الأمن الغذائي بالمغرب..إنتاج فلاحي غير مستقر وفقر متزايد
يحتفل العالم يوم 6 أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للتغذية، وحددت منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة(فاو) أن يكون تخليد هذا اليوم هذه السنة(2002) تحت شعار (الماء مصدر الأمن الغذائي). ويحتفل بهذا اليوم على الصعيد العالمي منذ 20 سنة مضت لتحسيس الرأي العام حول مشكل الفقر و الجوع بالعالم وإثارة الانتباه حول الأمن الغذائي لسكان الأرض بأجمعهم .
و تمثل التغذية عنصرا أساسيا للحياة وتعتبر حق من حقوق الإنسان الأساسية حيث أن لكل فرد الحق في التغذية وكل الدول مطالبة بتوفير الكميات الضرورية لتغطية حاجيات سكانها.
مفهوم الأمن الغذائي:
تكتسي التغذية أهمية قصوى بالنسبة للإنسان فهي سر البقاء ودوام الصحة والنمو مما جعلها تمثل هدفا أساسيا ورهانا استراتيجيا للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والزراعية والغذائية للدول والحكومات. ولقد استقر تعريف الأمن الغذائي على مستوى العالمي من خلال مؤتمر القمة العالمي للتغذية الذي نظمته منظمة الفاو سنة 1996 كما يلي: يعتبر الأمن الغذائي مضمونا عندما يتوفر جل الأفراد وفي كل الأوقات وبمختلف الأماكن على الوسائل المادية والاقتصادية للحصول على غذاء جيد وكاف يسمح لهم بتغطية حاجياتهم الحرارية وإرضاء رغباتهم الغذائية من اجل حياة صحية وفعالة.
الأمن الغذائي على الصعيد العالمي:
حسب تقارير منظمة فاو فإن ما يفوق 800 مليون شخص يعانون من سوء التغذية بالدول النامية من بينهم ما يقارب 192 مليون طفل تقل أعمارهم تحت 5 سنوات يعانون من نقص كبير من البروتينات ومآت الملايين يعانون من أمراض ناتجة عن سوء التغذية.
ومما يزيد الوضعية تأزما نجد أن الالتزامات البينية ومتعددة الأطراف لتنمية القطاع الفلاحي بالدول النامية تتقلص سنة بعد أخرى حيث أنه ما بين 1981 و 1992 تقلص القدر الإجمالي من12.5 مليار دولار إلى 8.5 وخلال نفس الفترة تقلصت المساعدات المخصصة للقطاع الفلاحي من 25% إلى 17%.
وحسب منظمة فاو فان حوالي 826 مليون من سكان العالم ليس لديهم ما يكفيهم من الغذاء منهم 792 مليون بالدول النامية و 34 مليون بالدول الصناعية. وهذه الأرقام تعبر عن مدى عجز المجتمع الدولي للتدخل العاجل في قترة الازدهار الحالي الذي لم يعرفه العالم من قبل.
وقد نظمت منظمة الفاو سنة 1996 مؤتمر القمة العالمي للأغذية تم خلاله المصادقة على بيان روما وتبنى خطة عمل للقمة التزمت خلالها كل الدول المشاركة بالقيام بمجهودات وطنية ودولية لمحو آفة الجوع وسوء التغذية. كما سطرت أهداف يمكن تلخيصا كما يلي:
1-تمتيع كافة سكان المعمور في جميع الأوقات في الحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية. وهكذا تم الاتفاق على تقليص عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية إلى النصف في أفق سنة 2015 . ولكن وبعد خمس سنوات من هذا المؤتمر، فإن المعطيات الحالية تنبئ بتفاقم الأوضاع سنة بعد سنة. فمنذ هذا المؤتمر لم يتراجع عدد السكان الذين يعانون من سوء التغذية إلا بحوالي 8 مليون سنويا في حين كان من المفروض أن يتراجع ب 20 مليون سنة للتمكن من احترام مقررات مؤتمر 1996.
2-المساهمة المتواصلة للتنمية الزراعية والريفية المستدامة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والرفاه لجميع الناس.
3-صون الموارد الطبيعية وتحسينها واستخدامها المستدام.
وضعية الأمن الغذائي ببلدنا
وبالنسبة لبلادنا فإن إشكالية الأمن الغذائي تتجلى في ظاهرتين: غياب استقرار الإنتاج الفلاحي وإشكالية الفقر وبالتالي ضعف القدرة الشرائية لعدد كبير من السكان. وإذا كانت سياسة بناء السدود وتوسيع شبكة الري وتنمية القطاع الفلاحي قد ساهمت بنسبة ما في ضمان الأمن الغذائي لفترة من الزمن فان هناك تحديات ومستجدات تستوجب الاستنفار لضمان هذا الأمن ومحاربة الفقر. ونعرض فيما يلي بعض الأرقام التي تهم المواد الغذائية الأساسية:
فالنسبة لإنتاج الحبوب فان المساحة المخصصة تقدر بحوالي 5.3 مليون هكتار يغطي إنتاجها ما يعادل 54% من الحاجيات وترجع هذه النسبة إلى المساحات الضعيفة المخصصة لهذا الإنتاج وتقسيم الأراضي حيث تشكل الضيعات الصغيرة والمتوسطة (اقل من 5 هكتارات) حوالي 70% من مجموع الضيعات مما لا يسمح باستعمال الوسائل العصرية للإنتاج إضافة إلى ضعف هذا الأخير( 9 قنطار للهكتار).
أما السكر فتغطي المساحة السكرية حوالي 85.000 هكتار بإنتاج يقارب 530.000 طن يغطي حوالي 55% من الاستهلاك(960.000 طن).
أما الزيوت الغذائية فيبلغ إنتاجها حوالي 49.000 طن و يغطي هذا الإنتاج 14% من الحاجيات مع تأرجح يصل إلى 13% خلال بعض السنوات.
أما الحليب فيقدر الإنتاج بحوالي 1.2 مليار لتر يغطي حوالي 86% من مجموع الطلب، إلى أن نسبة الاستهلاك الفردي (40 لتر للفرد في السنة) يبقى دون معايير التغذية الموصى بها(90 لتر للفرد في السنة) في حين نجد أن هذه النسبة في بعض الدول تفوق هذا المستوى: الجزائر:120، الدول الأوربية 220.
اللحوم يقدر الإنتاج اللحوم الحمراء بما يعادل 332.000 طن و حوالي 255.000 طن من اللحوم البيضاء. ويبقى الاستهلاك الفردي دون المعايير المطلوبة حوالي 7 كيلغرام للفرد في السنة بالنسبة للحوم الحمراء و8.5 بالنسبة للحوم البيضاء.
أما منتوجات البحر فإضافة إلى توفير الاستهلاك الداخلي يعتبر المغرب من الدول المصدرة رغم أن نسبة الاستهلاك الداخلي جد ضعيفة9 كغرام مقارنة مع بعض الدول المستوردة من المغرب( إسبانيا 30 كيلوغرام واليابان 72 كيلوغرام).
ويتم تسديد عجز الاستهلاك الداخلي من هذه المواد عن طريق الاستيراد حيث تمثل المواد الفلاحية المستوردة حوالي 17%من الواردات منها حوالي 56%من الحبوب مما يمثل عبئا كبيرا على الخزانة العامة.
وحسب المعطيات الحالية رغم أنها بعيدة عن الحقيقة فإن عدد السكان الذين يعيشون على عتبة الفقر يقدر بحوالي 5.3 مليون نسمة سنة 1999 أي ما يفوق 20% من السكان.
وتمكن الوجبات الغذائية من تغطية الحاجيات المغذية للأسر المغربية مع الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع وبين العالم الحضري والقروي. وعلى سبيل المثل فان هذه الوجبات توفر حوالي 2600 كيلوكالوري و35 غرام من البروتينات وهي مستويات لا[بأس بها، غير أن هذه الوضعية تعرف انخفاضا في نسبة البروتينات الحيوانية وفقر الوجبات من أملاح الكالسيوم والايود والحديد وبعض الفيتامينات. وحسب بعض الأبحاث التي قامت بها وزارة الصحة فان حوالي 41% من الأطفال يعانون من نقص في الفيتامينات من نوع أ كما تعاني تسع من كل عشرة سيدات من نقص في مادة الحديد.
وفي إطار التدابير المقترحة لضمان الأمن الغذائي وضعت وزارة الفلاحة استراتيجية أفق 2020 تم عرض خطوطها خلال المناظرة الوطنية التي انعقدت بالرباط يوليو سنة 2000 . وتهدف هذه الخطة إلى ضمان الأمن الغذائي عن طرق تحقيق الأهداف التالية:
-التقليص من آثار الجفاف وتدهور الثروات الطبيعية
-الرفع من مستوى الإنتاج وتحسين الفعالية الاقتصادية للمنتج الوطني
-ضمان التدبير المستديم للموارد الطبيعية وعلى رأسها الماء
-المساهمة في محاربة الفقر من خلال جعل الفلاحة الركن الأساسي للتنمية.
وهذه الأهداف تتكرر في كل الإستراتيجيات التي تؤسس لها الحكومات المتتالية. فهل من تقييم ومن إعادة التفكير في الأسباب؟