سعيد الزعيم Admin
عدد المساهمات : 320 تاريخ التسجيل : 08/11/2012 العمر : 36
| موضوع: الجرائم الخاصة بالشيك السبت فبراير 23, 2013 11:39 am | |
|
الجرائم الخاصة بالشيك و المعقاب عليها في القانون المغربي بالشيك و المعقاب عليها في القانون المغربي
مقدمة عامة:
يلعب الشيك دورا هاما في الحياة اليومية سواء في ميدان المعاملات التجارية أو في ميدان المعاملات المدنية باعتباره أداة وفاء تحل محل النقود في التعامل بين الأفراد ، و نظرا لهذه الأهمية فقد أصبح أكثر الأوراق التجارية انتشارا و تداولا في الحياة اليومية على الرغم من حداثته اذا ما قيس بالأوراق التجارية الأخرى . فالشيك لم يبق كما كان في بداية عهده أداة لسحب الودائع المصرفية لحساب الساحب ذاته بل أصبح أداة وفاء تحل محل النقود سواء على النطاق الداخلي بالنسبة للمعاملات التي يمر بها الأفراد داخل الدولة فحسب ، بل حتى على النطاق الخارجي أو الدولي بالنسبة للمعاملات التجارية الخارجية فالساحب بفضل التعامل بالشيك بدلا من تسديد ديونه نقدا بإمكانه إصدار شيك للدائن من اجل الوفاء بها . فالشيك ادن أصبح وسيلة من الوسائل التي تسهل التعامل بين الأفراد و كذا تقوية النشاط التجاري و الاقتصادي في الدولة ، كما يعد وسيلة من وسائل الوقاية ضد مخاطر استعمال النقود كالسرقة أو الضياع التي قد تتعرض لها النقود. بالاظافة إلى ذلك فهو من وسائل إثبات الوفاء ، فالمدين الذي قام بتسديد ديونه بواسطة الشيك يستطيع بكل سهولة اتباث هذا الوفاء مادام سيقيد في دفاتر البنك أن شيكا معينا قد سلم مبلغه لشخص معين . و قد ظهر الشيك في التعامل كأداة وفاء مند أواخر القرن 19 ، إلا أن قواعده لم تكن موجودة بين جميع الدول مما يحدث صعوبات في تداوله خاصة في التعامل الدولي و كان هذا سببا في انعقاد مؤتمر جنيف كما حدث بالنسبة للكمبيالة و السند لأمر ، فأبرمت اتفاقيات تتعلق بالشيك في 19 مارس 1931.
و المشرع عندنا أخد بأحكام جنيف الموحد المتعلق بالشيك كما فعل بالنسبة للورقتين التجاريتين المذكورتين حيث صدر ظهير مؤرخ في 19 يناير 1939(1) ينظم بمقتضاه قواعد الشيك.
و لما صدرت مدونة التجارة ألحق المشرع الشيك بالكمبيالة و السند لأمر و نظم أحكامه في نفس الكتاب الذي نظم فيه الورقتين المذكورتين مضيفا إلى هذه الأحكام بعض القواعد التي لم ترد في قانون جنيف الموحد حيث فرضت الضرورات العملية و مستجدات التعامل بالشيك إضافتها و خاصة ما يتعلق بالجانب الزجري. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يلاحظ أن المشرع المغربي قد اقتبس أحكام الشيك من القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 30/10/1935.
و قد تم تعريف الشيك في القانون الفرنسي الصادر في 14 يونيو 1865 في مادته الأولى بأنه "صك مكتوب في شكل وكالة بالدفع يتمكن الساحب بمقتضاه أن يسحب لمصلحته أو لمصلحة الغير كلا أو بعضا من الأموال الجاهزة المقيدة لأمره لدى المسحوب عليه" (2)
و يقول بعض الفقه بأنه" صك مصرفي مكتوب وفقا لأوضاع قانونية محددة و يتضمن أمرا غير معلق على شرط و لا مضاف إلى اجل من الساحب إلى المسحوب عليه بان يدفع لشخص معين طبيعي أو معنوي أو لحامله مبلغا من النقود بمجرد الاطلاع".(3)
و رغم أن المشرع لم يقم بإعطاء الشيك تعريفا معينا إلا انه يمكن تعريفه بأنه " ورقة مكتوبة وفقا لبيانات(4) حددها القانون تتضمن أمرا صادرا من شخص(الساحب) إلى شخص أخر يكون دائما مؤسسة بنكية(المسحوب عليه) بان يدفع مبلغا من النقود لفائدة شخص ثالث (المستفيد) أو لفائدة الحامل ".
و أطراف الشيك كما يتبين من التعريف الوارد أعلاه ثلاثة و هم الساحب و المسحوب عليه و المستفيد و كل من هؤلاء قد يرتكب بعض الجرائم أثناء تعامله بالشيك و المعقاب عليها في القانون المغربي. و سنحاول في بحثنا هذا الإشارة إلى أهم الجرائم التي يرتكبها أطراف الشيك و كذا بعض المخالفات التي قد يرتكبها الاغيار خلال تعاملهم بالشيك و ذلك في أربعة فصول على الشكل التالي :
الفصل الأول: الجرائم الخاصة بالساحب. الفصل الثاني: الجرائم الخاصة بالمستفيد. الفصل الثالث: الجرائم الخاصة بالمسحوب عليه. الفصل الرابع: ما يرتكبه الاغيار من مخالفات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) عبد المعطي محمد حشاد "الشيك رؤية مصرفية و قانونية" مكتبة الدار العربية للكتاب-الطبعة الاولى2004 ص 130. (3) عبد المعطي محمد حشاد –مرجع سابق- ص 137. (4) المادة 239 من التجارة .
الفصل الأول: الجرائم الخاصة بالساحب.
يعتبر الساحب من أكثر الأطراف ارتكابا للجرائم المتعلقة بالشيك. و سوف نتطرق في هذا الفصل لأهمها و ذلك في أربع مباحث على الشكل التالي:
المبحث الأول: ساحب الشيك الذي اغفل أو لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه.
المبحث الثاني: ساحب الشيك المتعرض بصفة غير صحيحة لدى المسحوب عليه.
المبحث الثالث: الساحب المخالف للمنع من إصدار شيكات جديدة .
المبحث الرابع: الساحب الذي يصدر شيكا بدون ذكر مكان أو تاريخ الإصدار أو ذكر تاريخ غير حقيقي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الأول: ساحب الشيك الذي اغفل أو لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه. تعتبر جريمة إصدار شيك بدون مؤونة من ابرز جرائم الشيك في الحياة العملية، اذ كثيرا ما يقوم الساحب بإصدار شيك دون توفير المؤونة اللازمة قصد أدائه عند تقديمه للمسحوب عليه إما عن قصد أو عن إغفال. (5)
و تتحقق هذه الجريمة عند تقديم الشيك للمسحوب عليه و رفض هذا الأخير الوفاء بقيمته لعدم وجود مؤونة كافية.
و لقد عاقب المشرع المغربي في المادة 316 من مدونة التجارة ساحب الشيك الذي اغفل أو لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه بعقوبة حبسية من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة تتراوح من 2000 إلى 10000درهم و دون أن تقل قيمتها عن 25 في المائة من مبلغ الشيك أو من الخصاص. و عليه يجب لمسائلة الساحب جنائيا أن يكون قد اصدر شيكا مع إغفاله أو عدم قيامه بتوفير المؤونة الكافية له وقت تقديمه للأداء، و لقيام هذه الجريمة لا بد من توافر ثلاث شروط سنتناول كل واحد على حدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (5) المرافعة عدد مزدوج 8/9.دجنبر1998."جريمة إغفال أو عدم القيام بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه على ضوء مدونة التجارة الجديدة" لمحمد اوغريس.
1- ضرورة توافر أو وجود الشيك.
اذ لقيام هذه الجريمة لابد من وجود شيك كسند أولا، و أن يتم إصداره ثانيا؛ أي إخراج الشيك من حيازة الساحب القانونية إلى حيازة الغير إما بالتسليم المباشر أو بإرساله بالبريد أو بواسطة شخص آخر (6)؛ بحيث لا يتحقق ا لركن المادي لهذه الجريمة بمجرد تحرير الشيك بل لابد من تسليمه للمستفيد أو لمن يقوم مقامه.
و يطرح التساؤل هنا حول ما اذا كان قيام جريمة الساحب المرتبطة بالمؤونة يتوقف على صحة الشيك المعني بالأمر من الناحية الصرفة أم لا يتوقف على ذلك؟(7).
هناك خلاف حول هذا الموضوع سواء على مستوى الفقه أو على مستوى القضاء. ففي رأي جانب من الفقه المغربي أن العقاب يقع على الساحب الذي لم يوفر المؤونة لأداء الشيك عند التقديم سواء كان الشيك صحيحا أم باطلا لتخلف بيان من البيانات الإلزامية الشكلية سواء كان الشيك قائما على سبب مشروع أو كان السبب غير مشروع، و بصرف النظر عن طبيعة الدين أكان دينا مدنيا أم تجاريا، موجودا و تابتا و مقدرا أم كان مثار نزاع (... و هذا الاتجاه هو الذي اتخذه المجلس الأعلى في القرار رقم 535 بتاريخ 19/1/1984 (9) و الذي جاء فيه "...إن الالتزام بالنسبة للشيك إنما يكون له مجال بالنسبة للمطالب المدنية و حدها, أما الجريمة الجنائية فهي قائمة متى توفرت عناصرها..."، و كذلك في القرار الصادر عن ذات المجلس بتاريخ 5 اكتوبر1989 و الذي قضى فيه هذا الأخير بأنه"يعاقب على إصدار الشيك بدون رصيد و لو كان معيبا شكلا..."
أما الفقه و القضاء الأجنبيين فيرى البعض في مصر بأنه للقول بوجود هذه الجريمة لا بد من أن يكون السند مستوفيا كافة أركانه الشكلية و متوفرا على جميع بياناته الإجبارية، و هذا الرأي مدعم بعدة أحكام لمحكمة النقض المصرية التي قضت بان جريمة إصدار شيك بدون رصيد لا تقوم الا اذا كان الشيك الصادر يتوفر على جميع البيانات الإلزامية فيه, و نذكر منها حكم 10 نونبر 1940، الطعن رقم254 الصادر بتاريخ 10 يناير 1944. أما الفقه الفرنسي فهو غير مستقر بحيث نجده مرة يقول بالرأي الأول و مرة يقول بالثاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (6) محمد اوغريس-مرجع سابق- (7)"انعدام المؤونة أو عدم كفايتها كجريمة من جرائم الشيك إشكاليات التطبيق" لمحمد الفروجي منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات عدد1 سنة2002. ( الوسط في الأوراق التجارية الجزء 2 ص 285 لأحمد شكري السباعي. (9) منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 37و38 ص235.
2- عدم القيام بتوفير مؤونة الشيك أو إغفال توفيرها وقت تقديم الشيك للأداء.
قيد المشرع تحقق هذه الجريمة بضرورة تقديم الشيك إلى المسحوب عليه و رفض هذا الأخير الوفاء بقيمته لعدم وجود مؤونة كافية , فهذه الجريمة لا تتحقق اذا تأخر المستفيد عن تقديم الشيك للأداء فتمكن الساحب من وضع المؤونة أو من تكملة الخصاص خلال فترة التأخير (10).
و الساحب الذي اغفل الحفاظ على المؤونة أو تكوينها قصد أداء الشيك إبان تقديمه للوفاء إلى المسحوب عليه , يتعرض للعقوبة المنصوص عليها في المادة 316 من مدونة التجارة هده العقوبة تتحدد في الحبس من سنة إلى خمس سنوات و الغرامة من 2.000 إلى 10.000درهم دون أن تقل قيمتها عن 25في المائة من مبلغ الشيك أو من الخصاص.
و هذا بالفعل ما يؤكده القضاء المغربي في أحكامه و قراراته و التي سوف نشير الى بعضها*.
* حكم عدد 502 صادر بتاريخ 25 يناير 2007, عن المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء. * حكم عدد 504 صادر بنفس التاريخ و عن نفس المحكمة.................................... * حكم عدد 505 صادر بنفس التاريخ و عن نفس المحكمة.................................... * حكم عدد 851 صادر بتاريخ 31 يناير 2007 عن نفس المحكمة.......................... * حكم عدد 852 صادر بنفس التاريخ و عن نفس المحكمة................................... * قرار عدد 9014 صادر بتاريخ 21 دجنبر 2006 عن محكمة الاستيناف بالدارالبيضاء. * قرار عدد 9101 صادر بنفس التاريخ و عن نفس المحكمة..................................
و المشرع يعاقب على واقعة عدم الوفاء بالشيك عند تقديمه للوفاء الى المسحوب عليه من غير ادنى اهتمام بالاسباب التي حالت دون توفير الساحب للمؤونة , باستثناء حالة واحدة و التي تنعدم فيها مسؤولية الساحب ،و التي تتحقق عند الحجز بعد اصدار الشيك لانه كان موفرا للمؤونة عند اصداره للشيك, و ما طرأ بعد ذلك يعتبر عنصرا خارجا عن ارادته و بالتالي تنتفي مسؤوليته.(11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) محمد اوغريس-مرجع سابق- (11) مجلة المحاكم المغربية عدد 83 –2000-*اشكالات تجريم الشيك في ضوء التشريع الجديد ،عبد الاله المستاري. .*انضر الملحق في اخر البحث.
وقد حددت مدونة التجارة اللآجال التي يجب فيها تقديم الشيك للاداء في المادة 268 منها ،و هذا الاجل هو 20 يوما اذا كان الشيك صادرا في المغرب و مستحق الوفاء به,و 60 يوما اذا كان صادرا خارج المغرب و مستحق الوفاء به. و يبدأ احتساب هذه الآجال من التاريخ المتبث بالشيك كتاريخ اصداره. و هذا ليس معناه بان حق المستفيد يسقط بانصرام هذا الاجل بل يبقى حقه قائما طوال مدة سنة ابتداءا من تاريخ انقضاء اجل التقادم .(12)
و المادة 325 من مدونة التجارة نصت على انه يجوز خفض او اسقاط العقوبة الحبسية في حالة توفير المؤونة خلال اجل 20 يوما من تاريخ تقديم الشيك لاستخلاص، و هذا الامر اخدت به المحاكم في بلادنا، حيث قضت محكمة الاستيناف في القرار عدد 105/9 الصادر بتاريخ 21 يناير 2004 بان المادة 325 لم تقض بوجوب خفض او اسقاط العقوبة الحبسية بل أجازته فقط مما يجعلها خاضعة للسلطة التقديرية للمحكمة*.
و لا يفوتنا التذكير بان الساحب الذي يطاله العقاب هو ذلك الشخص الذي يصدر الشيك المرفوض وفاؤه بسبب انعدام المؤونة او عدم كفايتها، سواء تعلق الامر بصاحب الحساب نفسه ام بالوكيل الذي ينوب عنه في تشغيل الحساب البنكي و الشخص الذي يسحب شيكا لحساب الغير.(13)
اما عن تصور المساهمة و المشاركة في جريمة اصدار شيك بدون مؤونة فان بعض الفقه يرى بان ذلك يكون في الفعل المتمثل في النصب و الاحتيال و ليس في الفعل الذي يكمن في اغفال الحفاظ على المؤونة او تكوينها قصد اداء الشيك عند تقديمه للوفاء الى المؤسسة البنكية المسحوب عليها. اما القضاء الفرنسي فقد صدرت بعض الاحكام التي تحدد حالات تتحقق فيها المساهمة او المشاركة في الجريمة التي نحن بصدد مناقشتها، و التي كانت من ضمن جرائم الشيك في فرنسا قبل صدور قانون 30 دجنبر 1991 بحيث قضت محكمة ليل بان صاحب الحساب البنكي الذي يعطي الامر لوكيله لاصدار شيك بدون رصيد يعتبر مشاركا لهذا الوكيل في الجريمة المترتبة على هذا الاصدار، و قضت محكمة النقض الفرنسية في احد قراراتها بان البنك الذي يعطي لزبونه نصائح او تعليمات من اجل اصدار شيك بدون مؤونة يكون مشاركا لهذا الزبون في الجريمة التي تتحقق نتيجة ذلك ما لم يكن هناك اتفاق على وفاء الشيك الصادر, و الحالة هذه على المكشوف.(14)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (12) مجلة المحامي عدد 63 سنة 1999. (13)محمد الفروجي –مرجع سابق-. (14) محمد الفروجي –مرجع سابق- * انظر الملحق.
3- القصد الجنائي:
كان المشرع في الفصل 543 من القانون الجنائي يعتبر سوء نية الساحب العنصر الاساسي لقيام جريمة اصدار شيك بدون رصيد و المتمثل في علم الساحب بعدم كفاية او انعدام الرصيد عند الاصدار. اما في ظل المقتضيات الجديدة التي جاءت بها مدونة التجارة اصبح من ضمن شروط قيام هذه الجنحة و ليس شرطا لازما لها, ذلك ان الجريمة تتحقق بمجرد اغفال الساحب عن تكوين المؤونة وقت تقديم الشيك للاداء لاي سبب من الاسباب.(15)
فالمادة 316 من مدونة التجارة يستفاد منها ان الجريمة تتحقق سواء كان السبب في عدم تكوين المؤونة يعود الى اغفال الساحب او سوء نيته (16) بحيث من المفروض فيه ان يتتبع حساباته لدى البنك المسحوب عليه، و ان لا يصدر شيكا الا بعد ان يتحقق من توفره على قيمته، و ذلك ما قرره المجلس الاعلى.(17)
و باعتماد المشرع لعنصر الاغفال يكون قد وسع مجال المساءلة الجنائية بالنسبة لهذه الجريمةن حتى تتم ملاحقة كل المتلاعبين بالثقة المفترضة في هذه الورقة التجارية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) محمد الفروجي –مرجع سابق- (16)محمد اوغريس –مرجع سابق-. (17) قرار المجلس الاعلى الصادر في الملف الجنحي عدد 15372 بتاريخ 26/07/1983. منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 83.
المبحث الثاني: ساحب الشيك المتعرض بصفة غير صحيحة لدى المسحوب عليه.
الاصل ان الشيك اداة وفاء واجب الدفع بمجرد الاطلاع اي بمجرد تقديمه للاداء, الا انه استثناء من هذه القاعدة اجاز المشرع للساحب التعرض على اداء الشيك، و بعدم صرف قيمته في احوال محددة(18)نصت عليها مدونة التجارة في الفقرة 2 من المادة 271 حيث جاء فيها "لا يقبل تعرض الساحب على وفاء الشيك الا في حالة فقدانه او سرقته او الاستعمال التدليسي للشيك او تزويره او في حالة التسوية او التصفية القضائية للحامل. و يتعين على الساحب ان يؤكد كتابة تعرضه بصفة فورية كيفما كانت الوسيلة المستعملة في تلك الكتابة، وان يدعم ذلك بالوثائق الضرورية" . اما المادة 316 من مدونة التجارة فقد نصت على معاقبة الساحب المتعرض بصفة غير صحيحة.
و اجراءات التعرض اصبحت بمقتضى مدونة التجارة صريحة لا لبس فيها، و معبرة عن ارادة الساحب في منع الوفاء بقيمة الشيك، اما بواسطة تصريح يدلي به الساحب للبنك المسحوب عليه تحت مسؤوليته و عهدته او بواسطة البرق او الهاتف, على ان يؤكد كتابته و يكون مستندا لاحدى الاسباب الواردة في المادة 271 من مدونة التجارة و ان يدعم بالوثائق الضرورية كالادلاء بشهادة السرقة او الضياع في شكل محضر محرر من طرف الضابطة القضائية.
كما ان المشرع في مدونة التجارة نص صراحة على الاسباب المبررة للاعتراض على الاداء و التي ذكرها على سبيل الحصر و حدد شكليات هذا الاجراء , و كان غرضه من ذلك قطع دابر الاعتراض الجزافي الذي كان يتم دون تبرير وقوعه باية وثائق معقولة في اطار العلاقة الرابطة بين البنك و الزبون(19) . و البنك المسحوب عليه في غياب الشروط المنوه عنها اعلاه يمنع عليه قبول التعرض و يتعين عليه الوفاء بمبلغ الشيك لحامله او المستفيد منه بل و ان المسحوب عليه و في حالة امتناعه في ظل الظروف المذكورة قد يتعرض للعقوبة المقررة في المادة 319 من مدونة التجارة.(20) و قد اعتبرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها الصادر في الملف التجاري رقم 2350 بتاريخ 02/02/1982 التعرض في حالة ضياع الشيك او سرقته امرا الزاميا حيث جاء فيه" انه كان يتعين على المدعي في حالة ضياع او سرقة الشيك منه اتباع الاجراءات المنصوص عليها في الفصلين 32 و 37 من قانون 19/01/1939 المتعلق بالشيك"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (18) مجلة المحامي عدد 36 سنة 1999 – مظاهر الحماية الجنائية للشيك في ضوء مستجدات مدونة التجارة للاستادة لطيفة الداودي. (19) مجلة المحاكم المغربية عدد 83 سنة 2000 – اشكاليات تجريم الشيك في ضوء التشريع الجديد- لعبدالاله المستاري. (20) عبد الاله المستاري –مرجع سابق-.
و يمكن للبنك ان يقوم بالتعرض في حالة فقدان الشيك لوكالة البنك التي اودع لديها هذا الشيك من اجل تحويله في حساب المستفيد، و هذا ما ذهبت اليه محكمة النقض المصرية في قراره الصادر بتاريخ 06/05/1949.(21)
و اذا شاب توقيع الشيك او تحريره عيب الاكراه او التدليس، او اصدر الشيك تحت تأثير افعال النصب و الاحتيال، او سلم تحت التهديد، تنتفي المسؤولية الجنائية عن الساحب.(22) و لقد صدر عن محكمة النقض المصرية حكم في هذا الموضوع بتاريخ 01/02/1963.(23) و اتجه القضاء الفرنسي الى نفس الاتجاه السابق, و ذلك بقبوله للتعرض عن الاداء اذا كان توقيع الشيك تم عن طريق الاكراه.(24)
و تنتفي المسؤولية الجنائية للساحب عند تزوير الشيك او تزييفه في حالة عدم ارتكابه لاي تقصير او اهمال ملحوظ ساعد على تزوير او تزييف الشيك. و يمكن للبنك ان يتحمل هنا المسؤولية اذا لم يقم بالاجراءات الواجب عليه القيام بها للتاكد من صحة مطابقة توقيع الساحب و من مظهر الشيك.......... و بصدد هذه المسؤولية اعتبرت محكمة الاستئناف بالرباط بان المسحوب عليه مسؤولا عن صرف شيك، من المحتمل ان يكون التوقيع المضمن به مزورا رغم الاعتراض عليه من طرف الساحب.(25)
اما في حالة التسوية او التصفية القضائية للحامل او المستفيد الذي ترفع يده عن ادارة امواله فيتم التعرض على الاداء اما من طرف الساحب او من طرف السنديك.(26)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21)منشور بكتاب نصوص و اجتهادات الاستاذين زعيم و فركت ص 268. (22)مجلة المحاكم المغربية السابق الاشارة اليها. (23)منشور بمجلة احكام النقض السنة 14 ص15. (24) المحكمة الابتدائية بدراكينيان- مستعجلات بتاريخ 09/07/1976 دار لوزة.....مختتصر 65 المشار اليها في مجلة المحاكم المغربية عدد 83. (25) مجلة المحاكم المغربية سنة 1952 ص 125. (26) )مجلة المحاكم المغربية عدد 83 السابق الاشارة اليها.
المبحث الثالث : الساحب المخالف للمنع من اصدار شيكات جديدة
تعتبر هذه الجريمة من انجع المقتضيات الجزائية التي حفل بها التشريع الجديد في مجال حماية الثقة المفترضة في التعامل بالشيك، بحيث قررت اتخاذ عدة تدابير وقائية من طرف المؤسسات البنكية لمحاربة انتشار ظاهرة اصدار الشيكات بدون مؤونة، اظافة الى الاجراءات القضائية.(27)
الفقرة الاولى : المنع البنكي.
و يتمثل في المنع الذي يطبقه البنك انطلاقا من المادة 313 من مدونة التجارة التي تعتبر مقتضياتها واجبة، حيث نصت على انه " يجب على المؤسسة البنكية المسحوب عليها التي رفضت وفاء شيك لعدم وجود مؤونة كافية ان تأمر صاحب الحساب بارجاع الصيغ التي في حوزته و التي في حوزة وكلائه الى جميع المؤسسات البنكية التي يعتبر من زبنائها، و الا يصدر خلال مدة 10 سنوات شيكات غير تلك التي تمكن من سحب مبالغ مالية من طرف الساحب لدى المسحوب عليه او التي يتم اعتمادها . تخبرالمؤسسة البنكية المسحوب عليها في نفس الوقت وكلاء زبونها، و كذا اصحاب الحساب الاخرين".
و المقصود بالمنع، هو ذلك الذي يسري على سحب الشيكات خاصة و ان سبب هذا المنع يرجع الى عوارض الاداء الناتج عن امتناع البنك المسحوب عليه باداء مقابل الشيك لعدم توفير المؤونة الكافية.
و طبقا للمادة 313 من مدونة التجارة من الواجب على البنك المسحوب عليه قبل اجل تطبيق المنع ان يوجه للساحب اخطارا بان يرجع دفتر الشيكات اليه، و بان لا يسحب اي شيك خلال مدة المنع التي تبتدأ من تاريخ الانذار .
وا لمشرع لم يحدد الكيفية التي يتم بها الاخطار كما لم ينص على الاجل الذي بمقتضاه يتعين على الساحب ان يقوم بارجاع صيغ الشيكات . و يرى بعض الفقه بان يتم تبليغ هذا الاخطار بواسطة احد الاعوان القضائيين او بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل ، على ان يتضمن تحديد مهلة لا تتعدى 5 ايام؛ قياسا على الاجل المنصوص عليه في الفصل 40 من قانون المسطرة المدنية ، و ذلك حتى يكون منتجا لكافة اثاره القانونية ، بالنظر الى خطورة التقدير الذي ينطوي عليه .(28)
و تجدر الاشارة الى ان الحضر البنكي لا يطال فقط الساحب بل ايضا وكيله او الشركاء في الحساب البنكي الواحد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (27) مجلة المحامي عدد 36 سنة 1999 – مظاهر الحماية الجنائية للشيك في ضوء مستجدات مدونة التجارة للاستادة لطيفة الداودي. (28) عبد الاله المستاري –مرجع سابق-. فبالنسبة للساحب اذا منع من سحب شيكات جديدة، فان المنع يطبق عليه اما بصفته كساحب او وكيل لاحد الاشخاص الذين لم يصدر في حقهم اي قرار بالمنع ، و يمتد هذا الاجراء الى جميع المؤسسات البنكية التي له حسابات بها بما في ذلك البنك الذي رفض الاداء و ايضا باقي الابناك الذين اخطروا من طرف بنك المغرب.(29)
اما الوكيل فقد منعته المادة 313 من مدونة التجارة من سحب شكيات بالنيابة عن موكله، الامر الذي يقتضي بان يكون هو ايضا عالما بقرار المنع الصادر في حق موكله ، و يتحقق ذلك بتبليغه بقرار المنع . فالمشرع اعتبر مجرد اصدار شيك في اسم او لحساب موكله فعلا معاقب عليه.(30)
و بالنسبة للشركاء في الحساب المشترك فعندما يصدر امر بالمنع من سحب شيكات في حق احد الشركاء ، فان ذلك المنع يمتد الى جميع الشركاء ، سواء كانوا متضامنين ام لا، و هذا المنع البنكي لا يقتصر على سحب شيكات على الحساب المشترك بل يشمل حتى السحب على حساباتهم الشخصية.(31)
كما سكت المشرع عن اخبار باقي الشركاء، باجراء المنع في حين كان عليه ان ينص على اشعارهم بالمنع حتى يمكن معاقبتهم في حالة خرقه ، شأنهم في ذلك شأن الساحب او الوكيل (32)، و الفقيه الفرنسي كبرياك يرى بان البنك المسحوب عليه ملزم بضرورة تبليغ كل الشركاء بقرار المنع الصادر في حق شريكهم.
و تجدر بنا الاشارة هنا الى ان المادة 320 من مدونة التجارة نصت على ان البنك ملزم باداء قيمة الشيك الصادر عن الساحب و الذي بقتضاه وقع خرق المنع ، اما في حالة رفض المسحوب عليه وفاء شيك صدر بواسطة احدى صيغ الشيكات التي لم يطالب باسترجاعها طبقا للمادة 313 من مدونة التجارة او بواسطة صيغة سلمها لزبون جديد دون استشارة سابقة لدى بنك المغرب ، يلزم على وجه التضامن باداء مبلغ الشيك دون ان يتجاوز هذا المبلغ 10.000 درهم لكل شيك.
لكن بامكان الشخص الذي خضع للحظر من اصدار شيكات ان يضع حدا لذلك، فقد نصت المادة 313 من مدونة التجارة في فقرتها الثالثة على امكانية استعادة صاحب الحساب لاصدار الشيكات اذا اثبت انه ادى الشيك غير الموفى ، او قام بتوفير مؤونة كافية و موجودة لادائه من طرف المسحوب عليه ، و ان يؤدي الدعيرة المالية المنصوص عليها في المادة 314 من مدونة التجارة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (29) الفقرة الثانية من المادة 312 من مدونة التجارة. (30) المادة 318 من مدونة التجارة. (31) المادة 315 من مدونة التجارة. (32) مجلة المحامي السابق الاشارة اليها.
اما اذا لم يلتجىء صاحب الحساب الى هذه التسوية ، فان مدة الحضر تبقى سارية المفعول الى حين انتهائها ، و لكن بمجرد تحقق شرطي رفع الحظر ،فالساحب يسترجع الحق في اصدار شيكات جديدة ، و كذلك الامر بالنسبة للمشاركين في الحساب الجماعي مع الساحب. و على المسحوب عليه ان يشعر بنك المغرب بهذه التسوية حتى يعمل على تعميمها بالنسبة لباقي الابناك(33) .
الفقرة الثانية: المنع القضائي.
لقد اشارت المادة 317 من مدونة التجارة الى المنع القضائي من اصدار شيكات جديدة كعقوبة اضافية و اختيارية تابعة للحكم القاضي بالاذانة من اجل كل الجرائم المنصوص عليها في المادة 316 من مدونة التجارة .
و الحكم القاضي بالمنع القضائي يشترط فيه ان يكون نهائيا بكيفية لا تقبل الرجوع او مشمولا بالنفاذ المعجل ، و يمكن الحكم به ابتداءا من سنة الى خمس سنوات، بحيث يمنع خلالها على الساحب صاحب الحساب اصدار شيكات غير التي تمكنه من سحب مبالغ توجد لدى المسحوب عليه ، او شيكات معتمدة ، كما يامر الساحب بارجاع صيغ الشيكات الموجودة في حوزته او في حوزة وكلائه الى المؤسسة البنكية التي سلمتها له.
و رغم ان المادة 317/ 2 من مدونة التجارة اوجبت على المحكمة ان تشعر بنك المغرب بملخص الحكم القضائي بالمنع، فان النيابة العامة تعتبر هي المعنية بهذا الاشعار باعتبارها الجهاز الموكول اليه قانونا تنفيد المقرارات و الاحكام القضائية الصادرة في الميدان الزجري.(34)
و المشرع المغربي لم يحدد شكلا معينا ، و لا الاجال التي يتم خلالها هذا الاشعار و منذ صدور مدونة التجارة، دأبت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمراكش ، على مكاتبة بنك المغرب المركزي بالرباط مزودة اياه بنسخة الحكم القاضي بالمنع و كافة البيانات طبقا للمادة 317 من مدونة التجارة ، و كذا بنسخة من الشيك المتضمن لرقم حساب الساحب الصادر في حقه المنع ، و اسم البنك المسحوب عليه. و عملية الاشعار هذه تتم بمجرد طبع الحكم القاضي بالاذانة على اعتبار ان كل الاحكام الصادرة بهذا الشان تكون عادة مشمولة بالنفاذ المعجل تبعا لملتمسات النيابة العامة، و تبليغها للمحكوم عليه اذا صدرت بصورة غيابية او بمثابة حضورية ، و ذلك بغية تحقيق شرط العلم بالمنع من اصدار شيكات جديدة (35) . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (33) مجلة المحامي السابق الاشارة اليها. (34) الفصلين 643 و644 من القانون الجنائي. (35) مجلة المحاكم المغربية عدد 83 السابق الاشارة اليها.
بينما اغفل المشرع المغربي حالة صدور احكام متعددة تقضي كلها بالمنع لمدة متفاوتة في حق احد الساحبين ، و كذا حالة تزامن المنع القضائي مع المنع البنكي . يرى هنا الفقه الفرنسي بان صدور عدة احكام في حق ساحب واحد، تقضي كلها بالمنع ، ينبغي تنفيذها بالتتابع ، و كل حكم على حدى ، و المخالف هنا لا يمكن ان يستفيد من قاعدة دمج العقوبات كما انه في حالة تزامن منع قضائي مع منع بنكي ، فانهما ينفذان معا في ان واحد(36).
اما في المغرب و في غياب نص يستثنى صراحة اعمال قاعدة الدمج فان الاحكام السابقة تطبق ايضا على هذه الحالة و ذلك بتنفيذ المدة القصوى للحظر التي قضى بها احد الاحكام ، تطبيقا لمقتضيات الفصل 120 من القانون الجنائي ، اللهم اذا ارتأت المحكمة غير ذلك ، اذ بامكانها ان تطبق الفقرة الاخيرة منه التي تخولها تطبيق قاعدة الضم.(37)
للقول بوجود جريمة خرق المنع البنكي او القضائي اشترطت مدونة التجارة في المادة 318 توافر عنصر النية الاجرامية ، الذي يجب على النيابة العامة اثباته ، و ان تتم الاشارة اليه ضمن تنصيصات الحكم القضائي بالادانة . و تنتج النية الاجرامية من العلم الشخصي الفعلي بقرار المنع ، و هو ما نصت عليه المادتان 313 و 318 من مدونة التجارة، و التي اشترطت بان يقوم خرق المنع من قبل الساحب او وكيله او شركائه في الحساب المشترك و هم على علم بقرار المنع، و عليه فمتى انعدم العلم انتفى عنصر القصد الجنائي و انتفت الجريمة ايضا(38).
و يعاقب من ارتكب هذه الجريمة بالحبس من شهر الى سنتين و بغرامة من 1000 الى 10000درهم (39) و للمحكمة ان تطبق ظروف التخفيف في اطار سلطتها التقديرية. كما لها ايضا ان تضاعف العقوبة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) كبرياك – المقتضيات الجنائية للشيك عدد 71. (37) عبد الاله المستاري –مرجع سابق-. (38) ) مجلة المحامي السابق الاشارة اليها. (39) المادة 318 من مدونة التجارة.
المبحث الرابع : الساحب الذي يصدر شيكا بدون ذكر مكان او تاريخ الاصدار او ذكر تاريخ غير حقيقي .
نصت المادة 307 من مدوة التجارة على معاقبة الساحب الذي يصدر شيكا دون ان يعين فيه تاريخ او مكان اصداره، و كذا من يضع له تاريخ انشاء غير حقيقي بغرامة قدرها 6 في المائة من قيمة الشيك على ان لا يقل مبلغ الغرامة عن 100 درهم .
فتاريخ و مكان الانشاء يؤثر على اجل تقديم الشيك للوفاء و يمكن من معرفة القانون الواجب التطبيق في حالة تنازع القوانين سواء من حيث الزمان او المكان، و يتخد كنقطة انطلاق تقديم الشيك للوفاء و نقطة سريان اجل حق الرجوع و المطالبة ـ ويؤخذ بعين الاعتبار لتقييم اهلية الساحب و سريان مفعول الوكالة و انتهائها ،ووفاة الساحب و كذلك و جود الرصيد من عدمه ـ و تقادم الشيك.
بالاضافة الى ان تحديد مكان الاصدار يفيد في معرفة مكان اقتراف الفعل الاجرامي و تحديد المحكمة المختصة.(40) و نصت المادة 240 في فقرتها الرابعة من مدونة التجارة على انه " اذا خلا الشيك من بيان مكان انشائه، اعتبر منشأ في المكان المبين بجانب اسم الساحب."
و جرم المشرع اظافة الى ما سبق انشاء شيك بتاريخ غير حقيقي، فالساحب غالبا ما يعمد الى تاخير تاريخ انشاء الشيك حتى يتمكن من ايجاد مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه، الامر الذي يصبح معه الشيك اداة ائتمان عوض الصفة التي يتمتع بها كاداة وفاء .
كما انه( المشرع) تنبه الى مثل هذا التحايل، و جعل هذا التصرف عديم الاثر، بحيث نص في المادة 267 من مدون التجارة على ان الشيك المقدم للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ للاصدار يجب وفاؤه في يوم تقديمه.
و يتجلى الركن المادي لهذه المخالفة في انتقال حيازة الشيك بصورة صحيحة الى الحامل او المستفيد او من ينوب عنه. و هذه المخالفة تعتبرمستقلة عن جنحة الاغفال او اصدار شيك بدون مؤونة، فهي تتحقق و لو كان الشيك يتوفر على مؤونة كافية لتسديد قيمته. فهذه الجريمة يجب لقيامها توافر القصد الجنائي العام أي القصد الذي يتحقق بمجرد علم الساحب بانه يصدر شيكا بدون تعيين مكان او تاريخ إصداره او تاريخ غير حقيقي، و هنا لا يعتد بعنصر جهل تجريم هذا الفعل كما لا يعتد ايضا بعنصر السهو او الاغفال، لانه من شان ذلك ان يجعل المخالفة لا تتحقق ابدا.(41) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (40) عبد الاله المستاري –مرجع سابق-. (41) ) مجلة المحاكم المغربية عدد 83 السابق الاشارة اليها.
* اصدار شيك على سبيل الضمان :
نصت المادة 544 من القانون الجنائي على معاقبة من اصدر شيكا على الا يصرف فورا و ان يحتفظ به على سبيل الضمان. في حين اغفلت المادة 316 من مدونة التجارة الاشارة الى تجريم هذا الفعل – اصدار شيك على سبيل الضمان- و هذا ما طرح بجدية التساؤل عما اذا كانت المادة 316 من مدونة التجارة تلغي غيرها من الاحكام المتعلقة بزجر جرائم الشيك الواردة في القانون الجنائي ام انها تبقى خاضعة لهذا الاخير طالما ان المادة 316 لم تتعرض لها بالنص الصريح (42)؟
و هذا الامر ادى الى ظهور و جهتي نظر في الفقه ، الاولى للاستاذ الفاضل احمد شكري السباعي (43)، و مفادها ان القانون الجنائي يبقى العمل به جاريا الى جانب مقتضيات المادة 316 من مدونة التجارة في كل حالة لا ينتج عنها أي تعارض بين احكامها، و هذا ما يؤدي الى اعتبار اصدار شيك على سبيل الضمان من قبل الساحب معاقب عليه وفق احكام الفصل 544 من القانون الجنائي و لو ان المادة 316 من مدونة التجارة لم تعاقب على هذه الواقعة. و الثانية للاستاذ محمد لفروجي (44) و التي يرى بان احكام القانون الجنائي المتعلقة بالشيك قد نسختها المقتضيات الجديدة الواردة في المادة 316 من مدونة التجارة، بحيث كل ما سار معاقبا عليه فيها من افعال معاقبا عليه و لو ان القانون الجنائي لم يعاقب عليه، و العكس صحيح ، أي ان الوقائع التي كانت معاقبة في القانون الجنائي لم تعد كذلك في المادة 316 من مدونة التجارة فلا ينبغي عقابها ، على اعتبار ان الاحكام الزجرية الواردة في مدونة التجارة لزجر الشيك تشكل قانونا لاحقا ينبغي تقديمها في التطبيق على القانون السابق المنظم لنفس الموضوع –القانون الجنائي- و نزولا على المبدا القانوني المعروف المتجسد في ان النص الخاص – في هذه الحالة المادة 316 من مدونة التجارة – يكون اولى عند التطبيق من النص العام – الفصلين 543 و544 من القانون الجنائي.
و نحى الاستاذ عبد الواحد العلمي نفس رأي الاستاذ لفروجي في كتابه القانون الجنائي المغربي حيث قال بان المشرع كان على بينة تامة مما يقرر و فعل ذلك عن قصد و لغاية القضاء على شيك الضمان تماما و الذي كان العقاب في الفصل من 544 من القانون الجناىي لطرفيه سببا لانتشاره بدل كبح اللجوء اليه، اما اليوم فالمتسلم للشيك هو المعاقب وحده دون مصدره ، و عليه ان يحسب الف حساب قبل استلامه او تظهيره للغير مما يجنح به في الغالب الى التخلي عن استلامه للمخاطر التي يتضمنها بالنسبة اليه وحده دون الذي سحبه لمصلحته على سبيل الضمان.(45) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (42)القانون الجنائي المغربي – القسم الخاص – العلمي عبد الواحد، الطبعة 3 سنة 2003 ص 361 . (43) الوسيط في الاوراق التجارية – ج 2- ص 326. (44) الشيك و اشكالاته القانون و العملية،ص 370 و ما بعدها. (45) العلمي عبد الواحد – مرجع سابق-.
و لكننا نرى بانه رغم وجاهة و قوة الحجج المعتمدة هنا ، الا ان المشرع المغربي لو اراد ذلك فعلا ما الذي منعه من التنصيص على الغاء المادتين 543 و 544 من القانون الجنائي بطريقة صريحة ، اظافة الى انه يجب الرجوع الى النص العام اذا كان النص الخاص لا يتضمن الحكم المراد الفصل فيه.
و المجلس الاعلى تبنى صراحة الاتجاه الثاني الامر الذي يتضح من قرار اصدرته غرفتين مجتمعتين من غرفه لحل التنازع الكائن بين الفصل 543 من القانون الجنائي الذي تعاقب فقرته الثانية على قبول تسلم شيك ليس له رصيد قائم ، و المادة 316 من مدونة التجارة التي اغفلت عقاب نفس الواقعة بقوله: " فعل تسلم شيك بدون رصيد رفعت عنه صفة الجريمة تبعا لمقتضيات المادة 316 من مدونة التجارة ، و ان لذلك اثرا رجعيا و لو على ما فصل فيه الحكم النهائي غير المنفذ بصفة كاملة تبعا للفصل 5 من القانون الجنائي بتجريم الفعل تطبيقا للقانون الجاري به العمل و قت النطق به اثر صيرورة مدونة التجارة نافذة المفعول و التي نسخت احكام القوانين السابقة (46).
و نفس الوجهة كرسها المجلس الاعلى ايضا في القرار الصادر عنه ،عدد 1007/6 المؤرخ في 4/6/2003 الصادر عن الغرفة الجنائية.(47)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) قرار صادر عن غرفتين من غرف المجلس الاعلى . عدد 1263/6 بتاريخ 18/7/2002 . ملف جنحي عدد 17197/95 . منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 146 ص 153. (47) انظر الملحق في الاخير.
الفصل الثاني : الجرائم الخاصة بالمستفيد.
ان من ابرز الجرائم التي يرتكبها المستفيد بصفته طرفا في الشيك، جريمة قبول او تظهير شيك على سبيل الضمان و التي سنتعرض لها في هذا افصل.
جريمة قبول أو تظهير شيك على سبيل الضمان.
ان المشرع المغربي سبق له ان عاقب ضمن مقتضيات المادة 544 من القانون الجنائي(48) على اصدار او قبول الشيك على ان لا يصرف فورا و ان يحتفظ به على سبيل الضمان و ذلك بنفس العقوبة التي كانت مقررة لاصدار شيك بدون مؤونة، و المشرع جعل من الفعل المذكور جريمة معاقب عليها ضمن مقتضيات المادة 316 من مدونة التجارة التي تنص في فقرتها السادسة على معاقبة كل شخص يقوم عن علم بقبول او تظهير شيك بشرط الا يستخلص فورا، و ان يحتفظ به على سبيل الضمان ، بالحبس من سنة الى خمس سنوات و بغرامة مالية تتراوح قيمتها بين 2000 و 10000 درهم و دون ان تقل قيمتها عن 25 % من قيمة الشيك او من الخصاص. كما ان المشرع عاقب في المادة 307 من مدونة التجارة المظهر الاول او حامل الشيك، و الذي لم يبين لا مكان اصداره او تاريخه او كان يحمل تاريخا لاحقا لتاريخ تظهيره او تقديمه، و يلزم ايضا باداء الغرامة المذكورة كل من وفى او تلقى على المقاصة شيكا لم يبيين فيه مكان اصداره او تاريخه. و الغرامة هي 6 % من مبلغ الشيك على ان لا يقل مبلغ الغرامة عن 100 درهم.
و تعد هذه الجريمة من الجرائم الصعبة الاتباث و التي اصبحت تشكل واقعا مقبولا اجتماعيا و اقتصاديا بالنظر الى محدوديتها و كذا نذرتها في الحياة العملية. لكل هذه الاسباب ارتاى المشرع في ظل مدونة التجارة الجديدة تجريم هذا الفعل من جديد. و علة التجريم هذه كانت ناتجة بالاساس عن التواطؤ بين كل من الساحب و المستفيد على تحويل الطبيعة القانونية للشيك كاداة وفاء و جعله مجرد وثيقة للائتمان . هذه العلة بقيت ايضا مهيمنة على التشريع الجديد من حيث مبدا التجريم مع تعديل طفيف شمل احد طرفي العلاقة، و المشرع بعد ان كان يعاقب كلا من المصدر و القابل لشيك الضمان اصبح يقتصر فقط على معاقبة القابل باعتباره الطرف الاكثر استجابة لتعطيل و تاخير صرف قيمة الشيك.
و على الرغم من كون جريمة قبول او تظهير شيك على سبيل الضمان تعتبر مستقلة بذاتها و قائمة سواء كانت المؤونة موجودة عند الاصدار ام لم تكن كذلك، فان الواقع العملي يكشف ارتباطها العضوي بجريمة اصدار شيك بدون مؤونة؛ اذ الاجابة تجعل المستفيد يقبل شيكا بشرط الا يصرفه فورا؛ الا اذا كانت المؤونة غير موجودة لديه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (48) و ذلك طبقا لمقتضيات المادة 544 من القانون الجنائي التي تنص على ان " من اصدر شيكا بشرط الا يصرف فورا و ان يحتفظ به كضمانة" و فيما يخص الركن المادي لهذه الجريمة فهو يتحقق بانتقال حيازة الشيك بكيفية صحيحة و نهائية من الساحب الى المستفيد او المظهرله.
اما الركن المعنوي فهو يتمثل في العلم المسبق بان قبول الشيك مشروط بألا يصرف فورا و ان يحتفظ به كضمانة و قبوله بذلك.
و يقع عنصر اتباث سوء النية على عاتق االنيابة العامة التي تبحث عن العناصر الضر | |
|