ثقافة الجهل..!!
أن تكون جاهلاً بالعديد من الأمور فذلك أمرٌ سهلٌ جدًّا، لا يتطلب منك سوى الانغماس بما لا ينفعك،والدردشة عبر الإنترنيت .. وترك العلم والمفيد، والبحث عن قتل الوقت بأشياء ليس لها معنى، ومع مرور الأزمنة ستجد نفسك جاهلاً مع سبق الإصرار والترصد.. ولن يندم الآخرون على جهلك بقدر ندمك أنت على نفسك وعمرك الذي أفنيت دون أن ترتشف من معين العلم شئياً..!!؟
هناك سلوكيات عديدة، تندرج تحت ثقافة الجهل، ومع الأسف متأصلة في مجتمعنا (المسلم)، الذي من المفترض أن يكون على الأقل يعي معنى التعامل مع الآخر، ومعنى السلوكيات الحضارية بعد أن تشرب من معين الشريعة وتعاليمها الشيء الكثير، التي تجعل منه إنساناً يبحث عن الفضيلة أو هو يسعى إليها.. وتكون تصرفاته وسلوكياته مع أهله وذاته والآخرين أساسها الرقي..!!
على سبيل المثال: حينما تخرج من منزلك أو مسجد الحي أو غيره، وتمر على مجموعة من البشر يحملون صفات الإنسان، وهم إخوة لك، ولا تسلم عليهم بل تنتظر أن يسلموا، أو أنك تقول لنفسك "لا أعرفهم فكيف أبادرهم بالسلام"؛ فإنك ترسخ شائعة لدى المجتمع مع الأسف ـ؛ حيث يقول أحدهم: لا أسلم إلا على الأشخاص الذين أعرفهم.
يا صديقي، بادر بالسلام، وافتح قلبك للآخرين يفتحوا قلوبهم لك.. السلام سُنّة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة.. تعاليم صادقة.. كتاب لكيفية التعامل وفن التعامل مع الآخر أياً كان الآخر.. لم يميز بين الأسود والأبيض والأحمر والأشقر.. خيركم من بدأ السلام.. أليس كذلك..؟
لماذا نجد "التكشيرة" تعلو وجوه من حولنا عند ذهابنا للعمل في الصباحات الباكرة رغم حلاوة الجو، ورغم أن المرء قد فاق من نومه بصحة وعافية؟.. ما الذي كدر عليك صباحاتك..؟ لماذا "التكشيرة"؟.. ألا تستطيع أن تزرع ابتسامة؛ لتحصد نتائجها ألف ألف ابتسامة وحب ورضا من الآخرين ومن حولك؟..
لماذا تمر في جهة معينة، أنت المراجع أو الموظف، ويصادفك العشرات، إما في الممرات أو المصعد، ولا تبدأ السلام.. ألا تريد أن تكون أنت البادئ؟ "كن إيجابياً"، أنت مَنْ يقود سفينة الحب والوئام والسلام.. وبث روح المحبة بين أفراد المجتمع.
نقطة أخرى: يداهمنا الشك حول البعض.. وأنا هنا لا أعمم، ولكن - مع الأسف - ثقافة الشك والحقد والحسد متأصلة في المجتمع، ولها جذور.. من الصعوبة بمكان استئصالها بين يوم وليلة، ما دام هناك من يغذيها وينميها ويقوي شوكتها.. بكل تجرد وصراحة هناك من يسعى جاهداً إلى تأصيل هذه الثقافات وغرسها في نفوس النشء والجيل القادم؛ حتى تكون ثقافة مستمرة.. ونهجاً ينتهجه المجتمع..
يقول صاحبي: لي صديق يعمل مدير مدرسة متوسطة، ويحكي لي بكل فخر أن لديهم لجاناً عدة للتجسس على الطلبة، وأهم هذه اللجان من الطلبة، وأثناء صلاة الظهر يوجدون في أعلى المبنى وفي الدور الثاني؛ ليراقبوا المصلين من زملائهم الطلبة، ويبدؤوا باختلاس النظر إليهم، ومن يقوم بحركة يقومون بتسجيل موقعه، ومن ثم يسرعون للقبض على هذا الضحية بحجة التلاعب في الصلاة..!!!! جميعنا يرفض التلاعب، ولكننا نرفض فكرة غرس التجسس والغيبة والنميمة وخلق التنافس بين الطلبة وجيل المستقبل حول ثقافة الحسد والحقد والكراهية.. ألم يكن النصح والإرشاد بالطرق السلمية وبالعقل وبالحسنى أهم من سياسة "ثقافة التجسس"؟
هل من ينضبط في صلاته في المدرسة سينضبط خارجها؟.. لماذا لا أجعلها إيماناً صادقاً وعقيدة راسخة بعيدة عن الترهيب والعقاب؟.. زراعة العقيدة والإيمان تنطلق من البيت والمدرسة.. ثقافة الترغيب وحب الشيء لكونه إيماناً "ومبدأ" هو ما ينقصنا في مجتمعنا..!!
ثقافات عديدة تنقصنا، ولن تأتي ثمارها بالقمع والترهيب.. بل بحسن التعامل.. "الدين المعاملة" قاعدة شرعية، قانون، كتاب كامل للطريقة المثلى للتعامل مع الآخر.. أين نحن من هذه التعاليم؟؟.. مع الأسف الغالبية بعيدة كل البُعد عن تطبيق مبادئ وتعاليم الشريعة الإسلامية.. مع العلم أن شريعتنا فيها من التعاليم ما لا يدع لك مجالاً للتفكير أو البحث عن مخرج أو حل آخر؛ أعطتنا كل مناهج الحياة وطرق التعايش مع أنفسنا ومع الآخرين.. الخلل يكمن فينا نحن، في تطبيق هذه التعاليم.
سلوك آخر، "وسلبية أخرى" أختتم بها مقالي، هي قيادة السيارات: التهور الموجود في مجتمعنا لا يوجد له مثيل في العالم!!..
الحوادث في تزايد، والموت والجرحى في تزايد.. أيتام هنا وهناك.. وأُسَر تفقد أبناءها وبناتها وذويها بسبب الحوادث والاستهتار والإهمال.. وتخفيف أو انعدام العقوبات مع الأسف..!! وقوفنا بكل استهتار بجانب المستشفى أو المنزل أو حتى المسجد.. جميعنا يريد بجوار الباب، نتزاحم دون تفكير بالآخرين، نتزاحم لقلة الوعي وطغيان الأنانية..
نغلق الطريق والممرات.. نحجز عشرات السيارات.. فقط لنبحث عن أنفسنا التي نعتقد أنها صواب.. "قريب الباب" هل فكرت بالآخر..؟؟
مشكلة بعضنا أن لديه حُبًّا للذات يطغى على فن التعامل مع الآخر. دعونا نكون واعين في تصرفاتنا.. نفكر في عواقب الأمور قبل حدوثها.. نزرع الابتسامات فيمن حولنا.. نشارك بتوعية الأمة.. نكون أعضاء متطوعين في أكثر من مشروع خيري ريعه لهذه الأمة ولأنفسنا قبل كل شيء.. النجاح حينما تفخر بأنك ركن منه.. ومشارك في صنعه..!!