لرشوة
الشيخ الدكتور / علوي عبدالله طاهر
الرشوة هي أسلوب من أساليب الاحتيال لاستلاب حقوق الآخرين، وحرمان المستحقين من حقوقهم الثابتة أو التي يجب أن تثبت لهم، وللرشوة ثلاثة عناصر، هي: الراشي، والمرتشي، والرائش، فالراشي هو الذي يعطي مالاً أو هدية لمن يعينه على الباطل، أو يمكنه من الحصول على شيء لا يستحقه، والمرتشي هو الذي يأخذ هذا المال في مقابل إعانته على الباطل، والرائش هو الواسطة الذي يسعى بين الطرفين، ويحاول أن يستفيد من الراشي والمرتشي معاً، أو من أحدهما.
ولقد حكم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باللعن على هؤلاء الثلاثة، وذلك في قوله: “لعن الله الراشي والمرتشي والرائش” واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، والتعرض لنقمته وغضبه وعذابه، ما يدل على أن ديننا الإسلامي الحنيف لا يسمح بالرشوة، وينفر من الاشتراك فيها، لأن الرشوة تشوه سمعة صاحبها في الدنيا، وتعرضه لغضب الله وعذابه يوم القيامة، بما يعني أن الرشوة في نظر الإسلام جريمة لا يليق بالمؤمن أن يرتكبها أو يشترك فيها، أو يرضى بها، أو يسكت عنها، فهي لذلك محرمة يعاقب صاحبها في الدنيا وفي الآخرة، وقد استدل الفقهاء على تحريمها بقول الله تعالى: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم، وأنتم تعلمون” (البقرة)
والرشوة قد تعطى بطريقة مباشرة في صورة مال، وقد تعطى بطريقة غير مباشرة في صورة هدية، وفي الحالتين هي محرمة لأنها غلول، أي سرقة أو اختلاس يستحق عليه صاحبه العقاب، فالموظف العام الذي أوكلت إليه الدولة تصريف مصالح الناس، مقابل أجر يتقاضاه، لا يجوز له أن يقبل الرشوة أو يتعاطى معها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “من استعملناه على عمل، فرزقناه، (أي أعطيناه أجراً أو مرتباً) فما أخذه بعد ذلك فهو غلول”.
فالرسول الكريم بهذا الحديث يحرم على الولاة والحكام وموظفي الدولة أن يأخذوا هدايا من الأفراد وأصحاب المصالح طالما هم في مناصبهم، وقد حدث أن رجلاً ولاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولاية، ثم جاءه الرجل بعد حين ومعه مال، قدمه إلى النبي وهو يقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، فغضب النبي من ذلك، وقام وخطب في الناس قائلاً: “أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل بما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هدية أهديت إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تعير”.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يلمح في ذلك إلى منع هؤلاء الولاة أو الموظفين من قبول الهدايا لأنفسهم بالاستفادة من قوة نفوذهم، أو مناصبهم، فإن قبولهم لها يؤدي إلى محاباة أصحابها على حساب غيرهم، فهي رشوة محرمة.
وربما تلجئ الحاجة بعض الناس إلى تقديم رشوة لبعض الموظفين لينال بها حقه الضائع، لاعتقاده أن الرشوة وسيلته الوحيدة ليحصل بها على حقه، وبدونها ضاع حقه، فهذا لا يدخل في نطاق الرشوة الملعون صاحبها، لأنه مضطر إلى لتقديم الرشوة لنيل حقه، أو لدفع الضر عنه، وقد قال ابن الأثير في ذلك: “لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم” ذكر ذلك في كتابه النهاية، واستدل على ذلك بما فعله عبدالله بن مسعود وهو أحد الصحابة حين كان في أرض الحبشة، قبضوا عليه، فقالوا له وهو مسجون لديهم: إن دفعت لنا دينارين، أطلقنا سراحك، وخلينا سبيلك، فدفعها.
ومهما يكن الأمر، فإن هذا لا ينفي أن الرشوة جريمة، وأنها عمل قبيح لا يليق بالمسلم القيام به، لأنها تؤدي إلى ظلم وهضم الحقوق واضطراب الموازين، وفساد الأحوال.
خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان