سوف تتم دراسة حق الشفعة من خلال المباحث الآتية بعده، وذلك بتعريفها وتحديد العلة من مشروعيتها، وكذا تحديد طبيعتها القانونية، وأركانها، ومسطرة ممارستها، ثم في الأخير التنصيص على مسقطاتها و تحديد أثر الإسترداد في مجالها.
المبحث الأول : التعريف بحق الشفعة
سيتناول محور التعريف بحق الشفعة تحديد مفهومها، وكذا العلة من مشروعيتها، وطبيعتها القانونية وأهميتها وفق المطالب الآتية.
المطلب الأول : تعريف حق الشفعة وعلة مشروعيته.
أولا : تعريف حق الشفعة.
حق الشفعة من الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية من خلال قضاء الرسول (ص) في هذا الحق، ولقد عمل الفقهاء المسلمون على تتبع أحكامها ومحاولة حصرها وتنظيمها تنظيما دقيقا.
وقد عمل الفقهاء القانونيين على تنظيم أحكامها زفق ما يتماشى والتطورات التي تعرفها المجتمعات، وإن كان هذا الحق له صور مشابهة له في التقنينات الغربية إلا أن هذه الاخيرة تنظمه في مجالات خاصة جدا ومحدودة وهو ما عليه الأمر بالنسبة للقانون الفرنسي.
والمشرع المغربي نظم حق الشفعة في قوانين مختلفة منها ظهير الإلتزامات والعقود، وكذا ظهير 19 رجب الموافق ل 2 يونيو 1915، فقد حاول ظـ.ل.ع بيان أحكام حق الشفعة في الفصول 974 و 975 و 976. في حين لم يتطرق بصفة مباشرة لتعريف هذا الحق، في حين أن ظهير 2 يونيو 1915 أعطى تعريفا مباشرا له فنص :
الشفعة هي : "الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها بعد أدائه المبلغ المؤدى في شرائها وكذا مبلغ ما أدخل عليها من تحسينات وما أدي عنها من مصاريف لازمة للعقد".
إذا كان تعريف ظهير 19 رجب ينص على أن حق الشفعة يرد على العقارات والحقوق العينية العقارية فقط، فإن ظهير الإلتزامات والعقود عند تحديده لأحكام الشفعة لم يتطرق إلى ما إذا كان حق الشفعة يرد على العقارات فقط أو حتى المنقولات، وباستقراء الفصل 960 من ق.ل.ع نستنتج أن حق الشفعة يرد على المنقولات كما يرد على العقارات.
وقد حاول مجموعة من الفقهاء تعريف الشفعة كل من منظوره الخاص، فعرفها إبن عرفة ( ) بأنها "استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه". وعرفها جانب آخر ( ) "أن الاصل في اصطلاح الشفعة مشتق من الشفاعة ذلك أن العادة جرت في عصر الجاهلية على أن الشخص، عندما يشتري شقصا من عقار، يأتيه شريك البائع فيستسفع إليه في أن يوليه إياه، لكي يضمه إلى حصته ويتفادى ضرر الشركة".
ومجمل التعاريف تتضارب ولا تتحد إلا من حيث تحديد المقصود بالشفعة دون تحديد لطبيعة الحق الواردة عليه أو محلها عامة.
ونحن نقول برأينا المتواضع هذا أن حق الشفعة وإن كان ينصب في الغالب على العقار فإنه لا يوجد ما يمنعه من الورود على المنقول وسبب ترجيح ورود حق الشفعة في العقار دون المنقول من طرف الفقهاء راجع في تقديرنا المتواضع إلى قلة الإشتراكات في المنقول نظرا لزهدها أو لعدم أهميتها في الغالب، مما حتم عمليا ورود هذا الحق على العقار والحقوق العينية العقارية دون المنقول.
ثانيا : مشروعيته.
وعلة مشروعية الشفعة يتقاسم تبريرها إتجاهين ( ) اتجاه يرى أن الشفعة شرعت لدرء ضرر الشركة من طرف الأجنبي الذي يشكل عائقا في استغلال المال المشتاع، ويرى جانب آخر من الإتجاهين السابقين ان حكمة مشروعية الشفعة هو تجنب ضرر القسمة التي تؤدي حتما إلى إدخال أجنبي مع الشركاء، ونحن بهذا الصدد نسجل كون الإتجاهين لا يختلفات من حيث النتيجة وإن كان يختلفان من حيث المبدأ، لأن الهدف في الأخير هو منع الأجنبي من الإشتراك في الشيء المشاع أو الحق المشاع.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لحق الشفعة وأهميته.
أولا : الطبيعة القانونية لحق الشفعة.
ذهب البعض ( ) إلى اعتبار كون حق الشفعة يمثل مركزا قانونيا قبل إعلان صاحبه عن ممارسته، أما بعده، فإن الرأي يتجاذبه تياران فقهيان أحدهما رأي المالكية الذين يرون أن العلاقة بين الشفيع والمستشفع منه تكتسي طابع البيع، وبالتالي فإنه حسب رأيهم يعتبر حق الشفعة حقا شخصيا، والرأي الآخر يرى أن العلاقة بين الطرفين السابقين كونها استحقاقا وبالتالي اعتبار حق الشفعة حقا عينيا، وهذا الرأي الأخير هو الذي سايره المجلس الأعلى في أحد قراراته ( ) حينما نص "إن الشفعة لا يمكن اعتبارها بيعا، خلافا لما ذهب إليه قضاة الموضوع، ذلك أن البيع عقد يقع إبرامه اختيارا، أما الشفعة فإنها إجبارية بالنسبة للمشفوع من يده الذي لاحق له أن يتملص منها لكونها حقا مطلقا".
ومن وجهة نظري المتواضعة فإن حق الشفعة هو حق شخصي لا عيني لأن الحق العيني هو السطة المباشرة للشخص على الشيء المعين التي تمكنه من استخلاص حقه من ذلك الشيء مباشرة ودون وساطة، وهو ما نلاحظ غيابه بالنسبة للشفيع عند وجود الشيء المبيع تحت تصرف المشفوع منه، و كذلك الأمر بالنسبة للشفيع عندما نتحدث عن الحق الشخصي الذي هو رابطة بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين يحق بمقتضاها للأول إجبار الثاني إما بالقيام بعمل أو الإمتناع عن العمل أو إعطاء شيء، وهذا الأخير هو محل الشيء المشفوع، إذ يعتبر الشفيع دائنا والمشفوع منه مدينا إذ يملك الأول إجباريا كما ذهب المجلس الأعلى سلطة إرغام المدين على رد الشيء المشفوع وهو ما يمكن تقريبه من محل إعطاء الشيء في الإلتزام.
ثانيا : أهمية الشفعة.
تعتبر الشفعة إحدى صور نزع الملكية الخاصة فيها تقييد لحرية البائع والمشتري حسن النية لأنه يجرد هذا الأخير من ملكيته ويعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد رغم إرادة البائع والمشتري معا، ومع ذلك فإن للشفعة مزايا عدة سبق وأن أشرنا إلى أهمها عند التعريف بحق الشفعة وكذا تحديد العلة من مشروعيتها ولكن لا بأس من الإشارة إليها باختصار ومنها :
1- طرد الشخص الغريب عن الشركاء خشية أن يكون هذا الشخص عائقا لهم بسبب الخلافات التي يمكن أن تحدث وهذا كله يؤثر سلبا على الملكية الشائعة وعلى المردودية المتوخاة من الشيوع.
2- أن الشفعة تسمح للمزارع في توسيع أرضه إذ يضم حصة الغير لحصته وفي ذلك فائدة كبرى.
3- دفع الضرر الذي يمكن أن ينشأ نتيجة مضار الجوار.
المبحث الثاني : أركان الشفعة ومسطرة ممارستها.
المطلب الأول : أركان الشفعة
يمكن أن نستنتج من التعريف السابق الذي أورده المشرع في الفصل 25 من ظهير 19 رجب أن للشفعة أركان وهي تستوجب كلها مجموعة من الشروط وكذا الأحكام للقول بها.
أولا : الشفيع : وهو من له حق أخذ الحصة التي تم بيعها إلى الغير، ولا يمكن ان يحمل الصفة هاته ولا أن يثبت له حق الشفعة ما لم تتوفر فيه مجموعة من الشروط وهي كالآتي :
1- أن تتوافر فيه صفة المالك على الشياع : أي أن يكون مالكا لجزء غير معين في المال المشترك، وهكذا يجب أن يكون المال المشاع لم يفرز بصفة نهائية، تجدر الإشارة إلى أن القسمة الإستغلالية أو الإتفاقية لا يمكن أن تحول دون ممارسة حق الشفعة عندما يتم تفويت الجزء المقسم للإستغلال وهو ما قرره المجلس الأعلى في أحد قراراته ( ) ويقول المتحف بهذا الصدد :
وفي الأصول فيما شرع ..................................... في ذي الشياع وبحد تمتنع.
وما يمكن تسجيله بشأن القسمة ههنا ( ) هو أنه في حالة تعارض البينة المثبتة للقسمة مع النافية لها، فإن الفقه أجمع على مبدأ عام يقول "إن المثبت يقدم على النافي". كما أضاف ظهير 12 غشت 1913 بهذا الصدد ان القسمة المنصبة على عقار محفظ كيفما كانت –رضائية أم قضائية- لا تأثير لها على إزالة حالة الشياع ما لم تسجل على الرسم العقاري وبالتالي فإن حق الشفعة يبقى قائما في هذه الحالة.
2- أن يكون مالكا للحصة التي يشفع بها قبل إقدام شريكه على تفويت حصته: ويستوي أن يكون الشفيع مالكا للرقبة أو مالكا للمنفعة بحيث إذا كان شريكا في ملكية الرقبة وقام أحد الشركاء بتفويت حصته في الرقبة فإن حق الشفعة في هذه الحصة من الرقبة ثابت للشفيع ونفس الشيء إذا كان شريكا في ملكية المنفعة فقط، ويجب التنبيه بالنسبة للعقارات المحفظة أن الشفيع يجب لثبوت حقه في الشفعة أن يكون قد سجل سند تملكه في السجل العقاري قبل قيام المشفوع منه بتسجيل سند التفويت.
3- أن تظل ملكية الشفيع قائمة إلى حين حصول التفويت الصادر عن شريكه ( ) :
إذ أنه إذا سبق للشريك أن فوت أسهمه المشاعة قبل قيام شريكه ببيع حصته، فيما إذا كان العقار غير محفظ أو سجل صك تفويته على الرسم العقاري قبل تسجيل العقد الوارد على حصة شريكه المنصبة على العقار المحفظ، فإنه يصبح فاقد الصفة في استشفاع هذه الحصة.
بالإضافة إلى الشروط السابقة يمكن ذكر مجموعة من الشروط الأخرى التي تعتبر ذات أهمية هي الأخرى وتتجلى فيما يلي :
4- أن يكون الشفيع ذا أهلية كاملة : إذ يجب أن يكون الشفيع راشدا ومتمتعا بقواه العقلية وغير محجور عليه لسنه أو جنون او غيرهما، ومن هنا نجد أن القانون منح الولي أو المقدم أو القاضي إمكانية إجراء الشفعة لصالح المحجور عليه.
5- يجب أن لا تكون شركة الشفيع ذات صبغة تفاوضية.
6- أن يكون على بينة من قدر الثمن.
7- أن يكون مليئا بالثمن : أي يجب على الشفيع الذي يريد ممارسة حق الشفعة أن تكون ذمته مليئة وإلا لم يحكم له بها، وإن حكم له بالشفعة وتبين أنه غير قادر على أدا الثمن أو المصاريف، فإنه يحق للمشفوع منه أن يطلب الحكم بسقوط حقه في الشفعة ( ).
ثانيا : المشفوع منه : وهو الشخص الذي يمارس الشفعة ضده، والذي يكون تملك حصة أحد الشركاء على الشياع سواء في المنقول أو العقار عن طريق التفويت، وسواء كان شريكا أو أجنبيا.
وإن كان الأمر على ما يبدو عليه من وضوح فإن بعض الفقه ومعه القضاء ( ) أحيانا قد اختلفا في إمكانية ممارسة حق الشفعة في مواجهة المشفوع منه الشريك وذلك بالغستناد إلى الفصل 974 من ق.ل.ع وكذلك الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915 في صيغته الفرنسية اللذان ينصان صراحة على الأجنبي أو الغير. وقد برر المجلس الأعلى توجهه حينما أقر بإمكانة الشفعة في حق المشفوع منه الشريك بكون المقصود بالأجنبي والغير في كل من ظهير ل.ع وكذا ظهير 19 رجب كون اللفظ ينصرف إلى الأجنبي والغير في العقد دون سواهما، وأضاف في تبريره ما نص عليه الفصل 29 من ظهير 19 رجب.
وبالتالي فإن الشريك المشفوع منه يجد مصدر حقه فيما له من حق الشفعة، إلا أن استعماله لهذا الحق لا يكتسي صبغة استشفاع إذ لا يجوز أن يشفع الشخص من نفسه، وبالتالي فهو غير ملزم بتقديم دعوى يتعين على المحكمة ان تقضي بذلك تلقائيا ما عدا إذا عبر الشريك المشفوع منه صراحة من الإستفادة من هذا الحق ( ).
ثالثا : الأعيان القابلة للشفعة : أو المشفوع فيه :
يمكن دراسة هذا الركن من زاويتين أولهما تتعلق بالمشفوع فيه في إطار القواعد العامة، وثانيهما تتعلق بالمشفوع فيه في إطار القواعد الخاصة.
1- المشفوع فيه في إطار القواعد العامة : حسب المشهور فقها فإن حق ممارسة الشفعة ينحصر، من حيث المحل في دائرة العقار وتوابعه مما يستبعد المنقول، وينضوي تحت مفهوم العقار الأراضي وما اتصل بها من أبنية وأشجار، وقد اختلف الفقهاء إلى رأيين بشأن جواز الشفعة في العين غير القابلة للقسمة، وذهب مالك ومن معه إلى جواز شفعة ما لا يقبل القسمة.
وتوابع العقار يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام منها ما يجوز شفعته ولو وقع بيعه باستقلال عن متبوعه المشاع. وهو حكم مياه الري و الثمار، ومنها ما تمنع شفعته إذا بيع مستقلا في متبوعه ولو مشاعا، ويندرج ضمن هذا الصنف ما اصطلح على تسميته بالعقارات بالتخصيص والتي تتمثل في الآلات والمعدات المرصدة لخدمة العقار، والصنف الأخير هو ما لا يمكن شفعته ولو كان البيع يشمل متبوعه المشاع، ومثاله القمح والزرع وكذا الخضروات وغيرها كثير.
2- المشفوع فيه في إطار القواعد الخاصة:
تخضع مادة العقار المحفظ العامة سالفة الذكر مع مراعاة الخصوصيات التالية :
أ- أن المحصولات الفلاحية التي لم تحصد وثمار الأشجار التي لم تجن هي في منظور القانون العقاري عقارات بطبيعتها وليست مجرد توابع وذلك بصريح المادة 6 من ظهير 2 يونيو 1915 في فقرتها الثانية.
وبحسب المادة 25 من نفس الظهير فإن الشفعة هي الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية.
وبهذا وحيادا عن المشهور فقها لدى المالكية فإن هذه المحصولات والثمار تعتبر قابلة للشفعة إذا ما شمل البيع متبوعها.
وأما إن تم بيع المنتجات المحصودة وكذا الثمار المجنية فإنها تتجرد من طبيعتها التخصيصية وتصبح منقولا بحسب المآل ولا تعتبر من توابع العقار.
ب- المياه الخاصة : إذ أن المياه الدائمة الجريان والعائدة إلى ملكية الخواص تعتبر قابلة للتداول، ولذلك تجوز فيها الشفعة.
3- المنقول : نجد ان الفصل 974 من ق.ل.ع قد أجاز الشفعة في المنقول بحسب تعبير المشرع "الحصة الشائعة". دون تحديد لها في مجال العقار. وقد استند المشرع ظ.ل.ع في هذا الحكم إلى الفقه الإسلامي وذلك بالحديث المروي ابن عباس : "إن الشريك شفيع والشفعة في كل شيء".
ونجد في إطار التقنينين المصري والفرنسي، ان المنقول المشاع يرد عليه حق الإسترداد المخول للشريك شريطة أن يقوم بممارسته خلال أجل ثلاثين يوما، تحسب ابتداءا من تاريخ علمه بالبيع أو من وقت إشعاره بالعقد، وإن كان هذا الحق يختلف عن حق الشفعة من زاوية الأجل والتعبير الإصطلاحي، فإنهما يلتقيان في النهاية في مصب واحد ( ).
رابعا : التصرفات القانونية التي ينبثق عنها المركز القانوني بالنسبة للشفيع (المشفوع به).
سوف يتم دراسة هذا الركن من خلال تسليط الضوء على الشروط الواجب توافرها في الصفقة ليتولد عنها حق الشفيع، ثم الحديث عن العقود للبيع في ترتيب نفس الأثر.
1- الشروط الواجب توافرها في الصفقة لتكون مصدر نشوء حق الشفيع:
لكي يترتب عن الصفقة أثر إنشاء حق الشفعة للشفيع يجب أن تتوافر فيها الشروط الآتية :
أ- أن يتم التصرف لقاء عوض.
ب- أن يكون ناقلا للملكية.
ج- أن يقع باتا منجزا.
د- أن ينعقد التصرف صحيحا.
هـ -أن يكون العقد ثابتا.
و- أن يستوفي إجراءات التحفيظ إذا ما انصب على عقار محفظ.
2- العقود المشابهة للبيع التي لها نفس أثر البيع في إنشاء حق الشفعة:
يمكن أن نجد مجموعة من العقود التي تشبه كثيرا عقد البيع من حيث كونها ناقلة لملكية خارج نطاق التبرعات. ويمكن أن نقول أن هذه التصرفات تتمثل في المقايضة عند تمليك الحصة المشاعة للغير، أو التصيير أو الصلح، الهبة المقرونة بعوض أو مهر، المغارسة، الوصية بثمن وغيرها من التصرفات التي ترتب نفس الأثر.
المطلب الثاني : مسطرة ممارسة حق الشفعة:
دراسة هذا المطلب تستلزم تناوله من ثلاثة زوايا، تتعلق أولاها بإجراءات ممارسة حق الشفعة، وثانيها لميعاد الشفعة وثالثها لمنع تجزئة الشفعة.
أولا : الإجراءات المتطلبة عند ممارسة حق الشفعة.
يمكن تلخيص هذه الإجراءات في ثلاثة إجراءات أساسية تكمن في :
1- إعلان الشريك عن رغبته في ممارسة الشفعة : وذلك إما في شكل عرض حقيقي أو بإثارة الدعوى القضائية.
2- القيام بإيداع العرض العيني : ويشتمل العرض الواجب الإيداع على ثمن البيع ومصاريف العقد. بالإضافة إلى المصاريف الضرورية وكذا قيمة التحسينات النافعة التي أنفقها المشتري على الحصة المبيعة.
3- حصول كل من الإعلان والإيداع داخل الأجل القانوني : إذا يجب على الراغب في ممارسة حق الشفعة ان يعلن عن رغبته وكذا إيداع المصاريف داخل الأجل المحدد قانونا الذي سنتحدث عنه لاحقا.
ثانيا : الأجل المحدد لممارسة حق الشفعة وإيداع العرض :
ينقسم الأجل المحدد لممارسة حق الشفعة بين ما إذا كان الأمر يتعلق بعقار محفظ أو بعقار غير محفظ.
1- أجل الشفعة في مادة العقار المحفظ:
تنص المادة 31 من ظهير 2 يونيو 1915 أن حق الشفيع يسقط إذا لم يمارس هذا الحق داخل أجل ثلاث أيام من تاريخ التبليغ، مضافا إليه أجل المسافة.
وبالنظر إلى طبيعة هذا الأجل نجده يتعلق بأجل السقوط لا بمدة التقادم العادي وهو ما نص عليه المجلس الاعلى في أحد قراراته ( ).
وتنص المادة 32 من نفس الظهير المذكور أنه في حالة عدم تبليغ الشركاء من طرف المشتري فإن حق الشفعة يتقادم بمضي شهرين ابتداءا من تاريخ العقد إذا حضروا تحرير هذا الأخير.
وهو نفس ما سارت عليه استئنافية الرباط في قرارها عدد 4225 بتاريخ 10 يونيو 1950.
وتضيف المادة 32 في نفس السياق أنه فيما عدا الحالتين السابقتين فإن ميعاد الشفعة يحدد في سنة كاملة ابتداءا من تاريخ تسجيل العقد على الرسم العقاري.
2- الخصوصيات التي ينفرد بها العقارغير المحفظ في نطاق أجل الشفعة:
نص على أجل ممارسة حق الشفعة في العقار غير المحفظ وكذا المنقول ظهير ل.ع في الفصل 974 فقرة 2 وكذا الفصل 976 من نفس الظهير. ونستنتج من قراءة الفصلين أن الأجل القانوني لممارسة الشفعة في العقار غير المحفظ أو المنقول هو إما 3 أيام أو سنة حسب الأحوال مع بعض الخصوصيات.
إذ أن أجل الثلاث أيام يتم الحديث عنه دون تحديد لحضور الشريك مجلس العقد من دونه، ونحن نقول بذا الصدد إن تنصيص المشروع في الفصل المذكور على أجل ثلاثة أيام كانت الغاية منه تنم على حضور الشريك مجلس العقد.
وأما أجل السنة فإنه شرع في حالة العلم بالتفويت دون حضور مجلس العقد وأضاف المشرع أن من أهم هذا الأجل لا يترتب له حق الشفعة، كما أنه يجب أن يثبت أن عدم ممارسة لحقه بحلول الأجل المومأ إليه سابقا كان نتيجة عائق مشروع كالإكراه مثلا وهو ما يعود الإقتناع بالأخذ بالعائق من عدم الأخذ به لقاضي الموضوع.
المبحث الثالث : مسقطات الشفعة وآثارها :
المطلب الأول : مسقطات الشفعة :
تسقط الشفعة بأحد الأسباب الآتية :
1- إما بعدم توافر الشروط السابق الإشارة إليها.
2- تنازل الشريك عن ممارسة حقه في الشفعة.
3- موافقة الشريك على إجراء القسمة مع مشتري الحصة المشاعة.
4- مبادرة الشريك بمساومة المشتري بشأن اقتنائه للحصة المبيعة لنفسه.
5- إقدام الشاري على إبرام اتفاق مع المشتري بمقتضاه يتولى الأول استغلال الحصة المبيعة على وجه المساقاة.
6- تعاقده مع المشتري على استأجار الحصة المبيعة لحسابه أو دعوته إلى ذلك.
7- قيامه بتفويت حصته التي يشفع بها على إثر البيع الصادر عن شريكه حتى وإن كان جاهلا بوقوع هذا البيع.
المطلب الثاني : آثار ممارسة حق الشفعة:
يمكن تلخيصها في ثلاث آثار هامة :
1- يعتبر المشتري في الفترة ما بين الشراء ووقوع طلب الشفعة، حائزا حسن النية له الحق في الثمار خلال هذه المدة.
2- الشفيع الذي مارس حق الشفعة يحل محل المشتري ويعتبر خلفا للبائع لا خلفا للمشتري.
3- إذا ابدى أحد الشركاء رغبته في الأخذ بالشفعة وامتنع الباقي عن ممارسة هذا الحق فإن الموقف يعتبر تنازلا عن حق الشفعة، وتبقى الحصة المشفوعة بكاملها من نصيب الشريك الذي مارس الشفعة.
إذا كان تنظيم حق الشفعة على النحو السابق فإن هذا الموضوع لا يقف عند هذا الحد ولا يمكن الحديث عن حق الشفعة الممارس من طرف الأفراد فقط بل هناك جهات او أطراف أخرى لها حق ممارسة الشفعة وفق قواعد خاصة ومنها الدولة، إذ أن الغاية من تقرير حق الشفعة لفائدة الدولة يختلف عن الغاية من تقريرها لفائدة الخواص، فتنظيم حق الشفعة لفائدة الدولة يهدف إلى مكافحة النقصان في الأثمنة المصرح بها بمناسبة كل تفويت عقاري ( ).
في حين أن الشفعة في القه الإسلامي شرعة لإزالة الضرر عن الشركاء بإنهاء حالة الشياع من غير أن تترتب عنها الأضرار التي تترتب على إنهاء الشياع بالقسمة أو التصفية، وكذلك تفادي ضرر الشريك الأجنبي.
إن حق الشفعة الممارس من طرف الدولة له شروطه الخاصة به سواء من ناحية الإعلام أو الآجال أو انطلاق هذه الأخيرة ( ).
وبالتالي يجب عدم الخلط بين الحقين إذ المجال شاسع بينهما، خاصة وأن حق الشفعة الذي تمت دراسته في هذا الموضوع يتعلق بالحقوق العينية الذي ينظمه الفقه الإسلامي.
خاتمة:
إن الحيازة و الشفعة باعتبارهما من الحقوق العينية المنفرعة عن حق الملكية التي أولاها الفقه الإسلامي فائق العناية، يشكلان أهم المواضيع التي تطرح اليوم أمام القضاء المدني، والتي يشكل الإجتهاد القضائي بشأنهما تضاربا صارخا في بعض الأحيان، نظرا لصعوبة الموضوعين، وكذا لتشعبهما من جهة، وبالنظر إلى القوانين التي تعتمد في حل النزاعات بشأن الموضوعين، إذ قد يعتمد بعض القضاة، قواعد الفقه الإسلامي في حسن يعتمد البعض الآخر القواعد القانونية الوضعية. ونحن ننتظر صدور مدونة الحقوق العينية التي يمكنها أن تحل الخلاف بشأن أولوية تطبيق الفقه الإسلامي أو القانون الوضعي وذلك بالتوفيق بينهما واستخلاص الحل الملائم لموضوعي الحيازة والشفعة.
لائحة المراجع
المراجع المتخصصة:
1- عبد العلي العبودي: الحيازة فقها و قضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، الدارالبيضاء 1996.
2- محمد القدوري: حيازة العقار و حيازة المنافع، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط 2005.
3- محمد أو القاضي: أحكام الشفعة في ضوء التشريع و الفقه و القضاء، منشورات المرافعة، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء 2003.
4- محمد بادن: الشفعة الممارسة من طرف الدولة، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2005.
المراجع العامة:
1- مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري و الحقوق العينية الأصلية و التبعية في ضوء التشريع المغربي، الجزء الثاني: الحقوق العينية الأصلية و التبعية، العربية للطباعة و النشر، الطبعة الثانية 1987.
2- محمد إبن معجوز: الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، طبعة 2008.
3- عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مجلد I : أسباب كسب الملكية، الطبعة الثالثة، منشورات اللبي الحقوقية، لبنان 1998.
4- مصطفى محمد الجمال: نظام الملكية، مصادر الملكية، منشورات الدار الجامعية 1987.
5- إدريس الفاخوري: الحقوق العينية، مكتبة بدر، وجدة 2005.
6- محمد خيري: الملكية و نظام التحفيظ العقاري في المغرب، دار النشر المعرفة، الطبعة الثالثة، الرباط 1997.
المجلات:
1- مجلة قضاء المجلس الأعلى: العدد 20 دجنبر 1970.
• مجلة قضاء المجلس الأعلى: العدد 31.
• مجلة قضاء المجلس الأعلى: العدد 30.
• مجلة قضاء المجلس الأعلى: العدد 40.
2- مجلة القضاء و القانون: عدد 126.
3- مجلة المحاماة: عدد 16.
4- مجموعة قرارات المجلس الأعلى.
5- مجلة المحاكم المغربية سنة 1945.
منقول للإفادة