التنظيم القانوني للمسؤولية الجنائية للمشغل عن جرائم الشغل:
lمنقول للافادة
إن الواقع العملي يثبت ان المسؤولية الجنائية للمشغل يتقاسمها نوعان من الأشخاص: أشخاص طبيعيون وأشخاص معنويون أفرزهم التطور الاقتصادي، وتبعا لذلك سوى نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتناول في أولهما: المشغل كشخص طبيعي ونطاق مسؤوليته على أن نتناول في المطلب الثاني: المشغل كشخص معنوي ونطاق مسؤوليته.
المطلب الأول: المشغل كشخص معنوي ونطاق مسؤوليته
الفقرة الأولى: صفة المشغل كشخص طبيعي
إن المسؤولية الجنائية عن جرائم الشغل تنتسب بشكل واسع إلى رئيس المقاولة، إلا أن تعدد المهام داخل المقاولة ودقتها وتنوع الأنشطة، جعل من الصعب على رئيس المقاولة القيام بكل هاته المهام، وبالتالي فالضرورة استدعت تعدد الأشخاص واختلافهم باختلاف المهام،فتعددت مواطن المسؤولية الجنائية. وباستقراء الباب الثالث من المدونة نجده لم يحدد صفة المشغل، وحسب المفهوم التقليدي فإن رئيس المقاولة في مفهوم القانون الجنائي للشغل هو ذلك الشخص الذي يتبوأ سلطة القيادة للعمل على تطبيق واحترام قانون الشغل أي ينفرد بالإدارة الفعلية للمقاولة، إلا أن التطور الاقتصادي السالف الذكر جعل هذا المفهوم متجاوزا، حيث أصبح رئيس المقاولة هو كل شخص تم تفويضه من طرف رئيس المقاولة، وتنتقل إليه تبعا لذلك المسؤولية الجنائية عن جرائم الشغل.
ولتحديد صفة المسير الطبيعي يلزمنا الاعتماد على معيارين: أحدهما قانوني، ويتعلق الأمر بالمسير القانوني، والآخر واقعي ويتعلق الأمر بالمسير الفعلي.
وتبعا للمعيار القانوني (المسير القانوني) فإن إسناد صفة رئيس المقاولة لا يطرح إشكالا عندما تقترف الجريمة على مستوى مقاولة فردية، حيث أن المسؤول هو ذلك الشخص الطبيعي المالك، والمسري الساهر على الإدارة الفعلية والمراقبة الفعلية والمراقبة داخل المقاولة إلا أن الإشكال يطرح عندما يتعلق الأمر بشخص معنوي حيث يتعدد الأفراد الساهرون على الإدارة والتسيير والمراقبة، خدمة للبنية القانونية والإدارية. ففيما يخص شركات المساهمة هناك حالتان يجب التمييز بينهما: حالة شركة المساهمة ذات النمط التقليدي، أي ذات المجلس الإداري ، حيث يحمل رئيس المجلس الإداري صفة رئيس رئيس المقاولة نظرا لأهمية دوره، حيث تنص مثلا المادة 54 من ق.ش.م، على أنه يصادق رئيس مجلس الإدارة بمفرده أو أحد المديرين العامين على صحة نسخ محاضر المداولات أو مستخرجاتها. أما في شركات المساهمة التي تقوم بنيتها الإدارية على مجلس الإدارة جماعية، فطبقا لمقتضيات المادة 77 وما يليها من ق.17.95. المتعلق بشركات المساهمة، فإن تعيين المسؤول جنائيا أو إسناد صفة رئيس المقاولة قد يثير إشكالا، ومنبع هذا الإشكال أن الإدارة والتسيير تكون جماعية، فبخصوص المشرع المغربي لم يحدد من هو الشخص المسؤول جنائيا مكتفيا في المادة 373 بتوضيح المقصود بتعبير أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير في شركات المساهمة ذات مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة، فحتى القضاء لم يجتهد بدوره، وعلى العكس من ذلك فإن القضاء الفرنسي قد أسند صفة رئيس مقاولة في هاته الحالة إلى رئيس المجلس الإداري، واعتبره مسؤولا عن عدم احترام الحق في الراحة الأسبوعية، ونرى بأنه من غير المنطقي إسناد هاته المسؤولية الجنائية إلى رئيس المجلس الإداري، لابد من إثارة المسؤولية الجماعية لكل أعضائه. أما فيما يخص الشركات ذات المسؤولية المحدودة، فإن تحديد المسؤول جنائيا التي تسند له صفة رئيس المقاولة هو الشخص الطبيعي الذي يسير المقاولة إذا كانت مسيرة من طرف مسير واحد. أما إذا كانت إدارة الشركة من طرف عدة مسيرين؛ فالمسؤولية ستكون ولاشك جماعية ما عدا في حالة تقسيم المهام . أما في شركة التضامن أو شركة التوصية بالأسهم فإن صفة رئيس المقاولة المسؤول جنائيا تناط بالمدير الوحيد. أما الجمعيات التي تشغل أجراء والتي تخضع في علاقاتها بهم إلى القانون الجنائي للشغل، فإن رئيسها هو الذي يتحمل المسؤولية الجنائية، أما النقابات فإن المسؤولية تناط إما بالمديرين أو الأعضاء الإداريين المكلفين بالإدارة الداخلية للنقابة.
وتجدر الإشارة إلى إن إسناد صفة رئيس المقاولة تجد تبريرها في تطبيق مبدأ الشخصية في المساءلة والعقاب، فالقانون الجنائي للشغل أشبه بالقانون الجنائي العام في زجر العقوبات الشخصية إلا أن إسناد صفة رئيس المقاولة قد تتجاوز المعيار القانوني المتحدث عنه لترتكز على معيار واقعي يعتمد على أوضاع واقعية محضة لإسناد صفة رئيس المقاولة للمسير الفعلي، لم يتطرق المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة بتعريف المسير الفعلي، كما حافظ كل من القضاء والفقه على ضمتهما. إلا أنه يمكن تعريف المسير الفعلي من خلال تحليل وضعه القانوني وسلطته، بكل شخص يكتسب بتدخله السلطة والاستقلال التام لممارسة نشاط إيجابي للتسيير والإدارة داخل الشركة. إن اصطلاح المسير الفعلي هو اصطلاح لا ينضبط لمعايير محددة، فتعريفه لا يستند إلى سند قانوني كنظام ما أو عقد عمل أو إقرار مجلس إداري، فهذا الوصف يلحق بالأشخاص الذين لم تتم توليتهم قانونا أو تنظيما أو بناء على تفويض للسلطة ويمارسون مهام الإدارة والتسيير والمراقبة لنشاط وسير المؤسسة.
ولابد من الإشارة إلى من سيتحمل المسؤولية الجنائية في حالة تعدد المقاولات؟ في هذا الإطار لابد من التمييز بين حالتين: الحالة الأولى وهي إنجاز العمل الواحد من طرف مجموعة مقاولات: إن أهم أنواع الأعمال التي تعرف هذا النوع من التكتل المهني لأجل إنجازها تتمثل في أعمال البناء والأشغال العمومية، وأهم جرائم الشغل التي تعرف التحقق بمناسبة إنجاز هاته الأعمال تتمثل بصفة خاصة في خرق مقتضيات حفظ الصحة والسلامة التي قد تنجم عنها حوادث خطيرة ماسة بالكمال الجسماني. إن الذي يتحمل المسؤولية هو رئيس المقاولة وليس رئيس المقاولة المشغلة للضحية، وهذا التحويل في اتجاه المسؤولية يبقى رهينا بوجود شروط تعاقدية معينة كالالتزام بضمان سلامة الأجراء. أما الحالة الثانية فهي حالة إنجاز أعمال داخل المقاولة من طرف مقاولة خارجية: إن المقاولة مهما كان اختصاصها لن تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من حيث الأعمال التي يتطلبها استمرار قيام المقاولة نفسها، فالواقع يثبت أنه لإنجاز عمل داخل مقاولة معينة لابد من تدخل مؤسسة أخرى، وقد استقر القضاء الفرنسي على أنه إذا تعلق الأمر بمقاولة من الباطن، فإن المقاولة الرئيسية لا تتحمل المسؤولية الجنائية إلا عندما يكون المقاول الرئيسي قد التزم بضمان السهر ومراقبة مجموع أجراء المقاولات المعنية.
الفقرة الثانية: الإطار القانوني لمسؤولية المشغل كشخص طبيعي
إن المشغل الشخص الطبيعي يتحمل المسؤولية الجنائية عن الأفعال المجرمة التي ارتكبها شخصيا، كما يمكن أن يسأل عن أفعال الغير التابعين له، وهاته هي الخصوصية التي يتميز بها القانون الجنائي للشغل، يمكن إثارة المسؤولية لرئيس المقاولة عن فعله الشخصي، ويكفي لتحقق ذلك أن تكون التصرفات المجرمة مرتبطة بوظائفه، وأن يكون ما تم ضبطه مخالف للقانون وناجم عن فعله الشخصي. وتتغير حدود المسؤولية الجنائية لرئيس المقاولة حسب نوع الجريمة المرتكبة وحسب حجم المقاولة. ومسؤولية رئيس المقاولة عن فعله الشخصي لا يتصور تحققها دون تدخل شخصي، هذا التدخل الذي يكون تدخلا محدودا فقد يكون تدخلا يستجيب لاختلاف وتنوع مهام الإدارة داخل المقاولة، فيتمثل التدخل المحدود لرئيس المقاولة في مجموعة من الجرائم التي لا يمكن تصور تحققها دون تدخل هذا الأخير، أي أنها تستنبط وجودها المادي من قرارات صادرة مباشرة عنه: كتحديد الأجور دون النزول عن الحد الأدنى المقرر قانونا ، الحيلولة دون التمييز بين الأجراء سواء في أداء الأجور أو في الترقية المهنية أو الجزاءات التأديبية.
احترام المسطرة الإدارية السابقة عن إغلاق المؤسسة وتسريح الأجراء لأسباب اقتصادية، مسك السجلات والدفاتر المتعلقة بالأجور والأجراء..إلى غير ذك من الحالات التي لا يتصور البث بشأنها لقرارات صادرة عن رئيس المقاولة. ما عدا في حالة تفويض هاته الاختصاصات لأحد التابعين. ويمكن أن يتدخل رئيس المقاولة حسب تنوع مهام الإدارة داخل المقاولة، فتحديد ما إذا كان الفعل المجرم المرتكب خرقا لمقتضيات قانون الشغل يعود لفعل شخصي لرئيس المقاولة أم لشخص آخر يشد حينما يتعلق الأمر بمقاولة من الحجم الكبير، ففي بعض الأحيان يمتد ليشمل حتى المقاولات المتوسطة الحجم حيث يتم توزيع المهام بين مختلف الفاعلين داخل المقاولة اعتمادا على التراتب السلمي، استجابة لعدم تمركز السلطة والقرار داخل المقاولة، ويبقى التدخل الشخصي للمشغل سيد الموقف مما يقتضي الاعتماد على معيار في التنظيم الداخلي للمقاولة وتوزيع الوظائف لتحديد ما إذا كانت جريمة الشغل تعود لفعل شخصي لرئيس المقاولة أم لا.
ـ مسؤولية المشغل عن أفعال التابعين له:
القاعدة العامة في القانون الجنائي هو أن الشخص لا يمكن مساءلته إلا أن الأفعال الجرمية التي ارتكبها شخصيا، أي شخصية العقاب وبالتالي شخصية المسؤولية الجنائية وهو ما نص عليه الفصل 132 من ق.ج.م، ولكل قاعدة استثناء، حيث نجد أن ق.ج يتدخل ليقرر مسؤولية المشغل عن فعل تابعيه، ومثال ذلك مسؤولية رئيس المقاولة عن أخطاء اجرائه، لكن ما هو أساس مسؤولية رئيس المقاولة عن فعل تابعيه؟. إن موقف القضاء المؤيد لإقرار مسؤولية رئيس المقاولة عن أفعال تابعيه لم يجد صدى لدى أغلب الأوساط الفقهية، فظهر اتجاه معارض يدافع عن القاعدة الأساسية التي تم المس بها بإقرار هذا النوع من المسؤولية ويتعلق الأمر بقاعدة شخصية العقاب.
في حين ظهر اتجاه ثان ينادي بتحميل المشغل المسؤولية لكونه يبقى مسؤولا عن فعل تابعيه، في حين ذهب اتجاه ثالث على أن أساس مسؤولية المشغل عن أفعال تابعيه تستند على تلك السلطة التي يمارسها اتجاه أجرائه. والسبب الوحيد الذي يعفيه من المسؤولية الجنائية هو تفويض السلطة.
المطلب الثاني: المشغل كشخص معنوي ونطاق مسؤوليته
لقد عرفت المسؤولية الجنائةي للأشخاص المعنوية جدلا كبيرا في أوساط الفقه بين المعارضة لهذه المسؤولية والنظرية الحديثة التي تؤكد هذه المسؤولية.
سنحاول في هذا المطلب أن نحدد صفة المشغل كشخص معنوي (الفقرة الأولى) ثم تناول تحديد نطاق وإطار مسؤولية المشغل كشخص معنوي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: صفة المشغل كشخص معنوي
أولا: طبيعة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
لتحديد صفة المشغل يلزم الانطلاق من إثارة إشكالية حول إمكانية أن ينسب خطأ إلى شركة باعتبارها شخصا معنويا مستقلا وقائما بذاته حتى يتقرر مساءلته جنائيا؟
فهناك من يرى بأن الشخص المعنوي يستعصي على الخضوع لقواعد الأخلاق مثل قواعد قانون الشغل، فحتى نتحدث عن وجود التزام أدبي أو معنوي قانوني، يلزم أن يكون الملزم به قابلا للخضوع لمثل تلك القواعد، وأن تقترن مخالفة القاعدة بجزاء أي مسؤولية، ولا يرد الجزاء إلا على كائن أو شخص له القدرة الذاتية على التصميم والإرادة التي لا بها إلا من له إرادة مستقلة، فالشخص المعنوي لا يصلح لتوجيه خطاب الشارع إليه لانعدام قدرته على الإدارة ولعدم استطاعته الامتناع عن ما منعه القانون، وبالتالي تكون مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية ضربا من العبث الذي يتجاوز المنطق القانوني التقليدي المبني على قاعدة شخصية العقوبة، فتحميلها للشخص المعنوي قد نمدد العقوبة إلى أشخاص آخرين وهم الأشخاص الطبيعيين المكونين للشخص المعنوي.
لكن الفقه القانوني الحديث ومجمل التشريعات الجنائية ميزت بين الشخص المعنوي عن الشخص الطبيعي فيما يخص المسؤولية الجنائية والعقاب، واعتمدت في ذلك على غياب عنصر الإرادة والإدراك وحرية الاختيار لدى الشخص المعنوي، مع مراعاتها التطورات التي تشهدها المجتمعات الحديثة في المجال الاقتصادي والصناعي والتجاري ومصاحبة النص القانوني لهذا التطور الذي حاول تأطير الدور الأساسي للأشخاص المعنوية في الحياة الاقتصادية، مع أن قواعد المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية تبقى مختلفة عن المسؤولية الجنائية للمشغلين الأشخاص الطبيعيين سواء من حيث الأساس الذي تقوم عليه أو من حيث نوعية العقوبات المخصصة لتلك الأشخاص.
فالشخص المعنوي أصبح اليوم وعلى سبيل القطع تكوينا قائما وموجودا ومؤكدا في كل الأنظمة القانونية المتطورة، ولعله يكفي لإثبات ذلك تنظيم المشرع المغربي لهذا الإطار سواء في قانون الشركات...، وأما مقتضيات القانون الجنائي للشغل المغربي يفيد عدم القدرة على الجزم بإمكانية مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، فمعظم نصوصه تتحدث إما عن المسؤولية الجنائية للمشغل (المادة 12) أو مسؤولية رئيس المقاولة (326 م.ش)، مع أن هذه النصوص تتحدث بالأسلوب المبني للمجهول، ولكن هناك استثناءات، حيث صرح أو نظم المشرع الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم المرتبطة بالميدان الجمركي في إطار القانون الجنائي الجمركي نفسه، وكما صرح في القانون المعدل لظهير 16 يوليوز 1957 بشأن النقابات المهنية والمتمثل في ظهير 15 فبراير 2000 الذي صرح في مادته 3 على إمكانية مساءلة الشخص المعنوي من عرقلة ممارسة الحق النقابي وهو ما يستفاد معه أن كل عرقلة لممارسة الحق النقابي من شأنها أن تثير مسؤولية الشخص المعنوي إذا كان هذا الأخير هو الفاعل المادي للجريمة نظرا لصراحة النص، وهي قاعدة لا يمكن تمديدها لتشمل خرق كل مقتضيات قانون الشغل وذلك استجابة للمبدأ القانوني القاضي بعدم التوسيع في تفسير النص الجنائي الذي يعد ثمرة لمبدأ شرعية التجريم والعقاب.
كما أنه برجوعنا إلى الشريعة العامة القانون الجنائي العام نجد أن المشرع ابنى الاتجاه المؤيد للمسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية، من خلال تحديده للعقوبات الواجبة التطبيق على الأشخاص المعنوية، سواء من خلال الفصل 127 من ق.ج، ونفس النهج سار عليه في جرائم الإرهاب في المادة 218 فقرة 4 من ق.ج، لكن ما هو أساس المسؤولية.
ثانيا: أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي:
من خلال استقراء قواعد القانون الجنائي العام والخاص وكذا القانون الجنائي للشغل، يظهر أن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ترتكز على ثلاثة أسس قانونية:
ـ الأساس الأول: المادة 127 من ق.ج والتي اختلف الفقه في اعتبارها أساسا، فهناك من يرى أن المادة 127 من ق.ج تعتبر كاستثناء من القاعدة العامة أي الفصل 132 من ق.ج التي تنص على أن المسؤولية الجنائية لا تصح إلا على الشخص المتمتع بالعقل والإرادة والتمييز أي الشخص الذاتي فقط، بينما يرى الففه الغالب أن المادة 127 من ق.ج هي القاعدة العامة لمساءلة الشخص المعنوي بدون استثناء، وهو ما تبناه القضاء المغربي في حكم المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 3 يوليوز 1984 الذي جاء في حيثياته: (إن مدير شركة "ريف صول" أصدر شيئا بدون رصيد، وكان الشيك على ملكية الشركة، وهي شركة مجهولة الإسم وبالتالي فالشركة هي المعتبرة مصدرة الشيك..).
ـ الأساس الثاني: هو المادة 9 من ق.م.ج لقانون 03-03 من ق.م.م.ج، وظهير رقم 262-58-1 الذي أسند الاختصاص في الدعاوى المدنية التابعة سواء كان المسؤول عن الأضرار المسببة شخصا ذاتيا أو معنويا، حيث أعطى الاختصاص للقضاء الزجري في هذه الحالة رغم أن القاعدة اختصاصه في الدعاوى العمومية.
ـ الأساس الثالث: طبقا للمواد 678 إلى 686 من قانون 03-03 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والمرتبط بخلق بطائق للسجل العدلي خاصة بالأحكام والعقوبات الصادرة ضد الأشخاص المعنوية والشركات مع النص على إمكانية رد الاعتبار للأشخاص المعنوية من طرف حكم قضائي كما هو الحال بالنسبة لأحكام رد الاعتبار في قضايا الشخص الطبيعي.
وخلاصة القول أن المشرع المغربي في مدونة الشغل لم يشر إلى مسؤولية المشغل الشخص المعنوي عن الجرائم المرتكبة في ميدان الشغل، مع أنه كان مفروض فيه أن ينظم هذه الجرائم ويضع إطارها القانوني وذلك لخصوصيات العلاقات الشغلية وكذا لخصوصيات الفاعلين في ميدان الشغل (المشغل/الأجير) ومراعاة منه لظروف والمكان المفترض لوقوع هذه الجرائم (المصنع)، وذلك على غرار المشرع الفرنسي في الفصل 121 من ق.ج الفرنسي، وكذا المادة 227 من مدونة الجمارك، فما هي شروط هذه المسؤولية.
ثالثا: شروط إثبات المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي:
لإثبات المسؤولية الجنائية للشخص يلزم أولا أن يكون مرتكب الفعل الذي يعد جريمة مديرا أو مسيرا أو عضوا لإدارة المقاولة أو ممثلا لها، لأن ارتكاب جريمة الشغل من طرف هؤلاء يعتبر نتيجة منطقية لطبيعة هذا الشخص لأنه لا يستطيع مباشرة أي نشاط مادي إلا ‘ن طريق أحد أعضائه أو ممثليه وهم لديهم السلطة للتصرف باسم الشخص المعنوي، وقد يكون ممثلا قانونيا كأعضاء التسيير أو ممثلا اتفاقيا كالحالة التي يوكل فيها الشخص المعنوي شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا آخر للتصرف أو ممثلا قضائيا.
كما يجب أن يرتكب الفعل المحظور في القانون الجنائي للشغل باسم الشخص المعنوي الذي ينتمي إليه الشخص الطبيعي بطريقة قانونية، حيث آنذاك يتحمل الشخص المعنوي المسؤولية الجنائية مع ضرورة أن يكون هذا الفعل المجرم داخلا في الاختصاص القانوني للشخص الطبيعي بارتكابه، مع ضرورة أن يكون الهدف من ارتكاب هذا الفعل هو جلب منفعة للشخص المعنوي، وليس لتحقيق منفعة خاصة يتوخى الفاعل (الشخص الطبيعي) الحصول عليها لنفسه، فعبارة (لحساب الشخص المعنوي)، هي محور وأساس تمديد المتابعة من الشخص الطبيعي ومساءلة الشخص المعنوي.
الفقرة الثانية: نطاق مسؤولية المشغل كشخص معنوي
لنتناول نطاق مسؤولية المشغل كشخص معنوي يلزم (أولا) أن نتحدث عن النطاق الشخصي، ثم نحاول تناول النطاق الموضوعي لهذه المسؤولية في (ثانيا).
أولا: النطاق الشخصي:
إن القاعدة العامة أن كل المجتمعات المتمتعة بشخصية معنوية والخاضعة لتطبيق قانون الشغل كشركات المساهمة التي ينص الفصل 7 من القانون المنظم لها بربط تمتع الشركة المعنوية بتاريخ القيد في السجل التجاري، ففي علاقتها مع أجرائها تعد مسؤولة جنائيا في حالة خرق مقتضيات قانون الشغل، وذلك سواء تعلق الأمر بأشخاص معنوية ذات هدف مربح أم لا، لها الجنسية المغربية أم الأجنبيى.
فإثارة المسؤولية الجنائية لمختلف الأشخاص المعنوية نتيجة خرق مقتضيات قانون الشغل يعد أمر طبيعيا وبالمقابل فكل الشركات والمقاولات التي لا تملك الشخصية المعنوية لا تطالها المساءلة الجنائية، وما يثار هو هل يسأل جنائيا الشخص الذي يتيمز بوجود قانوني غير واضح؟ وذلك خلال عدة مراحل إما في مرحلة تكوين الشخص المعنوي أو إنشائه، وهنا لا يتوفر على وجود قانوني حقيقي، إن الذي يتصرف لفائدة المقاولة المستقبلية هم الأشخاص الطبيعيين وبالتالي لا يمكن متابعة شخص لا يتوفر أصلا على وجود قانوني حقيقي ولا حتى على إرادة خاصة وعليه تجب متابعة الأشخاص الطبيعيين الذين قانونا بارتكاب الجرائم خلال هذه الفترة.
أما في حالة الأشخاص المعنوية في طور التصفية، فإن القانون يفيد أن انحلال الشركة بسبب تصفية الشخص المعنوي مع أن الشخصية المعنوية لا تختفي دفعة واحدة بل إنها تظل قائمة لأغراض التصفية إلى حين اختتام إجراءاتها، لكن القاعدة أن كل جريمة لا ترتبط بضرورات التصفية لا يمكن إثارة مسؤولية الشخص المعنوي بشأنها.
أما فيما يخص تغيير الوضع القانوني للشخص المعنوي، إما بسبب الإرث أو البيع أو الإدماج أو تحويل المشروع أو تقديمه حصة في شركة حسب الفصل 754 من ق.ل.ع، فالإجابة على هذا الوضع تختلف من تصرف إلى آخر.
ثانيا: النطاق الموضوعي:
من خلال ما سبق الإشارة إليه يظهر أن مقتضيات قانون الشغل لم تسعفنا في تحديد الجهة المسؤولة عن جرائم الشغل بصفة صريحة، فالقانون تارة يستعمل كلمة مشغل، وفي فصول أخرى نجد عبارة المبني للمجهول وعندما نعود إلى البحث عن تعريف المشغل يلزم الرجوع إلى المادة 6 من مدونة الشغل (يعد المشغل كل شخص طبيعي أو اعتباري خاصا كان أو عاما يستأجر خدمات شخص ذاتي واحد أو أكثر..) مع أن مجموعة من الفصول نجدها جميعها تبدأ بـ يجب على المشغل.
فهذه الفصول من خلال استقرائها لا تحدد لهن مناط المسؤولية هل بالشخص الطبيعي أو المعنوي، لكن مادام أن الملتزم قانونا بمقتضيات مدونة الشغل هو المشغل تأسيسا على الفصل من مدونة الشغل، حيث متى توفرت الشروط المذكورة في هذا الفصل كلما تثار المسؤولية، بعدم تحديده للأفعال التي يمكن أنتنسب إلى الشخص المعنوي وبالتالي ضيق من النطاق الموضوعي لها.
فالمشغل يكون مسؤولا جنائيا كلما خرق مقتضيات زجرية في مدونة الشغل كقاعدة عامة، ولا يمكن أن يعفي من هذه المسؤولية متى توفرت حالات خاصة بل يمكن أن تكون المسؤولية قائمة ولا تسقط لكن يعفى من العقوبة وهنا نكون أمام حالات الإعفاء.
الفصل الثاني: العقوبات الجنائية في قانون الشغل
لقد أصبح من السمات البارزة في الفكر القانوني المعاصر توظيف قواعد القانون الجنائي غيره من فروع القانون العام والخاص على حد سواء، لدرجة أن القانون الجنائي العام لم يعد هو المرجع الوحيد في حصر الجرائم والعقوبات فتجرم أفعالا لم يجرمها، وتفرض عليها عقوبات أصلية وتكميلية تتناسب مع هذه الجرائم، وقانون الشغل نص بدوره على عدة عقوبات زجرية تطال كل من يخالف أحكامه.
إن العقوبات الجنائية التي يمكن تسليطها في حالة مخالفة أحكام قانون الشغل لا تختلف في جوهرها عن العقوبات التي تقرها النظرية العامة للقانون الجنائي، وتنقسم هذه العقوبات إلى قسمين: عقوبات أصلية (المبحث الأول) ثم عقوبات إضافية(المبحث الثاني).
المبحث الأول: العقوبات الأصلية
تعتبر عقوبة الغرامة وعقوبة الحبس من أهم العقوبات التي تطبق لزجر جرائم الشغل، أما العقوبات التي نص عليها الفصل 16 من القانون الجنائي فلا مجال لتطبيقها، باعتبارها عقوبات جنائية أصلية من جهة، ولخصوصية المجال المرتكبة فيه من جهة أخرى.
وعليه، سوف نحاول التطرق إلى عقوبة الغرامة (المطلب الاول) ثم عقوبة الحبس (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الغرامة
عرف المشرع الجنائي الغرامة في الفصل 35 من القانون الجنائي بقوله: "الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود، بالعملة المتداولة قانونا في المملكة".
وتكون الغرامة عقوبة جنحية عندما يتعدى الحد الأقصى 1200 درهم، أما إن هو كان 1200 فأقل، فإن هذه الغرامة إذ ذاك لا تكون عقوبة جنحية.
وقد اعتمد القانون الجنائي للشغل الجاري به العمل على عقوبة الغرامة بشكل واسع في زجر جرائم الشغل، إذ نص عليها في جل نصوصه سواء كعقوبة منفردة، أو كعقوبة اختيارية مع عقوبة الحبس، مع الإشارة أن قانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل قد تحاشى العقوبات الحبسية واكتفى بالعقوبات المالية باستثناء حالات قليلة، كالأفعال الواردة في المادة 40 من مدونة الشغل، حيث لم يقرر بشأنها أية عقوبة مالية أو حبسية الشيء الذي تبقى معه خاضعة للمقتضيات القواعد الجنائية العامة، وأيضا المادة 151/2 من مدونة الشغل. وإذا كان المشرع من خلال مدونة الشغل قد حاول تشديد الغرامات لزجر جرائم الشغل، فإن بعض الظهائر تتميز بهزالة عقوبة الغرامة، كما هو الشأن بالنسبة لظهير 24 دجنبر 1960 بشأن النظام الأساسي لمستخدمي المقاولات المنجمية الذي لازال ساري المفعول بمقتضى المادة 3 من مدونة الشغل، حيث يتعرض مرتكب مخالفات هذا الظهير والقرارات الصادرة بتنفيذه لغرامة يتراوح قدرها ما بين 13 و18 درهم، وترفع في حالة العود إلى مبلغ يتراوح ما بين 20 و120 درهم.
إن المشغل الذي تثار في مواجهته المسؤولية الجنائية، يكون عرضة لعقوبة الغرامة، تتميز بخصيصة لا مثيل لها في القواعد العامة من القانون الجنائي، ويتعلق الأمر بخاصية تعدد الغرامة بتعدد المخالفات المرتكبة، وهذا التعدد ينبغي أن يساوي عدد الأجراء الذين كانوا ضحايا المخالفة وهي بذلك تخرج عن مقتضيات الفصل 118 من ق.ج.
وفي هذا السياق ميز الفقه بين نوعين من الالتزامات الملقاة على عاتق رب العمل، فهناك التزامات تنظيمية وهي عبارة عن كافة الإجراءات والسجلات واللوائح والترتيبات التي رأى المشرع ضرورة توافرها في المؤسسات قصد حسن سير العمل واستتباب النظام الداخلي، مسك السجلات المطلوبة قانونا، ثم كأداء الأجور في القوت المحدد، وتسليم بطاقة العمل، فهذه الالتزامات هي التي تتكرر فيها العقوبة بتعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم احترام القانون. فمثلا لو امتنع المؤاجر عن دفع أجور مائة من عماله في الميعاد المحدد لذلك فإنه يعتبر مرتكبا للمخالفة المنصوص عليها في المادة 363 من مدونة الشغل المعاقبة بمقتضى المادة 375 من المدونة نفسها، فإذا حكم عليه بغرامة قدرها 400 درهم فإنه يجب النص في الحكم على تكرار هذه الغرامة بقدر عدد العمال، وبذلك يبلغ مجموع الغرامة 400 د x100ع= 40.000 درهم.
إن قاعدة تعدد الغرامات بتعدد الأجراء التي تطبق على المشغل الذي انتهك الحقوق الأساسية للأجراء تبقى مجرد استثناء، ومع ذلك فهي إلزامية وليست اختيارية، فلا تطبق بشأنها ظروف التخفيف، كما أن المحكمة ملزمة بالتنصيص في حكمها على عدد العمال الذين وقعت المخالفة بشأنها.
والجدير بالملاحظة أن القضاء الفرنسي قد لجأ إلى وضع حدود مقلصة لدائرة إعمال هاته القاعدة معتبرا أن هذا النظام الجزائي الخاص، يجب أن يكون هناك تزامن بين ارتكاب عدة جرائم للشغل، فإعمال قاعدة تعدد الغرامة بتعدد الأجراء المرتبكة بشأنهم الجريمة لا يسمح به إلا في حدود عدد الأجراء المعنيين بالجريمة والجرائم المرتبكة، فلا يجب أن يتم تعداد الأجراء الوارد ذكرهم في كل محاضر ضبط جرائم الشغل إذا كانت هاته الجرائم أو في جزء منها نفس الأجراء كما أن القضاء التونسي ومن خلال قرار محكمة التعقيب ذهب في نفس الاتجاه.
علاوة على هذه الحدود التي أقرها القضاء، عمل المشرع الجنائي للشغل على وضع حدود من نوع آخر تتمثل بصفة في إقراره في العديد من الحالات بأن قيمة الغرامة لا يجب أن تتعدى حدودا يسميها لها، والمثال على ذلك المواد 25-78-129.. من مدونة الشغل وهو نفس الموقف الذي تبناه القانون التونسي من خلال الفصل 236 من مجلة الشغل بقوله: "يعاقب بنفس الخطية المنصوص عليها بالفصلين 234 جديد و234 مكرر من هذه المجلة على كل عامل مستخدم في ظروف مخالفة للأحكام القانونية والترتيبية أو التعاقدية، إلا أنه لا يجوز أن تفوق جملة الخطايا خمسة آلاف دينار"
ويبدو أن نية المشرع قد انصرفت إلى زجر المشغل في إطار لا يضر بذمته المالية المرتبطة بالذمة المالية للمقاولة، خاصة في المقاولات ذات الحجم الصغير والمتوسط والتي قد تنعكس سلبا على استمرار العمل.
والجدير بالذكر، أن قاعدة تعدد الغرامات قد عرفت الكثير من الجدل في أوساط الفقه حول مدى فعاليتها، فإذا كان البعض يرى بأن العقوبات جد ضعيفة لأنها تتجلى في غرامات هزيلة وغير فورية إضافة إلى أنها تتطلب مساطر قضائية وتنفيذية قد تطول لأسباب متعددة، فإنها تكون أحيانا غرامة للإدارة وليس لمرتكبيها. أما الاتجاه الثالث فيبدي نوعا من التحفظ موضحا أن الجزاءات الجنائية في قانون الشغل ليست بالمسألة السهل إقرارها، إذ يثير مجموعة من المشاكل تتعلق بمدى فعاليتها، والتخوف من أن يؤدي إلى نتائج سلبية أكثر خطورة من خرق القاعدة التي ترمي إلى حمايتها، فإثقال كاهل المؤسسة بغرامات قد يؤدي بها إلى الإقفال أو تخفيض نشاطها.
لذلك، فإن دراسة الجزاءات يجب أن لا ينسينا مكونات وخصوصيات علاقة الشغل بهدف ضمان فعالية القانون الجنائي للشغل.
المطلب الثاني: الحبس
إن عقوبة الحبس كعقوبة سالبة للحرية تطبق في الجنح التأديبية والضبطية طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 17 من ق.ج فعقوبة الحبس لا تحتل إلا حيزا ضيقا في ظل القانون الجنائي للشغل، فهي عقوبة لم يتم توظيفها إلا في حالات جد محدودة، وهاته الحالات القليلة نادرا ما تكتسي طابعا إلزاميا، إذ يطغى عليها الطابع الاختياري مع عقوبة الغرامة ولا تكتسب الطابع الإلزامي في التطبيق إلا في حالة العود إلى الجريمة ومع ذلك يبقى لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية الواسعة للحكم بالغرامة أو الحبس في حالة العود. كما أنها لا تطال إلى المشغل كشخص طبيعي دون المشغل الشخص المعنوي وقد جاءت مدونة الشغل الجديدة لتكرس هذا التوجه، حيث تحاشى المشرع العقوبات الحبسية إلا في نصوص قليلة، إلا أن المشرع التونسي لم يجعل العقوبة الحبسية اختيارية مع عقوبة الغرامة في حالة العود بل جعلها إجبارية.
وبإقرار القانون الجنائي للشغل لعقوبة الحبس، يكون قد اعترف بالطابع الجنحي لبعض جرائم الشغل معتمدا في ذلك على خطورتها بالنسبة لعلاقات العمل ومن أهم هذه النصوص التي قرر فيها المشرع العقوبة الحبسية نذكر:
ـ المادة 12/ فقرة أخيرة من مدونة الشغل "..يعاقب المشغل عن مخالفة أحكام المادة 10 بغرامة من 25.000 إلى 30.000 درهم. وفي حالة العود تضاعف العقوبة والحكم بحبس تتراوح مدته بين 6 أيام و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ـ المادة 151 من مدونة الشغل "يعاقب بغرامة من 25.000 إلى 30.00 درهم على مخالفة المادة 143، وفي حالة العود تضاعف الغرامة والحكم بحبس تتراوح مدته بين 6 أيام و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ـ الفصل 357 مكرر الذي أضيف إلى ظهير 6 فبراير1963 بمقتضى قانون رقم 18.01 الصادر في 23 يوليوز 2002 والذي عاقب كل مؤاجر امتنع عن إبرام عقود التأمين المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 330، وفي حالة العود يمكن الحكم علاوة على الغرامة المالية بالحبس لمدة تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر.
علاوة على هذه الأمثلة هناك بعض الأفعال التي أخضعها للقانون الجنائي العام من بينها:
ـ الأفعال الواردة في المادة 40 من مدونة الشغل كالتحرش الجنسي، حيث عرفه الفصل 1-503 بكونه استعمال ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها لها مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية، حيث تكون عقوبة الحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من 5000 درهم إلى 50000 درهم.
ـ التحريض على الفساد، حيث يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وغرامة من 250 إلى 10.000 درهم طبقا للفصل 498 من ق.ج.
ـ استعمال أ ي نوع من أنواع العنف أو الاعتداء، حيث يعاقب طبقا للفصول 400-401-402 من ق.ج.
ـ السبب الفادح والذي يعاقب عليه بغرامة يتراوح قدرها ما بين 5000 إلى 10.000 درهم طبقا للفصل 48/2 من ظهير 15 نونبر 1958 بشأن قانون الصحافة كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى قانون رقم 77.00 .
نافلة القول، إن العقوبة السالبة للحرية التي اتخذها المشرع لزجر المشغل المخالف لمقتضيات قانون الشغل تبدو ثانوية إذا ما قورنت بعقوبة الغرامة، والتبرير المنطقي لهذا التوجه هو المرونة التي يجب أن يتسم بها قانون الشغل، ثم تجنب الآثار السلبية العامة لعقوبة الحبس المتمثلة في إفساد المحكوم عليه، إلى جانب تفادي الآثار الاجتماعية التي قد تحملها عقوبة حبس المشغل من إغلاق للمؤسسة.
المبحث الثاني: العقوبات الإضافية
تكون العقوبات إضافية بحسب الفقرة الثانية من الفصل 14 من ق.ج عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية علاوة على العقوبات الأصلية يحتوي القانون الجنائي للشغل أيضا على عقوبات تكميلية تمكن من ملاءمة العقوبة الجزائية للطبيعة الخاصة للمخالف وكذا شخص المخالف.
ومن أهم العقوبات الإضافية نشر الحكم الصادر بالإدانة (المطلب الأول) حل الشخص المعنوي (المطلب الثاني) ثم إغلاق المؤسسة (المطلب الثالث).
المطلب الأول: نشر الحكم الصادر بالإدانة
وهو تعليق الحكم الصادر ضد المؤاجر المحكوم عليه على أبواب المؤسسة أو القيام بنشره في الصحافة اليومية، ونشر الحكم يطال المشغل سواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا.
وبالرجوع إلى الفصل 48 من ق.ج نجد المشرع قد نظم طريقة النشر ثم مدته حيث جاء فيه: "للمحكمة في الأحوال التي يحددها القانون أو تأمر بنشر الحكم الصادر بالإدانة كلا أو بعضا في صحيفة أو عدة صحف تعينها، أو بتعليقه في أماكن تبينها، والكل على نفقة المحكوم عليه من غير أن تتعدى صوائر النشر ما قدرته المحكمة لذلك ولا أن تتجاوز مدة التعليق شهر واحدا".
إن تطبيق هذه العقوبة رهين بوجود نص صريح في القانون يتيح الحكم بها، بحيث إذا انعدم هذا النص فلا يمكن الحكم بها من طرف القاضي على أي شخص طبيعيا كان أم معنويا لانعدام الأساس القانوني.
وفيما يخص نشر مضمون الحكم أو جزء منه في الصحف اليومية، فإن الحكم ذاته يحدد اسم الصحيفة ومدة النشر وتحميل المحكوم عليه المصاريف اللازمة، علاوة على تعليق الحكم على أبواب المؤسسة أو المصنع والتي اعتاد العموم والعمال المرور منها.
وإذا كان المشرع الفرنسي للعمل قد وسع من مجال تطبيق هذه العقوبة فإن مدونة الشغل الجديدة قد تخلت تماما عن هذه العقوبة، الشيء الذي دفع بعض الفقه إلى انتقاد هذا التوجه، على اعتبار أن نشر الحكم الصادر بالإدانة يكون له ردعي وزجري، عكس الغرامة الجنائية التي يتم أداؤها، وربما قد يستفيد منها المؤاجر ما يساوي أو يضاعف قيمة هذه الأخيرة (كعدم احترام الحد الأدنى للأجر، تشغيل الأجراء دون راحة أسبوعية...).
المطلب الثاني: حل الشخص المعنوي
بعد أن أقر المشرع الجنائي مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية، كان من الطبيعي أن يوجد العقوبات التي تتلاءم وطبيعة هذا الكائن الجديد، ولذلك لم يوجز الحكم عليه إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5-6-7 من الفصل 36 من ق.ج دون تنظيم للإطار العام لإعمالها، عكس ما ذهب إليه المشرع الفرنسي الذي ربط إمكانية تطبيق هاته العقوبة الإضافية بحالتين: الأولى تتمثل في إنشاء الشخص المعنوي بغرض ارتكاب أفعال مجرمة، والثانية تتمثل في انحراف الشخص المعنوي عن الغرض التي أنشئ لأجله.
وتعرف هذه العقوبة تطبيقا ضيقا في إطار القانون الجنائي للشغل، حيث نص عليها المشرع في حالتين فقط: الأولى تتعلق باتحادات النقابات المهنية، والثانية تخص النقابات المهنية.
وفي هذا السياق، جاء في المادة 426/1 من مدونة الشغل أنه إذا ثبت وجود مبرر لحل النقابة المهنية بسبب مخالفة أحكام هذا القسم، فإن حلها لا يقع إلا من قبل القضاء وبالتماس من النيابة العامة، وهذه العقوبة تطبق أيضا على اتحادات النقابات المهنية بمقتضى المادة 422 من نفس المدونة التي أحالت على المادة 426.
إن التفسير المنطقي للنطاق الضيق لهذه العقوبة في إطار القانون الجنائي للشغل هو ميل المشرع إلى إقبار هاته العقوبة التي تشكل أشد العقوبات التي يمكن توقيعها على الشخص المعنوي قساوة إذ تعدم أثر وجوده، إلى جانب وقعها السيئ والأكيد على علاقات العمل والطبقة العاملة بصفة خاصة وما يستتبع ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية.
المطلب الثالث: إغلاق المؤسسة
لقد أعطى المشرع المغربي للمحكمة إمكانية أن تأمر بإغلاق المؤسسة إلى جانب الحكم الصادر بالإدانة.
وإذا كان المشرع المغربي ومن خلال المادة 300 من مدونة الشغل، قد ضيق من نطاق هذه العقوبة، حيث جعلها تنحصر في مخالفة المقتضيات المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة، فإن التشريع الفرنسي للشغل قد وسع من نطاق تطبيق هذه العقوبة فهذه العقوبة تكتسي صبغة العقاب المالي خاصة وأن القانون يضمن حقوق العمال في أجورهم مدة الإغلاق.
إن الغاية من هذه العقوبة هي حرص المشرع على رعاية صحة وسلامة الأجراء رعاية حقيقية، ذلك أن صحة وسلامة الأجراء هي أساس وجود علاقات العمل واستمرارها، وتقديم العامل لجهده وصحته لإنجاز العمل الذي يعني تحقيق ربح بالنسبة لرب العمل، يجب أن يجازي على الأقل بتوفير الوقاية من جرائم الشغل المضرة بصحة وسلامة الأجراء حيث لم يعط المشرع الفرصة للمشغل لتدارك الوضعية الخطرة على صحة وأمن العمال، وهو ما تؤكده العبارة الواردة في المادة 300 من مدونة الشغل: "...سواء كانت مسطرة الإنذار سارية أم لا..ط.
وإذا كان المشرع المغربي قد حد مدة الإغلاق المؤقت بين عشرة أيام وستة أشهر، فإن الإغلاق النهائي قد ينعكس سلبا على الأجراء، لأنه سيؤدي إلى وقف عقود عملهم ومورد رزقهم.
وتتميز هذه العقوبة عن عقوبة الحل في كون هذه الأخيرة تعتبر بمثابة عقوبة الإعدام التي أقرها القانون لجزاء الشخص الطبيعي لذلك فالمشرع لم يربط هذه العقوبة ـ عقوبة الحل ـ بارتكاب جناية أو جنحة أو مخالفة، بل قيد الحل بوجود نص قانوني صريح يقضي بذلك، أما الإغلاق فإن المحكوم عليه يمنع من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بالمحل الذي حكم بإغلاقه، إلا أن له أن يمارس نفس المهنة أو النشاط في محل آخر، ما لم يحرم من ممارسة تلك المهنة أو النشاط تطبيقا للفصل 87 من ق.ج.