"نقد الرؤية الفقهية لمبدأ الشرعية الجنائية"
مقدمة:
إن الوجود القانوني للجريمة يتطلب أولا تدخل المشرع ليحدد السلوك الذي يجرمه ويعاقب عليه، وبالتالي فلا بد أن يطابق السلوك المرتكب فعلا السلوك المحدد بشكل مجرد في النموذج القانوني، ولا بد أن يجدد المشرع الجزاء المقرر لذلك، ويترتب على هذا ضرورة حصر مصادر التجريم والعقاب في مصدر واحد هو التشريع دون غيره من مصادر القانون، بالإضافة إلى إلزامية حصر الوضعيات المجرمة والجزاء المقرر لها. ولمعرفتها يتعين الرجوع إلى النصوص التشريعية النافذة وقت ارتكاب السلوك. وهكذا فالتجريم يعد استثناءا من قاعدة الأصل في الأشياء أو أفعال الإباحة.
إن السلوك مهما كان ضارا بالمجتمع لا يمكن إخضاعه لجزاء جنائي، ما لم يتدخل القانون ليجرمه، ولهذا السبب يعد القانون عنصرا أساسيا في الجريمة، ويعبر عادة عن هذه الضرورة بمبدأ شرعية التجريم والعقاب أو"لا جريمة لا عقوبة إلا بنص". بحيث يحظى بأهمية بالغة سواء على الصعيد الدولي بالتأكيد على أهميته كثير من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، أو على الصعيد الدستوري أو الإقليمي وذلك بالتنصيص عليه في الدستور المغربي الحالي في الفصل 23، كما تم تكريسه في التشريع الجنائي من خلال الفصل 3 من ق.ج، علاوة على الأهمية العملية التي يكتسيها من حيث أنه ضمانة أساسية من ضمانات حقوق الإنسان، إذن فتجريم الأفعال والمعاقبة عليها يعد من أخطر المسائل التي تمارسها السلطة التشريعية بالنظر لمساس التجريم والعقاب بحرية الأفراد مساسا ملحوظا حيث أن هذه الأخيرة تبقى مهددة إذا لم يكن هناك قانون جنائي يرسم لهم حدود تصرفاتهم ويحدد لهم كل أنواع الأفعال الممنوعة إتيانها بسب ما تحدثه من اضطراب داخل المجتمع.
وهكذا يجدر بنا التساؤل ما هي أصول مبدأ الشرعية من حيث نشأته وتطوره وفلسفته التي قام عليها؟ وما هي الانتقادات الموجهة إليه؟ والنتائج المترتبة عليه؟ وأين تتجلى جوانب قصور مبدأ الشرعية؟ وكيف يمكن للتشريع والقضاء أن يتدخل لسد هذا القصور؟
لمقاربة هذا الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى فرعين اثنين:
الفرع الأول: رصد النظريات الفقهية لمبدأ الشرعيةالجنائية وأهم الانتقادات الموجهة إليه.
المبحث الأول: رصد النظريات الفقهية لمبدأ الشرعية الجنائية
المطلب الأول: نشأة مبدأ الشرعية وتطوره.
المطلب الثاني: فلسفة مبدأ الشرعية
المبحث الثاني:تقدير مبدأ الشرعية الجنائية
المطلب الأول: الانتقادات الموجهة إلى مبدأ الشرعية والردود الواردة عليها
المطلب الثاني: النتائج المترتبة على مبدأ الشرعية الجنائية
الفرع الثاني: قصور مبدأ الشرعية والتدخل التشريعي والقضائي لسد القصور
المبحث الأول: قصور مبدأ الشرعية الجنائية
المطلب الأول: القصور على المستوى التشريعي
المطلب الثاني: القصور على المستوى القضائي
المبحث الثاني: التدخل التشريعي والقضائي لسد القصور
المطلب الأول: التدخل التشريعي لسد القصور
المطلب الثاني: التدخل القضائي لسد القصور.
الفرع الأول:رصد النظريات الفقهية لمبدأ الشرعية الجنائية وأهم الانتقادات الموجهة إليه
سنتولى الحديث في هذا الفرع رصد النظريات الفقهية لمبدأ الشرعية الجنائية(كمبحث أول) ثم أهم الانتقادات الموجهة إليه(كمبحث ثاني)
المبحث الأول: رصد النظريات الفقهية لمبدأ الشرعية الجنائية
للإحاطة أكثر بمفهوم مبدأ الشرعية الجنائية يتعين البحث في الظروف التاريخية التي مهدت لظهوره ومكنته من احتلال المكانة والقيمة الدستورية التي يحتلها اليوم، وكذا البحث في الأسس والمبادئ الفلسفية التي قام عليها هذا المبدأ لذلك سنتناول هذا المبحث من خلال مطلبين نخصص الأول لنشأة المبدأ وتطوره التاريخي على أن نخصص المطلب الثاني لفلسفة المبدأ.
المطلب الأول: نشأة مبدأ الشرعية وتطوره
سنعنى في هذا الحيز الأول من المطلب بالتطرق إلى نشأة المبدأ ثم نتعرض في الحيز الثاني منه لمراحل التطور التي سلكها المبدأ.
الفقرة الأولى: نشأة مبدأ الشرعية الجنائية
يرجع البعض وهم كثيرون تاريخ المبدأ وأول ظهور له إلى فلاسفة عصر التنوير والنهضة في أوربا خلال القرن الثامن عشر، غير أن الحقيقة هو أن المبدأ ظهر قبل ذلك بكثير، حيث عرفته الشريعة الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه أمم أوربا غارقة في الظلام وتعاني من تحكم وتعسف السلطات، وحتى إن عرفته بعض التشريعات الغابرة ما قبل الميلاد مثل شريعة "حمورابي" إلا أنه سوى بلورة لقيم سلطة آنذاك، وفي الشريعة الإسلامية فقد دلت على المبدأ العديد من الآيات القرآنية الكريمة، مثل قوله عز وجل: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" وقوله عز وجل: "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمتها رسولا يتلو عليهم آياتنا".
أما في أوربا فقد سادت خلال القرنين السابع والثامن عشر مظاهر كثيرة من الظلم والاستبداد والتعسف والتحكم في التجريم والعقاب.
فالدولة وهي بصدد معالجتها التجريم والعقاب في هذه المرحلة كانت أحيانا تجانب العدالة نتيجة سيطرة الاعتبارات غير العملية على عملها، مما جعل البشرية تعيش بالفعل ويلات أنظمة جنائية ظالمة ، وظل الحال كذلك حين اشتد نقد الفلاسفة والكتاب لتحكم القضاة ، حيث نددوا باستبداد الحكام والقضاة في التجريم والعقاب، وبمظاهر الظلم الاجتماعي وانعدام المساواة أمام القانون فأشعلت كتاباتهم الثورة الفرنسية 1789، غير كان قد سبقهم في ذلك مونتيسكيو الذي ندد بالظلم والطغيان في كتابه الخالد "روح القوانين" حيث نادى بمبدأ الفصل بين السلطات لوضع حد لاعتداء السلطة القضائية على اختصاصات السلطة التشريعية التي كانت تخلق الجرائم وتقرر العقوبات وفق مشيئتها، فبعد "مونتيسكيو" جاء "بيكاريا" بأفكار قوية من خلال كتابه "الجرائم والعقوبات" مستندا على فلسفة "روسو" من خلال العقد الاجتماعي وأكد بيكاريا في كتابه "الجرائم والعقوبات" على قيمة مبدأ الشرعية باعتباره الوسيلة الوحيدة لتخليص الأفراد من تحكم القضاة وتعسف الحكام، فاعتبر أن الجرائم هي نشاطات وتصرفات يأتيها الأفراد معتدين بها على بنود العقد الاجتماعي، وتبعا لذلك وجب على المشرع باعتباره ممثل للمجتمع أن يحدد مسبقا وبطريقة واضحة مضمون هذه البنود التي يعاقب الفرد على عدم احترامها ، وأن السلطة التشريعية وحدها الحق في وضع الجرائم وما يقابلها من عقوبات.
الفقرة الثانية: التطور التاريخي لمبدأ الشرعية الجنائية
كانت المبادئ التي نادى بها كل من مونتيسكيو وروسو وبيكاريا سببا في ظهور مبدأ الشرعية الجنائية إلى الوجود بصيغته الأولى لذا امتد في التطور المتسع والمتسارع وعرف طريقه إلى مجتمعات وحضارات أخرى، فتردد صدى هذه المبادئ في كثير من التشريعات ولا علاقات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 الذي نص في مادته الثامنة صراحة على مبدأ الشرعية الجنائية، كما تضمنه القانون الجنائي الفرنسي لسنة 1791 الذي رتب لكل جريمة عقوبة ذات حد واحد إمعانا في المساواة بين المواطنين أمام القانون من ناحية أخرى ، وبعده دستور 1793، كما نص على مبدأ الشرعية الجنائية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948، وقد اهتمت دساتير بعض الدول بهذا المبدأ فضمنته نصوصها، باعتباره ضمانة أساسية للحقوق والحريات الفردية، ليستقر بعدها في غالبية الدساتر والقوانين الجنائية ، ويكتسي المبدأ قيمة دستورية ببلادنا من خلال التنصيص عليه في المادة العاشرة من الدستور السابق 1996، وكذا في الدستور المالي لسنة 2011 من خلال الفصل 23، الذي قرر بأنه" لا يلقى القبض على أحد ولا يعتقل ولايدان إلا في الأحوال المنصوص عليها قانونا والإجراءات المنصوص عليها قانونا"، كما احتضن المشرع الجنائي المغربي مبدأ الشرعية من خلال تكريسه في الفصل الثالث من القانون الجنائي على أنه "لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون"، كما ينص الفصل الثامن من المجموعة الجنائية على أنه" لا يجوز الحكم بأي تدبير وقائي إلا في الأحوال وطبقا للشروط المقررة في القانون".
من هنا يتأكد أن هذا المبدأ يعد حق من حقوق الانسان ذات الطابع العالمي ويعد من القيم التي يقوم عليها النظام الديمقراطي.
المطلب الثاني :فلسفة مبدأ الشرعية الجنائية
يقوم مبدأالشرعية الجنائية بصفة أساسية على دعامتين هما حماية الحرية الشخصية وحماية المصلحة العامة.
الفقرة الأولى:حماية الحرية الشخصية
يشكل مبدأ الشرعية الجنائية ضمانة أساسية لحرية الأفراد ومصالحهم فهو يحميهم من التحكم والتعسف سواء كانوا غير مجرمين وذلك عن طريق ضمان أن لا توقع عليهم عقوبة من أجل أفعال لا يعتبرها المشرع جرائم، أوكان هؤلاء الأفراد مجرمين حيث يضمن لهم المبدأعدم توقيع عقوبة أشد عليهم من تلك التي يقررها القانون لهم وقت ارتكابهم للجريمة. فهذا المبدأ جاء كعلاج ضد مختلف صنوف التحكم التي عانت منها البشرية والعدالة الجنائية ردحا طويلا من الزمان .فالمبدأ يرسم للأفراد الحدود الواضحة لتجريم الافعال قبل ارتكابها، فيبصرهم من خلال نصوص محددة جلية لكل ما هو مشروع أو غير مشروع قبل الإقدام على مباشرتها،كما يضمن لهم الأمن والطمأنينة في حياتهم، ويحول بذلك دون تحكم القاضي.فلا يمكن إدانة أحد إلا إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى المتهم والعقاب الذي سيتعرض له قد سبق النص عليه من قبل في القانون. وقد عبر عن ذلك بيكاريا مؤكدا في ذلك ما قاله مونتيسكيومن أن القوانين هي وحدها التي يمكن أن تحدد عقوبات الجرائم، وأن هذه السلطة لا يمكن أن يتولاها سوى المشرع بذاته الذي يمثل المجتمع بأسره بمقضى العقد الإجتماعي،وهذا الذي نادى به بيكاريا ليس إلا تطبيقا لمبدأ انفراد المشرع بتنظيم حماية الحقوق والحريات على النحو الذي أسلفنا بيانه .
لهذا فإن مبدأ الشرعية الجنائية تلتزم به الدولة القانونية خلافا للحال في الدولة البوليسية، حيث يضمن القانون احترام الحقوق والحريات للأفرادفي مواجهة الدولة.
الفقرة الثانية: حماية المصلحة العامة
يحقق مبدأ الشرعية الجنائية المصلحة الاجتماعية من خلال تدعيمه لفكرتي العدالة والاستقرار، إذ تتحقق فكرة العدالة في المساواة بين الأفراد وعدم التمييز بينهم على أساس طائفي أوطبقي، من حيث التجريم والعقاب. كما يتحقق الاستقرار بسيادة القانون وعدم اغتصاب سلطة لاختصاصات سلطة أخرى، وفي هذا تأكيد لمبدأ الفصل بين السلطات .وفي هذا المبدأ تحقيق المصلحة العامة لما يحققه من وحدة القضاء الجنائي وعدم تناقضه أو تفاوته تفاوتا يذهب بالوحدة. كما تتحقق المصلحة العامة من خلال إسناد وظيفة التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية للمشرع وحده تطبيقا لمبدأ انفراد المشرع بالاختصاص في المسائل أومسائل الحقوق والحريات، باعتبار أن القيم والمصالح التي يحميها القانون الجنائي لا يمكن تحديدها إلا بواسطة ممثلي الشعب ،وعلى هذا النحو يعرف المواطنون سلفا القيم والمصالح التي ينبني عليها المجتمع والتي يحميها القانون الاجتماعي ويحافظ على الثقة بين الشعب والدولة ويحقق الاستقرارفي المجتمع الذي يقوم عليه الأمن القانوني.
المبحث الثاني:تقدير مبدأ الشرعية الجنائية
نتناول في هذا المبحث أهم الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية مع التطرق لردود عنها )المطلب الأول(، ثم سنخصص )المطلب الثاني( لنتائج المترتبة عليه.
المطلب الأول: الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية والردود الواردة عليها
بالرغم من شيوع مبدأ الشرعية الجنائية واعتباره مكسبا جديدا للإنسانية منذ قيام الثورة الفرنسية، فإنه لم يسلم من النقد، حيث وجهت إليه العديد من الانتقادات (فقرة أولى) إلا أن رجال الفكر الجنائي سرعان ما ردوا على هذه الانتقادات (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: أهم الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية
من أهم الانتقادات التي وجهت إلى المبدأ كونه يؤدي إلى جمود القاعدة القانونية (أولا) وأيضا عدم أخلاقيته (ثانيا) بالإضافة إلى أنه يحمي الطبقة البورجوازية (ثالثا) ويتعارض مع تفريد العقاب (رابعا).
أولا: مبدأ الشرعية الجنائية تؤدي إلى جمود القاعدة القانونية:
حيث يرى البعض عدم قدرة المبدأ مع مسايرة ركب التطور الحضاري لأن المشرع مهما أوتي من حلمة وإدراك، فلا يمكنه أن ينص على كل الأفعال الضارة بالمجتمع، حتى وإن افترضنا هذا فهو لا يمكنه أن يتوقع جميع الأفعال التي قد تصبح ضارة بفعل التطور وتعقد الحياة.
القاضي ليس في مقدوره التوسع في تفسير النصوص وإيحان حالات المستجدة بالحالات المنصوص عليها،، لأن من قبيل ذلك خرق القواعد القانونية لذلك فهو عاجز عن معاقبة بعض الأفعال التي لا توجد نصوص بشأنها، فلا يجوز مثلا تشديد عقوبة الأخ الذي ينتهك بالعنف عرض أخيه بالعقوبة المشددة في الفصل 487 ق.ج للوصي الذي يعتدي على الموصي عليه، والخادم الذي يعتدي بهذه الجريمة على عرض مخدومه، فمهما كانت حالة الأخ من أشد خطر في المنظور الاجتماعي من حالة الخادم مثلا فإنه يحرم معاقبته بعقوبة الخادم، لأن في ذلك زيادة في العقاب بدون نص قانوني.
ويمكن اعتبار هذه المسألة من الأسباب التي أدت إلى المخاداة بتوسيع سلطات القاضي وذلك استجابة لسرعة التطور الذي يجعل النصوص متخلفة عن مسايرته.
وقد أبان التطبيق العملي حقيقة هذه المسألة في بعض الدول، وذلك كما حدث بالنسبة للتشريع المصري الصادر سنة 1904 والذي لم يجرم إصدار الشيك بدون رصيد لأن هذه الجريمة لم تكن معروفة آنذاك لعدم التعامل عن طريق الشيكات، وقد ظل هذا العمل غير معاقب عليه إلى حين صدور قانون عقوبات جديد سنة 1937، ومثال آخر على كون مبدأ الشرعية الجنائية يقف سدا منيعا أما إمكانية تجريم بعض السلوكيات التي تبدو خطر واضحة نجد قضية البهائيين التي تعتبر تجسيدا لهذه السلوكيات الخطيرة حيث نجد أن القضاء المغربي الممثل في محكمة الموضوع أدان معتنقي هذا الفكر وقضت في حقهم بعقوبة الإعدام من أجل ردتهم عن الإسلام، ليتدخل المجلس الأعلى لنقض هذا القرار بحجة غياب أن نص تشريعي يعاقب على مثل هذا السلوك، وأن مبدأ الشرعية الجنائية يحضر معاقبة أي شخص بارتكابه لسلوك غير منصوص على تجريمه في القانون الجنائي، ومعنى ذلك أن كثيرا من الأفعال غير الأخلاقية التي تضر بالأفراد والجماعة تظل بغير عقاب طالما أن القانون لم ينص عليها.
ثالثا: عدم أخلاقية المبدأ:
وتكمن في كونه يعجزفي العقوبة في حالة انعدام النص الشيء الذي يشكل خطرا على المجتمع وكيانه الاقتصادي، وسلامة أفراده. ويضيف بعض الفقه مسألة التحايل على القانون واستغلال الثغرات الموجودة فيه من طرف بعض الأشخاص بحكم ذكائهم، ومع ذلك فلا يعاقبهم على أفعالهم هذه نظرا لانعدام نص يجرمها.
ثالثا: مبدأ الشرعية الجنائية يحمي مصالح الطبقة البورجوازية:
وهذا الانتقاد موجه في الحقيقة إلى الطبقة التي وصلت إلى الحكم بعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 حيث اتجهت بإرادة المحافظة على مصالحها، وذلك عن طريق تكريس الشرعية التجريم والعقاب بصورة شكلية فقط.
رابعا: مبدأ الشرعية الجنائية يتعارض مع تفريد العقاب:
ذلك أنه يعمل النص على الجريمة والعقوبة بصورة مجردة دون الأخذ بعين الاعتبار شخص الجاني ودوافع ارتكابه هذه الجريمة والواقع أن هذا المبدأ يجعل القاضي مجرد آلة تطبق القانون، لأنه لا يسوغ له تطبيق العقاب الأنسب، لا سيما وأنه هو الذي يمكنه تلمس درجة الخطورة عند الجاني لذا يبدو أن المبدأ يتعارض مع تفريد العقاب.
الفقرة الثانية: الرد على الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية
فبالنسبة للانتقاد القائل أن مبدأ الشرعية الجنائية يؤدي إلى جمود القاعدة القانونية فهو مردود عليه، أو على الأقل يمكن تلطيفه بالقول أن المشرع يستطيع دائما أن يتدخل بتجريم الأفعال الغير الأخلاقية أو الضارة بالأفراد والجماعة، كما يمكنه عند وضع نصوص التجريم أن يصوغ هذه الأخيرة صياغة مرنة تسمح بإدخال مختلف أنواع النشاطات المستجدة والضارة بالمجتمع.
ولعل ذلك سيسمح بتحقيق نوع من التوازن بين المحافظة على مبدأ الشرعية الجنائية وما يتطلبه من نصوص محددة وبين الحاجة إلى تمكين القاضي من حماية المجتمع إزاء لأفعال الضارة به، فلا تكون عبارات فضفاضة مما يترتب عليه تهديد لحريات الأفراد إهدارا بخصوصهم، ولا تكون صيغة يجعل مهمة القاضي مقصورة على التطبيق الحرفي.
أما فيما يخص مسألة منافاته للأخلاق، فهذا غير صحيح لما فيه من مبالغة، ذلك أن واضعي التشريع يحاولون الإلمام بكل كبيرة وصغيرة، وحتى إذا أفلتت بعض الأفعال، فالأصل في الأشياء الإباحة، ثم إن أغلب الدول قد وسعت من سلطة القاضي التقديرية تحاشيا لمثل هذا الوضع.
أما كون المبدأ يحمي الطبقة البورجوازية فهذا الأمر وإن كان يبدو صحيحا شيئا ما، وذلك في كيفية استغلاله لخدمة التوجهات السياسية أو مصالح الطبقة البورجوازية، إلا أن الواقع غير ذلك لأنه جاء في الحقيقة من أجل تحقيق أهداف سامية وهي المحافظة على الأمن داخل المجتمع وبالتالي حفظ التوازن فيه.
أما فيما يخص القول أن مبدأ الشرعية الجنائية يحول بين القاضي وبين توقيع العقوبة التي لا تتلاءم والخطورة الكامنة في شخص الجاني، فهو كذلك قول مردود عليه، إذ تحرص التشريعات الجنائية الحديثة على جعل للعقوبة في كثير من الحالات حدين، حد أقصى وحد أدنى، حيث يكون في وسع القاضي الجنائي أن يحدد مقدارها بما يلائم ظروف كل مجرم على حدة، والسماح للقاضي بالهبوط دون الحد الأدنى للعقاب إذا توافرت مصلحة المتهم عذر مخفض للعقوبة أو ظرف مخفف لها، وأخذت هذه التشريعات كذلك بنظام إيقاف التنفيذ ويكمل هذا كله في الاعتراف بسلطة القائمة بإمكانية الإفراج الشرطي عن المحكوم عليه وتحويل رئيس الدولة سلطة العفو عن العقوبة كلها أو بعضها.
ومن شأن هذا كله أن يتمكن القاضي الجنائي من أن يضع في الاعتبار شخص الجاني والجزاء الملائم ويفي ذلك عدم تعارض بين مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وبين الأخذ بمتطلبات تفريد العقاب.
فالسلطة التقديرية التي يتمتع بها القاضي الجنائي لا تتعارض إذن مع مبدأ الشرعية طالما أن القانون هو الذي يضع حدودها ويقرر قواعدها.
وهناك من أصبح يبدي تحفظه بخصوص النتائج التي على مثل هذه الإجراءات باعتبار أن هذه الحرية المتروكة للقاضي الجنائي في تحديد مدة العقوبة المتخذة، يشكل تراجعا لمبدأ الشرعية ويفقد العقوبة دورها الردعي الذي يكون لها لو كانت محققة التنفيذ ولا يمكن تفادي تطبيقها.
وخلاصة القول أن الانتقادات التي وجهت إلى مبدأ الشرعية الجنائية لم تفلح في النيل منه، ذلك أنه يعتبر ضمان للحريات الفردية وأساسا للثبات والاستقرار القانونين.
فهو قد أصبح من جهة يحكم كل القوانين الجنائية الموضوعية والشكلية وصار من جهة أخرى معترفا به على المستويات القانونية الوطنية منها والدولية، فنصت عليه العديد من القوانين وليس فقط في مدوناتها الجنائية بل حتى في دساترها مثلا، لفصل 23 من الدستور المغربي، أما على الصعيد الدولي فنجد التصريح العالمي لحقوق الإنسان قد أقر هذا المبدأ سنة 1948 الفصول 5-9-10-11.
المطلب الثاني:النتائج المترتبة على مبدأالشرعية الجنائية
ترتب على مبدأ الشرعية نتائج أهمها:
حصر مصادر القاعدة الجنائية في النص التشريعي وحده دون غيره من مصادر القواعد القانونية الأخرى، وكذا عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية أو ضرورة الأخذ بقاعدة التفسير الضيق للنصوص الجنائية (الفقرة الأولى) ومن النتائج كذلك منع القاضي الجنائي من إسناد أثر القاعدة الجنائية الجديدة إلى الماضي أو مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي، وكذا حضر القياس (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حصر مصادر القاعدة الجنائية في النص التشريعي وتفسيرها تفسيرا ضيقا
أولا: حصر مصادر القاعدة الجنائية في النص التشريعي
مقتضى هذا المبدأ الذي يعتبر نتيجة لمبدأ الشرعية أن تحصر مصادر القاعدة الجنائية في التشريع المكتوب وحده دون غيره من مصادر القاعدة القانونية الأخرى مثل العرف ومبادئ العدالة أو الشريعة الإسلامية أوالقانون الطبيعي...الخ ، ويترتب على ما تقدم أن القاضي الجنائي إذا لم يجد نصا جنائيا في المجموعة وفي غيرها من القوانين الجنائية الخاصة بتطبيق على الواقعة التي سيق من أجلها المتهم للمحاكمة أمامه فإنه يحكم بالبراءة، أما فيما يخص مصادر القاعدة غير المكتوبة فيمكن أن تكون مصدرا قواعد جنائية، فهكذا أو بالنسبة للقانون المغربي يمكن الاستناد إلى العرف ومبادئ الشريعة الإسلامية تقرير أسباب التبرير لم يرد التنصيص عليها في المادة 124 ق.ج، التي تعرض فيها المشرع لأسباب التبريروالإباحة، ونحو ذلك حق تأديب الزوج لزوجته ولأبنائه بدون تعسف، وحق ممارسة الألعاب الرياضية في حدود القواعد والأعراف، وحق ممارسة المهن الطبية في نطاق احترام القوانين الأساسية المنظمة لها.
ثانيا: قاعدة التفسير الضيق للنصوص الجنائية
يعرف التفسير على أنه تحديد معنى القاعدة القانونية لرسم حدود تطبيقها العملي واستخلاص الحلول التي تنظمها العلاقات القانونية بما يدخل في هذا من إيضاح غامضها وتفصيل مجملها ، ويعرف أيضا بأنه المرجع الذي يساعد عل تجلية ما في القاعدة القانونية من غموض، وتوضيح ما بها من إبهام.
وعموما لتطبيق القاعدة الجنائية تطبيقا سليما لا بد من الوقوف على مفاهيمها وتحديد المراد منها، فإذا كانت هذه القاعدة واضحة فإنها لا تثير أي أشكال في تطبيقها، وإذا اكتنفها غموض أو اعتراها نقص فإنها آنذاك تحتاج إلى تقصي إرادة المشرع واضع النص، وهذه العملية هي ما يطلق عليه بتفسير النصوص الجنائية من طرف القاضي.
وبفرض هنا مبدأ الشرعية الجنائية عى القاضي عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية عند قيامه بتطبيق هذه النصوص، ذلك أنه عند التوسع في النص قد يؤدي بالقاضي إلى إنشاء جرائم وتقرير عقوبات، وهو ما يسمى بالتفسير المنشىء وهو ما تأباه طبيعة عمل القاضي في تطبيق النصوص التشريعية الجنائية.
ومن المسلم به لدى غالبية الفقه أن التفسير في المواد الجنائية يختلف عن التفسير في مواد أخرى، ذلك أن مادة القانون الجنائي تكتسي أهمية قصوى لمساسها بحقوق الأفراد وحراياتهم. من المعلوم في هذا الصدد أن القاضي يلتزم بالتفسير الضيق لنصوص القانون الجنائي، معنى ذلك عدم تحميل النص معنى يفوق ما قصده المشرع، وبعبارة أخرى عدم تجاوز إرادة المشرع الحقيقية بعدم تحميل عبارات فوق ما تحتمله.
الفقرة الثانية: حضر القياس ومبدأ عدم رجعية القانون الجنائي نتائج لمبدأ الشرعيةالجنائية:
حضر القياس في القانون الجنائي
من النتائج التي ترتبت عن مبدأ الشرعية الجنائية قاعدة حضر القياس بالنسبة للمواد الجنائية للقاضي لا يمكنه اللجوء إلى القياس لإلحاق أمر لم يصدر بصدده نص بأمر صدر فيه نص ويطبقه عليه، وحتى ولو اتحدت العلة في كلا الحالتين، فالإرادة التشريعية غير موجودة في هذه الحالة لذلك فالقيام بالقياس هنا يعني خلق قاعدة قانونية جديدة وهذا يتنافي مع مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقصر صلاحية التجريم والعقاب على المشرع وحده لأن الأخذ بالقياس معناه أن القاضي قد أصبح مشرعا في ميدان التجريم والعقاب، وهذا اللبس من اختصاصه، وعلى العموم فإن القياس مسألة تعد محظورة على القضاء تفاديا لخلق جرائم وعقوبات غير منصوص عليها، إلا أن كثير من الفقهاء يعتقدون في جواز اللجوء إلى هذا القياس كلما تعلق بسبب من أسباب التبرير، ومانع من موانع المسؤولية أو مانع من موانع العقاب لأن القياس في هذه الحالة لا يتعبر خرقا لمبدأ الشرعية بقدر ما يتماشى معه لأنه لا ينشأ جريمة ولا عقوبة بل يحافظ عل حقوق الأفراد ويراعي مصالحهم انطلاقا من قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة.
الفرع الثاني: قصور مبدأ الشرعية والتدخل التشريعي والقضائي لسد القصور
سنتولى الحديث في هذا الفرع عن قصور مبدأ الشرعية الجنائية (كمبحث أول) ثم التدخل التشريعي والقضائي لسد هذا القصور (كمبحث ثاني).
المبحث الأول:قصورمبدأ الشرعية الجنائية
سنعالج في هذا المبحث قصور مبدأ الشرعية الجنائية سواء على المستوى التشريعي (مطلب أول) أو على مستوى القضائي (مطلب ثاني).
المطلب الأول: القصور على المستوى التشريعي
سنتناول في هذا المطلب قصور مبدأ الشرعية الجنائية على المستوى التشريعي من حيث خصوصيات عيوب الصياغة التشريعية لنصوص القانون الجنائي المغربي (فقرة أولى) ثم من حيث أسباب عيوب الصياغة التشريعية لنصوص القانون الجنائي المغربي (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: خصوصيات عيوب الصياغة التشريعية لنصوص القانون الجنائي المغربي
بقراءة نصوص قواعد القانون الجنائي الخاص، نجد بأن معظم صياغة النصوص تمتاز بكونها غير واضحة وغير سليمة.
فبالنسبة لعدم وضوح الصياغة التشريعية للنصوص الجنائية،فإنها تجعل من هذه النصوص، أن لا تبين بدقة النموذج الإجرامي للأفعال الممنوعة أو المباحة، وذلك بسبب عدم بيان أركانها، أو ما يترتب على ارتكابها من آثار جنائية أو مدنية، على اعتبار أن هذه الصياغة لا تستعمل عبارات، أو مصطلحات تقنية، تفي بالغرض التشريعي المتوخى منها، كاستعمال عبارة السجن موضع الحبس، أو الخلط بين الجريمة والجناية، أو التردد في استعمال مصطلح المساهم بدل المشارك أو العكس....
فالإشكال يطرح بإلحاح على المستوى العملي، إذ نجد أن المتهم يحاكم من أجل جناية، إلا أن العقوبة التي صدرت في حقه هي عقوبة جنحية، بسبب تمتيع المعني بالأمر إما بأعذار مخففة أو بظروف التخفيف بحسب الأحوال، وبالمقابل قد نجد أن المحاكمة قد تمت من أجل جنحة، إلا أن العقوبة الصادرة هي عقوبة المخالفة.
فعدم الدقة في اختيار صياغة النص الجنائي بشكل واضح، قد يؤثر على مدلول هذه النصوص ما إذا كانت تقتضي تجريم الأفعال، أو إباحتها، ومن ثم فإن مبدأ الشرعية الجنائية، يمكن أن يفقد مكانته بين نصوص القانون الجنائي الخاص.
فإذا أخذنا عدم أداء المصطلحات التقنية لمدلولها التشريعي، نجد بأنه يصعب تحديد موقع الأفعال المجرمة، ما إذا كانت تخضع إلى نص التبرير أم إلى نص التجريم، والأمثلة على ذلك كثيرة، سواء في م.ق.ج أو في غيرها من القوانين الجنائية الأخرى.
ففي مدونة القانون الجنائي نجد المشرع المغربي في بعض الجرائم لا يحترم في نماذجها الإجرامية، أهم المبادئ التي يتطلبها القانون في الفعل المرتكب، لاعتباره جريمة، حيث أن تجريم بعض الأفعال يتوقف على مجرد توفر النوايا فقط، ولو لم يتحقق الركن المادي للجريمة، الذي يوجه من خلاله الفاعل إرادته نحو إحداث نتيجة إجرامية، كما أكد على ذلك الفصل 178 من ق.ج الذي يعاقب على جريمة المؤامرة حيث يقضي هذا الفصل بأنه "من عقد العزم على ارتكاب اعتداء...يعاقب في حين أننا يعرف من الناحية المبدئية، أن القانون الجنائي، لا يعاقب على مجرد النوايا، والسبب في ذلك، هو أن حماية الحقوق أو المصالح تقتضي وجود اعتداء، أما إذا انعدم هذا الاعتداء الذي غالبا ما يتخذ تشكل نشاط مادي، فلا يمكن القول بأن هناك جريمة معاقب عليها، فهل المشرع المغربي خرج عن الأصل في تجريم فعل التآمر، ولما يتطلبه هذا الفعل من السرعة في استئصال جذوره نظرا لخطورته على النظام القائم في الدولة أم أن الأمر يتعلق بكون تجريم هذا الفعل يعتبر تجريما استثنائيا، فخصه المشرع المغربي بهذه الميزة فقط.
كما نجد المشرع المغربي استعمل في الفصل 453 عبارة "لا عقاب على الإجهاض إلا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم..." التي تفيد معنى تصنيف ارتكاب الفعل في هذه الحالة ضمن موانع العقاب التي تخضع إلى نص التجريم، في حين أن الجريمة المنصوص عليها في هذا الفصل تدخل في نطاق الفقرة الثانية من الفصل 124 متى توافرت شروط الضرورة التي هي من أسباب التبرير.
ففيما يخص قانون المسطرة الجنائية فإنها لم تنص على إمكانية التصالح في كل المخالفات وأوردت على سبيل الحصر مجموعة من الجرائم منها ما هو خطير جدا حسبما يتبين من عرض للجرائم المنصوص عليها في المادة 41 وأقصى العقوبة المخصصة لها. فالتصالح بمكاتب النيابة العامة سيسمح بكثير من التعسف وممارسة الضغوط، واستعمال المال وتهديد ضحايا الإجرام للوصول لصلح قد تستفيد منه جهات معينة.
إن النيابة العامة بوصفها سلطة متابعة لا يمكن أن يسند إليها إجراء صلح بين الأطراف لأن الصلح يعتبر بمثابة حكم يضع حد للنزاع، ونرى أن يسند الصلح لهيئة الحكم، وفي جرائم محدودة وفي ظروف علنية، وفي غياب أي مشاعر تولدت مباشرة عن الجريمة.
فالمشرع في إطار المادة 480 من ق.ج.م وقع في تناقض واضح إذ أنه في الفقرة السادسة قصر تطبيق تدابير الحماية والتهذيب بعد المحاكمة على الحدث يتجاوز عمره 12 سنة، أي أنه استثنى الحدث البالغ عمره 12 سنة فأقل فإنه في الفقرة الرابعة من نفس الفصل نص على أنه "إذا كان عمر الحدث يقل عن 12سنة فإن المحكمة تنبهه وتسلمه بعد ذلك لأبويه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته".
فالمشرع وتبعا لذلك يقر في إطار الفقرة الرابعة من الفصل 480 من ق.ج.م بمتابعة ومحاكمة الحدث البالغ عمره 12 سنة كما يجيز ذلك بصفة صريحة في الفصل 138 من ق.ج، إذا في الفقرة الأولى منه يعترف بانعدام مسؤوليته الجنائية ثم يعود في الفقرة الثانية من نفس الفصل ليجيز محاكمته طبقا للمقتضيات المقررة في الكتاب الثالث من ق.م.ج.
كما أن المشرع المغربي استعمل في المادة 52 من ق.م.ج عبارات غير دقيقة، ذلك أنه بالإضافة بكون أنه لم يبين بوضوح ما إذا كان الاستثناء المذكور يدخل في نطاق أسباب التبرير، أو في نطاق موانع العقاب، نلاحظ بأنه استعمل عبارة البحث القضائي الذي يفيد معنى التحقيق الإعدادي، في حين أن هذا النص ورد في معرض ارتكاب الجرائم في حالة التلبس، ومن ثم، فإن العبارة المذكورة تفيد فقط معنى إجراءات البحث التمهيدي التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية فور وقوع الجريمة، أما التحقيق الإعدادي، فقد يأتي في مرحلة لاحقة من هذا البحث.
الفقرة الثانية: أسباب عيوب الصياغة التشريعية للنصوص القانون الجنائي المغربي
هناك نوعين من الأسباب التي ساهمت في اتسام القاعدة الجنائية بالعيب في صياغتها التشريعية، أسباب تعود إلى عدم التنسيق بين العبارات التقنية المستعملة في بناء هذه الصياغة، وأسباب تعود بالدرجة الأولى إلى الترجمة النص الفرنسي إلى النص العربي.
بالنسبة للنوع الأول من الأسباب، فهي ترجع بالأساس إلى النقل الحرفي للمجموعة الجنائية من القانون الجنائي الفرنسي، حيث كان هذا القانون يميز بين النص الجنائي الذي يعاقب على الجرائم الماسة بالمصلحة الخاصة، بمعنى آخر، أن المصطلح الذي كان يستعمله النص الفرنسي في إطار المجموعة الأولى من الجرائم يختلف تماما عن المصطلح الذي يظل يستعمله في إطار المجموعة الثانية من الجرائم.
أما بالنسبة للنوع الثاني من الأسباب فقد فرضته ازدواجية النص التشريعي، ذلك أن المغرب عندما أصدر قانونا يقضي بتوحيد القضاء ومغربيته وتعريبه، تم تكليف مجموعة من اللجان لتعريب النص الجنائي من الفرنسية إلى العربية، فساهم هذا التعريب في أخطاء مادية، الأمر الذي ترتب عنه تحريف النص الأصلي، وهذا ما أدى إلى وجود تعارض بين الشكل والمضمون لذات النص الجنائي أي ان الترجمة ساهمت إلى حد بعيد في تحريف جد واضح في النية الصريحة للمشرع.
المطلب الثاني: القصور على المستوى القضائي:
سنتناول في هذا المطلب القصور على المستوى القضائي من ناحيتين من ناحية الإخلال بضوابط التكييف الجنائي (فقرة أولى) ثم من ناحية القصور في بيان أساس الحكم (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الإخلال بضوابط التكييف الجنائي
يمكن تعريف التكييف الجنائي بأنه بحث السلطات القضائية في الوقائع والأفعال المعروضة عليها وإخضاعها لتوصيف من أجل استخلاص النص القانوني المطبق عليها فهو مبدئيا عملية قضائية تباشرها أجهزة النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة الابتدائية أو الغرفة الجنحية أو غرفة الجنايات.
ولا تدخل ضمن صلاحيات ضباط الشرطة القضائية رغم أنهم اعتادوا إعطاء تكييفات قانونية أثناء تحرير المحاضر، ولكن هذا لا ينفي أنه أحيانا يكون منطلق التكييف هو محاضر للشرطة القضائية أو المشتكي المتضرر الذي ينتصب مطالبا بالحق المدني في إطار الشكاية المباشرة، والتكييف الجنائي يخضع السلطات المجلس الأعلى (سابقا) الذي يبسط رقابته على سلامته وملائمته وحسن اختياره من طرف محاكم الموضوع، وللتكييف الجنائي علاقة وطيدة بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" أي أن الأفعال الإجرامية والوقائع المادية لا تكيف جنائيا إلا إذا تطرق إليها القانون وأعطاها وصفا معينا (مخالفة، جنحة، جناية) أما إذا سكت عنها أو أغفلها فلا يمكن إخضاعها لأي تكييف جنائي، والملاحظ أنه في كثير من الحالات ولأسباب متعددة تخضع الوقائع لتكييف غير صحيح أو غير ملائم.
إن انعدام تسمية قانونية لجريمة التجاوز في الدفاع الشرعي، في تقنين الجنائي، يحتم على القاضي الرجوع إلى جرائم "النموذجية" الواردة في القسم الخاص من هذا التقنين، قصد البحث عن التكييف الملائم لهذه الجريمة، وهنا يطرح بحدة مشكل وفرة التكييفات.
فالأغلاط في التكييف قد تنجم خاصة من إثارة المتجاوز في دفاعه، بغية نفي مسؤوليته الجنائية أو على الأقل التخفيف من آثارها حالة الانفعال القوي الذي كان أسيرا له، وهذا ما يجعل القاضي يركز على هذه الحالة، ويستند إلى الفصل 137/1 جنائي، عوض التركيز على الدوافع التي أدت إلى ارتكاب الجريمة.
وتجدر الإشارة بأن القاضي الجنائي مطالبا عند تفسير تلك النصوص وتأويلها بالتقيد بضوابط معينة حتى لا يسقط في الإخلال بها، ويكون تفسيره تفسيرا غير سليم عند استخراج المفهوم المنطقي منها، بقراءته تلك النصوص قراءات خاطئة، إما للغموض الذي يعتريها أو عدم انسجامها وتناغمها مع بنية مصطلحاتهاالفضفاضة، هذا ما يخلق له اضطرابات على مستوى الدلالات، ويصير تفسير قاضي الموضوع عديم الفائدة بحكم سلطة محكمة النقض التي تنحصر مخالفتها لقاضي الموضوع في تفسير القانون دون النظر إلى الأدلة". وفي نفس الصدد هناك قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ21/6/1962عدد1176جاء فيه "لا يمكن قانونيا للقاضي الزجري أن يقضي بعقوبة على فعل مكون لجريمة إلا إذا بين في حكمه هذا الفعل وتثبت من وجود الظروف التي يتطلبها القانون لتكون هذه الجريمة معاقبا عليها ويجب عليه أن يعلل مقرره سواء من حيث الوقائع الجرمية المكونة لموضوع المتابعة أو من حيث التكييف الملائم إعطاؤه لهذه الأفعال" .كما جاء أيضا في قرار صادر عن المجلس الأعلى :"أن المشاركة في التحريض على محاولة إجهاض امرأة لنفسها لم يرد في القانون أي نص على معاقبته، وأنه كان يمكن أن يوصف هذا الفعل بوصف آخر فإن ما أدين به الطاعن لا يستقيم وفصول المتابعة إذا لا يمكنه إدانة شخص واحد بالمحاولة والمشاركة لما بين الجريمتين من تباين" .
الفقرة الثانية: القصور في بيان أساس الحكم
ويقتضي ذلك بيان كل من القصور في البيان والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال، فالبنسبة للقصور في البيان يتحقق في ضوء الرأي السائد في الفقه والقضاء إذا تضمن الحكم عيبا في سلامة استقراء الأدلة، ويدرج هذا الرأي السائد ثلاث حالات للقصور في البيان:
1- عدم بيان مضمون الأدلة التي استند إليها الحكم، وبالأحرى أن لا يذكر الحكم مؤداها، فلا تكفي مجرد الإشارة العابرة، بل يجب سرد مضمونها بطريقة وافية، ويبين منها مدى تأييده للوقائع كما اقتنعت بها المحكمة، ومدى اتفاقها مع باقي الأدلة التي أقرها الحكم وإلا كان ذلك قصورا فيه.
2- عدم بيان العناصر الأساسية لواقعة الدعوى، ويفرق هذا الاتجاه بين أنواع ثلاثة من الأحكام الجنائية: الأولى الأحكام الصادرة بالبراءة ويكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة لكي يقضي بالبراءة، والثانية الأحكام الصادرة بالإدانة، ويجب أن يبين منها واقعة الدعوى كما ارتسمت في وجدان المحكمة مع بيان الوقائع التي تفيد توافر الجريمة، والثالثة الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع ولا يشترط فيها بيان الواقعة محل الاتهام، باعتبار أن ذلك مقصور على أحكام الإدانة فحسب، بل يجب أن تستوفي الوقائع الإجرائية التي يقرر إصدارها، فالحكم بالسقوط يجب أن يبين واقعة عدم تقدم المستأنف للتنفيذ قبل يوم الجلسة.
3- عدم مناقشة الأدلة بطريقة موضوعية، أي عدم الرد على أوجه الدفاع الجوهري أو الرد عليها بطريق غير كافية، والواقع أن القصور في البيان ما هو إلا وجه للخطأ في الإسناد بصفة عامة والإسناد القانوني بصفة خاصة.
والنقص أو القصور قد يتعلق ببيان الواقعة محل الاتهام أو وقائع تحريك الدعوى بشأنها ومباشرتها بما في ذلك بيانات وصف التهمة ومواد الاتهام وإجراءات التحقيق والمحاكمة، كما قد يتعلق باستظهار ركن معين من أركان الجريمة المسندة للمتهم، وكذلك النقص في بيان هذه العناصر والخطأ في إيرادها في الحكم بما يؤثر على إحاطة المحكمة بعناصر الدعوى وإجراءات الخصومة.
وبالتالي يكون انعدام الدليل إما انعداما ماديا فينتفي وجود الدليل من ناحية الواقع وتخلو منه الأوراق. وقد يكون الانعدام قانونيا فبرغم الوجودالمادي يكون الدليل منعدما من الناحية القانونية ويكون شأنه شأن الانعدام المادي فلا يعول عليه في الإدانة.
ويقصد بالانعدام القانوني للدليل عدم صلاحيته للأخذ به والتعويل عليه في الإثبات، لفقدانه القيمة القانونية رغم وجوده المبادئ، وعدم صحته، وعدم صلاحيته، وعدم مشروعيته، وانعدامه قانونا.
ويرجع انعدام الدليل من الناحية القانونية إلى عدم شرعية الحصول عليه، أو إلى عدم شرعية حمله إلى القضاء. فمبدأ المشروعية أو شرعية الجرائم والعقوبات التي يحكم القانون الجنائي بشقيه الإجرائي والموضوعي، يحكم أيضا قانون الإثبات الجنائي، ومن ثم يجب أن يكون البحث عن الدليل والوصول إليه قد تم وفقا للقانون متسما بالشرعية الإجرائية ضمانا للحرية الشخصية واحترام حقوق الدفاع، فقد اقتضت قيم العدالة وأخلاقياتها وكرامة الإنسان أن يكون البحث عن الدليل الوصول إليه عن طريق المشروع الذي كفله القانون وفي الإطار الإجرائي الصحيح، وهذا يقتضي أن لا يلجأ ضابط الشرطة في مرحلة جميع الاستدلالات إلى تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف، أو إكراهه أدبيا لهذا الغرض أو استفزازه، أو إرهاقه، أو استخدامه أجهزة التصنت، أو التنويم المغناطيسي، فإذا ثبت من الأوراق أن الضابط وصل إلى الدليل بعد إجراء غير مشروع اتخذه قبل المتهم فهو إجراء باطل، والدليل المستمد منه منعدم قانونا ولا يصلح للتعويل عليه في الإدانة، كذلك الحال في مرحلة التحقق، فإذا حال عضو النيابة المحقق بين المتهم ومحاميه، ومنعه من حضور استجواب المتهم دون مقتضى، رغم تمسك الدفاع بهذا الحق، فالاستجواب باطل، والدليل الذي يكشف عنه لو كان اعترافا باطل قانونا للحصول عليه بإجراء غير مشروع مس حق الدفاع في الصميم.
والشرعية وإن كانت مطلوبة في البحث عن الدليل فهي مطلوبة أيضا في حمل الدليل إلى ساحة القضاء، إذ يجب أن يتم ذلك بالطريقة المشروعة التي كلفها القانون حماية للحريات وضمانا لحق الدفاع.
إذا كان المستقر عليه قانونا وفقها وقضاء اشتراط شرعية أدلة الإدانة، فذلك أمر لا يشترط بالنسبة لأدلة البراءة، فالأصل في الإنسان البراءة حتى يحكم بإدانته بحكم نهائي.
وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى حيث جاء فيه: "يكون عديم الأساس القانوني الحكم الذي يصرح بعقوبة من أجل محاولة السرقة دون أن يذكر الوقائع التي يرمي إلى الزجر عنها على أساس هذا التكييف". وهناك قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى حيث جاء فيه: "يكون ناقص التعليل وغير مبني على أساس قانوني الحكم القاضي بإدانة المتهمين من أجل محاولة القتل عمدا والمشاركة فيها من غير أن يبين أن محاولة هذه الجناية التي شرع في تنفيذها باخراج طلقة نارية صوب الضحية لم يحصل الأثر المتوخى منها لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها".
وما يؤسس لانعدام الأساس القانوني كأحد الأسباب الطعن بالنقض في الأوامرأوالقرارت أو الأحكام القابلة للطعن بالنقض المادة534 من ق.م .ج والمادة 370 التي جاءت بالتنصيص على حالات إبطال الأحكام أوالقرارت أوالأوامركأن لا تكون معللة أو تحتوي على تعليلات متناقضة.
وبالنسبة للفساد في الاستدلال: يجب أن تكشف أسباب الحكم عن سلامة استنباط المحكمة للنتيجة التي انتهت إليها وتعتبر أسباب الحكم مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط.
والواقع أن الفساد في الاستدلال ما هو إلا وجه للخطأ في الإسناد بصفة عامة والإسناد المنطقي بصفة خاصة، ومن المقرر سواء في القانون المصري أم في القانون المقارن أنه يجوز الطعن بالنقض حالة الخطأ في وصف الواقعة المسندة إلى المتهم في مواد الجنايات والجنح، والخطأ في وصف المسند يكون دائما مصدره الإخلال بضوابط التكييف القانوني، بأن يدخل القاضي في هذا التكييف عنصرا دخيلا عليه أو يستبعد منه عنصرا لازما، سواء كان ذلك متصلا بالركن المادي أم بالركن المعنوي، أو يعتبر الحكم واقعة معينة تصلح لأن تكون ركنا في النموذج القانوني للجريمة أو لا تصلح على خلاف الحقيقة.
وقد صدر قرار في نفس الاتجاه عن المجلس الأعلى حيث جاء فيه: "إذا ألصقت المحكمة بالمتهم تهمة جديدة وكانت بعملها هذا لم تضف إلى النازلة شيئا جديدا، وإنما نعتت اثنتين حدثا واحدا بينما كان الواجب يقضي عليها أن تقتصر على نعت الحدث الواحد بالصفة التي تستوجب أشد عقاب كما يفرض ذلك الفصل 110 من القانون الجنائي الذي يقابله الفصل 118 من القانون الجنائي فإنها تكون قد خرقت القانون.
كما صدر قرارآخر على المجلس الأعلى حيث جاء فيه: "أن محكمة الاستئناف كمحكمة موضوع تغيير الوصف الجرمي المعطي للوقائع وإعطاء الوصف الذي ينبغي إعطاؤه للوقائع وهذه سلطة مخولة لها بمقتضى القانون".
فعدم دقة صياغة المنطوق الذي يصرح بالبراءة لفائدة الشك، من الناحية اللغوية يكاد يفيد معنى مخالفا للمقصود منه، فالبراءة كما هو معلوم بداهة يحكم بها لفائدة المتهم لا لفائدة الشك، ولعل منبع هذا الخلط عائد إلى الترجمة المعيبة للعبارة الفرنسية المتداولة، هاته العبارة التي تعني الحكم بالبراءة نتيجة للاستفادة من الشك، وعلى سبيل الاستطراد نلاحظ أن مثل هذا الخلط الناتج عن ترجمة معيبة أو حرفية ليس حالة فريدة في مصطلحات العمل القضائي والممارسة القانونية، ومثاله نعت الوضع تحت الحراسة بالحراسة النظرية وهو مصطلح معيب (مصطلح بين قوسين) لا يعرفه ق.ج.م وأصله الترجمة الحرفية الخاطئة للمصطلح الفرنسي (lagarde à vue) هذا من الزاوية اللغوية أما عن الزاوية القانونية، فإننا نعتقد بأن التصريح في منطوق الحكم بالبراءة لفائدة الشك يتعارض مع النتائج السليمة لأعمال القاعدة القانونية التي يرتكز عليها مثل هذا الحكم والتي تقضي بأن الشك يفسر لصالح المتهم.
وينهض الطعن بالنقض على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وإذا كان الخطأ في التكييف يعني مخالفة القانون لما يترتب عليه من تطبيق التكييف القانوني في غير المجال المقرر قانونا، فإن التفسير الخاطئ يردفه دائما تكييف خاطئ بتطبيق النص على غير ما قصده المشرع به.
المبحث الثاني: التدخل التشريعي والقضائي لسد القصور
سنعالج في هذا المبحث التدخل التشريعي (مطلب أول) وكذا التدخل القضائي لسدهذا القصور (مطلب ثاني).
المطلب الأول: التدخل التشريعي لسد القصور
سنتناول في هذا المطلب التدخل التشريعي لسد القصور وذلك بالحديث عن مبدأ تقييد التدخل الجنائي بالحد الأدنى من خلال تأصيله (فقرة أولى) ثم مبدأ التقييد على محك الواقع المعيش في مجتمع المخاطرة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تأصيل مبدأ تقييد التدخل الجنائي بالحد الأدنى
يعتبر "التدخل بالحد الأدنى" كمبدأ موجه للسياسة الجنائية في ممارسة العقاب قيدا منسجما مع المنطق النفعي الذي يسود الدولة المعاصرة والذي يقضي بضرورة تحقيق أكبر قدر من الرفاه بأقل كلفة اجتماعية ممكنة. ومما يتفق مع هذا التوجه عدم الزج بالأداة الجنائية في معترك الصراعات الاجتماعية إلا عند الضرورة القصوى، ويستند هذا الخيار إلى كون المراد بالتدخل الجنائي لا يتحدد في حماية مطلق المصالح القانونية ضد كل ما يتهددها من ألوان النيل والافتات أو تحقيق هذه الحماية باستخدام