وأنا استعرض بعض الأفكار و الملاحظات البسيطة التي توخيت من خلالها مقاربة موضوع مقالتي هذه، ومحاولة فك رموز العلاقة القائمة بين عنصري المرأة والتنمية، صادفتني أفكار ومقاربات بعضها معاصر، وبعضها حديث، وبعضها الآخر غارق في القدم، لأعود بفكري إلى مراحل سحيقة من تاريخ البشرية، في رحلة مضنية بل وفاشلة أيضا..ذلك أنني عدت من رحلتي هذه حزينة على واقع المرأة عالميا ، عربيا ووطنيا، عدت لاكتشف أننا نعيش في القرن 21 قرن الألفية الثالثة وحصيلة النساء من التقدم و التنمية والحضارة والعلم والسياسة والثقافة هزيلة جدا، وما زال أمامنا عمل كثير وجهد كبير لمحاولة القضاء على مظاهر التخلف و النظرة الدونية للمرأة. ولتكن البداية مرة أخرى من المقاربة ومحاولة العمل الجدي لتتحول المرأة من موضوع للتخلف إلى موضوع للتنمية ومن مجرد أداة للتنمية إلى موضوع للتنمية وفاعل لبناء المستقبل.
معوقات اندماج المرأة في التنمية:
تقف عراقيل كثيرة في وجه إشراك واندماج المرأة في التنمية، هذه العراقيل تتجلى في ميادين كثيرة سنحاول ذكر أهمها:
- 1 . مجال التربية والتعليم:
إن من أهم أسس التنمية كما يتفق جل الخبراء و الباحثين مجال التربية والتعليم، ذلك أنه لا يمكن تحقيق المشاركة الفعلية في برامج ومشاريع التنمية إلا بالتمكن من الأدوات والوسائل، ولما لا الأسلحة المؤهلة لخوض غمار محاربة التخلف والدخول في منظومة التنمية الشاملة والمستدامة، ومن أبرز هذه الأدوات سلاحي المعرفة والعلم. بالنظر لوضع المرأة في مجتمعاتنا العربية ومن بينها المغرب، نقف عند حقيقة صادمة ومخجلة، فنسبة هامة من النساء المغربيات مازلن بعيدات عن فك رموز الأبجدية اللغوية، كأول خطوة للسير على درب التعلم، وبالتالي التمكن من وسيلة العلم للانخراط في مسار التنمية. أعتقد أن أي حديث إنشائي لن يكون إلا تكرارا واجترارا لما سبق وقيل وما أسيل من حوله مداد كثير، وسأكتفي إذن بإعطاء أرقام مخجلة لا تحتاج لأي تعليق:
فهناك في بلادنا حوالي 43% من النساء أميات في المدن ويتضخم هذا رقم في القرى ليصل إلى %60 دون أن ننسى أن المغرب يحتل الرتبة 124 في سلم التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة.والوضعية تزداد قتامة وبؤسا عندما نلاحظ تفشي ظاهرة عدم تمدرس الفتيات الصغيرات ن حيث أن نسبتهن لا تتعدى 20 % في العالم القروي، وهو أقسى ما يمكن أن يعاني منه الكائن البشري ,، الحرمان من حق التعلم كأبسط حق من الحقوق الإنسانية، فهذه جريمة تتنافى مع كل الأعراف والأديان والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وإذا تجاوزنا الأرقام كمعطى موضوعي، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن أسباب تفشي ظاهرة الأمية في صفوف النساء ؟
إن التحليل لمنظومتنا التربوية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها تقوم على مبدآ التمييز بين الجنسين، فتربيتنا سواء في البيت أو داخل أسوار المدرسة ، ما زالت تلقن المرأة أمورا متخلفة تخضعها لعالم اللاعقلانية بعيدة عن المنطق العقلاني التحليلي والتقدمية، لتغدو قيم المرأة مادية محافظة، إن مثل هذه التربية تغيب المرأة الإنسان فلا داعي لتهذيب حواسها ، وهو ما يستأثر به الطفل/ الرجل وهذا أيضا ما يفسر تضحية الآباء بتعليم الفتاة من اجل تعليم الفتى خصوصا في العالم القروي في صفوف العائلات الفقيرة بل إن الفتاة هنا تساهم في تعليم أخيها فهي غالبا ما تشتغل خادمة ويستولي الأب على أجرتها لتصبح فردا عائلا وليس معالا رغم أنها قاصر ما زالت في أمس الحاجة للرعاية. فنسبة 13% من الفتيات هن عاملات أو خادمات في مقابل 6 % فقط من الذكور.
2 . المجال الاقتصادي والاجتماعي:
إذا كان النمو يعني الزيادة في النتاج القومي، فإن التنمية هي عملية شمولية تتكامل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، من هنا أهمية مشاركة المرأة الفعلية والمتقدمة في هذه المجالات، لتحقيق تنمية متوازنة ومندمجة. ويمكن القول أن مؤشرات الوضع الاجتماعي و الاقتصادي ببلادنا، يؤكد أن المرأة ما زالت تعاني من التخلف، وما زالت بعيدة عن المشاركة الفعلية في عملية التنمية.
فرغم أن النساء يشكلن نسبة 52% من ساكنة المغرب، والتي تتميز بكونها بنية شابة حيث أن 76% منهن لا تتجاوز أعمارهن 44 سنة، فإنهن مهمشات ومقصيات من الإسهام في صيرورة التنمية.
إن اندماج نسبة لا بأس بها من النساء في سوق العمل حيث تصل نسبة النساء النشيطات إلى %40 من مجموع السكان النشيطين، إلا أن المرأة ما زالت تعاني من الإقصاء مما يعيق اندماجها الكامل في التنمية.
3.الجانب النفسي السلوكي:
إن مثل هذه الوضعية من التهميش والإقصاء هي التي ستفرز لنا ظاهرة العنف، وهو سلوك قائم على القهر والاستبداد والاستغلال والاستلاب، والذي يمارس بآليات تعنيفية، تتمحور حول القوة : قوة المؤسسة،قوة الكلمة وقوة الجسد، وما تسجله مراكز الاستقبال للنساء ضحايا العنف من عدد المعنفات لخير دليل على ما تعانيه النساء من إقصاء وميز وحيف.
إن الحديث عن ظاهرة العنف هذه يجرنا إلى التأكيد على أهمية الجانب الثقافي في تشكيل بنية عقلية وسلوكية معينة.
هذه البنية التي تشكلت عبر عصور تميزت بسيطرة عقلية ذكورية مجحفة في حق المرأة، رغم ان جل الشرائع تدين مثل هذه السلوكات. إن ثقافة احتقار المرأة السائدة في مجتمعها جعلتها تعيش تدنيا وتهميشا، فبالإضافة إلى أن المرأة تسهر على تنشئة الجيل الصاعد فإنها تمثل نسبة 40 %من مجموع اليد العاملة النشطة هن نساء، وأن 6 % من الأسر المغربية تعيلها نساء، غير أن الثقافة الشعبية السائدة مازالت تكرس التمييز: شاورها ولا دير برأيها.
الجانب السياسي والسلطة:
إن الحرمان من حق إبداء الرأي داخل الأسرة نتج عنه تبعية مطلقة للرجل فيما يتعلق بالسياسة أيضا، فالرجل يصوت مرتين مرة يعبر فيها عن رأيه ومرة حين يفرض رأيه على زوجته أو أمه أو أخته ...وخصوصا في البوادي والتي ما زالت تمثل نسبة عالية في المشاركة فس الانتخابات، وحيث تعاني المرأة فقرا مزدوجا وإجحافا مضاعفا.
وما يزيد الوضع تأزما هو إحجام وتردد العديد من الأحزاب السياسية في إشراك المرأة إشراكا فعليا في هياكلها التنظيمية، والعمل على إدماج العنصر النسائي خصوصا الشابات اللواتي مازلن بفعل سيطرة العقلية الذكورية على هذه الأحزاب تنظر للفعل السياسي على انه شأن رجالي بامتياز.
ولن نأتي بجديد إذا قلنا أن قضية المرأة كما يتفق جل الباحثين الاجتماعيين هي المحك الحقيقي لتطور الوضع السياسي وبالتالي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في ظل وضعية اقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تمارس إجحافا و تبتعد كل البعد عن قيم الديمقراطية الحقيقية، فالمرأة كانت وستظل الامتحان الحقيقي لأي مجتمع يروم الانفتاح وترسيخ قيم الحــــــــداثة.
بروكسل في : 27 نونبر 2007