http://talaba9anon.blogspot.com/2013/09/blog-post_4973.htmlأنواع العقارات
مدخـل تمهيـدي:
الحديث عن الأحكام الفقهية والقانونية المتعلقة بالعقار الذي يكون محل ملكية مشاعة بين أكثر من شريك يقتضي في البداية التعريف ببعض المصطلحات الواردة في العنوان،من قبيلالعقار(المحور الأول)والملكية المشاعة(المحور الثاني)،بالإضافة إلى إعطاء نظرة موجزة عن أنواعالعقارات في المغرب وكذا النظم القانونية المطبقة عليها(المحور الثالث).
المحور الأول : تعريف العقار .
الحديث عن مدلول لفظ العقار يقتضي مني التعريف به في اللغة (أولا) ثم في الفقه الإسلامي (ثانيا) وكذا القانون المغربي (ثالثا).
أولا: تعريف العقار لغة .
العَقَار بالفتح مخففا الأرض والضياع والنخل ويقال في البيت عَقَارٌ حَسَن أي متاع وأداة([1]).
ويقال:عقار البيت : الَمصُون من متاعه الذي لاُيبْتذَلَ , ورجل معقر : كثير العقار. قال أحد الشعراء :
تُضيء عَقارَ البيت في ليلة الدُّجى ****وإن كان مقصوراً عليها سُتُورها([2]).
وفي لسان العرب لابن منظور،العَقارُ: الـمنزل والضَّيْعةُ؛ يقال: ما له دارٌ ولا عَقارٌ،وخصَّ بعضهم بالعَقار النـخـلَ. يقال للنـخـل خاصة من بـين الـمال: عَقارٌ.
وقيل: العَقارُ، بالفتـح، الضَّيْعة والنـخـل والأَرض ونـحو ذلك.والـمُعْقِرُ: الرجلُ الكثـير العَقار. قالت أُم سلـمة لعائشة، رضي الله عنهما، عند خروجها إِلـى البصرة: سَكَّنَ الله عُقَـيْراكِ فلا تُصْحِريها؛أَي أَسْكَنَكِ اللَّهُ بَـيْتَك وعَقارَك وسَتَرَكِ فـيه فلا تُبْرِزِيه. قال ابن الأَثـير: وهو اسم مصغَّر مشتق من عُقْرِ الدار.قال الزمخشري: كأَنها تصغير العَقْرى علـى فَعْلـى، من عَقِرَ إِذا بقـي مكانه لا يتقدم ولا يتأَخر، فزعاً أَو أَسفَاً أَو خَجَلاً، وأَصله من عَقَرْت به إِذا أَطَلْتَ حَبْسَه، كأَنك عَقَرْت راحلته فبقـي لا يقدر علـى البَراحِ، وأَرادت بها نفسها أَي سكِّنـي نَفْسَك التـي حقُّها أَن تلزم مكانها ولا تَبْرُز إِلـى الصحراء، من قوله تعالـى:" وقَرْنَ فـي بُـيوتِكُنّ ولا تَبَرَّجْن تَبَرُّجَ الـجاهلـية الأُولـى" ([3]).
و عَقَار البـيت: متاعُه ونَضَدُه الذي لا يُبْتَذَلُ؛وبـيت حَسَنُ المظهر والعَقارِ.
وقـيل:عَقارُ الـمتاع: خيارُه وهو نـحو ذلك لأَنه لا يبسط فـي الأَعْياد والـحُقُوقِ الكبار إِلا خيارُه، وقـيل: عَقارُه متاعه ونَضَدُه إِذا كان حسناً كبـيراً. وفـي الـحديث: بعث رسولُ الله عُيَـيْنة بن بدر حين أَسلـم الناس ودَجا الإِسلامُ فهجَمَ علـى بنـي علـي بن جُنْدب بذات الشُّقُوق، فأَغارُوا علـيهم وأَخذوا أَموالهم حتـى أَحْضَرُوها الـمدينةَ عند نبـي الله. فقالت وفُودُ بنـي العَنْبر: أُخِذْنا يا رسولَ الله مُسْلِـمين غير مشركين حين حرمنا النَّعَمَ، فردّ النبـي ، علـيهم ذَراريَّهم وعَقارَ بُـيوتهم". وإنما ردّ رسول الله ذرارِيَّهم لأَنه لـم يَرَ أَن يَسْبِـيَهم إِلا علـى أَمر صحيح، ووجدهم مُقِرّين بالإِسلام؛وأَراد بعَقارِ بـيوتهم أَراضِيَهم.قيل:وقد غلّطَ مَنْ فسّر عَقارَ بـيوتهم بأَراضيهم.والمراد بأَمْتِعَة بـيوتهم ،من الثـياب والأَدواتِ.
وعَقارُ كل شيء: خياره. ويقال: فـي البـيت عَقارٌ حسنٌ أَي متاع وأَداة. وفـي الـحديث:" خيرُ الـمالِ العُقْرُ"([4]).
ويقال: عُقِرَ كلأُ هذه الأَرض إِذا أُكِلَ. وقد أَعْقَرْتُكَ كلأَ موضعِ كذا فاعْقِرْه أَي كُلْه. وفـي الـحديث: أَنه أَقطع حُصَيْنَ بن مُشَمّت ناحية كذا، واشترط علـيه أَن لا يَعْقِرَ مرعاها أَي لا يَقْطعَ شجرها([5]).
ثانيا:العقار في الفقه الإسلامي.
لم يتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على تعريف موحد للعقار، وإنما اختلفوا في ذلك على قسمين:
- القسم الأول : ويمثله فقهاء المالكية، حيث اعتبروا العقار، هو كل شيء لا يمكن نقله أبدا، أولا يمكن نقله إلا بتغيير هيأته. وهذا يعني أن كلمة عقار كما تطلق على الأرض، تطلق كذلك الأشجار، والبناءات وما يتصل بها مما لا يمكن نقله إلا بتغيير هيأته. يفهم من هذا التعريف أن كل ما من شأنه أن يستقر ولا ينقل أبدا، أو لا ينقل إلا إذا تغيرت هيأته ولحقه تلف يعتبر عقارا بطبيعته([6]).
وفي هذا الصدد يقول الفقيه التسولي –شارح التحفة- في باب البيع : «الأصول هي الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر»([7]).أي أن الأصول التي هي العقارات :الأرض وما يتصل بها اتصل قرار من البنايات والحيطان والشجر الذي جذوره مغروسة في الأرض.
القسم الثاني : ويمثله غير المالكية من فقهاء الحنفية والحنابلة والشافعية.الذين اعتبوا العقار كل شيء لا يمكن نقله أبدا. وهذا يعني أن كلمة العقار لا تنطبق إلا على الأرض. أما الشجر والبناء فلا تسمى عقارات، لأنها يمكن نقلها([8]).
فعن الحنفية : «العقار، هو ما لا يحتمل النقل والتحويل »([9]). وقيل : ماله أصل ثابت مثل الأرض والدار، والنخل والشجر([10]).
فالحجر من الدار إذا انهدمت يصبح مالا منقولا، والشجر إذا اقتلع من أصله اعتبر هو الآخر من قبيل المنقول.
ثالثا: العقار في القانون المغربي .
لم يتعرض ظهير 19 رجب 1333 الموافق ل 2 يونيو 1915 بمثابة قانون مطبق على العقارات المحفظة، لمفهوم العقار([11])، وإنما اكتفى في الفصل الخامس منه بتعداد أنواعه، حيث ذكر أن العقارات إما عقارات بطبيعتها (I) أو عقارات بالتخصيص (II) أو عقارات بحسب ما تنسحب عليه (III).
I : العقارات بطبيعتها.
لقد اقتصر الفصل السادس من ظهير 2 يونيو 1915 على ذكر أهم أنواع العقارات بطبيعتها، معتبرا من هذا القبيل الأراضي والأبنية والمنشآت المتممة للبناء والنباتات([12]).
جاء في المادة 6 المذكورة ما يلي :
«أن الأراضي والبنايات عقارات بطبيعتها.
وكذا الشأن في الآلات والمنشآت المثبتة والمرساة ببناء أو أعمدة و المدمجة في بناية أو في الأرض.
وتعتبر عقارات بطبيعتها المحصولات الفلاحية الثابتة بجذورها وثمار الأشجار التي لم تجن والغابات التي لم تقلع أشجارها.».
وإذا كان المقنن المغربي لم يعرف العقار بطبيعته تعريفا مباشرا، فقد اجتهد مجموعة من شراح القانون في وضع تعريف له، اخترت من تلك التعاريف، ما ذكره المرحوم عبد الرزاق السنهوري من أن العقار هو :" كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه،لا يمكن نقله منه دون دون تلف"([13]).
وعن المرحوم مامون الكزبري هو: «الشيء المعد في الأصل لأن يبقى مستقرا في حيزه ثابتا فيه لا ينقل منه إلا استثناء ويتطلب نقله في أغلب الأحيان استعمال وسائل تقنية خاصة لا تتوفر عادة إلا لدى الأخصائيين»([14]).
والملاحظ على هذا التعريف، وكذا ما تضمنه الفصل السادس السالف ذكره أنهما يأخذان بما هو متفق عليه عند المالكية الذين يرون أن العقار بطبيعته لا يقتصر على مالا يمكن نقله،وإن كانا قد توسعا في مفهوم العقار بطبيعته، حيث أدخلا فيه أشياء تعتبر عند المالكية من قبيل المنقولات، كالثمار مثلا([15]).
فالعقار حسب هذا التعرف ليس كل شيء لا يمكن نقله تماما، وإنما هو كل شيء لا يمكن نقله بدون تلف، ومفهومه أنه إذا أمكن نقله بدون تلف فإنه يبقى مع ذلك عقارا، وقد أصبح حاليا من الممكن نقل الأبنية الجاهزة من مكان لآخر، وكذا الأشجار والنباتات، إذ يمكن نقلها من مكان بجذورها، وغرسها في مكان آخر([16]).
وبهذا يظهر أن العقارات بطبيعتها في نظر القانون أوسَعُ نطاقا مما كانت عليه في نظر الشريعة الإسلامية؛إذ كانت تحصر الصفة العقارية بالأرض وحدها، سواء كانت خالية أم كانت مبنية أو مغروسة وتنفي هذه الصفة عن الأبنية والأشجار فتعتبرها منفردة عن الأرض أشياء منقولة.
أما في النظرية الحديثة، فلا تقتصر العقارات بطبيعتها على الأراضي، بل هي تشمل أيضا ما فوق الأراضي من نباتات وأبنية وما تحتها من مناجم ومقالع.
وهكذا، فإن العقارات بطبيعتها تشمل :
أ- الأراضي :سواء كانت معدة للبناء أو الفلاحة أو للإسعمال المنجمي،أو لقلع الأحجار أو أخذ الرمل([17]).سواء كانت داخل المدن أو خارجها، وسواء كانت معدة للبناء أو للزراعة أو للاستغلال المنجمي أو قلع الأحجار وأخذ الرمال([18]).
وتعتبر الأرض الشيء الوحيد الذي يعتبر عقارا بطبيعته عند جميع الفقهاء وفي كل القوانين،ومنها تستمد العقارات الأخرى هذه الصفة مادامت متصلة بها([19]).
ب- الأبنيــة : الأبنية كذلك، مادامت متصلة بالأرض، تعد من العقارات بالنظر لذاتها.ويراد بالأبنية كل ما جمع من مواد البناء فشد بعضه إلى بعض بصورة ثابتة، سواء كان ذلك على ظهر الأرض أو في باطنها.وعلى هذا، لا يقتصر شمول الأبنية على الإنشاءات الحقيقية كدور السكن والمخازن والمعامل والمستودعات بل هي تشمل أيضا منشآت أخرى،كالجسور والخزانات والأفران والسدود والحواجز والأنفاق، كما تشمل كافة الأجهزة والقطع الداخلة في البناء والمعدة لإتمامه، كالشرفات والسلم والأبواب و الشبابيك والميازيب و الحراب لمنع الصواعق، وأنابيب جر المياه وأنابيب الغاز والمصاعد([20]).
ويشترط في الأبنية لأن تعتبر عقارا بطبيعتها، أن تكون متصلة بالأرض، اتصال قرار، بحيث تكون ثابتة فيه، ومستقرة عليها بأسس أو دعائم مغروزة فيه. وهذا ما يفهم من نص الفصل السادس، من ظهير 2 يونيو 1915، حين اعتبر العقارات بطبيعتها : «الآلات والمنشآت المثبتة والمرساة ببناء أو أعمدة والمدمجة في بناية أو في الأرض».
وعلى هذا فالمنشآت المقامة على الأرض بدون أساس ولا دعائم أرضية ثابتة، كالمنشآت الخفيفة من خيام وأكواخ التي تشيد في البراري والمساحات العامة، لا تعتبر عقارات، وإنما هي منقولات، لأنها لا يصدق عليها اسم البناء، ولا ينطبق عليها تعريف العقار([21]).
ولا يعني اتصالها بالأرض أن تكون قد أقيمت لتبقى على الدوام والاستمرار، بل إن تلك الأشياء تعتبر عقارات مادامت قد أقيمت على الصفة المذكورة، ولو كانت النية تتجه إلى إزالتها بعد مدة. وذلك كما هو الشأن في الأجنحة التي بنى في المعارض والجسور التي تقام لغرض معين، والأبنية التي تقام لسكنى العمال أثناء إنجاز بناء سد أو جسر، وتكون النية متجهة إلى هدم تلك المساكن عند الانتهاء من ذلك العمل. وكما هو الشأن في البنايات التي ينشئها المكتري في العين التي اكتراها بعقد ينص أن من حق صاحب تلك العين أن يأمر المكتري –عند انتهاء مدة الكراء- بأن يقوم بقلعها ورد العين إلى الحالة التي كانت عليها قبل الكراء، فإن هذه المنشآت تعتبر كلها عقارات بطبيعتها مادامت متصلة بالأرض ومقامة عليها، ولم تنزع منها([22]).وإذا هدم البناء وبيع أنقاضا اعتبر منقولا لا عقارا،والدعوى التي تقام لتنفيذ مقاولة البيع تعتبر دعوى منقولة لا عقارية،وهي إذن من اختصاص محكمة المدعى عليه لا محكمة المنطقة التي يوجد فيها البناء([23]).
ج- المقالع والمناجـم :تعتبر المقالع والمناجم من العقارات بالنظر إلى ذاتها.والمناجم تشكل ملكية مستقلة عن الأرض الموجودة في باطنها،وتعتبر من أملاك الدولة الخاصة في المغربي([24])، أما المقالع فتعتبر غير منفصلة عن الأرض الموجودة في باطنها وتعود لصاحب الأرض([25]).
د- النبـاتـات: النباتات هي أيضا من العقارات بالنظر إلى ذاتها ما دامت متأصلة في الأرض، ويتناول لفظ النباتات جميع الأعشاب والشجيرات والأشجار مهما كانت قيمتها، فالعشبة الصغيرة تؤلف عقارا كالشجرة الكبيرة([26]).
وهذا يعني أن النباتات والثمار لا تعتبر عقارات إلا إذا كانت ما تزال متصلة بأصولها؛وهذا ما نص عليه الفصل السادس من ظهير 19 رجب 1333 حين اشترط أن تكون "المحصولات ثابتة بجذورها" لأن تعتبر عقارات بطبيعتها([27]).
وعلى هذا فالنباتات الموضوعة في الأوعية والصناديق وما يماثلها هي من الأشياء المنقولة، حتى لو كانت الأوعية والصناديق مدفونة وثابتة في الأرض.
ولكنه لا يشترط أن يكون الاتصال بنية الدوام، فأغراس المشاتل، مادامت متأصلة في الأرض، تعتبر عقارات رغم أنها مغروسة بنية التوقيت،بدون النظر إلى من قام بغرسها([28]).
والجدير بالتنبيه أن ما عدا الأرض من العقار بطبيعته يمكن أن يعتبر منقولا بحسب مآله. وذلك هو الشأن في البناء الذي يباع ليهدم وتؤخذ أجزاؤه أو الجسر الحديدي الذي يشترى ليفكك وتستخدم قطعه في غرض آخر، وكالأشجار التي يتم اقتلاعها لتحويلها خشبا أو حطبا. وكالثمار التي تباع على أشجارها لتقطف وتوزع في السوق لإعادة بيعها. فإن هذه الأشياء تصبح منقولات، لأن إرادة الطرفين المتعاملين بشأنها اتجهت إلى فصلها عن أصولها وتحويلها إلى منقولات. ولذلك تطبق عليها أحكام المنقول لا العقار حتى قبل فصلها بالفعل عن العقار([29]).
وما قيل في العقار بطبيعته يتفق مع التعريف الذي وضعه فقهاء المالكية للعقار بشكل عام، حيث يرون أن العقار يشمل كل ما لا يمكن نقله دون تغيير هيأته. وبهذا يشمل -زيادة على الأرض- البناء وما يتصل به مما يعتبر من أجزائه. كما يشمل المنشآت المتصلة بالأرض أو بالبناء اتصال قرار. وكذلك البنايات والثمار والمحاصيل. بدليل ثبوت الشفعة في هذه الأشياء، سواء بيعت مع الأرض أو بيعت وحدها. كما أنهم عرفوا المنقولات بحسب المآل، بدليل أنهم يرون أن البناء إذا بيع ليهدم لا شفعة فيه، كما يرون أن الشريك لا يستحق شفعة الثمار إذا بيعت بعد نضجها، أو بيعت قبل ذلك وكان الشريك يريد إعادة بيعها، لأنهم يعتبرون حينئذ منقولا بحسب المآل. والمنقولات لا تثبت فيها الشفعة عندهم([30]).
II: العقار بالتخصيص.
لقد عرف الفصل السابع من ظهير 2 يونيو 1915، بمثابة قانون يسري تطبيقه على العقارات المحفظة –العقار بالتخصيص بأنه : «… الأشياء التي جعلها المالك بأرضه لمصلحة هذه الأرض واستغلالها».وكذا الشأن في جميع الأشياء المنقولة الملحقة بالملك بصفة دائمة.
أما في الفقه الإسلامي، فلم يطبق نظرية العقارات بالتخصيص بمفهومها القانوني، وإنما طبق فكرة التبعية. فالفقه الإسلامي عنى بتحديد المنقولات التي يجب اعتبارها من ملحقات العقارفتتبعه عند انتقال ملكيته بالبيع بدون ذكر أو بذكر.
وهكذا نص فقهاء المالكية على أن العقار كالدار يتبعه عند بيعه كل ما هو ثابت فيه عند العقد، أو ما هو متوقف عليه كالأبواب والرفوف والسلاليم والميازيب المتصلة بالعقار، وأما المنقولات الموضوعة في العقار والغير المتصلة به كالحيوانات، وأدوات الفلاحة أو الصناعة أو التجارة فلا تتبعالعقار عند بيعه إلا إذا اتفق المتعاقدان على ذلك([31]).
وفي هذا الصدد يقول الشيخ خليل : «فصل تناول البناء والشجر الأرض، وتناولتهما. لا الزرع، والبذر، ومدفونا، كلَو جهل، ولا الشجر الثمر المؤبر أو أكثره بإلا بشرط المنعقد»([32]).
وقد استثنى الفقهاء بعض المنقولات واعتبروها تابعة للعقار إذا توفر شرطان :
الأول : أن يكون مالك المنقولات هو مالك العقار المرصدة له.
الثاني : أن يكون المنقول قد رصد لاستغلال العقار ومنفعته.
ومن هذه المنقولات، مفاتيح الدار ووثائق الملكية المتعلقة بالعقار والسلاليم اللازمة للبناء ولو كانت منفصلة والرحى الفوقانية، والحيوانات المرصدة لخدمة العقار، ولذلك أجازوا أخذها بالشفعة إذا بيعت مع أن المشهور هو أن الشفعة لا تكون إلا في العقار([33]).
والفقه الإسلامي لم يعتبر هذه المنقولات عقارا بالتخصيص وإنما اعتبرها تابعة للعقار، ومعلوم أن قواعد الفقه الإسلامي وخصوصا الفقه المالكي هي التي تطبق في مجال القضاء علىالعقارات غير المحفظة. ولا تطبق نظرية العقارات بالتخصيص إلا على العقارات المحفظة([34]).
وحتى يمكن اعتبار المنقول عقارا بالتخصيص لابد من توفر شرطين هما :
الشرط الأول:أن يكون المنقول والعقار لمالك واحد.
الشرط الثاني:أن يخصص المنقول لمنفعة العقار.
ولقد تحدث عبد الرزاق السنهوري ومامون الكزبري عن هذين الشرطين بإسهاب،أوردهما فيما يلي:
بالنسبة للشرط الأول المتعلق باتحاد المالك،يجب أن يكون العقار بطبيعته والمنقول الذي رصد لخدمة هذا العقار أو استغلاله لشخص واحد. فالفقرة الأولى من المادة السابعة من ظهير 19 رجب إذ اعتبرت عقارات بالتخصيص "الأشياء" التي جعلها المالك بأرضه لمصلحة هذه الأرض واستغلالها" أما إذا كان المنقول لشخص والعقار لشخص آخر فلا يكون هنالك تخصيص يسمح باعتبار المنقول عقارا.
وهنا يتجلى الفرق بين المنقول الذي يعتبر عقارا بالتخصيص لرصده على خدمة أو استغلال عقار بطبيعته، وبين المنقول الذي يصبح عقارا بطبيعته لاندماجه في الأرض([35]).
فالمنقول الذي يدمج في الأرض يعتبر عقارا بطبيعته أيا كان الشخص الذي أحدث الدمج سواء أكان مالك الأرض بالذات أم كان شخصا آخر كالمستأجر أو المنتفع أو الدائن المرتهن، وسواء أكان المنقول الذي تم دمجه مملوكات لصاحب الأرض أم مملوكا للغير. أما المنقول المخصص لمنفعةالعقار فلا يعتبر عقارا بالتخصيص إلا إذا كان المنقول والعقار لمالك واحد.
أ- فلو خصص مستأجر أرض زراعية أبقارا جارية بملكه لحراثة الأرض المؤجرة إليه، فلا تتبع هذه الحيوانات الأرض ولا تكتسب صفة العقار بالتخصيص.
ويسري هذا الحكم أيضا على المنقولات التي يضعها المنتفع أو الدائن المرتهن في العقار الواقع عليه الانتفاع أو الرهن كما يسري على المنقولات التي تضعها شركة في عقار يملكه أحد الشركاء إذ الشركة منفصلة عن الشريك وكل منهما له شخصية مستقلة.
أما حائز العقار بنية تملكه، فيعتبر بحكم المالك سواء كان حسن النية أو سيء النية، وتعتبر المنقولات التي يرصدها لخدمة العقار أو لاستغلاله عقارات بالتخصيص مادام العقار واقعا تحت حيازته.
ب- وعلى العكس لو استخدم مالك الأرض آلات زراعية لا يملكها بل مسلمة إليه على سبيل الإيجار أو الوديعة أو العارية أو الرهن، فلا تتحول هذه الآلات إلى عقارات بالتخصيص بل تبقى محافظة على طبيعتها كمنقول.
وكذلك إذ رصد شخص منقولا اشتراه بالتقسيط على منفعة عقار يملكه، واحتفظ بائع المنقول بملكيته حتى يسدد له المشتري تمام الثمن، فإن هذا المنقول لا يمكن أن يكتسب صفةالعقار بالتخصيص مادامت الأقساط لم تدفع بكاملها، لأن شرط اتحاد المالك لا يتحقق إلا بدفع آخر قسط من الثمن.
ج- ولكن لا يشترط أن تكون ملكية العقار جارية على وجه الاستقلال لمالك المنقول، بل أن المنقول الذي يرصده مالك العقار على الشيوع لخدمة أو استغلال جزء مفرز يستثمره من العقارالشائع، يعتبر عقارا بالتخصيص ما دام الشيوع قائما. فإذا جرت القسمة ووقع هذا الجزء في حصة المشتاع ثبتت صفة العقار بالتخصيص بصورة نهائية، وإلا فقد هذه الصفة لفقدان شرط اتحاد المالك([36]).
أما ما يتعلق بالشرط الثاني:فلكي يعتبر المنقول عقارا لابد وأن يرصد لخدمته.فقد ورد في المادة 7 من ظهير 19 رجب أن العقار بالتخصيص هو الشيء المنقول الذي جعله المالك بأرضه لمصلحة هذه الأرض واستغلالها.
ويستدعي هذا الشرط الملاحظات التالية :
أ- يشترط في المنقول حتى يعتبر عقارا بالتخصيص أن يرصد على منفعة العقار.أما إذا خصص المنقول لمنفعة صاحب العقار فإنه يبقى محتفظا بطبيعته ولا يكتسب صفة العقار بالتخصيص، فالسيارة أو العربة التي يستخدمها صاحب المعمل في تنقلاته، والخيول التي يركبها صاحب الأرض في نزهاته أو نقل أولاده إلى المدرسة، أو المواشي التي يربيها بقصد بيعها والاتجار بها، تعتبر من الأشياء المرصدة على منفعة شخص صاحب العقار لا على منفعة العقار نفسه، لذلك فهي لا تعتبر عقارات بالتخصيص([37]).
ب- ولكن لا يشترط حتى يعتبر المنقول عقارات بالتخصيص أن يكون لازما لخدمة العقار أو استغلاله بحيث يتعذر الانتفاع من العقار على الوجه المعد له بدون هذا المنقول، بل يكفي أن يرصد المنقول على خدمة العقار أو استغلاله ولو لم تكن هناك ضرورة تتطلب ذلك.فالدهاليز ليست ضرورية ومع ذلك فهي تعتبر عقارا بالتخصيص مادام صاحبها قد رصدها على منفعةالعقار([38]).
ج- وكذلك لا يشترط أن يكون التخصيص دائما بل يكفي إلا يكون بصورة عارضة. فالخيل التي يشتريها مالك الأرض و يخصصها لأعمال الحراثة تعتبر عقارا بالتخصيص، ولو أن في نية المالك الاحتفاظ بهذه الخيول بصورة مؤقتة. أما الخيول التي يربيها المزارع في أرضه قصد الاتجار بها ويستعملها بشكل طارئ في حراثة الأرض، فإنها تحافظ على كيانها كمنقول ولا تحول إلى عقار لأن تخصيصها لاستغلال العقار كان بصورة معارض )[39](.
وقد ذكر المرحوم مامون الكزبري طرقا حتى يمكن اعتبار المنقول عقار،حيث ذكر أنه بالرجوع إلى المادة 7 من ظهير 19 رجب1333 الموافق ل:2 يونيو 1915 يتضح أن المنقول يصبح عقارا بالتخصيص بإحدى طريقين : إما برصده على استغلال عقار بطبيعته وإما بربطه بالعقار بصفة دائمة.
الطريقة الأولى : يعتبر المنقول عقارا بالتخصيص إذا رصده صاحبه على استغلال عقار يملكه.ولفظ الاستغلال في القانون المغربي ورد مطلقا،بحيث يجب اعتباره شاملا لجميع أنواعالاستغلال سواء كان زراعيا أو صناعيا أو تجاريا أو مدنيا)[40](.
وينبني على هذا أن العقارات المنقولات التي ترصد على العقارات الزراعية تعتبر عقارات بالتخصيص هي الأنواع التالية:
أ-في الميدان الزراعي :من الأمثلة على اعتبار تلك المنقولات عقارات بالتخصيص ما يلي:
- الأدوات والآلات الفلاحية كالمحاريث والجرارات وآلآت الحصاد والدرس،والمعاصر والآلآت التي تستعمل لتقطير الزهور العطرية وزهزر الليمون والياسمين،والبراميل الكبيرة المستعملة لوضع العنب،والسلال والأكياس التي تستعمل لجمع المحاصيل الزراعية،وآلات الحصاد وغيرها من الأدوات التي تستعمل للإستغلال الزراعي.
-الماشية التي تستخدم في زراعة الأرض كالخيل و البغال والبقر والحمير التي تستعمل في الحرث والجر.
-الحيوانات غير المنزلية التي تعيش طليقة على فطرتها، كخلايا النحل، ودود القز،، وحمام الأبراج، وأرانب الأوكار.
أما الحمام التي تكون محبوسة في الحظائر أو في الأقفاص، والأسماك التي توضع في الأحواض فتعتبر منقولة.
-البذور التي تبذر في الأرض، والعيدان التي ترفع بها أغصان الكروم المدلاة على الأرض، والسماد، والتبن أو القش المستعمل كفرش للمواشي لاستغلاله في تسميد الأرض بعد ذلك.
أما إذا زرعت البذور فتصبح عقارا بطبيعته بمجرد زرعها، وكذا إذا أعد التبن أو القش لعلف الماشية فلا يعتبر عقارا بالتخصيص بل يبقى من قبيل المنقولات)-[41](.
ب-في الميدان الصناعي :المنقولات التي يمكن اعتبارها عقارات بالتخصيص ما يلي:
- الآلات والأجهزة الصناعية التي تجهز بها المعامل والأدوات التي تفيد في استغلال المعمل كالأدوات اليدوية،والرافعات ،والجرارات والعربات وسيارات النقل،وحيواناته،المخصصة لنقل المواد الخام، وبراميل معامل الجعة.
-المواد اللآزمة للمعامل مثل المواد الخام كالوقود والفحم والشحم والزيت والمواد الكيميائية والمواد الخام)[42](.بشرط أن يكون المكان الذي توجد فيه هذه المنقولات قد أعد خصيصا لإيوائها،بحيث إذا فصلت عنه تعطل استغلالها([43]).
ج-في الميدان التجاري أو المدني : إن المنقول الذي يرصد على استغلال العقار استغلالا تجاريا أو مدنيا يعتبر عقارا بالتخصيص، مثل ذلك :
-ما يرصد على خدمة المحلات التجارية أو يلحق بها بصفة دائمة مثل الواجهات والخزائن والطاولات والمقاعد والرفوف المتحركة والآلآت الحاسبة والعربات اليدوية التي يجمع فيها الزبناء السلع المختارة،والسيارات التي تنقل السلع أو المستخدمين.
- الأواني المستعملة في المطاعم وأثاث الفنادق والبيوت المفروشة المخصصة للإيجار
-موجودات وأدوات محلات الاستحمام من حجر خشبية ومقاعد وسرر ومناشف وملابس الاستحمام.
-موجودات وأدوات المسارح من ستائر وآلات وطاولات ومقاعد)[44](.
وحتى يمكن اعتبار المنقولات عقارات بالتخصيص اشتراط وجود المنقولات المخصصة للاستغلال التجاري أو المدني عقارات يشترط أن تكون في مكان هيء خصيصا لإيواء المنقولات الموجودة فيه : فأمتعة الفنادق مثلا أو أدوات المسارح لا تعتبر عقارا بالتخصيص إلا إذا كان البناء الذي ضم هذه الأمتعة أو الأدوات، قد أنشئ وأعد ليكون فندقا أو ليكون مسرحا بحيث لا يمكن أن يقبل تخصيصا آخر إلا إذا أجرينا فيه تبديلات كلية)[45](.
الطريقة الثانية :أن يلحقه صاحبه بالعقار بصفة دائمة : بمعنى أن تتجه نية صاحب المنقول إلى ربطه بعقار بصفة مستمرة ودائمة .فالمادة 7 من ظهير 19 رجب 1333 وبعد أن نصت على أن المنقول الذي يخصصه صاحبه لاستثمار عقار يملكه، يعتبر عقارا بالتخصيص، أضافت بأن من الأشياء المعتبرة كعقارات أيضا الأشياء المنقولة المرتبطة بالأرض بصفة دائمة. ولكن المقنن لم يوضح ما هو المقصود "بالارتباط الدائم" فأصبح لابد من الرجوع إلى القانون المدني الفرنسي الذي أخذ عنه مشروع ظهير 19 رجب 1333نظرية العقارات بالتخصيص..فقد نص الفصل 525 من القانون المذكور على أن المنقول يعتبر ملحقا بالعقار بصفة دائمة عندما يكون ذلك المنقول متصلا بالعقار بالجص أو الإسمنت وكان لا يمكن نزع المنقول من محله بدون كسره أو إتلاف جزء العقار المتصل به بحيث إذا فصل أو تكسر أصبح غير صالح للاستعمال.بمعنى أن يكون متصلا به اتصالا وثيقا،بحيث لا يمكن فصله منه بسهولة ويسر،بل لا ينفصل إلا إذا كسر الجص أو الإسمنت أو الخشب الذي يلصقه بالعقار.وذلك كما هو الشأن في المرايا الملصقة بجدران المطاعم والفنادق،والصور الموضوعة في أطر خشبية ألصقت بالجدران بالجس أو الإسمنت قصد التزيين)[46](.
وعلى هذا قررت محكمة النقض الفرنسية «أن المرايا الموضوعة على الحائط بدون أخشاب أو المعلقة بمسامير تعد عقارا، لأن وضع المرايا في بيوت الإيجار على هذه الصورة أضحى اليوم ضروريا»([47]).
أما بالنسبة للقانون المغربي،فقد تفادى النص على متى يعتبر المنقول ملحقا بالعقار بصفة دائمة،مكتفيا بالإشارة إلى أن الأشياء المنقولة التي يلحقها صاحبها بعقاره بصفة دائمة تعتبر عقارا بالتخصيص تاركا للقضاء الحرية في أن يستخلص من ظورف كل حالة ما إذا كان المنقول قد الحق بالعقار بصورة دائمة أو لا،فإن تبين له توفر هذا الشرط اعتبر عقارا بالتخصيص وإلا فلا([48]).
ففي ضوء معيار "الارتباط الدائم" بمقهومه الصحيح،يمكن تلمس بسهولة العقارات بالتخصيص في الأبنية المعدة للسكنى،وفي المستشفيات والمدارس،وفي المساجد([49]).
ومن المنقولات المرتبطة ارتباطا دائميا في دور السكنى : كل منقول أعد لخدمة دور السكن يعتبر عقارا بالتخصيص شريطة أن يكون منفصلا عن البناء وأن يبقى مستقلا بحركته. مثال المفاتيح، والأفران والرفوف المتحركة في المطابخ، ومضخات الحريق.
أما المنقولات التي تتصل بالعقار اتصال قرار ولكونها متممة للبناء ومستقرة فيه،الأبواب بأقفالها، والشبابيك، والمصاعد، والأدوات الصحية المثبتة في أماكنها، ورفوف المطابخ المتصلة في الحائط.
وأما أثاث المنزل والصور المعلقة على الحيطان وغيرها من أدوات الزينة والكتب ولو وضعت في غرفة أحيطت حيطانها برفوف لوضع الكتب فيها، والأرائك والمقاعد التي توضع في الحدائق فتعتبر جميعا من المنقولات لأنها مخصصة لخدمة المالك.ويستثنى من هذا ما رصد لخدمةالعقار مثل أثاث غرف المستشفى وأثاث مكتب الطبيب والأدوات الطبية أو الجراحية والعقاقير والأدوية المعدة للإسعاف.
وكذلك تعتبر من قبيل العقارات بالتخصيص المقاعد والطاولات والمكاتب الموجودة في صفوف المدرسة، والأثاث الموجود في غرفة المدير أو غرفة الاستقبال أو غرفة المدرسين والأدوات والكتب الدراسية ونحو ذلك.
ومثله أيضا المنقولات المرتبطة ارتباطا دائميا في أماكن العبادة يعتبر عقارا بالتخصيص،مثال ذلك مقاعد المقرئين والسجاد والحصر والأبسطة الموضوعة في المساجد)[50](.
وبعد هذا كله قد يثور التساؤل عن الأثر القانوني الذي يترتب على إضفاء صفة العقار بالتخصيص على المنقول.
وللجواب على هذا التساؤل يمكن القول أن اعتبار المنقول عقارا بالتخصيص ينجم عنه أثران قانونيان يترتب على كل منهما نتائج عملية هامة :
الأثر الأول : اكتساب المنقول الصفة العقارية، إن المنقول الذي يرصده صاحبه على استغلال عقار بطبيعته أو يربطه بهذا العقار بصفة دائمة، يفقد صفته كمنقول ويكتسب الصفة العقارية.
وبالتالي فإن ن الحجز على العقار بالتخصيص لا يكون بطرق الحجز المنقول بصورة مستقلة عنالعقار المرصد على خدمته أو استغلاله،بمعنى أن القانون يمنع حجز العقار بالتخصيص دونالعقار بطبيعته، وإنما يتم حجز العقارين معا، العقار بطبيعته والعقار بالتخصيص، بطريق الحجزالعقاري([51])؛وللمالك أن يقبل بحجز العقار بالتخصيص كمنقول وبيعه بصورة منفصلة عن العقارالمرتبط به([52]).
الأثر الثاني : اكتساب المنقول صفة الشيء التابع للعقار المرتبط به، يفقد المنقول بمجرد رصده على استغلال عقار بطبيعته أو بمجرد ربطه بصورة دائمة في هذا العقار، صفته كشيء أصلي ويكتسب صفة التبعية بالنسبة للعقار المرتبط به. ويترتب على هذا الأثر وجوب تطبيق قاعدة التابع تابع في قضايا عديدة أهمها ما يلي :
-إذا انتقلت ملكية العقار بطريق الهبة والوصية فإن العقارات بالتخصيص المرتبطة بهذا العقارتتبعه وتنتقل معه ما لم يستثنها المالك صراحة في سند الهبة أو الوصية.
- وتطبق أيضا هذه القاعدة في حالة انتقال الملكية بطريق البيع ما لم يوجد نص خاص في القانون يقضي باستثناء بعض العقارات بالتخصيص التي ينطبق عليها النص كما هو الحال في قانون الالتزامات والعقود المغربي حيث نصت المادة 518 على أن بيع البناء لا يشمل الأشياء المتحركة التي يمكن رفعها بلا ضرر، ونصت المادة 529 على عدم اعتبار خلايا النحل وبروح الحمام المتحركة جزءا من العين المبيعة.)[53](.
-إذا وقعت قسمة العقار المشاع وخرج من نصيب أحد الشركاء الجزء الذي كان تحت تصرف شريكه.فإن ملكية ذلك الشريك تشمل العقارات بالتخصيص التي توجد في الدزء الذي خرج له.إلا إذا كان الشركاء قد اتفقوا على أن القسمة لا تتناول العقارات بالتخصيص،وإنما تبقى لأربابها،ويستثوا ذلك في صك القسمة،حينئذ لا يملك الشريك إلا ما خرج له من نصيبه فيالعقار المقسوم دون ما فيه من عقارات بالتخصيص)[54](.
-إذا رهن المالك عقارا له فإن الرهن يشمل العقارات بالتخصيص ما لم يتفق صراحة على خلاف ذلك، لأن العقارات بالتخصيص تعتبر من ملحقات العقار وأنه من المبادئ العامة أن الرهن يشمل جميع ملحقات العقار)[55](.
وبالمقارنة بين العقارات بالتخصيص والعقارات بطبيعتها تبين لنا وجود الفوارق التالية بين هذه وتلك.
1: لا يجوز لغير المالك جعل المنقولات عقارات بالتخصيص. أما دمج المنقولات في الأرض والبناء وجعلها عقارات بطبيعتها فيمكن أن يتم أيا كان الشخص الذي أحدث الدمج سواء أكان مالك الأرض أو البناء أو كان غيره كالمنتفع أو المستأجر أو الدائن المرتهن.
2: إذا تقرر تملك أرض أو بناء، فالإستملاك يشمل تبعا وبدون ذكر، جميع المنقولات التي أصبحت عقارات بطبيعتها لالتصاقها بالأرض أو البناء. أما العقارات بالتخصيص، فإنه لا يشملها التملك، إلا إذا ذكر ذلك صراحة، وإلا فلمالكها الحق بفصلها عن العقار المرتبطة به والاحتفاظ بها.
3:-زوال الصفة العقارية عن العقارات بالتخصيص : إن الصفة العقارية، في العقارات بالتخصيص، ليست صفة دائمة بل هي مؤقتة وقابلة للزوال في كل آن. فالعقارات بالتخصيص تسترجع كيانها الأصلي، كأشياء منقولة، إذ ما فصلت عن العقار المعدة لمنفعته، وفصلها هذا يتم بصورة صريحة كما يتم بصورة ضمنية.
-: يتم الفصل بصورة صريحة كأن يخرج المالك المنقول عن استثمار العقار زراعيا أو صناعيا ويعده لغرض آخر. فالبقرة المعددة لحراثة الأرض مثلا، إذا ما كف صاحبها عن استعمالها للحراثة وأخذ يربيها قصد بيعها، فإنه يكون بذلك قد أزال عنها صراحة صفة العقار بالتخصيص.
-: ويتم الفصل بصورة ضمنية كأن يهب المالك المنقول أو يبيعه مستقلا عن العقار ، أو كأن يهب أو يبيع العقار مع احتفاظه بالمنقول المخصص لمنفعة هذا العقار، أو كأن يبيع العقار لشخص والمنقولات الموصدة على استغلال العقار المذكور لشخص آخر.
وسواء تم الفصل بصورة صريحة أو بصورة ضمنية فإن العقارات بالتخصيص تفقده، تبعا لهذا الفصل، الصفة العقارية وتعود إلى ما كانت عليه في الأصل فتصبح أشياء منقولة([56]).
وبعد كل هذا البيان فإن نظرية اعتبار المنقولات عقارات بالتخصيص،لا تستقيم،لما يلي :
-أن هذه النظرية من حيث أنها تؤول لمخالفة الحقائق الراهنة، إذ تقتضي بإدخال المنقول في عداد العقارات وتحملنا على اعتبار شيء غير مستقر بحيزه يمكن نقله منه، شيئا مستقرا بحيزه غير قابل للنقل.
-ثم هي مشوبة بخلل قانوني، إذ أن الأشياء المرصدة لخدمة العقار أو استغلاله، رغم اعتبارها بمثابة العقارات، تبقى خاضعة لأحكام المنقول في عدة أمور، فحكم السرقة يسري عليها كما يسري على سائر المنقولات، ويبقى لبائعها امتياز بائع المنقول في القوانين التي تقر لبائع المنقول امتيازا على المبيع، وهي لا تخضع إلزاميا لقواعد الإشهار والتسجيل التي تخضع لهاالعقارات بطبيعتها، وكذلك لا تسري عليها مبدئيا قواعد التملك للمنفعة العامة وحكمها إذن في ذلك أيضا كالأشياء المنقولة([57]).
والقول بنظرية تبعية المنقول للعقار أثناء تفويته من الأمور التي سبق إليها فقهاء المالكية،حينما قرروا أن العقار-كالدار-يتبعه عند بيعه،كل ما كان ثابتا فيه بالفعل عند العقد،أو كان متوقفا عليه.قالوا :"يتبع العقار كل مل هو ثابت من مرافقه،كالأبواب والرفوف،والسلاليم المؤدية،والأخصاص والميازيب"[58].بخلاف المنقولات الموجودة فيه فلا تتبعه إذا كانت غير ثابتة فيه ولو كان من شأنها أن تثبت كالأبواب والرفوف المخلوعة أو المهيأة للتركيب،ولو كانت قد رصدت لخدمة العقار.إلا إذا وقع التصريح عند التعامل على العقار بأنها تدخل معه([59]).فقيل:"كل ما في الدار المبيعة حين البيع مما ينقل وبكرة وباب-إذا كان مخلوعا-وحجر وتراب كان معدا لإصلاح الدار أو مما انهدم منها فهو لا لمبتاعها إلا لشرط"([60]).
لكنهم استثنوا بعض المنقولات الملحقة بالعقار حيث اعتبروها تابعة له حينما يتوفر فيها الشرطان:
الشرط الأول: أن يكون مالك تلك المنقولات هو مالك العقار الذي تخدمه.
الشرط الثاني: أن تكون تلك المنقولات لازمة لاستغلال العقار الملحقة به.
ومن المنقولات التي نص الفقهاء على أنها تتبع العقار ما يلي:
-مفاتيح الدار.
-وثائق الملكية والحجج المتعلقة بالعقار المبيع([61])؛فمن ابتاع ملكا فيجب على البائع دفع وثائقه التي اشترى بها أو نسخها بخطوط البينة التي فيها([62]).
-اختلفوا في السلاليم النفصلة عن البناء على قولين،قول:يرى أنها لا تتبع العقار إلا إذا ذكرت في العقد،وقول آخر يرى تتبعه ولو لم ينص على ذلك.مادامت لازمة للرقي.
-الحجر الفوقاني الملصقة بالأرض([63])،فهذه المنقولات تعتبر تابعة للعقار تدخل معه عند بيعه.ولو لم يقع التنصيص عليها،لأنها رصدت لخدمة العقار والساهمة في استغلاله.
-الحيوانات التي يرصدها مالكوها لخدمة العقار المشترك.فإذا باع أحدهم نصيبه من العقار والمنقول.فيحق على مذهب المالكية لباقي شركائه أن يأحذوا بالشفعة فيما باعه من العقاروالحيوان.مع أن الشفعة عندهم لا تثبت إلا في العقار الثابت في الأرض،ومع ذلك جوزا الشفعة في الحيوان لأنها مخصصة لخدمته،وإن كانت منفصلة عنه([64]).
وهكذا يلاحظ أن فقهاء المالكية قد تتطرقوا لنظرية العقار بالتخصيص لكنهم لم يفردوها بأحكام خاصة وإنما أبقوا تلك المنقلات على أصلها لتطبق عليها أحكاما التي تقتضيها طبيعتها التي لا يؤثر فيها الحاقها بالعقار عندما تكون مخصصة لخدمة العقار.
ومعلوم أن الأحكام التي تتعلق بالعقار بالتخصيص لا تطبق إلا على العقار المحفظ.أما العقار غير المحفظ فيخضع لأحكام الراجح أو المشهور أو ما جرى به العمل في الفقه المالكي([65]).
III : العقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه([66]).
العقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه هي الحقوق العينية الواقعة على الأشياءالعقارية.أُخذ هذا الإسم من المحل الذي وقع عليه الحق، كحق الملكية المترتب على دار، وحق الارتفاق الواقع على أرض، وحق الانتفاع الجاري على بستان هي أموال عقارية.
ولما كانت الدعوى هي صورة للحق ذاته، أو بمعنى آخر، لما كانت الدعوى هي الحق الذي ينتقل من حالة السكون إلى طور الحركة عندما يقابل صاحبه بالعدوان، فإن كل دعوى تحمي حقا عينيا على شيء عقاري تتصف بطبيعة الحق الذي تحميه، وتعتبر إذن دعوى عقارية وبموجب الفقرة الأخيرة من المادة 8 من ظهير 19 رجب1333.
وعلى هذا فالعقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه هي الحقوق العينية الواقعة على عقار، وكذلك الدعاوى العقارية أي الدعاوى التي تتعلق بحق عيني على عقار أو التي ترمي إلى استحقاق عقار([67]).
ويتبين من هذا أن هناك نوعين من العقار بحسب موضوعه ومحله،وهما:
-الحقوق العينية التي تنصب على عقار.
-الدعاوى التي ترمي إلى استحقاق عقار .
ولابأس من تخصيص كل نوع بكلمة موجزة:
1-الحقوق العينية العقارية : من المسلم به أن الحقوق العقارية يقتصر نطاقها على الحقوق العينية دون الحقوق الشخصية، لذا ينبغي استبعادها إطلاقا، حتى ولو كان محلها عقارا، كما هو الحال مثلا في التزام المؤجر بتسليم العقار المأجور إلى المستأجر تنفيذا لعقد إيجار تم بين الطرفين. فمثل هذا الالتزام الواقع على عقار يبقى من قبيل الأموال المنقولة وذلك بصراحة نص المادة 8 من ظهير 19 رجب1333 التي لا تعتبر عقارات بحسب المحل الذي تنسحب إليه إلا الحقوق العينية العقارية.
ولقد عددت المادة 8 المذكورة الحقوق العينية التي يجوز أن تجري على العقارات فحصرتها بالحقوق التالية : -الملكية والانتفاع،والأحباس،وحقا الاستعمال والسكنى،والكراء الطويل الأمد،وكذا حق السطحية،والرهن الحيازي،وحقوق الارتفاق،بالإضلفة إلى الامتيازات والرهون الرسمية،وبعض الحقوق المستمدة من العرف الإسلامي كحق الزينة([68]) والجلسة([69]).
الحقوق العينية بعضها عقاري بحت وبعضها يكون عقاريا أو منقولا.إن الحقوق العينية الوارد تعدادها في المادة 8 من ظهير 19 رجب بعضها يكون دوما عقاريا لأنه لا يرد إلا على شيء عقار، وبعضها يكون على الأغلب عقاريا لأنه لا يقع على المنقول ولا يكون بالتالي منقولا إلا بصورة استثنائية، وبعضها يقع على العقار كما يقع على المنقول ويكون بالتالي تارة عقاريا وتارة منقولا.
فحق السطحية وحقوق الارتفاق والكراء الطويل الأمد وحقا الاستعمال والسكنى هي حقوق عينية عقارية على الإطلاق لأنها لا ترد إلا على العقارات.
أما الرهن الرسمي والوقف فهما وإن كان مبدئيا من الأموال العقارية، إلا أنهما يقعان استثناء على منقول ويتصفان في هذه الحالة بصفة الأموال المنقولة.
وأما الملكية والانتفاع والرهن الحيازي والامتياز فهي من الحقوق التي تقع على الأشياء المنقولة وعلى الأشياء الثابتة على السواء وتكون إذن تارة حقوقا عينية عقارية إذا كان محلها عقارا وتارة حقوقا عينية منقولة إذا كان محلها منقولا([70]).
والحقوق العينية بعضها أصلي وبعضها تبعي :
فالحقوق العينية الأصلية هي الحقوق القائمة بذاتها من دون حاجة إلى غيرها وتشمل الملكية والحقوق المتفرعة عن حق الملكية وهي : الانتفاع، والارتفاق، والسطحية، والوقف أو الأحباس، والكراء الطويل الأمد، وحقا الاستعمال والسكنى.
أما الحقوق العينية التبعية فهي الحقوق القائمة بغيرها، والتي لا يتصور وجودها بدون التزام أصلي ترتكز عليه وتكون تابعة له كالرهن الحيازي والرهن الرسمي والامتياز. فالرهن مثلا المخصص لضمان تأدية مبلغ من النقود يحتاج وجوده إلى وجود التزام بتأدية المبلغ المذكور بحيث لولا وجود هذا الالتزام لما قام الرهن.
وتظهر أهمية التفريق بين الحق العيني الأصلي وبين الحق العيني التبعي، في أن الحق الأصلي يكون قائما بذاته، بينما الحق التبعي يدور مع الالتزام الذي يرتكز عليه وجودا وعدما، ويزول بزواله، فالالتزام الأصلي المضمون بالرهن إذا ما كان مثلا باطلا أو قابلا للإبطال تبعه في ذلك الرهن الذي يصبح بدوره باطلا أو قابلا للإبطال. وإذا ما انقضى الالتزام الأصلي بسبب من أسباب الانقضاء، انقضى الرهن أيضا تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي([71]).
2- الدعاوي العقاريـة :وهي كل دعوى ترمي إلى حماية حق من الحقوق العينيةالعقارية.ومنها الدعاوى التالية:
أ- دعوى استحقاق العقار التي يرفعها المالك لتثبيت حقه واسترداد العقار من حائزه الذي ترامى له عليه.
ب-دعوى تثبيت حق من الحقوق العينية العقارية المتفرعة عن الملكية كالانتفاع الواقع على عقار والسطحية والارتفاق، أو حق من الحقوق العينية التبعية كالرهن العقاري والرهن الرسمي والامتياز الواقع على عقار.
ج- دعوى قسمة الأموال العقارية سواء كانت قسمة بتية أو أي نهائية أو كانت استغلالية غير نهائية.
د- دعوى منع التعرض بحق من الحقوق المذكورة التي يرفعها المالك على من يدعي أن له على عقاره حقا من هذه الحقوق.
هـ- دعاوى الحيازة التي تحمي وضع اليد كمظهر للملكية، والتي يجب اعتبارها في حكم الدعاوى العقارية، ولا سيما أن بعض التقنينات سوت بين دعاوى الحيازة والدعاوى العينيةالعقارية من حيث جعل الاختصاص في هذه وتلك للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار ([72]).
ويرى الدكتور محمد بن معجوز أنه لا ينبغي القول بأن القانون المغربي يتوسع في مفهوم الدعاوي العقارية([73])،فيدخل فيها كل دعوى تهدف إلى الحصول على عقار ولو استندت إلى حق شخصي لا عقاري،لأن هذا مما يجري عليه العمل في فرنسا إبان وضع الظهير([74]).
وبالرجوع إلى الفقه الإسلامي فإن الفقهاء وإن كانوا لا يميزون بين الدعاوى الشخصية والدعادىالعقارية،فإنهم مع ذلك تحدثوا عن الأثر الذي يترتب على هذا التمييز أو هذه التفرقة .حيث إنهم يقولون إن الدعوى إذا كان موضوعها شيئا يتعلق بالذمة-وهذه هي الدعوى الشخصية-فإن الدعوى يرفعها إلى المحكمة التي يوجد ذلك المدعى عليه في دائرتها.أما الدعوى التي يكون موضوعها عقارا-وهذه هي الدعوى العقارية-فيتعين على المدعي أن يرفعها إلى المحكمة التي يوجد ذلك العقار بدائرتها.سواء كان المدعى عليه موجودا في مكان العقار أو في غيره([75]).