعة مرتبطة فيما بينها....".
ومن جهة ثالثة نتساءل هل تتقادم دعوى المنافسة غير المشروعة؟
طبعا فإن دعوى المنافسة غير المشروعة كباقي الدعاوى تتقادم بمرور 3 سنوات من اليوم الذي علم فيه المتضرر بحدوث الضرر، وفي جميع الأحوال بمضي 15 سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع، وقد أشارت المادة 205 من قانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية أنه: "...تتقادم الدعاوى المدنية والجنائية المنصوص عليها في هذا الباب بمضي ثلاث سنوات على الأفعال التي تسببت في إقامتها".
ـ إجراءات التقاضي:
طبعا لكل ذي مصلحة المطالبة عما لحقه من ضرر نتيجة المنافسة غير المشروعة، ولصاحب المصلحة عند إقامة دعواه المدنية المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة أن يقدم طلبا إلى المحكمة المختصة مشفوعا بكفالة مصرفية أو نقدية من أجل:
1. وقف ممارسة تلك المنافسة غير المشروعة.
2. الحجز التحفظي على المواد والمنتوجات ذات العلاقة.
3. المحافظة على الأدلة ذات الصلة.
ولصاحب المصلحة قبل إقامة دعواه أني قدم طلبا إلى المحكمة ودون أن يبلغ الطرف الآخر من أجل الوقف والحجز التحفظي والمحافظة على الأدلة، إذا تبين للمحكمة أن المنافسة فعلا ثابتة، أو أن هذه المنافسة أضحت وشيكة الوقوع، وقد يلحق ضررا بالغير (صاحب المصلحة) يصعب تداركه أو أن يخشى من اختفاء الدليل لإثبات هذه المنافسة.
وإذا لم يقدم صاحب المصلحة دعواه خلال 8 أيام من تاريخ إجابة المحكمة لطلبه تعتبر جميع الإجراءات لاغية.
وللمدعى عليه أن يستأنف قرار المحكمة باتخاذ الإجراءات التحفظية لدى محكمة الاستئناف خلال 8 أيام من تاريخ تبليغه، ويكون قرارها نهائيا.
وعليه يمكن للمحكمة أن تستعين بأهل الخبرة إذا رأت ذلك ضروريا ويكون الحكم تمهيديا إلى أن تصدر الحكم القطعي بعد توصلها بقرار الخبرة.
الفقرة الثانية: الجزاءات المترتبة عن المنافسة غير المشروعة
لقد حسم المشرع المغربي في القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية ي مسألة الاختصاص النوعي لمحكمة التي يمكن أن تنظر في النزاعات ذات الصلة بحقوق الملكية الصناعية والقضايا التي تشكل منافسة غير مشروعة، كما أنه حدد في نفس الوقت ولاسيما المادة 185 الجزاءات التي تقضي بها المحكمة وحصرها في وقف الأعمال والتعويض عن الأَضرار:"لا يمكن أن تقام على أعمال المنافسة غير المشروعة إلا دعوى مدنية لوقف الأعمال التي تقوم عليها ودعوى المطالبة بالتعويض".
أولا: وقف الأعمال:
في حالة ثبوت منافسة غير مشروعة فإن المحكمة تحكم بإزالة العمل غير المشروع وضع حد للأعمال التي تشكل منافسة غير مشروعة تأكيدا للقاعدة الفقهية (الضرر يزال) وقف هذه الأعمال لا يعني إزالة الحرفة بصفة نهائية، لأن ذلك لا يكون إلا في حالة الم