مقدمة
يشكل العرف مصدرا حيويا للقانون وحيويته تأتي من كونه يعكس بصدق حاجيات المواطنين ومطامحهم، والقواعد القانونية العرفية، على خلاف المقتضيات التشريعية والتنظيمية، لاتضعها الهيآت الحكومية المنتصبة لذلك. وإنما تنتج عن درج الناس على سلوك معين لمدة معينة تصير فيها العادة عرفا، فالشعب إذن هو الذي يضع القواعد العرفية.
ويقصد بالعرف اعتياد الناس على اتباع سلوك معين على وجه الإطراد مع الإعتقاد بإلزامية هذا السلوك ، أي أن الأفراد اعتادوا على سلوك معين حتى أصبح لازما لهم. وهذا اللزوم هو أحد أهم مظاهر الأعراف التي تتمثل في تصرفات مألوفة نظرا لتكرارها فالحالة الشاذة لاتكفي لقيام قاعدة قانونية عرفية والمثل يقول "المرة الواحدة لاتخلق عرفا".
ومن ثم، يتضح أن القاعدة العرفية لايكفي لقيامها وجود ممارسة أو عادة قديمة وإنما لابد من تولد شعور عند الأفراد بضرورة إحترام تلك العادة بمعنى أن للعرف عنصرين:
عنصر مادي قوامه تعود الناس على سلوك معين مدة من الزمن وعنصر معني يتمثل في إعتقاد الناس بضرورة إحترام العادة.
ويكون العرف ناشئا من إرادة الجماعة ولصيقا بنفوس أفرادها، فهو لهذه الإعتبارات قانون غير مكتوب صنعته تلك الجماعة ولازم مسيرة حياتها وجود وعدما. ومن هذا المنطلق كان العرف أسبق في الوجود من أي مصدر قانوني آخر، فهو أسبق في الوجود من التشريع ومن قواعد الدين، لأن الجماعة ذاتها أسبق في الوجود من ظاهرة سن التشريع المكتوب ومن ظاهرة نزول الدين على معظم أنبياء البشرية، فالعرف نشأ بنشوء الجماعة، ويتطور بحسب إرادة هذه الجماعة، وتمليه مصالحها من ضروريات سياسية واجتماعية واقتصادية.
لهذا يتمتع العرف بأهمية بالغة بسبب ارتباطه وجودا وعدما بالإرادة الحرة للأفراد التي صنعت هذا العرف. إن العرف في الحقيقة يعبر بمصداقية عن إرادة صانعه بخلاف أي مصدر آخر، فهو ناشئ من قبول استقر في نفوس الأفراد بعد أن تلقته عقولهم وطباعهم السلبية ودون أن يفرض عليهم ذلك من أي جهة.
ويمتاز العرف بأنه يعبر بصدق عن الواقع الإجتماعي والإقتصادي للجماعة، ومن ثم فقواعده تتناسب ومعالجة تلك الظروف وحكم ما ينشأ منها من علاقات، صحيح أن العرف قد يكون فاسدا بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الظالمة التي قد يمر بها مجتمع معين والتي ترجمت سلوكا نشأ منه العرف، ولكننا سنرى أن من أهم شروط العرف أن تتفق قواعده مع النظام العام في المجتمع، هذا النظام الذي يقوم على أسس عادلة تتنافى وقواعد الظلم.
كما يمتاز العرف بميزة عملية تتمثل في سده لثغرات النقص التشريعي حيث يكمل ما قد يكونا لمجتمع لم يعره اهتمامه بالتنظيم التشريعي، لكون التشريع لايمكنه الإحاطة بكل شيء، ومن هنا تتدخل إرادة الجماعة بشكل تلقائي لسد النقص مما ينشأ، من تعودهم وإطرادهم على اتباع سلوك معين لمواجهة الحالات الناشئة من الفراغ التشريعي، قواعد ملزمة تحل محل التشريع وهي ما تسمى بقواعد العرف.
ويتضح من خلال ما سبق، أنه للحصول على عرف صالح يتفق مع قواعد القانون سواء من الطبيعي أو وضعي، فإنه يجب أن يكون العرف مستوفيا لمجموعة من الأركان والشروط. ومن تم تطرح مجموعة من الإشكاليات والتي تتمحور حول ماهية هذه الأركان والشروط؟ وما الفرق بين العرف وباقي الأنظمة المشابهة له؟ وما مدى تطبيق العرف داخل المجتمع المغربي؟
كل هذه التساؤلات وغيرها سنحاول الإجابة عنها وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: أهمية العرف كمصدر من مصادر التشريع
المبحث الثاني: تطبيقات العرف داخل المجتمع.
المبحث الأول: أهمية العرف كمصدر من مصادر التشريع
المطلب الأول : أركان العرف
من خلال تعريف العرف، كما ذكرنا سابقا بأنه عبارة عن اعتياد الناس على اتباع سلوك معين على وجه الإطراد مع الاعتقاد بإلزامه، يمكننا استخلاص أركان العرف والشروط اللازمة لقيامه كمصدر من مصادر القانون.
إن العرف يستلزم لكي يكون مصدرا لقانون أولا الاعتياد على سلوك معين مدة كافية من قبل الناس المتبعين هذا السلوك، وهذا ما يعرف بالركن المادي للعرف وكذلك يتطلب ثانيا شعور هؤلاء الناس بضرورة احترام هذا السلوك وأن مخالفته من شأنها أن تعرض المخالف للجزاء، وهذا ما يعرف بالركن المعنوي.
الفقرة الأولى: الركن المادي للعرف
إن الركن المادي اللازم لقيام العرف كمصدر للقانون يقصد به دأب الناس على العمل بقاعدة أو سنة معينة ، لكن ليس لأية مدة بل يجب أن يتواتروا عليها زمنا طويلا.
والواقع أن ذلك يقتضي توفر عدة شروط منها:
-الاستقرار:
ومعناه أن تستقر سنة معينة في المجتمع لمدة طويلة تسمح بالحكم عليها، بأنها أصبحت عرفا متداولا بين الناس لايختلفون بشأنه. ويقصد بالاستقرار أن يكونا لسلوك المكون للعادة منتظما دون انقطاع، فإذا تكرر السلوك المكون للعادة فترة من الزمن ثم ترك المتبعون لهذا السلوك اتباعه، أي تخلوا عنه مدة أخرى، ثم عادوا إليه مرة ثالثة، ففي هذه الحالة فإن الثبات غير متوفر بل هو سلوك متقطع لايشكل عادة يمكن اعتبارها مشكلة للركن المادي للعرف.
ومعنى هذا أن عنصر القدم ضروري لتحقيق ثبات القاعدة القانونية، ذلك أن القانون عندما يحيل القاضي على العرف، فهو يلزمه تلقائيا بالتأكد مما إذا كان العرف لمستقر قد نال من القدم بشكل يسمح بالحكم بأنه أضحى فعلا مستتبا. فمثلا لو كان الناس تواتروا على عادة ثم عدلوا عنها فإن عنصر القدم ينقطع، ويرفع عن العرف صفة القاعدة القانونية.
ونذكر هنا بأن عنصر القدم نسبي ويختلف من قاعدة لأخرى وجماعة لأخرى بحيث يلاحظ مثلا بأن العرف الزراعي يحتاج إلى مدة أطول من العرف التجاري لاختلاف طبيعة كل نشاط.
وهكذا فالمدة الكافية للاعتياد على السلوك المكون للعادة المشكل للركن المادي للعرف مسألة واقع يخضع لتقدير القضاء بمناسبة كل حالة فيما إذا كانت العادة قديمة أم غير قديمة.
-العمومية:
وهو شرط مكمل للسابق بحيث يستحيل الحديث عن الاستقرار إذا لم يحز العرف عنصر العمومية أي الاحترام والممارسة من قبل عامة الناس. وهذا أمر طبيعي لأن من خصائص القاعدة القانونية العمومية والتجريد، والعرف كي يسمى قانونا يجب أن يتوفر على نفس الخاصية، دون أن يعني ذلك أنه يلزم أن يمتثل له كافة الناس بلا أدنى استثناء أو خرق، بل يكفي أن تمتثل له الأغلبية ليصح اعتباره عرفا.
وهو شرط مكمل للسابق بحيث يستحيل الحديث عن الاستقرار إذا لم يحز العرف عنصر العمومية أي الاحترام والممارسة من قبل عامة الناس. وهذا أمر طبيعي لأن من خصائص القاعدة القانونية العمومية والتجريد، والعرف كي يسمى قانونا يجب أن يتوفر على نفس الخاصية، دون أن يعني ذلك أنه يلزم أن يمتثل له كافة الناس بل أدنى استثناء أو خرق، بل يكفي أن تمتثل له الأغلبية ليصح اعتباره عرفا.
هذا إلى أن الأمر قد يتعلق بعرف محلي يروج في منطقة من البلد دون أخرى وقد يكون خاصا بفئة دون أخرى كفئة المهنيين أو الموظفين أو المجتمع النسوي أو الرجالي وهكذا...
ويقصد إذن بعموم العادة أن لاتكون عادة شخصية تكونت نتيجة سلوك شخص أو أشخاص محددين بذاتهم أو أشخاصهم، وإنما يشترط أن تكون مجردة أي يسري نطاق تطبيقها على كل الأشخاص الداخليين في إطار موضوع العادة وكأنها دون أن تستهدف شخصا بعينه. فإذا كانت العادة تكونت نتيجة سلوك عدد من أفراد المهنة أو الحرفة وليس جميعهم فإنها تكون عادة شخصية وليست عامة. كما أن عادة أهل مدينة معينة يجب أن تشمل نطاق تطبيقها كل سكان المدينة حتى تكون عامة ، أما إذا شمل هذا النطاق سكان حي معين من المدينة فلا يتوفر في مثل هذه العادة صفة العموم المطلوبة في الركن المادي المكون للعرف.
-تطابق العرف مع النظام العام والآداب:
بالإضافة إلى الشروط السابقة، يجب أن يتوفر في العادة المكونة للركن المادي للعرف مطابقته للنظام العام في المجتمع المؤسس على أصول ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة. ومعناه أن العرف لايسمو لدرجة القاعدة القانونية إلا إذا كان منسجما مع القواعد القانونية المكتوبة وأيضا مع النظام العام وقواعد الدين والأخلاق والآداب. أما الأعراف المخالفة للنظام العام والأخلاق، فمهما تعمقت في المجتمع لاتكتسب صفة القانون ولا يلزم القضاء بتطبيقها.
إن العادة الفائدة المجسدة لقواعده ظالمة لايعترف لها بأثر في مجال تكوين العرف، فالعرف الصحيح هو المبني على سلوك طبيعي لاتشوبه شبهة الظلم أو مخالفة قواعد القانون الطبيعي. إن الاعتراف بالأعراف الفاسدة في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من شأنه أن ينشئ قوانين ظالمة تنتمي في ظلها العلاقات الإنسانية العادلة التي يسعد في ظلها الإنسان. إن العلاقات الإنسانية العادلة التي يسعد في ظلها الإنسان لايمكن أن تنشأ إلا في ظل أعراف قويمة وسوية تترجم الحركية وسعادة الإنسان.
الفقرة الثانية: الركن المعنوي للعرف
الركن المادي ولو توفر بكل عناصره السالفة، لايكفي لقيام العرف كقاعدة قانونية، ذلك أن عددا من قواعد المجاملات والأخلاق والتقاليد تتمتع بالثبات والعمومية والقدم، ومع ذلك لاتعتبر قواعد قانونية، وهذا سبب اشتراط توفر العرف على الركن المعنوي ومعناه أن يسود الاعتقاد الشعبي بإلزامية العرف، وأن يمتثل الناس له تلقائيا، بدافع الإحساس بالإلزام.
وإن هذا الاعتقاد الجماعي هو ما يعطي للعرف صفة القانون، وهنا أيضا لايلزم أن يسود الاعتقاد لدى جميع الناس وكافة الفئات الإجتماعية وكل المناطق، بل يكفي أن يترسخ لدى الغالبية. ولن يتحقق الشعور بإلزامية القاعدة إلا إذا شعر متبعوا العادة بأنه في حالة مخالفتهم لها سيتعرضون للجزاء المعنوي المتمثل في استنكار ومحاسبة ضميرهم الفردي والجماعي. وإذا لم يتوفر الشعور بإلزامية العادة ، فإن العرف لايعتبر قائما من الناحية القانونية، فالعرف مادة وروح أي سلوك وإلزام، والعرف بدون إلزام كالمادة بدون روح.
وبتوافر الركن المادي والمعنوي تنشأ قاعدة قانونية ملزمة مصدرها العرف شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية عموما، وقد تكون هذه القاعدة العرفية آمرة أو مكملة لإرادة المتعاقدين، كغيرها من القواعد القانونية أيضا.
المطلب الثاني: تمييز العرف عن بعض الأنظمة المشابهة له
الفقرة الأولى: مقارنة العرف بالتشريع
رأينا أ العرف يتكون بإعتياد الناس على سلوك معين، تم بإيمانهم بأن هذا السلوك ملزم لهم. ولذلك فالعرف في حقيقته ما هو إلا تعبير عن إرادة الجماعة التي أوجدته، وهو بذلك الصورة المثالية للقواعد القانونية التي تشترك الجماعة كلها في إنشائها وفرضها على نفسها. أما التشريع الذي يصدر عن السلطة التشريعية فإنه في الواقع تعبير عن إرادة أعضاء السلطة التشريعية الذين وضعوه وناقشوه، ومهما قيل من النظريات القانونية في أن إرادة ممثلي الشعب هي إرادة الشعب نفسه، إلا أن الواقع يثبت أن أفراد الشعب جميعا يشاركون في تكوين العرف، ولكن التشريع يضعه قلة منهم.
والعرف يعد أسبق مصادر القانون في الوجود، فهو أسبق وجودا من التشريع ، لأن هذا المصدر الأخير نشأ في عصور لاحقة لنشأة العرف بسبب تطور المجتمعات وتعقد الحياة فيها، وظهور ظاهرة التنظيم بشكل فرص ضرورة التشريع.
وبسبب ظهور التشريع، بدأ العرف في التلاشي وترك مكانته للتشريع كمصدر جديد للقانون لم يكن معروفا، كما هو الحال في الزمن المعاصر. إن ظاهرة ظهور الدولة وما استتبعها من تشابك في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وظهور صراعات عنيفة على السلطة لأجل قيادة الدولة وتسييرها من قبل أدوات الحكم نيابة عن المجتمع ذاته، كل هذا أدى إلى بروز أهمية التشريع لسهولة استخدامه كأداة طيعة في يد أدوات الحكم من أجل تحقيق رؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذه الأدوات لم تستطع تسخير العرف لإحداث التغيير حسب رؤيتها، ولذلك استعملت التشريع باسم المجتمع ونيابة عنه لإحداث ما تراه، ومن بين ذلك إلغاء العرف ذاته إذا وقف حجر عثرة أمام التشريع. ويتضح من هذه العلاقة بين العرف والتشريع في العناصر التالية:
أولا: من حيث الأولوية في التطبيق
يعتبر التشريع كما رأينا، المصدر الأصلي الأول في التشريع، وبالتالي فإن الوظيفة الأساسية للعرف هي الكلمة النقص الموجود في التشريع، وعلى هذا النحو يأتي العرف في المرتبة الثانية بعد التشريع، فإذا لم يجد القاضي قاعدة تشريعية يطبقها على النزاع المعروض عليه التجأ إلى العرف.
يضاف إلى ذلك أن الشارع قد يعرض لمسألة معينة ، فيستعين في القعدة التي يضعها بالعرف لتحقيق أغراض مختلفة، كتنظيم هذه المسألة من أساسها، أو تحديد بعض المعايير في شأنها، أو تفسيرية المتعاقدين.
ثانيا: من حيث المصداقية
رأينا أن العرف يمتاز بأنه يعبر عن إرادة الجماعة بمصداقية كاملة، ولايمكن الطعن فيه من هذه الناحية إطلاقا، فهو المعبر الصادق عن المجتمع لأنه لم يفرض من خارج المجتمع بأي وسيلة من وسائل القوة والإكراه المادي منها أو المعنوي.
أما التشريع، وخاصة إذا لم يكن الشعب هو أداة الحكم الفعلية المباشرة، فإنه غالبا ما يعبر عن الأداة التي صنعته وبالتالي فهو لايعبر بصدق عن الشعب لأنه فرض بوسائل دكتاتورية من خارج الشعب نفسه. فالتشريع مهما كسب رضى الشعب به، فهو لايمكن حصول الإجماع حوله. فالتشريع يتكون أو ينشأ بموافقة الأغلبية بغض النظر عن رأي الأقلية، وغالبا ما تكون هذه الأغلبية حاكمة والأقلية محكومة، وهذا ما يتنافى وقواعد القانون الطبيعي التي تقرر العدل والمساواة والحرية. أما قواعد العرف فإنما أداة فعالة لتحقيق المساواة لأنه يفرض بقوة من خارج المجتمع بشرط أن يكون عرفا عادلا وغير فاسد، أي أن الظروف التي أنشأته لم تكن ظروفا ظالمة أدت إلى عرف فاسد يجسد أسباب الظلم بكافة صوره.
ثالثا: من حيث الوضوح
يتميز العرف بعدم الوضوح بسبب عدم كتابته، عكس التشريع الذي يمتاز بوضوح وانضباط قواعده.
رابعا: من حيث التطور
يتميز العرف بكونه عامل من عوامل التطور الطبيعي لأنه يحدث آثاره في التغيير بمصداقية التعبير عن الواقع. ومن هنا فهو يجسد المبدأ القائل بأن المقدمات تؤدي إلى النتائج، فإذا كانت المقدمة سليمة فإنها تؤدي إلى نتائج سليمة، أما إذا كانت تلك المقدمات فاسدة فإنها تؤدي إلى نتائج فاسدة.
أما التشريع فإنه استخدم في إحداث التطور، فإن نتائج هذا التطور غير مضمونة الثبات، لأنها قد تكون نجمت عن ما يعرف بالطفرة، ولكن على صعيد أحداث التطور المادي وخاصة في ظل الثورة التقنية، فإن العرف بالتأكيد يعجز ع ملاحقة هذا التطور العلمي السريع، وهنا يحل التشريع محل العرف كأداة سهلة يمكن استخدامها في ملاحقة هذا التطور.
ومن خلال هذه المقارنة، يتبين لنا أن العرف يأتي في المكانة الثانية بعد التشيع. ونظرا لهذا التراتب فلايجوز للعرف أن يخالف التشريع وفق مبدأ تدرج المصادر الرسمية في القانون، بل له أن يلغيه، غير أنه ينبغي الإشارة إلى أنه لا محل للعرف فيما يتعلق بالجريمة وفق مبدأ "لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص قانوني" حيث أن جميع القوانين يأتي فيها العرف بعد التشريع إلا ما كان م قواعد القانون الجنائي.
وإذا تجاوزنا هذه الحالة، فإننا سنجد أن العرف مكمل للتشريع يملك ثغراته ويسد ما يعتريه من نقص.
الفقرة الثانية: مقارنة العرف بالعادات
يتميز العرف أساس بما يلحقه من صف ملزمة ناتجة من الاعتقاد في إلزامه نفس إلزام القواعد القانونية أي من الاعتقاد في وجود جزاء أو إجار عام أو جماعي يكفل احترامه. وعلى هذا النحو يتميز العرف عن مجرد العادة، إذ يجتمع للعرف الوجود المادي والمعنوي على السواء أي بإطراد السنة والعقيدة في إلزامها معا. ولايجتمع للعادة إلا الوجود المادي وحده دون الوجود المعنوي، فتكون مجرد سنة تنقصها عقيدة الإلزام وإن كانت مطردة في العمل، أي تكون مجرد سنة مطردة يتبعها الأفراد في العمل اتباعا لايقوم على عقيدة إلزامية في ضرورة مراعاتها أو احترامها وإنما هو محض اتباع اختياري من جانبهم.
ومن هنا فلا تسري العادة في حق الأفراد سريان العرف في حقهم، فالعرف هو قاعدة قانونية، يلزم الأفراد بذاته دون توقف على إرادتهم.
أما العادة – وهي مجرد واقعة مادية أي مجرد سنة تتبع عادة في العمل دون أن تسندها عقيدة في إلزامها. فلاتكون لها القدرة على إلزام أي فرد كان إلا أن يرد الفرد الالتزام بها، وتظهر إرادته هذه صراحة أو ضمنا، وحينئذ لايكون إلزام العادة ناشئا عن وجودها كقاعدة قانونية ملزمة، وإنما هو إلزام ناشئ من التزام بعض الأفراد بها وقبولهم اتباعها بمحض إرادتهم وإتفاقهم، أي أن العادة لايمكن إلزامها في قوتها الذاتية ككل قاعدة قانونية، وإنما يستمد هذا الإلزام من إرادة المتعاقدين واتفاقهم. لذلك جرى الاصطلاح على تسمية العامة باسم "العادة الاتفاقية". ومع أن العادة الاتفاقية تصبح ملزمة لمن اتفقوا عليها إلا أن الفروق بينها وبين العرف كثيرة وأهمها:
أولا: العرف كالقانون، فالقاضي يعرفه كما يعرف القانون، ويطبقه من تلقاء نفسه. أما العادة الاتفاقية فلا يطبقها القاضي إلا إذا تمسك بها صاحب المصلحة في تطبيقها.
ثانيا: العرف لايحتاج إلى إثبات وجوده، أما العادة فتحتاج إلى إثبات وجودها. وفي العادة يكون الاتفاق عليها، وبخاصة إذا كان مكتوبا هو خير إثبات لها.
ثالثا: العرف كالقانون يخضع القاضي في تطبيقه لرقابة المحكمة العليا المشرفة على تطبيق القانون، أما العادة فتتعلق بالوقائع وللقاضي القول الفصل في تطبيقها.
رابعا: العرف كالقانون لايمكن للأفراد الاعتذار بجهله، أما العادة فلا يمكن اتباعها إلا إذا اتفق الأطراف على تطبيقها.
خامسا: عنصر الإلزام في العرف ناتج عن طبيعته، لأنه أحد عنصريه، أما الإلزام في العادة الاتفاقية فينتج من الاتفاق عليها.
المطلب الثالث: مزايا العرف وعيوبه
الفقرة الأولى: مزايا العرف
يمتاز العرف بأنه يعبر بصدق عن الواقع الاجتماعي للجماعة، ومن ثم فقواعده تتناسب ومعالجة تلك الظروف وحكم ما ينشأ منها من علاقات. كما تأتي معبرة عن احتياجات المواطنين، بحيث يتمكن الشعب بنفسه من صياغة القواعد القانونية التي يطمئن لها، ولاتفرض عليها فرضا كما يحصل مع التشريع.
ومن إيجابياته أيضا المرونة والقدرة على التطور التلقائي، دون حاجة لتدخل سلطة عليا لتغييره، ودون أن يضطر المجتمع للانتظار، مما يؤكد ما قلناه من أن العرف يساير المجتمع في ارتقائه ويساعده على التطور.
كما يمتاز العرف بميزة عملية تتمثل في سده لثغرات النقص التشريعي، حيث يكمل ما قد يكون المجتمع لم يعرف اهتمامه بالتنظيم التشريعي. إن التشريع لايمكنه الإحاطة بكل شيء، ومن هنا فتدخل إرادة الجماعة بشكل تلقائي لسد النقص مما ينشأ، من تعودهم واطرادهم على اتباع سلوك معينة لمواجهة الحالات الناشئة من الفراغ التنظيمي، قواعد ملزمة تحل محل التشريع وهي ما تسمى بقواعد العرف، وعندما تتطور ظروف الجماعة بتطور سلوكها لحكم ما ينشأ من علاقات جديدة بموجب قواعد عرفية جديدة تحل محل القواعد التي كانت تحكم الظروف السابقة، فإن العرف يساير التطور ولكن بشكل تلقائي مما قد يحتاج إلى وقت، ولكن من مزايا هذا التطور العرفي أنه تطور طبيعي دون طفرة.
الفقرة الثانية: عيوب العرف
أولا: الغموض وعدم الوضوح: العرف قانون غير مدون، لذلك فمضامينه غير واضحة المعالم. وينتج عن غموضه صعوبة التعرف عليه. فالمخاطبون لايسهل عليهم التعرف على جميع الأعراف، من ثم يتعذر تطبيق قاعدة "لا يعذر أحد بجهله القانون...وهذا يسبب كثرة الخروقات. والأخطر أنه عندما يعرض الأمر على القضاء، فإنه يلزم بالتقليب في الأعراف والتأكد مما إذا كانت فعلا تشكل عرفا أم مجرد تقليد، ويلزم بمقابلة الأعراف المتناقضة والتعرف على أيها يلزم الاحتكام إليه. لذلك يجب ألا ينعى عليه اختلافه واضطراب أحكامه.
ثانيا: فسح المجال لتعسف القضاء والسلطات: ينتج عن عدم وضوح مضامين القانون العرفي فتح المجال واسعا لتحكم القضاء واستبداده وفقد المواطن للضمانات. ولعل ما نقلناه من قبل عن التشريع الإنجليزي الصادر من أجل الاعتراف للسجين بحق طلب المثول أمام القضاة كاف للقول بأن العرف لايمنح المواطن أية ضمانات.
ثالثا: تكريسه للفرقة واللامساواة يستحيل تصور أعراف موحدة في المنطقة الواحدة فأحرى في البلد الواحد. وإن عدم توحد الأعراف كثيرا ما شاعت بسببه اللامساواة، وكثيرا ما استغل من أجل تحقيق المبدأ الشهير "فرق تسد". وسوف نتوقف عند الظهير البربري الذي استغل تنوع الأعراف من أجل التفريق بين المغاربة أو إضعاف المقاومة.
رابعا: عدم اقترانه بجزاءات فعلة تجبر الناس على احترامه
فكرة الجزاء بدورها غير محددة المعالم، فقد تكون من طبيعة الجزاءات النفسية التي تنحصر في توبيخ الضمير أو استقباح الجماعة للسلوك، أو جزاءات دينية كالعقاب الأخروي أو الحرمان من بعض المراتب، كما في الأعراف الكنيسية...وهذا دليل كاف للقول بأن الأعراف وإن كان أساس وجودها هو الإيمان بقوتها الملزمة، فإن إلزاميتها تلك غير معززة بجزاءات عملية تسمح بإجبار الناس على احترامها.
صحيح أن القضاء ينتصر للقانون العرفي ويطبقه، لكن في غياب الأحكام القضائية فإنه يصعب إلزام الناس به، خصوصا في وقت كثر ترديد شعارات حقوق الإنسان
المبحث الثاني: تطبيقات العرف داخل المجتمع المغربي
سنحاول من خلال هذا المبحث تسليط الضوء على بعض الأ‘راف المتداولة داخل المجتمع وذلك من خلال النزول إلى الميدان وإجراء بعض المقابلات، حيث سنتصدى في المطلب الأول للأعراف السياسية، ثم سنتناول في المطلب الثاني الأعراف الفلاحية على أن نترك المطلب الثالث للحديث عن الأعراف في الأحوال الشخصية.
المطلب الأول: العرف في العمل السياسي
من خلال المقابلات التي أجرينها مع عضويين من حزبين مختلفين لكل واحد منهما توجهه السياسي، سنعمل على بسط الأعراف السياسية التي استقيناها من هاتين المقابلتين، فحسب السيد فؤاد عدناني الكاتب العام لشبيبة حزب الاتحاد المغربي الليبرالي، فإن مجمل الأعراف التي يشهدها العمل السياسي المغربي والتي تنهجها الأحزاب السياسية المغربية تصل منافية للقوانين والأنظمة والمبادئ الديمقراطية، ومن بين هذه الأعراف:
-عرف تعيين الأعيان، فعوض تعيين كفاءات تستحق خوض غمار السياسة وتحمل المسؤولية، والدليل على تداول هذا العرف داخل المشهد الحزبي المغربي هو كثرة المنازعات الانتخابية المعروضة على القضاء في هذا الشأن، وأيضا فشل الأحزاب السياسية في سلوكها لهاته الأعراف أدى إلى حصول أزمة سياسية في المغرب.
-الترحال السياسي: كعرف سلبي كان سائدا في الممارسة الحزبية قبل أن يتنبه المشرع إلى ذلك وقام بإلغائه بمقتضى الدستور الجديد للمملكة المغربية.
-التغيب البرلماني: كعرف سلبي يؤدي إلى إضعاف العمل البرلماني ووظيفته في سن القوانين ورقابة الحكومة.
-بيع التزكيات داخل الأحزاب:
-عرف سيادة مشاريع القوانين بدل مقترحات القوانين: وسبب ذلك أمية أغلبية البرلمانيين وجهلهم بالعمل السياسي والقانوني.
ويختم السيد فؤاد عدناني بأن فشل الأحزاب السياسية في الأعراف الممارسة من طرفها أدى إلى وجود أزمة سياسية في المغرب وهو ما أدى إلى عزوف الشباب عن ولوج العمل السياسي.
أما المقابلة الثانية فقد كانت مع أحد أعضاء حزب الاستقلال (الذي رفض الإفصاح عن إسمه)، فقد اعتبر أن الديمقراطية الداخلية كخلق سياسي منصوص عليه في خطابات الأحزاب السياسية ، نجد أنه في جميع مؤسسات وهياكل الأحزاب الداخلية يتم تغييب الديمقراطية واختصارها في عملية التصويت "فالتكوليس" وهو مصطلح مصدره الكواليس، فقبل مؤتمرات الداخلية للأحزاب يتم مسبقا تحديدا النتائج مثال ذلك ترشيح الأمين العام لحزب الاستقلال.
وفيما يخص مسطرة الحصول على تزكية حزب معي فالقانون الداخلي للأحزاب يقتضي بأن تحترم هذه المسطرة آراء واقتراحات جميع المناضلين داخل الحزب لكن العرف المتداول لايحترم هذه المسطرة ذلك أن التزكيات تمنح من الفوق أي من قيادات الأحزاب.
ويعتبر التحالف من الأعراف السياسية السائدة في الممارسة الحزبية، لكن هذا العرف له مجموعة من الشروط وهي أن تكون الأحزاب من نفس المرجعية الإيديولوجية وذلك لتشكل نفس البرنامج السياسي لكن الغريب في المغرب، أن هناك أحزاب يمينية لها مرجعية إسلامية مثل حزب الاستقلال يتحالف مع حزب التقدم والإشتراكية الذي له توجه يساري ومع حزب الاتحاد الاشتراكي الذي له مرجعية اشتراكية في ما كان يسمى بالكتلة الوطنية.
هذا التحالف لم يكن له برنامج سياسي، ولكن كان هدفه الدخول في صراع مع القصر، أما الآن فالصراع مع القصر انتهى وأصبح هذا التحالف الذي يضم حزب الاستقلال وحزب التجمع الوطني للأحرار وحرب الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية لا رابط يجمع بينهما.
وهذا التحالف الأخير الذي يضم الاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار وحزب اليسار الخصر وحزب النهضة والفضيلة وحزب الحركة الشعبية أو ما يعرف "بتحالف مزوار" هذا "الباناشي" فيه أحزاب من الوسط وهو حزب التجمع الوطني للأحرار وفيه أحزاب من اليمين الذي يمثل الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية وفيه أحزاب من اليسار الذي يمثله الحزب العمالي وفيه أحزاب تمثل التوجه الإسلامي، ما عدا العرف؟
إن الممارسة الديمقراطية تقتضي أن يكون التحالف السياسي على جميع الأصعدة، لكن العرف السائد في العمل السياسي المغربي، لايحترم هذه الممارسة، حيث نجد أحزاب متحالفة في جماعات محلية معينة ومتناحرة في جماعات محلية أخرى، أو متحالفة في البرلمان ومتناحرة في الجماعات المحلية.
فمثلا نجد في جماعة سلا، حزب الأصالة والمعاصرة، والعدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب جبهة القوى الديمقراطية وفي المعارضة نجد حزب الحركة الشعبية.
أما في البرلمان ، فنجد الحركة الشعبية مع حزب التجمع الوطني للأحرار في الأغلبية.
عرف الأعيان: مصطلح الأعيان جاء من أحزاب الحركة الوطنية ولأن المجتمع المغربي مجتمع قبلي، هذا هو الذي ساهم في تكوينا لأعيان، وظاهرة الأعيان انتقلت من الأحزاب الإدارية إلى أحزاب الحركة الوطنية بسبب عدم قدرتها على تأطير المواطنين وبحثها فقط عن المناصب.
هناك أحزاب تتبحح بمنظمات موازية للحزب مثل الشبيبة التي أصبحت منبتا لأبناء القيادات الحزبية مثل حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الإشتراكي...
المطلب الثاني: العرف على المستوى الفلاحي
من خلال الزيارة التي قمنا بها إلى الغرفة الفلاحية لجهة سلا زمور زعير، وإجراء مقابلات مع كل من رئيس الغرفة، والسيد علال الدغري عضو منتخب بالغرفة، وكل من السيد الزاكي العلوي والحنصالي إبراهيم رؤساء المصالح التقنية بالغرفة، وقفنا على مجموعة من الأعراف من بينها:
-الشركة: التي قد تكون بالخبرة التي تكون في الأراضي السقوية، أو الربع أو الخمس أو الثلث هذا الأخير يكون في الأراضي البورية، وهذا كله حسب الاتفاق بين المالك الذي هو الفلاح والأجير.
-الأرض تسمى بالمطيرة وهي جزء من الأرض المحروثة وهناك مقاييس أخرى في حرث الأرض مثل حرث الزوجة وربع الزوجة ونصف الزوجة. وحرث اليوم للدائنين وحرث المرجع وحرق الخدام، الخدام يوازي 1000 متر و10 هدام يوازون هكتار، فهذه كلها مسافات لحساب الحرث، فكل منطقة من المناطق المغربية يستعملون مقياسا معينا مثلا منطقة أزمور يستعملون الخدام.
وهناك أعراف خاصة بالسقي فمثلا في المناطق الجنوبية يستعملون عرف الربطة وذلك لتوزيع ماء السقي على جميع أصحاب الأراضي الزراعية.
وهناك أيضا عرف التويزة ويعني هذا المصطلح أن تضامن وتكافل الفلاحين فيما بينهم للقيام بالأعمال الزراعية بشكل جماعي حتى يستفيد الجميع. إلا أن هذه الأعراف تظل مهددة بالزوال بسبب عدم تدوينها وبسبب منافسة الوسائل الفلاحية والزراعية الحديثة.
المطلب الثالث: العرف في الأحوال الشخصية
كانت القواعد العرفية، عند مختلف قبائل الجنوب في عهد الحماية ذات طابع مكمل.فهي تساير أحكام الشريعة،وتعمل على سد الفراغ الذي يمكن أن تتركه.لذا فهي مكملة لها.هذا ما وقع تقريره بالنسبة لقبائل الأطلس الكبير والصغير و سهول سوس.فهذه القبائل ابانت عن تمسكها بالشريعة الاسلامية منذ عصر الموحدين :
-فابرام الزواج وانحلال الرابطة الزوجية كانا خاضعين لأحكام الشريعة،وبالتالي تعود الولاية فيهما الى القاضي الشرعي.
-كما أن قسمة التركة كان يتم وفق أحكام الشريعة الاسلامية.ومن الأمور المثيرة للانتباه بهذا الصدد هو الحفاظ على حق المرأة في الميراث، حسب أحكام الشريعة، مع بعض التحويرات لهذا الحق فيما يخص اقتسام العقارات فقط.
أما في وسط المغرب عرف العرف انتشارا كبيرا في هذه المنطقة.ولم يتأثر بالشريعة الاسلامية الا في حدود معينة.ففي قبائل زمور، زيان وأيت مجيلد،ينفرد العرف بتنظيم الأحوال الشخصية والأسرة و الميراث.وسيتضح لنا،فيما بعد،أن بعض القواعد العرفية كانت مخالفة تمام المخالفة لأحكام الشريعة.
ففي إبرام عقد الزواج :
-كانت تراعى بهذا الصدد بعض الأحكام الشرعية مثل موانع الزواج.
-وفيما يتعلق بالرضا والقبول في الزواج كان العرف يعطي للأب أو الوالي دورا مهما جدا يتجاوز الدور المنوط به في الشرع.
-ويتجلى ابتعاد العرف في الشرع في مسألة الصداق،حيث جرت العادة على تكوين الصداق بصورة خاصة : نصفه نقدا ونصفه عينا (رؤوس أغنام، كمية من الحبوب،قطعة أرض أو منزل....).وهذه أمور عادية،لكن الاختلاف يوجد على صعيد تحديد المستفيد من الصداق.فالشريعة الاسلامية جعلت من الصداق عنصرا جوهريا في عقد الزواج.وجعلته من نصيب الزوجة وحدها دون غيرها.لكن الممارسة العرفية جعلت للأب حقا في الصداق،ومن بعده الأخ ثم الجد ثم العم وحتى "الجماعة" . فلهؤلاء نصيب في الصداق،وإن كان بالترتيب المذكور.
في توزيع التركة :
نصادف في هذا الاطار قواعد عرفية عديدة تخالف الشرع بصورة صريحة،مثل حرمان المرأة من الارث بدعوى المحافظة على أموال الأسرة، وحمايتها من التجزئة المضرة اقتصاديا بالعقارات خاصة الفلاحية منها في المناطق الجبلية، وهي عادة ذات مساحات متواضعة.وهكذا كانت الأعراف تعترف بحق الارث للرجال دون النساء، وبالتحديد الفروع والأصول من الرجال.وكان انتقال التركة يتم وفق الترتيب التالي:
*الأبناء.
*أبناء الأبناء(الأحفاد عن طريق نوع من التمثيل).
*الأب والجد من جهة الأب.
*الإخوان الأشقاء وأبناؤهم.
*الأعمام من جهة الأب.
وإذا انعدم الوارث من الأصناف المذكورة انتقلت التركة إلى "الدوار" ثم إلى "الفخدة" ثم إلى القبيلة.
كما ميز علاقة العرف بالشريعة الإسلامية خلال الحماية هو مخالفته – في ميادين كثيرة – لمبادئ القانون الإسلامي.وهذا التعارض كان واضحا ، وخاصة في مادة الأحوال الشخصية و الأسرة و الميراث.ولم يكن بمقدور الدولة المغربية،بعد حصولها على استقلال،أن تقبل بهذا الوضع القانوني، خاصة وأنها تستمد أساسها من الدين الإسلامي أو التصريحات الملكية.
وبصدد العرف، نجد التقنينات المغربية لفترة الاستقلال كمدونة الأحوال الشخصية ،تعتمد العرف و العادات المتداولة في المنطقة معينة أومن قبل وسط اجتماعي معين.انما في كل هذه الفرضيات،نجد القانون نفسه يحيل على العرف و العادات، وبالتالي يعتبر الرجوع اليه مسألة مشروعة ما دام القانون ينص على ذلك،سواء تعلق الأمر بالقانون العصري أو بالقانون الاسلامي.
ان المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة قد اقترح على طرفي العلاقة الزوجية امكانية الاتفاق قبل الزواج على تدوين اتفاقهم بعقد عدلي يوضحون فيه الشكل الذي يعتزمون فيه توزيع وثانيا نشر المودة والعدل داخل ممتلكاتهم المستقبلية و التي تمت تنميتها بتعاون الطرفين الاسرة من خلال المساواة بين طرفي العلاقة الزوجية وبذلك يكون الفصل 49 من مدونة الاسرة قد ادمج جزئيا العرف الامازيغي والمتمثل في تمازالت والذي كان سائدا في الوسط الامازيغي قبل دخول الحماية وبعدها في النسق القانوني المغربي،وتمازالت مصطلح قانوني بالأمازيغية مشتق من تزلا اي السعي و الكد من اجل الاسرة.وتمازالت اصطلاحا هي تنمية أموال الاسرة عن طريق المجهود المادي أو المعنوي.وتعتبر هذه القاعدة العرفية التي كانت تعطي للمرأة الحق في الحصول على نصيب من ثروة زوجها والتي ساهمت معه في تنميتها بمجهودها العضلي أو الفكري اثناء قيام العلاقة الزوجية.
وفي هذا الاطار فان العمل القضائي اصبح أكثر جرأة في تطبيق قاعدة تمازالت على عكس ما كان عليه الحال في الظل مدونة الأحوال الشخصية.وهكذا فقد اصدرت المحكمة الابتدائية بانزكان يوم 2005-3-23 الحكم عدد 447 في الملف رقم 38-2004 القاضي بالحكم لفائدة زوج هالك باحقيتها في نصف قطعة ارضية محفظة عن طريق نظام الكد والسعاية الذي كان معمولا به في عدد من المناطق الامازيغية والذي جاءت مدونة الاسرة ببعض جوانبه في المادة 49 و التي لا تعرف مع ذلك تطبيقا سليما وواسعا ذلك ان الزوجة رفعت دعوى وأكدت طلبها بموجب سعاية تمازالت مضمن تحت عدد14.
لذلك فان تطبيق وادماج هذا النوع من القواعد العرفية الامازيغية داخل الترسنة القانونية يعتبر المدخل لدولة الحق والقانون من خلال جعل القواعد القانونية المنتجة من طرف المؤسسة التشريعية.
خاتمة:
يعتبر العرف مصدرا لخلق القواعد القانونية وهو المصدر الأول من الناحية التاريخية، ولهذا لاينبغي أن نقلل من قيمته بالمقارنة مع التشريع ، ففي كثير من الحالات نجد أن العرف يسد مسد مصدر التشريع خصوصا عندما يلجأ إليه القضاء في حالة انعدام نص تشريعي يتعلق بالنازلة موضوع النزاع، ولاسيما في مجال المعاملات التجارية والمدنية وإن كان تأثيره في مجال المعاملات التجارية أكبر من تأثيره في مجال المعاملات المدنية لأن التجارة تعتمد على المرونة والسهولة ، كما أنها تحتاج إلى مصدر ذاتي تعتمد عليه في استنباط قواعد المعاملات التجارية بعيدا عن تدخل المشرع وهيمنته في مسائل التشريع، لكن هذا لا يعني وجود عدة أعراف مخالفة للتشريع ولشريعة المجتمع.
لائحة المراجع
* مقابلات مع كل من فؤاد عدناني الكاتب العام للشبيبة، الحزب المغربي الليبرالي، ومع عضو مناضل بحزب الاستقلال.
* زيارة للغرفة الفلاحية لجهة الرباط سلا زمور زعير ومقابلة رئيس الغرفة ، والسيد علال الدغري عضو منتخب بالغرفة، والرؤساء التقنيين للغرفة.
* ذ.محمد جلال السعيد "مدخل لدراسة القانون"، دار الأمان ، الطبعة الأولى.
* ذ.عبدالسلام علي المزوغي "النظرية العامة لعلم القانون " الكتاب الأول، المدخل لعلم القانون ، الجزء الأول، نظرية القانون، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.
* ذ.رجاء ناجي مكاوي : مدخل للعلوم القانونية ، طبعة 2004.
* د. محمد عبدالجواد محمد، بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون، أصول القانون، مقارنة بأصول الفقه، منشأة الناشر المعارف بالإسكندرية.
* د.عبدالمنعم فرج الصده، مبادئ القانون، دار النهضة العربية للطباعة والنشر.
* ذ.عبدالواحد شعير، النظرية العامة للقانون، مطبعة دار النشر المغربية، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 2000.
*د. حسن كيزة، المدخل إلى القانون، منشأة الناشر المعارف بالإسكندرية، تاريخ النشر غير مذكور.
* الاستادة لطيفة دوش،مقال "تمازالت العرف الامازيغي الدي انصف المرأة المغربية"،العدد : 3105-2010/08/25 الحوار المتمدن،المحور :دراسات وابحاث قانونية.
منقول للافادة