:
بسم الله الرحمان الرحيم
-----------------
مقدمة:
يعرف موضوع الجهة اهتماما متزايد ا ليس فقط في المغرب، بل بمختلف بقاع العالم كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والمحلية. و تقوم على تعبئة المواد و الطاقات المحلية من أجل ترسيخ الديمقراطية و تطوير البناء الجهوي، و تهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا بالمؤسسة الجهوية كإطار ملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية و قد تبنتها ألمانيا في دستور 1949 و إيطاليا في دستور 1948 و إسبانيا في دستور 1978 أما في المغرب فقد غدت سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية و التحاليل الأكاديمية بعد وضع دستور 1992 و 1996 و قانون تنظيم الجهات 96-47 في أبريل 1997 و بالتالي أصبحت الجهة في المغرب مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تساهم في النمو اقتصادي حيث أن نجاح أي مشروع رهين بوجود نصوص قانونية تنظمه و تسهر على تطبيقه دون إخلال أو تهاون و بالتالي سنحاول من خلال هذا العرض إلقاء الضوء على مفهوم الجهة باختلافها وإشكاليات تعريفها، مرورا بمراحل ترسيخ هذا النظام الجهوي بالمغرب ودوافعه وما حققته هذه التجربة على مر تاريخنا المعاصر، كما سنعمل على استعراض تجربة بعض الدول الأروبية على سبيل المقارنة للوقوف على مفهوم الجهوية بهذه الدول وتمثل مفهوم وممارسة الجهة بين كل من دول العالم المتقدم والنامي.
ولعل بروز مفهوم الجهة على السطح مرة أخرى بالمغرب، خير دليل على استشعار السلطات الوصية بأهمية هذا الكيان السياسي في تحقيق التنمية المحلية والجهوية ومن خلالهما التنمية الوطنية. من هنا جاء مفهوم الجهوية الموسعة الذي أعلن عنه جلالة الملك في الأيام القليلة الماضية بمناسبة الذكرى 33 لانطلاق المسيرة الخضراء معلنا بذلك ضرورة تبني مفهوم مغربي – مغربي للجهة الموسعة منطلقا من خصوصيات محلية من اجل تحقيق التنمية المنشودة.
I. مفهوم الجهة و تطوره عبر التاريخ
I. مفهوم الجهة:
اختلف مفهوم الجهة باختلاف الأشخاص المعرفة له فمفهوم الجهة يفيد معنيان الأول يفيد(régionalisme) و يعني مجموعة متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية و قد تتحول إلى توجه سياسي أما المعنى الثاني فيفيد(régionalisation) معناه الإطار و المجال الإداري و الاقتصادي رغم أن الجماعة المحلية هي نتائج بيئة سياسية تساهم في تأسيس المواطنين بصفة عامة. و تبدو الجهوية أنها توزيع لأنشطة الدولة على المستوى الجهوي بطريقة إدارية و بالتالي فالجهة هي مجموعة منسجمة تهدف إلى تحقيق تكامل اقتصادي و اجتماعي و إداري و تنموي على نماء الوطن بالإضافة إلى كونها هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا اقتصاديا و سوقا مجاليا تحدد بتداخل الظروف الطبيعية و البشرية و كذلك بالنشاط الاقتصادي للسكان و سلوكا تهم الاقتصادية.
II. إشكالية تعريف الجهة الاقتصادية:
إذا كانت الجهة هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا اقتصاديا وسوقا مجالية تحدد بتداخل الظروف الطبيعية والبشرية وكذلك بالنشاط الاقتصادي للسكان وبسلوكاتهم الاقتصادية فإن الكثير من المنظرين يضيفون لهذا التعريف ما يغنيه ويوسعه وأحيانا يعقده فـ juillard. مثلا يعتبر الجهة كمجال وظيفي باعتباره حقلا لحركة التيارات المختلفة، وهي تبرز بمركزها كما تبرز بشبكاتها المختلفة ذات الطاقة التنظيمية المتمثلة في الإشعاع الذي تخلقه الصناعة والأنشطة الدائرة في فلكها، والقدرة على الجذب التوافدي للمراكز الحضرية وكذا العلاقات التجارية وامتداد ظهير الموانئ .
وبالرجوع إلى الجغرافية الفرنسية Beaujeu-Garnier التي جعلت الجهة أداة للحركة أي إنها مجال خاضع لقرارات التخطيط، بمعنى أن الجهة قرار إداري سياسي يجعلها هدفا بدل إن تكون إطارا. وهذا ما يجعل مقولة P.CLAVAL بأن الجهة الاقتصادية تتولد من تنظيم حركات البضائع والخدمات حول المدن الأكثر دينامية.
يمكننا تميز ثلاث مراحل في تطور دراسة الجهة الاقتصادية:
أ. المرحلة الأولى: انطلقت مع تخمينات المبتدئين(WAUBAN, L.BROCARD) ومحاولات التعريف الجزئية انطلاقا من مجالات إشعاع التجمعات الحضرية الكبرى (A.Losch, R.Vining) أو من المبادلات الداخلية للجهة ومدى اكتفائها الذاتي (W.Liontieff) وتنتهي المرحلة عند المحاولة التركيبية لتعريف الجهة مع P.Bauchet الذي يعتقد بأن الحدود الجغرافية للجهة الاقتصادية تستطيع أن تدقق بتحليل لثلاث وجهات نظر متقاطعة:
سلوك الأفراد
شبكات إشعاع المدن السائدة بالجهة.
الاكتفاء الذاتي للجهة
ب. المرحلة الثانية: تمت خلالها محاولة صبغ المفهوم بالنسبية على شكل تعميم مبسط للفكر (W.Isard) المؤسس للعلم الجهوي وهي المرحلة التي تتلائم و المفهوم المغربي للجهة الاقتصادية حيث تنطلق الجهة من الفكر نحو المجال بدل الارتفاع من المجال نحو الفكر.
ج. المرحلة الثالثة: حيث اعتمدت المفاهيم الأكثر حداثة على الإجرائية مع J.Boudeville وعلى تحليل المجالات الاقتصادية مع F.Perroux وهي مرحلة وافقت درجة تطور الجهوية لدى البلدان المتقدمة التي تجاوزت مرحلة التقسيم والتحديد إلى مرحلة التنمية الفعلية والتنمية المتجددة.
على أن إشكالية التقسيم الجهوي لازالت مطروحة حي في البلدان المتقدمة بحدة اقل، مما دفع Isard (1975) إلى الفصل بين الحدود الإدارية وبين الحدود الفعلية للقضايا التنموية المطروحة قائلا: في بعض الحالات نترك الأحداث ترسم جهات أخرى عندما لا تتلاءم النطاقات الموجودة مع المشكل المطروح.
III. التجربة الجهوية ببعض الدول الأروبية
بعد هذا التقييم المختصر للتجارب المغربية السابقة في مجال الجهوية فإننا سنحاول التطرق إلى تنظيم واختصاصات الجهة في بعض الدول المتقدمة كألمانيا، ايطاليا، اسبانيا وفرنسا لمقارنتها بما هو عليه الحال بالمغرب.
1. اختصاصات وتنظيم الجهة بالدول الأروبية
بخصوص اختصاصات وتنظيم الجهة سنحاول من خلالها تسليط الأضواء على مكانة الجهة داخل التنظيم الإداري والسياسي في بعض الدول المتقدمة.
هذا ويجب التذكير بأن الجهوية بالمفهوم الحديث تقوم على أساس وجود جهة مستقلة عن السلطة المركزية لها اختصاصات محددة وموارد مالية وبشرية تسمح لها بتسيير أمورها باستقلالية وحرية في إطار من المسؤولية، غير أن وضعية الجهة والحرية التي تتمتع بها تختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب شكل الدولة فيدرالي او موحد وكذلك حسب أساس شرعية وجودها دستوري او قانوني وكذلك حسب طبيعة العلاقة التي تربطها بالسلطة المركزية والجماعات المحلية الأخرى.
وسنعمل في هذا المحور على التركيز على نقطة أساسية متمثلة في الوقوف على اختصاصات الجهة في هذه الدول باعتبارها انعكاسا للجهة كممارسة، متجاوزين بذلك بعض النقاط الفرعية، لا نرى بدا من معالجتها في هذا العرض كمبررات الجهوية بالدول الأروبية وأساس شرعية الجهوية...
ان الدستور هو الذي المحدد الرئيسي لاختصاصات الجهة في إطار الجهوية السياسية، بينما يحدد القانون العادي اختصاصات الجهة في إطار الجهوية الإدارية. والاختصاصات التي تتمتع بها الجهات في إطار الجهوية السياسية ليست فقط اختصاصات إدارية وإنما تشمل اختصاصات تشريعية وقضائية.
ففي ألمانيا فان الجهات LANDERS تتمتع باختصاصات تشريعية وقضائية وإدارية، وان كان مجال السلطة الفدرالية أوسع حيث تتوفر على الاختصاص العام باستثناء الميادين التالية: التعليم والثقافة والشرطة والجماعات المحلية، غير إن الجهات تتوفر على سلطة مراقبة التشريع الفدرالي من خلال المجلس الفيدرالي التي تمثل فيه الجهات، غير أن الجهات ملزمة باحترام المبادئ الدستورية عند ممارستها للاختصاصات التشريعية.
وفي المجال القضائي، فإذا كانت الجهة تتوفر على محاكمها الخاصة سواء العادية أو الدستورية فإنها تخضع لمراقبة القضاء الفيدرالي.
أما في ما يتعلق بالاختصاصات الإدارية فالجهة تتوفر على الاختصاص العام، بحث أن الإدارة الاتحادية لا تتوفر على مصالح خارجية لها بالجهات، كما أن الإدارة الجهوية تعتبر المنفذ للقوانين الفدرالية وهذا الاختصاص العام يشمل جميع الميادين باستثناء السياسة الخارجية والدفاع والحقوق المدنية والسياسات النقدية والجمارك والحدود والنقل الجهوي.
أما بخصوص اختصاصات الجهات بايطاليا فهي أوسع بالمقارنة مع أكثر الدول الأوربية بحيث تمارس تقريبا نفس الاختصاصات التي تمارسها الدويلات في إطار الاتحاد الفدرالي، لهذا فإننا نجدها تتوفر على اختصاصات تشريعية، قضائية وإدارية بالإضافة إلى توفرها على حق اقتراح القوانين كما أنها تشارك في انتخاب رئيس الدولة. وهي تمارس وظيفة تشريعية أصلية في الميادين التي حددها الدستور وعلى وظيفة تشريعية تكميلية للوظيفة التشريعية للدولة، وهذه الوظيفة الأخيرة تتسع أكثر بالنسبة للجهات ذات النظام الخاص، غير أن هذه الوظيفة محددة ببعض القواعد والمبادئ العامة والدستور.
أما فيما يخص مجال السلطة التشريعية الجهوية فقد حددها الفصل 117 في الميادين التالية: تنظيم الإداري الجهوية ومصالحها، الأعمال الخيرية والمساعدة الصحية والاجتماعية، التعليم المهني، التعمير وإعداد التراب الوطني، الطرق الجهوية، الملاحة والموانئ، الفلاحة والغابات والصناعات التقليدية. أما في اسبانيا فان اختصاصات المجموعات المستقلة واسعة أيضا بحيث أن الدستور الاسباني حدد لائحتين لائحة خاصة باختصاصات السلطة المركزية ولائحة خاصة بالمجموعات المستقلة، كما أن السلطة المستقلة يعطيها الدستور حق تفويض جزء من اختصاصاتها لفائدة الجهات، لهذا نجد أن المجموعات المستقلة تتمتع باختصاصات تشريعية في ميادين محددة دستوريا أو تلك المفوضة، من طرف السلطة المركزية كما تمارس سلطة تشريعية تكميلية، بحيث تحدد القواعد والإجراءات التشريعية التنظيمية لتكملة القوانين الوطنية. وميادين السلطة التشريعية هي حسب الفصل 143 ما يلي: الأشغال العمومية، المياه والغابات، الصحة العمومية، المكتبات والسياحة.
أما فيما يتعلق بالاختصاصات التي يمكن للسلطة المركزية تفويضها إلى الجهات نجد من بينها التشريع التجاري والمدني، التربية، الأمن العمومي وتنظيم الاقتصاد.
أما الاختصاصات الإدارية فهي مرتبطة بالاختصاصات التشريعية، كما انه بمقتضى الدستور يمكن للدولة أن تفوض إلى الجهات بعض اختصاصاتها الإدارية. وفي هذا الإطار نجد الاختصاصات المتعلقة بتنفيذ قانون الشغل والضمان الاجتماعي ونظام الإعلام والإذاعة والتلفزة.
هذا وتجدر الإشارة انه بالنسبة للمجموعات المستقلة في اسبانيا فإنها تتوفر هي الأخرى على حق تقديم اقتراحات القوانين، كما أنها تشارك في رسم السياسة المالية والجبائية للدولة من خلال مشاركتها في المجلس الوطني للسياسة المالية.
أما اختصاصات الجهة في إطار الجهوية الإدارية كفرنسا فإنها لا تتوفر إلا على اختصاصات إدارية محدودة بواسطة القانون العادي، هذا وحسب إصلاح 1982 فان الجهات الفرنسية تتمتع باختصاصات أصلية كتلك المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والتخطيط، أما فيما يتعلق بالاختصاصات المحولة فهي المتعلقة بالتكوين المهني والتربية والاختصاصات المتعلقة ببعض جوانب إعداد التراب الوطني.
من خلال ما سبق، نلاحظ أن تطور الجهوية في الدول الديمقراطية قد لا يرتبط بشكلها السياسي وإنما بدرجة ومستوى وتجدر الممارسة الديمقراطية فيها، كما أن هذا التطور يتوقف على وجود الإرادة السياسية الصادقة للمشرع لإعطاء الجهة مكانة سياسية متميزة داخل التنظيم السياسي والإداري وكذلك على ما تتوفر عليه من موارد مالية بحيث أن هذا العنصر الأخير هو الذي يحدد الطبيعة الحقيقية للجهوية ومستوى تطورها فالنظام المالي يعتبر العنصر الفاصل في نجاح التجربة الجهوية في أي دولة كيفما كان شكلها فدرالي أو موحد. ومن خلال هذه الدراسة المقارنة نلاحظ أن التجربة الجهوية في الدول المتقدمة تتميز بما يلي:
الطبيعة الديمقراطية للتنظيم الجهوي
التحديد الدقيق لاختصاصات الجهة
الدور المحدد للسلطات المركزية في الشؤون الجهوية.
IV. مراحل ترسيخ التنظيم الجهوي بالمغرب:
إذا كانت سياسة الجهوية هي أداة لتحقيق تنمية شاملة و متوازنة فإنها لا تنشئ من فراغ بل هي عبارة عن تطور متتالي لحلقات تستند كل مرحلة فيها إلى سابقتها و تكون أساسا لما سيعقبها.
I. مرحلة ما قبل الحماية:
في هاته المرحلة أثارت الجهوية نقاش بين من يسير في اتجاه نفي وجود تنظيم إداري وإقليمي، فبالأحرى نظام الجهة، واتجاه يرى أن المغرب عرف نظاما للجهة قبل الحماية الفرنسية. وقد عرف المغرب فكرة الجهوية منذ القديم حيث كان التقسيم يقوم على أساس قبلي نتيجة كبر المساحة إلا أنه خلال مرحلة ما قبل الحماية لم يكن هناك تنظيم جهوي بمفهومه الحديث بل كانت كل التنظيمات تعتمد على الأسس القبلية و الجغرافية .
II. مرحلة الحماية:
بعد توقيع معاهدة فاس 1912، بسط الاستعمار نفوذه على المغرب محاولا مس هويته الإسلامية والعربية، وانتهج سياسة فرق تسد من خلال تغييرات مستوردة على التنظيم الجهوي السائد قبل الحماية.
وتميزت سياسة الجهوية إبان فترة الحماية بالحداثة إلا أنها جاءت في مراميها مناقضة للمعنى القانوني للجهة، بحيث لم تكن للجهة في ترسانة مؤسسة الحماية إدارة مركزية وإنما آلية للتأطير والتحكم السياسي والعسكري اللازمين لتهدئة البلاد، وقامت مراقبتها من طرف المستعمر وذلك بإحداث جهات عسكرية وأخرى مدنية واستعملت الجهة كإطار لعدم التركيز في نطاق الاعتبارات العسكرية والاستعمارية دون أي اعتبارات اقتصادية واجتماعية "منذ سنة 1922، اقترح جغرافيان تابعان للحماية، ج. هاردي وج.سيليري، توزيعا جهويا للمغرب حسب مجموعات كبرى، هي في الواقع جهات "طبيعية". ويرجع هذا التقسيم إلى بحث استكشافي أكثر مما يعود إلى تحليل للتراب. وهذه تسميات الجهات الستة:
- جهة الشمال، وتضم الريف وضفاف البحر الأبيض المتوسط،
- حوض سبو،
الميسيطا المغربية او المغرب الأوسط،
جبال الأطلس،
المغرب الشرقي،
المغرب الصحراوي.
وبعد أزيد من عشرين سنة من ذلك، اي سنة 1948، أعاد ج.سيليريي نفسه التقسيم ذاته؛ الا انه أضاف إليه جهتين جديدتين، اذ احدث تقسيما داخل وسط المغرب وجبال الأطلس. وهكذا، وفيما يخص وسط المغرب، ميز بين السهول الاطلنتية من الرباط إلى الصويرة كمجموعة ساحلية ؛ والهضاب والسهول العليا شبه الأطلسية والتي يتكون منها الداخل. أما فيما يخص جبال الأطلس، فقد ميز بين الأطلس المتوسط و الأطلس الكبير.
ويبقى هذا التقسيم الجهوي، رغم ما عرفه من تحسينات، تقسيما غير دقيق. فسوس، على سبيل المثال، غير معزولة وأدمجت في جهة المغرب الصحراوي. ذلك ان ما يفرض تحديد الجهات هي التناقضات الطبيعية الكبرى. ولطالما سوف تستمر هيمنة العناصر المادية هاته لتشكل على مدى عقود، المقياس المعتمد في تحديد الجهوية.
وبالفعل فإننا نلاحظ اعتماد مصطلحات ترتبط بوصف التضاريس او الجيولوجيا في تسمية الجهات: حوض وميسيطا وسلاسل جبلية. وتوظف كذلك عناصر التوجيه توظيفا مهما: جهة الشمال، ووسط المغرب، والمغرب الشرقي. وهذه أمور لها دلالة إستراتيجية، إذ أن الهدف من التقسيم هو الهيمة العسكرية وليس تحليلا معقلنا لمكونات هذه المجموعات الجهوية.
وفي سنة 1950، وضع ف.جولي في مجلة جغرافية فرنسية (المعلومة الجغرافية) جدولا "للجهات الجغرافية في المغرب". وهو جدول يعتمد اعتمادا كبيرا على الفضاءات الطبيعية. وبعد عشر سنوات من ذلك أي سنة 1960، نشر المؤلف نفسه خريطة حسب السلم 1:1000000 لاستغلال التربة في المغرب تضم تقسيما دقيقا مفصلا، مصحوبا بتعليق موجز؛ إلا انه لا يغطي سوى الجزء الشمالي من البلد.
وفي سنة 1964، اقترح أول كتاب مدرسي عن جغرافية المغرب المستقل ووجه لتلاميذ المدارس الثانوية (مارتان ولآخرون 1964) تصورا يقسم البلاد إلى اثني عشر جهة. وتهيمن على هذا التقسيم التسميات الطبيعية: جبال الريف، وسهول المغرب الشمالي وهضابه، والأطلسين المتوسط والكبير، وكتل الاطلنتي، وسهول المغرب الداخلي، والسهول الاطلنتية الوسطى وهكذا... وحدها الجهات التي سميت بالغرب و"الدار البيضاء" تحيل على عنصر بشري وتشكل استثناء في هذه التسميات.
وفي سنة 1967، ظهر كتاب ج. ديبوا رينال، (جغرافية إفريقيا الشمالية الغربية). وهو كتاب يغطي مجموع البلدان المغاربية، ويقسم المغرب تقسيما جهويا يختلف قليلا عن تقسيم هاردي وسيليريي الذي وضع قبلة بخمس وأربعين عاما. استمرت في هذا الكتاب هيمنة التسميات الطبيعية رغم ظهور محتشم لمفهوم "الجبال الرعوية" عند الحديث عند الحديث عن جبال الأطلس المتوسط ووسط الأطلس الكبير وشرقه. وهو مفهوم يدمج عامل"نمط.العيش".
من هنا يتضح أن الجهوية في عهد الحماية لم تكن تعني تنظيم وإعادة هيكلة المجال بصفة عامة بقدر ما كان التقسيم الجهوي الذي اعتمدته سلطات الحماية الفرنسية ذا اعتبارات عسكرية وأمنية بالأساس. وعمل المستعمر على طمس روح النظام المحلي الجهوي الذي عرفه المغرب وحلت أنظمة إدارية جديدة مستمدة من النظام الفرنسي محل أساليب وهياكل الإداري التقليدية للإمبراطورية الشريفة.
III. التنظيم الجهوي في عهد الاستقلال
واجهت الإداري المغربية الفتية عدة عوائق بوصفها الوصية على إرث الحماية المتمثل في بنية تحتية معقدة لم تحظى لا بالقبول ولا بالرفض المطلق من قبل السلطات المستقلة ولا هي متكيفة مع حاجات السكان. وفي هاته المرحلة تراجع الاهتمام بالتنظيم الجهوي ليحل الإطار الإقليمي والجماعي محله بغية فرض سلطة الدولة المستقلة إداريا وسياسيا، بحيث اعتبر التقسيم الإقليمي، أهم التقسيمات الإدارية للدولة.
ولم يظهر الاهتمام بالمجال الجهوي إلا بعد استفحال خطورة الفوارق والتفاوتات الجهوية وعجز الإطار الإقليمي عن مواجهتها، وذلك نظرا لمحدوديته وقصوره عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الإختلالات واللاتوازنات التي خلفتها السياسة الكلونيالية التي خدمت الأهداف الاستعمارية.
وبسبب الاختلاف في بناء حجم الأقاليم وعدم تساويها من حيث عدد السكان وعن الموارد الطبيعية، أصبحت الجهة هي الوسيلة الملائمة كاختيار لإعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية، إذ بدأ الانشغال بالجهوية من خلال المخططات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المستمرة التي عرفها المغرب لولوج مرحلة جديدة نحو ترسيخ الديمقراطية المحلية. لكن هذه السياسة كانت تفتقر إلى التنسيق والانسجام وعلى رؤية واضحة للقضايا الجهوية وظلت مجرد متمنيات.
وفي سنة 1971 جاء نظام الجهات الاقتصادية كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتبرها قاعدة ترابية لهذه التنمية، وقد تم تقسيم المجال الترابي إلى سبع جهات، وبذلك تم وضع الهياكل وتحديد المفهوم القانوني للجهة، اعتمادا على عدة معايير.
- معيار سياسي: معنى هذا أن الدولة في اطار وعيها بتطور النخب المحلية ووعيا منها بمتطلبات هذه المرحلة فقد عمدت الى ادماج هذه النخب في اطار جهوي وهو معيار خفي وغير معلن.
- احترام التقسيمات السابقة تقريبا: وهو معيار خاطئ لأن أهداف التقسيم الاستعماري مختلف عن أهداف التقسيم في فترة الاستقلال
- معيار طبيعي: ومعنى هذا أن تتشكل كل جهة من وحدات طبيعية مختلفة قدر الامكان وكذلك أن تتوفر على واجهة بحرية مع استثناء جهة واحدة.
- المعيار البشري: أي ضرورة العمل على خلق جهات متوازنة من حيث عدد السكان وهذا ما يفسر كبر بعض الجهات مجاليا.
- معيار البنيات التحتية: يعني ضرورة توفر كل جهة على بنية تحتية.
وهكذا تحول الاتجاه صوب تقرير التمركز الإداري حتى يتماشى بموازاة مع اللامركزية، وجاء خطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني سنة 1984، مؤكدا للرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل جهوية وتشريعية وتنفيذية.
وتزامن الطرح مع مواقع كانت فيه الإداري تحتل مكانا واسعا، وتقوم بأدوار وتدخلات تتزايد يوم بعد يوم، وظلت الجهة هي المجال السياسي الأكثر تحررا والأحسن ملائمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية، إذ تشكل مجالا لجماعات تديرها هيآت منتخبة وتسيرها بكيفية حرة، تتيح لمختلف الاتجاهات التدخل والابتكار في مختلف المسائل باستثناء ماله صلة بالمجال السياسي العام للدولة.
وهكذا بدأ المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة أبرزها التعديل الدستوري لسنة 1992، الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات المحلية، حسب مقتضيات الفصل (94). وتم تدعيم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة 1996، حسب مقتضيات الفصل (100)، بالإضافة إلى القانون المنظم للجهات رقم 96-47 الصادر في 2 أبريل 1997، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي واختصاصات قانونية تقريرية واستشارية.
وأخيرا، في سنة 1997، تبنى التقسيم الجهوي والإقليمي 16 جهة و44 إقليما و 24 عمالة و 10 ولايات. لم يعد الأمر يهم هنا "جهات اقتصادية" كما كان في السابق، ولكن مجموعات عبارة عن مجالات فرعية للتراب الوطني، تتمتع بسلط وتمثل السلطة المركزية وتشكل فضاءات التدبير المستقل، كما تنص على ذلك النصوص المنظمة. يكمن هنا تطور ملحوظ في اتجاه الجهوية كان قد أراده العاهل نفسه، فطبقه المشرع ووزارة الداخلية. والملاحظ في هذا التقسيم الأخير، عندما نتأمل الخريطة التي تمثل 16 جهة سرعان ما نلاحظ ان تقسيم مختلف الوحدات ومحتوياتها قد تحسن تحسنا كبيرا بالمقارنة مع تقسيم1971 .
إذا كانت هذه مجمل المراحل الرئيسية للتنظيم الجهوي بالمغرب، فما هي يا ترى الدوافع والأسباب التي كانت وراء الاقتناء بالعمل الجهوي؟
IV. دوافع وأسباب إحداث الجهة
يمكن تلخيص الدوافع الأساسية للجهوية بالمغرب من خلال ثلاث محاور:
- دوافع سياسية تهدف إلى تدعيم اللامركزية ودمقرطة المؤسسات الجهوية
- دوافع إدارية، فضلا عن دوافع اجتماعية واقتصادية.
* الدوافع السياسية: تتجلى في كون المسألة الديمقراطية المحلية، أصبحت إحدى المظاهر السياسية للمجتمع المدني، وقد جعلت من الجهة عبر مجلسها المنتخب بطريقة ديمقراطية ذلك المجال الذي يتيح للسكان المحليين عبر منتخبيهم الجهويين حق المشاركة الشعبية القادرة على تحقيق التطور الذاتي.
فالجهوية احتلت مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق الديمقراطية المحلية من خلال دعم السياسة الجهوية التي نشدتها الإصلاحات الدستورية والسياسية.
وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع اللامركزية لأنها تشكل أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناته.
وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثلي للمملكة وتوفر فضاءا جديدا للتداول والتشاور والإنجاز، خصوصا بعد أن ثبت فشل إدارة جميع المرافق المركزية.
وهكذا أصبحت الجهة تقنية جديدة لممارسة الديمقراطية على الصعيد الجهوي كما أنها تعتبر وسيلة لتحديث الدولة، ومحورا جديدا للديمقراطية وشرعية السلطة السياسية.
* الدوافع الإدارية: هنا عملت السلطة المركزية منذ الاستقلال على إنشاء مصالح ومرافق إدارية تساعد الحكومة على الصعيد المحلي وأيضا عملت على الزيادة في عدد الولايات والعملات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، وإحداث وحدات ترابية جديدة وهي الجهات، كل ذلك بغية تقريب الإداري من المواطنين. وبالتالي يصبح التنظيم الجهوي أحد الأساليب الإدارية لإدارة المرافق العامة لتلبية حاجيات الأفراد والسكان لأن المجلس الجهوي المنتخب من قبل سكان الجهة يكون على دراية بحاجياتها وإدارة مرافقها بالشكل الذي يتلائم ورغبات السكان وبفعالية أكبر ولو سيرت تلك المرافق من قبل المسؤولين الحكوميين على الصعيد المركزي. وأصبح المنهج الجهوي آلية مناسبة للتقليص من البيروقراطية ، وذلك لتقريب القرار الإداري من مكان تنفيذه.
وإقرار الجهة كوحدة لا مركزية في إطار تنظيم الإداري المحلية، يدخل إجمالا في إطار الإصلاح الإداري عموما، والدافع الإداري في إقرار الجهة جاء في إطار تقليص دور الدولة في بعض المجالات وتفويتها للجهة حيث تصبح هي المسؤولة عن الوظيفة والموظفين في نطاق ترابها.
*..دوافع تاريخية وثقافية: ذلك أن الجهوية تمثل أسلوبا عصريا لممارسة الديموقراطية حيث تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المقومات الثقافية والاجتماعية داخل نفس البلد، فهي بهذا توفر للكيانات الاجتماعية استقلالية في تسيير شؤونها ،كون المنطق السليم للديموقراطية لا يقتضي فقط خضوع الأقلية للأكثرية بل أيضا الاعتراف بوجود الأقلية التي قد تشكل كيانا له بعد تاريخي وبالتالي ضرورة الاعتراف بحقوقه السياسية والاجتماعية كحقها في تسيير شؤونها بنفسها .
* الدوافع الاقتصادية والاجتماعية: أصبحت الجهوية من الاستراتيجيات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والإقلاع السوسيوقتصادي، بصفة عامة ، فالسياسيات الاقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره الإطار الأصلح، لوضع كل الاستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح. فالجهة هي الفضاء الذي لا بد منه لتنسيق التنمية، الأمر الذي يصعب على الجماعات الترابية الأخرى القيام به وعلى الحكومة ممارسته.
فالدافع الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية هو الدافع الأساسي نحو إقرار سياسته الجهوية لأن موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية على كافة المستويات يكتسي أهمية قصوى في الوقت الراهن وفي المستقبل.
وأمام فشل الدولة في القضاء على اللاتوازنات فيما بين مناطق وجهات المغرب، فقد تم التكريس الدستوري للجهة منذ سنة 1997، والتركيز على التوجهات التنموية والاقتصادية على أساس الجهوية والتنمية المحلية، وكذلك اختيار المخططات كوسيلة لتحقيق تلك الأهداف، سواء على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي. وبذلك تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية دافعا أساسيا نحو تفعيل دعم وجود الجهة.
V. الجهوية الموسعة
إن إشكاليات مفهومي الدولة والأمة، جعلت أن المشهد والتاريخ المغربي يتسمان ويرتكزان على المركزية. هاته الأخيرة لم تصبح مجدية وذات فعالية مع الانفتاح الذي أصبح يعرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالعولمة أملت على جميع اقتصاديات الدول تغييرات جذرية في بنيتها ،حتى أصبحت الدولة ملزمة على تنظيم الحياة الاقتصادية في ظل اقتصاد السوق الذي يعرفه العالم.من هنا أصبحنا في حاجة ماسة إلى مقاربة جهوية تجعل من المغرب بلدا يحتضن جميع مناطقه.
من هنا بدأ التفكير في التأسيس لجهوية موسعة تكون الفاعل القوي لحكامة ترابية متجددة يكون الرابح الأكبر فيها هو العنصر البشري. فالديمقراطية الحقيقية هي التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية في مسطرة أدبياتها.
فالعاصمة الرباط يجب ألا تكون فقط المدينة المحورية في رسم المسار الفكري أو السياسي للمواطن، بل يجب منح جهات أخرى الفرصة لكي تكون حتى هي أقطاب شيء ضروري من أجل مغرب أكثر ديمقراطية و|أكثر فعالية. فكل جهة مغربية لها خصوصيات قد تجعل منها قطبا رائدا في المجالات التي تلائمها. فهناك جهات قد تكون قطبا تكنولوجيا عالميا، وجهات أخرى قد تؤسس لنمو فلاحي قوي.فالنظرة الشمولية يجب أن تكون مبنية على رؤية واقعية لخاصيات أي جهة .
اللامركزية الإدارية التي نتحدث عنها يجب أن يصاحبها لامركزية سياسية لخلق تنافس حقيقي بين الجهات. فإرساء الممارسة الديمقراطية التشاركية لن يتأتى إلا بجعل الكل وجميع الجهات داخل الهدف الوحيد الذي هو مغرب أفضل يحتضن جميع أبنائه من طنجة إلى الكويرة.
ويجب التأكيد على أن إعطاء الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الجهوية سيعزز الديناميكية السياسية التي تستوجب أن تكون وأن تسود بين المواطن والسياسي.
ومن هنا جاءت الجهوية الموسعة والمتدرجة ضرورة يقتضيها مسار الانتقال الديمقراطي، وورش إصلاحي هيكلي لترسيخ الحكامة المحلية وتفعيل التنمية الجهوية في إطار من الوحدة والتوازن والتضامن والانسجام؟ إلى أي حد جعل مشروع الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية من مسألة الجهوية مطلبا ديمقراطيا وطنيا لإعطاء الجهات هامشا واسعا في التدبير الذاتي والتخلص من أعباء المركزية المفرطة.
1. الجهوية الموسعة أساس تدعيم التنمية والاستقرار بالمغرب
ان ورش الجهوية الموسعة يعتبر تحديا جديدا يرفعه المغرب اليوم بقيادة جلالة الملك، وذلك في خطابه يوم 11-01-2010. وهو ورش هيكلي كبير يتطلب تعبئة قوية من طرف الجميع طالما أنه يأتي لتعزيز المسار الديمقراطي وصيانة الوحدة الترابية على إثر التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديمقراطية، هل يمكن تأسيس ترابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن القول بأن الديمقراطية المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟
إن مسألة الاستقلال الذاتي والجهوية هي فكرة سبق لأحد برلمانيي الحزب الشعبي السيد Javier Ruperez أن دافع عنها لنقول إن أمكن أن قضية الصحراء مثلت أو حلت محل المشروع المجتمعي الذي كانت الدولة المغربية في حاجة ماسة إليه لتعبئة الشعب المغربي، من السلم وتجديد الشرعية والحماسة الوطنية وربطها بنوع من الانفراج السياسي لضمان حد أدنى من السلم والاستقرار السياسي والاجتماعي لا سيما إذا تم مزج تطور المسألة الديمقراطية الراهنة بتطور قضية الصحراء،وتلاقحهما، وانفتاح النظام السياسي عن طريق تحديث بنياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية،ومن تم المرور إلى الدولة الجهوية. ومن المؤكد أن السمو بالديمقراطية المحلية، وباللامركزية نحو الرقي، سيساعد المغرب على مواجهة طوفان العولمة والمحافظة على هويتنا وأصالتنا وعلى وحدتنا الوطنية والترابية والاجتماعية من جهة، كما يساعد على ضمان الاستقرار السياسي على المستوى الداخلي، وكذا على مستوى العلاقات مع الدول المجاورة كالجزائر، كما أن السياسة الجهوية تمثل حلا مقنعا لاستكمال الوحدة الترابية، وعاملا مهما للاستقرار وللنهوض بالتنمية.
وقد جاء الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 33 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة حاملا لمشروع جهوية موسعة تندرج ضمن البناء الديمقراطي الحداثي للمغرب و النهوض بمسلسل التنمية الجهوية للبلاد في إطار الحكامة الجيدة والديمقراطية المحلية، يقول جلالة الملك محمد السادس نصره الله في هذا الإطار:
لذلك قررنا, بعون الله, فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها , بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة, تشمل كل مناطق المملكة, وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية, مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد, سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة, وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية, أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي, من طرف المنتظم الأممي.
شعبي العزيز, إن مشروع الجهوية, إصلاح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه, لذا, ارتأيت أن أخاطبك في شأن خارطة طريقه : أهدافا, ومرتكزات, ومقاربات. فطموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة, الا قتصادية والا جتماعية والثقافية. ولبلوغ هذه الأهداف, فإن هذا الإصلاح يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن, والتضامن. فأما الوحدة, فتشمل وحدة الدولة والوطن والتراب, التي لا يمكن لأي جهوية أن تتم إلا في نطاقها. وأما التوازن, فينبغي أن يقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية, في مراعاة لمستلزمات العقلنة والانسجام والتكامل. ويظل التضامن الوطني حجر الزاوية, في الجهوية المتقدمة, إذ أن تحويل الاختصاصات للجهة يقترن بتوفير موارد مالية عامة وذاتية. كما أن نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا. وعلى غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى للأمة.
هذا وإذا كان الحكم الذاتي المتطور في إطار اللامركزية الجهوية والوحدة الوطنية، اختيار ملكي مفاده أن المغرب مستعد للتفاوض في كل شيء ماعدا الطابع البريدي والعلم المغربي. بمعنى الطرح الملكي جاء مستوف لسياسة جهوية عصرية ليس لها حدود ما عدا تلك التي تمس بالسيادة التي يرمز إليها الطابع البريدي وعلم البلاد، وكل ذلك يهف حسب اعتقادنا إلى إقناع الطرفين بشيئين اثنين:
1- طرح فكرة الإدماج والتخلص من مخلفات الحرب الباردة، دون المساس بالسيادة الوطنية.
2- فتح مجال للعيش في استقرار، إذا كان الهدف من هذا الملف الشائك هو كذلك، وتحقيق ذلك في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سواء بالنسبة لمنطقة الصحراء أو باقي مناطق المغرب.
إن الاعتماد على التاريخ لتعزيز الجغرافية، والخروج من نقطة الصفر، والنهوض بالمشروع المبني على قاعدة جهوية متينة تتيح الانصهار في كيان ديموقراطي تعددي موحد، في إطار اللامركزية الجهوية والوحدة الوطنية هو الحل الوحيد لبناء مغرب قادر على مواجهة ما ينتظره من تحديات هذا القرن.
---------------------
منقول من أجل الإستفادة