الفضاء السمعي- البصري وتكنولوجيا الاتصال بالمغرب
أشكر الأخوة المنظمين على دعوتهم لي كي أتحدث في موضوع هو دون شك من صميم اهتمامكم كطلبة وسيكون من صميم انشغالاتكم كصحفيين مستقبلا، لكنه يتعدى في تصوري كل هذا وذاك كون السمعي-البصري والاتصالات أصبحتا اليوم محط أكثر من رهان ومكمن أكثر من تحدي.
عنوان هذا العرض يثير في ذهني إشكالان منهجيان اثنان فيما يخص مصطلح الفضاء وإشكالا موضوعيا فيما يخص مفهوم التكنولوجيا:
- الإشكال الأول هو أن الفضاء يتحدد بالأساس بمدى سعته وتنظيمه وتحديد قواعد اللعبة بداخله وبين الفاعلين فيه. وهذا أمر غير متوفر ببلادنا: قناتين تلفزيتين، إذاعات جهوية محدودة العدد وساعات البث، قواعد اللعبة (ولو من الناحية القانونية والأخلاقية) غير مضبوطة وقنوات مبثوثة عبر الأقمار الصناعية لا رقيب تقنيا عليها ولا حسيب.
في محدودية عدد القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية وعدم وضوح الرؤيا وقواعد اللعبة، فأنا لا أعتقد، من هذا المنطلق، أننا بازاء فضاء سمعي - بصري بالمعنى المنظومي للكلمة.
هناك واقع حال جد مضطرب ماديا وقانونيا وأخلاقيا. هناك مشهد عام لكل أن يقرأه وفق زاوية رؤيته، لكننا أبعد من أن نكون بازاء فضاء سمعي- بصري بالمعنى المنظومي للمصطلح.
- الإشكال الثاني (دائما بخصوص مصطلح الفضاء) هو أننا حتى لو سلمنا نظريا بوجود هذا الفضاء السمعي-البصري فإنه نفسه قد تجووز وذلك لسببين:
+ أولا جراء التطورات التكنولوجية الحاصلة في ميدان الإعلام والاتصال والتي جعلت من الصعب تحديد مجال السمعي- البصري من مجال الاتصالات من مجال المعلوميات.
بمعنى أن التطورات التكنولوجية ميعت الحدود بين القطاعات الثلاثة وتعمل باتجاه توحيدها تدريجيا.
+ ثم أن ظاهرة العولمة، التي كسرت الحدود جراء سياسات التحرير واللاتقنين والخوصصة، لم يعد بموجبها من قيمة "للفضاءات الجغرافية الوطنية" فبالأحرى لقطاعات محددة كما هو الشأن بالنسبة للسمعي- البصري أو لغيره من باقي القطاعات.
- الإشكال الثالث يتعلق بمفهوم التكنولوجيا.
التكنولوجيا هي تقنيات، هي أدوات، هي أعتدة وتجهيزات، لكنها أيضا وبالأساس معارف ومحتويات. هي ثقافة ونتاج ثقافي للتربة التي نشأت فيها وتطورت... وجاءت لتعبر عن حاجة مجتمعاتية في زمن ما وفي مكان ما.
على هذا الأساس، فهي لا يمكن أن تنقل، وإن نقلت فإنها تنقل كتقنيات، كأجهزة وكعتاد ولا تنقل كمعرفة. بالتالي فإذا كان الأمر هينا بالنسبة للتكنولوجيا بسيطة المعرفة، فإن الأمر يتعقد فيما يخص التقنيات العالية الدقة كما هو الشأن بالنسبة لتكنولوجيا الاتصالات.
هذه الإشكالات الثلاثة أساسية ومركزية، في تصوري، لأنها توضح بجلاء الفجوة الكبيرة بين الخطاب الرائج بالمغرب منذ مدة عن " مجتمع الإعلام والمعرفة" من ناحية، وبين السياسات المعتمدة وواقع الحال السائد من ناحية ثانية.
كيف لنا، بناء على هذه التحفظات، أن نستقرأ واقع ومستقبل الإعلام (أعني السمعي- البصري) والاتصالات (كاتصال وتواصل) ببلادنا؟
أعتقد أنه من السبل الممكنة لذلك هو أن نستحضر ما وقع وما يقع في العالم من تحولات وتطورات خلال العقدين الأخيرين ونرى كيف لنا أن نقرأ على ضوئها ما يجري بالمغرب.
سنحاول ذلك من خلال سبعة معطيات كبرى هي التي تتحكم في واقع ومستقبل السمعي- البصري والاتصالات وهي التي سترهن بموجبه معظم الاقتصاديات والمجتمعات:
- المعطى الأول هو أن العالم يعيش منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي ثورة تكنولوجية عميقة مست البيوتكنولوجيا وعلوم الأحياء والاستكشافات الفضائية والطبية وغيرها، وكذلك تكنولوجيا الإعلام والاتصال (من سمعي- بصري ومعلوميات واتصالات وسينما ونشر إلكتروني وغيرها).
هذه الطفرة، أو الثورة في ميدان الإعلام والاتصال، جاءت نتيجة ثلاثة عوامل ذاتية (أي من داخل القطاع) إن لم تكن قد خلقت القطيعة في تطور هذا القطاع فعلى الأقل سرعت كثيرا وتيرة اشتغاله:
+ العامل الأول هو عامل الرقمنة: كل المعلومات (من صوت وصورة ومعطى) أصبحت اليوم تترجم إلى بتات من رقمي0 و 1 تندغم بموجبها كل أشكال المعطيات والبيانات والمعلومات. وهو امتياز كبير قياسا إلى الأنظمة التشابهية السابقة.
+ العامل الثاني هو وصول تقنيات الضغط الرقمي أي تلك البرمجيات التي تضغط المعلومات والبيانات والصور والمعطيات والصوت حتى لا تبذر مساحة البرنامج وحتى يسهل تخزينها بذاكرة الحاسوب ونقلها.
+ العامل الثالث هو وصول بروتوكولات السعة العالية نتيجة تطور بنية الكوابل النحاسية وهي كوابل الألياف البصرية (زوج من هذه الألياف يعطي من المكالمات الهاتفية ما يوازي 33 طن من كوابل النحاس).
هذه العوامل مجتمعة، ماذا أعطتنا:
أعطتنا في السمعي- البصري، التلفزة الرقمية حيث توفر القنوات، وستعطينا مستقبلا التلفزة الرقمية التفاعلية. ولهذا السبب يقال إن تلفزة المستقبل سيكون فيها المنتج هو المشاهد.
وستعطينا في مجال الاتصالات، الطرق السيارة للاتصال حيث المعلومات والبيانات والمعطيات والصور ستنتقل على شكل بتات، عبر بنى تحتية واسعة وبطريقة تفاعلية بين مصدر المعلومة والجهة المتلقية.
وستعطينا لا محالة تزاوجا بين القطاعات الثلاثة يصعب معها التمييز بين حدود كل قطاع لأنها أصبحت تتوفر على لغة مشتركة.
لهذا السبب فالتلفزة الرقمية التفاعلية (تلفزة المستقبل) تطرح منذ الآن إشكالية كبرى: من هو الجهاز الذي سيوفرها ويوفر خدماتها، هل الحاسوب أم التلفاز؟ ومن هم الفاعلون الذين سيقودون السوق: المعلوماتيون أم الاتصالاتيون، الفاعلون في الكوابل أم الذين يشتغلون على التلفزة؟
هل مس هذا المعطى التكنولوجي المغرب؟
+ جزئيا على مستوى التلفزة لو سلمنا بخطاب أن القناتين بازاء اقتناء أجهزة رقمية لتوفير صورة تلفزية صافية أو لظهور تلفزات " متخصصة".
+ وكليا على مستوى القنوات الفضائية الوافدة عبر الأقمار الصناعية والتي تمكن المغاربة من التقاطها عبر الفارزات التشابهية في مرحلة أولى وعبر الفارزات الرقمية التي ما زالت عالية الثمن في الوقت الراهن.
+ وجزئيا على مستوى الاتصالات لأن جزءا من البنية التحتية استفاد من الرقمنة والسعة العالية. لكن " مشروع" الطرق السيارة يبقى بعيد المنال لأن تكاليفه ضخمة جدا ولا أعتقد أن الحاجة تبرر هذا الاختيار في المدى القصير والمتوسط.
هذا المعطى التكنولوجي هو معطى موضوعي ومحدد ولا يمكن تصور مستقبل السمعي-البصري والاتصالات في عدم التركيز عليه.
- المعطى الثاني هو المعطى الذي يمكن أن نسميه بالمعطى المؤسساتي، أي المعطى الذي واكب مؤسساتيا التطور التكنولوجي.
لنأخذ التلفزة مثلا:
نلاحظ أنها مرت، بكل دول العالم، بثلاث مراحل تلغي اللاحقة فيها المرحلة السابقة أو تكاد:
°- مرحلة احتكار الدولة للتلفزة: الاحتكار احتكار عام، التمويل أحادي الجانب (أي من لدن الدولة وحدها)، المشاهد هو مواطن تحدد الدولة مساره السياسي والثقافي ويصنف كرأي عام تتصرف الدولة في اختياراته السياسية (عند الانتخابات أو الاستفتاءات) أو الثقافية (عندما تقدم مادة ثقافية على أخرى أو تجعل من اللاثقافة ثقافة كما في المغرب) وهكذا.
°- المرحلة الثانية هي التي جاءت نتيجة ضغوطات القطاع الخاص لولوج "سوق التلفزة". حينها برز نظام تلفزي مختلط بين الخاص والعام: النظام مختلط، التمويل مزدوج (الضريبة والإشهار) والمشاهد مواطن مشترك.
°- عندما جاءت طفرة البث الرقمي عبر الكوابل وعبر الأقمار الصناعية ظهرت المرحلة الثالثة حيث القطاع الخاص هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة: المشاهد مستهلك والأداء يتم عن طريق الاشتراك أو من خلال الاستهلاك.
هذه مراحل كبرى مرت بها معظم تلفزات العالم مع العلم أنها في بعض الدول (كفرنسا مثلا) بقيت تشتغل وفق بعض المبادئ الكبرى الراسخة: المرفق العام، تنظيم من لدن مؤسسة مستقلة حتى وإن كانت معينة من لدن الدولة...الخ.
ماذا نلاحظ بالمغرب؟
نلاحظ أنه على الرغم من كل التحولات الحاصلة من حولنا لا زلنا إزاء: احتكار الدولة للتلفزة (بقناتيها) وحتى الإذاعة، تمويل عبر الضريبة وإلى حد ما الإشهار، المشاهد "مواطن" تفرض عليه المواد التلفزية بطريقة عمودية، لا تشتغل وفق المرفق العام ولا يؤخذ " الرأي العام" كمرجعية في تحديد أطراف الشبكة البرامجية.
الأمر لا يختلف كثيرا فيما يخص قطاع الاتصالات.
كل اتصالات العالم تشكلت تاريخيا وفق منطق الاحتكار (الطبيعي يقول البعض بحكم الاعتبارات الأمنية واعتبارات إعداد التراب الوطني...الخ.).
احتكار عام بكل دول العالم، خاص بالولايات المتحدة حتى بداية الثمانينات.
منذ بداية الثمانينات، ونظرا للتطور التكنولوجي واستنفاذ الشبكات لوظائفها التقليدية وتزايد احتجاج القطاع الخاص ووصول نخب إلى السلطة تكن عداء شديدا للاحتكار والقطاع العام...كل هذا حمل حمى خوصصة الاتصالات وتحرير أسواقها وقوض الاحتكار الخاص، بالولايات المتحدة بالأساس، وجعل أن الفاعلين الأساسيين في سوق الاتصالات هم الخواص.
ماذا يجري بالمغرب؟
ملكية عامة واحتكار عام على قطاع الاتصالات (البنية الأساسية) مع تحرير المطارف والأجهزة الطرفية من هاتف وفاكس وغيرها، دخول فاعل خاص في الهاتف النقال وبرمجة خوصصة 35 بالمائة من اتصالات المغرب في أفق خوصصة البقية الباقية.
بالتالي فعكس ما جرى ويجري بدول العالم، نلاحظ أن الفاعل الأساسي في الاتصالات بالمغرب يتخوصص قبل أن تستنفذ كل وظائفه (إعداد تراب وطني، صناعة اتصالات، البحث العلمي...الخ) ونسلمه للأجانب هدية وللحكومة هدية ما دامت المداخيل مبرمجة في ميزانية 2001.
- المعطى الثالث، بالعودة إلى التلفزة (كونها العنصر الأساسي في القطاع السمعي- البصري) هو أننا نلاحظ أن كل تلفزات العالم تتمحور حاليا حول ثلاثة اتجاهات:
+ تميز في عرض البرامج مع العمل على تحسين الصورة والصوت من خلال تقنيات ضغط الإشارة.
+ وفرة في العرض مع إدخال عنصر البرمجة الفردية وكذلك عنصر التفاعلية.
+ والعمل على توفير البرامج على جهاز واحد (الصوت والصورة والمعطى ...الخ) بغض النظر عن طبيعة الجهاز (حاسوب أم هاتف).
بمعنى أن العرض، من الناحية التقنواقتصادية هو المهيكل، لكن منطق الاستهلاك يؤثر بشكل قوي وكبير في توجه هذا العرض واتجاهاته.
ماذا نلاحظ بالمغرب؟
نلاحظ أن كل هذه الاتجاهات لا تستحضر، بالتالي فإن المنطق المتحكم هو أن البرمجة تتم بطريقة هرمية، باتجاه واحد يكون المشاهد بموجبها محايدا وفي الغالب سلبيا عندما يتوجه إلى القنوات الفضائية)، ليست هناك تفاعلية أو أدنى اعتبار لحاجة الجماهير بالمعنى الإعلامي لا السياسي للكلمة.
نفس الشيء بالنسبة للاتصالات: لا نعطي المستهلك وفق حاجته وطلبه بقدر ما نعطيه حسب ما توفره لنا التكنولوجيا. قد يكون الهاتف النقال استثناء، لكن عندما نلاحظ كيف دخل المنتيل إلى المغرب وشبكة تراسل المعطيات وتجووزت بسرعة، نتساءل عن طبيعة الاختيارات ومن يقوم عليها.
- المعطى الرابع هو أن السمعي- البصري (والتلفزة بالتحديد) هو صناعة قائمة بذاتها تتطلب رسا ميل ضخمة ورأسماليين جديين، مخاطرين، طويلي النفس لأن المر دودية في القطاع طويلة المدى سيما لو لاحظنا ما يتم من تجاذب حول التلفزة الرقمية التفاعلية.
الجانب الثاني هو أن كل تلفزات العالم منظمة بطريقة واضحة وفق قواعد لعبة واضحة:
+ منتجون حيث التمويل وإخراج البرامج للوجود.
+ مبرمجون حيث تجميع المواد والبرامج وإخضاعها لشبكة برامجية مبنية على تصور محدد.
+ وموزعون همهم البث التقني والبيع.
نفس الشيء بالنسبة للاتصالات: كل اتصالات العالم لها صناعيوها لإنتاج الكوابل والمبدلات والمطارف، لها مراكز بحوثها ولها فاعلوها... والوظائف موزعة بينهم بطريقة محددة.
ماذا نلاحظ بالنسبة للتلفزة بالمغرب؟
نلاحظ أننا لا نتوفر على رأسماليين إعلاميين بل أناسا لا يحتكمون إلا إلى منطق العقار والمسمار ولا نحتكم إلى توزيع في الأدوار: نجد في مادة إعلامية معينة أن المنتج والمخرج والموزع وصاحب القاعة (في السينما مثلا) هم شخص واحد..." موهوب" ...كيف للتلفزة أن تتقدم إذن؟
ثم في الاتصالات، لا يوجد لدينا صنا عيون في الاتصالات ولا مراكز بحث في الاتصالات ولا فاعلين يحتكمون إلى استراتيجية واضحة... كيف سيبنى " مجتمع الإعلام والمعرفة"؟
- المعطى الخامس هو أننا نلاحظ أن جل المشاهد السمعية-البصرية بالعالم تشتغل في فضاء أو محيط حسمت فيه القضايا الجوهرية الكبرى: القضية الديموقراطية، الثقافية، اللغوية وغيرها... وأصبحت التلفزة بداخلها سلطة رابعة قوية لدرجة بدأت المطالبة معها بضرورة خلق سلط مضادة لهذه السلطة.
ماذا نلاحظ بالمغرب؟
+ نلاحظ على مستوى هوية التلفزة أنها مرتبطة عضويا بالسلطة، بالمخزن بالمعنى التقليدي للكلمة. هي جزء من سلطة، من بناء، لا سلطة أو بناء قائما بذاته (أنظر التعيينات الأخيرة على سبيل المثال).
+ نلاحظ أن هذه التلفزة لا تعكس حركية المجتمع السياسية والثقافية واللغوية أو تدفع بهذه الحركية (على اعتبار أنه اليوم أصبح بالإمكان تقنيا أن تخلق كل لغة أو لهجة قناتها التلفزية ويحسم الأمر).
+ نلاحظ أن التلفزة لا تنتج المعلومة وإن أنتجتها فهي لا تنتجها بلغتها، فكيف لها أن تنتج الثقافة؟
هذا بالنسبة للتلفزة، نفس الشيء بالنسبة لقطاع الاتصالات: اسمان ماروك تلكوم واتصالات المغرب، أين هويتها؟
ثم أن الاتصالات منذ برزت أهميتها الاقتصادية لم تخضع لاختيارات استراتيجية، بل للمزاجية في القرار وكذلك في التسيير (مسؤولون سبق للقضاء أن أدانهم بعقوبات حبسية نافذة، فضيحة ابن وزير الداخلية السابق، تبذير المال العام في حملة إشهارية لا معنى لها...الخ).
- المعطى السادس يتعلق بإشكالية ما يسمى بالتقنين وإشكالية التنظيم.
التقنين بكل دول العالم (المتقدم أعني) كان مبررا عندما كانت الدولة صاحبة الملكية والاحتكار... والقطاع السمعي-البصري والاتصالات مركز ملكية وتسييرا بين يديها، بالتالي فالتقنين غالبا ما كان يتم من خلال نصوص تشريعية أو دفتر تحملات من لدن الحكومة.
في المرحلة الثانية عندما أصبح المشهد السمعي-البصري مختلطا والعرض السمعي-البصري مادة وظهرت القنوات التجارية، بقي التقنين ليحدد علاقات الاحتكار العام بالخواص وبرز التنظيم كشكل من أشكال تحديد قواعد اللعبة (ليس إلا) داخل السوق بين الفاعلين.
عندما أصبحت التلفزة خدمة والمشهد السمعي-البصري تعددي والاقتصاد اقتصاد شبكات وحوا سب، والإنتاج متعدد المصادر أصبح التنظيم السلعي هو القاعدة والتقنين هو الاستثناء.
ماذا نلاحظ بالمغرب؟
+ نلاحظ، على مستوى السمعي- البصري أننا ما زلنا في مرحلة ما قبل التقنين، فبالأحرى التنظيم (ولنا أن نلاحظ قانون الصحافة وجانب الحرية ضمنه).
+ ونلاحظ أننا خلقنا (بالاتصالات مثلا) مؤسسات للتقنين ونريد أن نخلق مثيلا لها في السمعي-البصري.
أين العطب في كل هذا؟ العطب في المقاصد لا في الوسائل: فنحن نتوفر على وزارة للتقنين (البريد والتقنيات الإعلامية بالنسبة للاتصالات ووزارة الاتصال فيما يتعلق بالسمعي-البصري).
أما التنظيم، فيجب أن نحدد ماذا نريد أن ننظم: الفاعلون قلائل والسوق صغير جدا وقواعد اللعبة غير واضحة. كيف ستطبق نظرية السوق؟
هذا إشكال كبير لا بد من الانتباه إليه.
- المعطى السابع، لو حاولنا أن نقيس كل ذلك على ضوء ظاهرة العولمة السائدة ما ذا نلاحظ؟
نلاحظ ثلاث حقائق لا سبيل لنا للتأثير فيها:
+ أولا، اقتصاد السمعي-البصري هو اقتصاد ما يسمى باقتصاد النماذج: تكاليف إنتاجه وإخراجه قارة وعالية لكن تكاليف إعادة الإنتاج والبث ضعيفة قياسا إلى التكلفة الأولية (مثال البرمجيات المعلوماتية مثلا).
من هنا مركزية شساعة السوق وأهمية فضاء الاستهلاك.
المغرب يجهل طبيعة هذا الاقتصاد ولا إمكانية له للفعل فيه وحتى إن تيسر له ذلك فسوقه ضعيف جدا حتى يضمن لهذه السلع تسويقا مربحا (أنظر الولايات المتحدة مثلا التي تغطي تكاليف سلعها بسوقها الداخلي وتكسر الأسعار خارجيا...كيف السبيل إلى منافستها؟).
+ ثانيا، وتيرة الإبداع التكنولوجي في الميدان السمعي-البصري وفي الاتصالات أصبحت اليوم أقل تحديدا من وتيرة الطلب ووتيرة نمو السوق: من هنا تحالفات الفاعلين الكبار لدخول أسواق بعضها البعض أو لاقتحام أسواق أخرى (اقتناءات أجزاء من رأسمال شركات بعضها البعض لدرجة أصبح من الصعب معها تمييز جنسية شركة من شركات السمعي-البصري أو الاتصالات...هي شركات عالمية تعمل وفق استراتيجية عالمية، لها سلع عالمية ولا مرجعية وطنية لديها...هذه هي العولمة).
+ ثالثا، رأسماليو السمعي- البصري والاتصالات( والمعلوميات أيضا) وحتى الفاعلون في النشر والسينما نوعوا أنشطتهم لدرجة يتعذر معها معرفة ميدان اشتغالهم الجديد، هل هو السوفت أم الهارد أم هما مجتمعين؟
بمعنى أننا أصبحنا اليوم بازاء شركات كبرى تجمع الاتصالات والسمعي- البصري والاسطوانة والسينما والنشر الإلكتروني...الخ ساعدتها في ذلك العولمة واللاتقنين والخوصصة والتحرير ومنظماتها المختصة (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية...الخ).
ماذا نلاحظ بالمغرب؟
نلاحظ أمران مهمان:
. أن المشهد السمعي- البصري بالمغرب قد تعولم في جانبه الاستهلاكي: كل قنوات العالم أصبحت تصل في حين أن قطاعنا التلفزي لا يغطي حتى تراب البلاد.
نفس الشيء بالنسبة للاتصالات: كل شركات العالم وسلعها وخدماتها وبرامجها قد دخلت السوق المغربي، تفعل فيه وستفعل أكثر عندما يتم التحرير الكامل.
. الأمر الثاني هو أننا لا يمكن أن نتوفر على صناعات إعلامية واتصالية في محيط ضيق كالمحيط الذي نراه في المغرب.
بالتالي تبرز ضرورة العمل المشترك (على مستوى البرامج التلفزية مثلا) أو على مستوى تنسيق الجهود في ميدان الاتصالات وفي ميدان الانترنيت بالخصوص باتجاه رقمنة المواد الإعلامية والثقافية العربية وتفعيلها على مستوى الانترنيت.
هذه هي التحديات الكبرى والجديدة لاقتصاد الإعلام والمعرفة: تحديات تتطلب عزيمة سياسية، رؤية لما يجب أن تكون عليه الأمور، تحديد قواعد اللعبة بين الذين يريدون الاشتغال وإتاحة فضاء من الحرية.
هذه الأمور غير متوفرة عندنا بالمغرب، وكلما تأخر توفيرها كلما ازدادت كلفة الفاتورة.
محاضرة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، الرباط، 20 دجنبر 2000.
منقول للإفادة