المقدمة
لقد سجل المشرع المغربي تأخرا ملحوظا في مجال تجريم عملية غسل الأموال واعتبرها كظاهرة جرمية تستوجب العقاب بنصوص زجرية و ذلك مقارنة مع التشريعات الدولية و بعض التشريعات العربية و هذا لا يعني أن المغرب قد أغفل هذه الظاهرة و تداعياتها بل تعامل معها بشكل متدرج و منهجي و ذلك بهدف الوصول إلى تشريع يستجيب لمتطلبات المعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال كما عبر عن ذلك السيد وزير العدل في مرحلة التقديم لمشروع القانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال ، الذي اعتبره إطارا يمكن المغرب من احترام التزاماته الدولية المترتبة عن الاتفاقيات الأممية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب .
و قبل المصادقة على المشروع المذكور فقد بذل المغرب مجهودات ملحوظة لمحاربة هذه الظاهرة على الصعيدين الدولي و الوطني ففي مجال العلاقات الدولية صادق على المعاهدات التالية :
1- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية ( أكتوبر 1992 )
2- اتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة عبر الوطنية (يوليوز 2002) .
3- الاتفاقية المتعلقة بزجر تمويل الإرهاب
4- تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب خاصة القرارين 1267 و 1373 .
5- المساهمة في إنشاء مجموعة العمل المالي لمنظمة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا .
أما على الصعيد الوطني فلقد سن القانون رقم 23.02 المتعلق بمكافحة الإرهاب .
و في نفس السياق صدرت دورية بنك المغرب التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2004 و التي ألزمت مؤسسات الائتمان بتطبيق مبدأ "اعرف عميلك " و بواجب اليقظة و بوضع آليات تمكن هذه المؤسسات من منع استخدامها لأغراض غير مشروعة .
و ختاما هذه المجهودات صدر القانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال و الذي أقر جانبا زجريا لعقاب مرتكبي جريمة غسل الأموال كما أقر جانبا و قضائيا حيث أشرك المؤسسات المالية في محاربة ظاهرة غسل الأموال . و سنعالج هذا الموضوع الهام وفق المنهجية التالية :
المطلب الأول : الجانب الزجري في مشروع القانون رقم 43.05
المطلب الثاني: الآليات الجديدة للوقاية من جريمة غسل الأموال.
المطلب الأول : الجانب الزجري في مشروع رقم 05-43
لقد نص المشرع المغربي على الأفعال المكونة في الفصل 2-574 تكون سابقة عليها و تعتبر الأموال و العائدات المتحصل منها هي الدافع إلى ارتكابها بهدف إخفاء مصدرها و إعادة إدماجها في الدورة الاقتصادية كأنها ناتجة من مصدر مشروع .
و لقيام جريمة غسل الأموال لا بد من توفر الركنين المادي و المعنوي كما هو الشأن بالنسبة لجميع الجرائم إضافة إلى الركن الاعتباري المفترض الذي هو وجود جريمة سابقة .
و سنحاول التعرض لهذه الأركان بشيء من التفصيل على ضوء التشريعات المقارنة و التوصيات النابعة من المعاهدات و المؤتمرات الدولية.
الفقرة الأولى: أركان جريمة غسل الأموال
1- الركن الاعتباري المفترض في قانون 05-43
هذا الركن يقتضى ارتكاب الجاني لجريمة سابقة تدر عليهم أموال هي التي ستكون بعد ذلك محلا لعملية بهدف إضفاء الطابع الشرعي عليها و تقديمها في الدورة الاقتصادية كأنها نتاج عمل مشروع .
و قد حدد المشرع المغربي لائحة حصرية بالجرائم التي اعتبرها محلا لجريمة غسل الأموال في الفصل 2-574 الذي جاء في : " يسري التعريف الوارد في الفصل 1-574 أعلاه على الجرائم التالية : - الاتجار في المخدرات و المؤثرات العقلية – المتاجرة بالبشر – تهريب المهاجرين – الاتجار غير المشروع في الأسلحة و الذخيرة – الرشوة و الغدر و استغلال النفوذ و اختلاس الأموال العامة و الخاصة – الجرائم الإرهابية – تزوير النقود و سندات القروض العمومية أو وسائل الأداء الأخرى".
و هذا التعداد الذي اعتمده المشرع المغربي يستجيب نسبيا للمعايير الدولية خاصة التوصيات الأربعون الصادرة عن مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال لسنة 1990 و المعدلة لسنة 2002 المعروفة باسم GAFI
Le groupe d’action financière international contre le blanchiment de capitaux
و قد ألزمت هذه التوصيات كل دولة بتوسيع نطاق جريمة غسل الأموال ليتعدى تجريم عملية غسل الناتجة عن تجارة المخدرات و يشمل أيضا تجريم غسل الأموال الناتجة من أية جريمة ينتج عنها أموال كبيرة مثل جرائم الدعارة أو الاتجار في الرقيق الأبيض كالأطفال و النساء أو تجارة الأعضاء البشرية . و أعطت كذلك الصلاحية للدولة لتنص في تشريعاتها على أنواع أخرى من الجرائم الخطيرة التي تدر أموالا ناهضة على مرتكبيها .
و الملاحظة أن المشرع الفرنسي قد توسع في تحديد نطاق محل الجريمة و نص في المادة 324/1 من القانون رقم 392 لسنة 1996 على جريمة تبيض الأموال هي تسهيل (بكل الوسائل ) التبرير الكاذب لمصدر الأموال و الدخول لمرتكب الجريمة و الذي يعود الجاني بفائدة مباشرة أو غير مباشرة و يعتبر من قبيل تبيض الأموال أيضا المساعدة في عملية إيداع أو إخفاء أو تمويل العائد المباشر أو غير المباشر لجناية أو جنحة .
و حيدا لو اعتمد المشرع المغربي نفس النهج الذي اعتمده المشرع الفرنسي و بعض التشريعات العربية وحصر الجريمة السابقة في المصطلحين "جناية أو جنحة " دون أي تحديد و ذلك تحسبا لعمليات غسل الأموال التي يكون مصدرها جرائم أخرى لا يقل خطورة عن الجرائم التي حددها مثل الغش في الأغذية و الإضرار بالبيئة و عمليات الدعارة المنظمة .
2- الركن المادي للجريمة في القانون 05-43
يتكون الركن المادي بصفة عامة و حسب نظريات الفقه من ثلاث عناصر رئيسية و هي النشاط الإجرامي المتمثل في القيام بعمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة و النتيجة و هي الغرض من ارتكاب هذه الجريمة ثم العلاقة السببية التي تربط بينهما . و التي بدونها لا تحقق الجريمة .
و يتمثل الركن المادي لجريمة غسل الأموال حسب قانون 43.05 في الأفعال المرتكبة بهدف مصدر العائدات و الممتلكات الناتجة من الجرائم المحددة على سبيل الحصر في الفصل 2-574 و في أعمال المرتكبة بهدف مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجرائم المذكورة.
و قد توسع المشرع في الأفعال المكونة للفعل المادي عندما ذكر عبارة تسهيل التبرير الكاذب التي تعتبر عبارة فضفاضة تتسع لعدة أفعال كما أدخل في نطاق الأفعال المادية تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أية تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المحددة حصرا في الفصل 2-574 و الملاحظ أن المشرع المغربي قد خرج عن نطاق القواعد المألوفة في التجريم التي نص عليها في الفصلين 128 و 129 من القانون الجنائي و توسيع في نطاق الأفعال التي تدخل في إطار المساهمة في الجريمة مع أنها في الأصل ضمن أعمال المشاركة المنصوص عليها في الفصل 129 من القانون الجنائي و المعاقب عليها أيضا بنفس العقوبة المقررة للجريمة الأصلية طبقا للفصل 130 من القانون الجنائي .
3- الركن المعنوي لجريمة غسل الأموال .
الركن المعنوي للجريمة هي الإرادة الجنائية أي توجيه الإرادة فعلا إلى تحقيق النشاط الإجرامي أو على الأقل تعطيل هذه الإرادة وارتكاب الجريمة عن طريق الإهمال و في جرائم الإهمال تتوفر الإرادة الجنائية بثبوت رعونة أو عدم احتياط أو عدم تبصر في سلوك الجاني كما هو الشأن بالنسبة للحالات المشار إليها في الفصل 432 من القانون الجنائي و لعل الشق الأول من هذا التعريف الفقهي هو الذي اعتمده المشرع في الفصل 1-574 من القانون 05-43 حين قام بتعداد الأفعال المكونة لجريمة غسل الأموال واشترط أن ترتكب هذه الأفعال عمدا .
يستفاد إذا من النص المذكور أن الركن المعنوي الذي يعتد به في هذا القانون يتمثل في القصد الجنائي الذي هو ارتكاب أفعال التمويه الرامية إلى غسل الأموال ذات المصدر الغير المشروع عن علم و بقصد تحقيق هذه النتيجة فلا يمكن تصور تحقق جريمة غسل الأموال عن طريق الخطأ في القانون المغربي ، وذلك خلافا لبعض التشريعات المقارنة كالقانونين الألماني و السويسري فقد نص القانون الأول على صورتين للركن المعنوي الأولى و هي " العمد " و الثانية و هي " الرعونة " و مدلول الرعونة في تقديره هي الجاني كان بمقدوره و باستطاعته هذا العلم ، إلا إنه لم يبذل الجهد المعتاد للشخص العادي لمعرفة هذا المصدر و الرعونة بذلك إحدى صور الخطأ .
الفقرة الثانية : عقوبة جريمة غسل الأموال في قانون 05-43
نص المشروع على العقوبات المقررة لجريمة غسل الأموال في الفصل 3-574 حسب الترتيب التالي :
أولا: العقوبات الأصلية:
أ- عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة
- بالنسبة للأشخاص الطبيعيين الحبس من سنتين إلى خمس سنوات و بغرامة من 20.000 درهم إلى 100.000 درهم .
- بالنسبة للأشخاص المعنوية غرامة من 500.000 درهم إلى 3000.000 درهم دون الإخلال بالعقوبات التي يمكن إصدارها على مسيريها أو المستخدمين العاملين بها المتورطين في الجرائم.
و أقر المشرع نفس العقوبات على محاولة غسل الأموال .
ب- عقوبة الجريمة مقترنة بظروف التشديد
نص الفصل 4-574 على رفع عقوبات الحبس و الغرامة إلى الضعف في الحالات التالية :
1- عندما ترتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها مزاولة نشاط مهني
و هذا التوجه تبرره طبيعة الجريمة التي تتلاقى فيها الجهود الشريرة لخبرة المال و المصاريف و خبراء المعلوميات في حالة غسل الأموال بالطرق الالكترونية و خبراء القانون
2- عندما يتعاطى الشخص بصفة اعتيادية لعمليات الأموال
و الاعتياد هو حالة نفسية مرتبطة بنفسية الجاني تجعل العمل الجرمي مألوفا لدية و يستنتج من تكراره لذات الفعل الجرمي حتى يصبح سلوكا ممنهجا لديه .
3- عندما ترتكب الجرائم في إطار عصابة إجرامية منظمة
و هنا تبرر أيضا مدى خطورة الجريمة الجريمة التي يسعى المشرع إلى محاربتها عندما ترتكب في إطار جماعي فقد أثبتت الأبحاث و الدرسات التي أجريت في هذا الشأن وجود علاقة وثيقة بين غسل الأموال و حركات الإرهاب و التطرف و العنف الداخلي فضلا عن النشاط المافيا العالمية ودورها في حدوث الانقلابات السياسية في بعض الدول النامية مما قد يزعزع أمن واستقرار المجتمعات النامية في دول العالم الثالث ..
فتعاون الجناة على تنفيذ الإعمال الإجرامية له انعكاساته على المحيط الوطني و الإقليمي و الدولي ، فإذا كان الجاني عاجزا بمفرده ، فإنه يصبح مستطيعا بغيره ويزداد الاصار على تحقيق النتيجة الجرمية في الإطار الجماعي بينما تتضاءل إمكانيات العدول الإرادي عن الجريمة نظرا للتأثير المعنوي الذي يمارسه الجناة على بعضهم البعض .
و المشرع المغربي لم يشدد العقاب بسبب تعدد الجناة إلا في جرائم معدودة كجريمة العصيان الفصل 302 من ق.ج و جريمة الاغتصاب الفصل 570 و جريمة تكوين عصابة إجرامية الفصلين 293 و 294 من القانون الجنائي .
4- حالة العود
لقد ورد تعريف العود في الفصل 154 من القانون الجنائي الذي جاء فيه:
" يعتبر في حالة عود طبقا للشروط المقررة في الفصول التالية :
من يرتكب جريمة بعد أن حكم عليه حائز لقوة الشيء المحكوم به من أجل جريمة سابقة ".
و عرف قانون 05-43 العود بما يلي :
" يوجد في حالة العود من ارتكب الجريمة داخل الخمس سنوات الموالية لصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 1-574 أعلاه ويبدو أن هذا التعريف لا يخرج عن نطاق التعريف الأول الذي نص عليه الفصل 154 من القانون الجنائي الأمر الذي قد يعتبر تنازعا بين النصوص إضافة إلى ذلك فإن هذا التعريف يفتقر إلى الدقة اللغوية فحبذا لو استعمل المشرع عبارات واضحة الدلالة على غرار ما جاء في التشريعات المقارنة ، نذكر على سبيل المثال المادة 324/6 من القانون الفرنسي التي استعملت التعبير التالي :
" في حالة الاعتياد أو العود فإن جريمة تبيض الأموال تأخذ حكم الجريمة التي انصبت على عوائدها عمليات تبيض الأموال "
ثانيا: العقوبات الإضافية :
نص قانون 05-43 على العقوبات تكميلية حددها في الفصل 574-5 على النحو التالي:
1- المصادر الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة و العائدات المتحصلة من هذه الأموال مع حفظ حق الغير حسن النية و يجعل دائما الحكم بها في حالة "الإدانة" .
2- حل الشخص المعنوي .
3- نشر المقررات المكتسبة لقوة الشيء المقضي به الصادرة بالإدانة بواسطة جميع الوسائل الملائمة على نفقة المحكوم عليه .
4- يمكن علاوة على ذلك الحكم على مرتكب جريمة غسل الأموال بالمنع المؤقت أم النهائي من أن يزاول بصفة مباشرة أو غير مباشرة واحدة أو أكثر من المهن أو الأنشطة أو الفنون التي ارتكبت الجريمة أثناء مزاولتها.
و الملاحظة على هذا الفصل أنه لم يأت بعقوبات إضافية جديدة غير التي سبق و أن نص عليها القانون الجنائي في الفصل 36 إلا أن الجديد في هذا الفصل يتعلق بأحكام المصادر فإذا كان الفصل 36 من ق.ج نص على المصادر الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه فإن الفصل 5-574 تعدى هذا النطاق و نص على المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة و العائدات المتحصلة من هذه الأموال إضافة إلى أن هذا الفصل أقر مبدأ إلزامية الحكم بعقوبة المصادرة في حالة الإدانة بمعنى أن القاضي لم يعد يملك السلطة التقديرية في الحكم أو عدم الحكم بهذه العقوبة الإضافية .
و هذا الاتجاه يبرره التزام المغرب بالمعايير الدولية في ميدان التجريم وفقا لما ورد من توصيات في الاتفاقيات و المؤتمرات الدولية التي ألزمت الدول باتخاذ ما يلزم من تدابير لتجريم الأفعال المكونة لجريمة غسل الأموال مع تأكيد على المصادرة كعقوبة إضافية ، و هكذا فقد حرص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية المنعقدة في فيينا سنة 1988 في مادتها الأولى على توضيح القصد من تعبير المصادرة بأنه الحرمان الدائم من الأموال بأمر من محكمة أو سلطة مختصة .
و في نفس السياق جاءت اتفاقية المجلس الأوروبي لسنة 1990 التي ألزمت الدول الأعضاء و حثتها علة وضع تشريعات تتضمن نصوصا تجيز مصادرة عائدات الجريمة و تحديد و تعقب الممتلكات القابلة للمصادرة و منع التصرف فيها أو نقل ملكيتها .
ثالثا : في الظروف التخفيف والإعفاء :
لقد ميز القانون الجنائي بين الأعذار القانونية و الظروف القضائية حيث نص على الأولى في الفصول 143-144 و 145 من القانون الجنائي من القانون الجنائي ، و نص على الثانية في الفصول 146 إلى 151 و أكد على أن الأولى محددة على سبيل الحصر في القانون و يترتب عليها مع ثبوت الجريمة و قيام المسؤولية أن يتمتع المجرم إما بعدم العقاب إذا كانت أعذارا معفية أو التخفيف من العقوبة إذا كانت مخفضة من العقوبة أما الثانية فهي موكولة لتقدير القاضي الذي يمكن له منحها في جميع الجرائم ما لم يوجد نص صريح يمنعه من ذلك .
و هذا ما استقر عليه العمل القضائي و أصله في عدة اجتهادات نخص منها بالذكر قرار المجلس الأعلى رقم 7563 الصادر بتاريخ 1-7-1985 المنشور بمجله المحاكم المغربية عدد 44 ص 85 و الذي جاء فيه " أن الأعذار القانونية المعفية واردة في القانون على سبيل الحصر و لا تنطبق إلا على جرائم معينة نص القانون بشأنها على تلك الأعذار ، إذا ليس للمحكمة أن تقرر عذرا قانونيا بدون نص قانوني .
على خلاف ذلك ف، ظروف التخفيف كإيقاف تنفيذ العقوبة طبقا للفصل 55 من القانون الجنائي و الفصل 100 من القانون العدل العسكري و يرجع فيها إلى السلطة التقديرية للمحكمة " .
على ضوء القواعد المشار إليها المقررة قانونيا و اجتهادا جاء الفصل 7-574 قانون 05-43 ليؤكد استفادة الفاعل أو المساهم أو المشارك من الأعذار المعفية و فقا للشروط المنصوص عليها في الفصول من 143 إلى 145 من مجموعة القانون الجنائي إذا بلغ السلطات المختصة قبل عملها عن الأفعال المكونة لمحاربة ارتكاب جريمة غسل الأموال ، كما نص على تخفيض العقوبة إلى النصف إذا تم التبليغ بعد ارتكاب الجريمة " .
المطلب الثاني آليات جديدة للوقاية من جريمة غسل الأموال
انطلاقا من التزامات المغرب الدولية و بناء على الاتفاقيات التي صادق عليها وضع آليات جديدة في قانون 05-43 للوقاية من جريمة غسل الأموال و كان المنطلق في هذه الالتزامات هو اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات التي صادق عليها في أكتوبر 1992 هذه الاتفاقية التي تعتبر فاتحة الجهود الدولية في مجال محاربة الجريمة المذكورة فهي التي أبرزت خطورتها على النظم الاقتصادية و الاجتماعية للدول و شقت الطريق أمام الاتفاقيات و المؤتمرات اللاحقة لمحاربتها في نطاق دولي و بشكل تضامني .
أولا : في نطاق المادة 1 قانون 05-43 العائدات بكونها جميع الممتلكات المتحصلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2-574 من مجموعة القانون الجنائي .
ثانيا : حدد المشرع في المادة 2 الأشخاص الخاضعين لهذا القانون و يتعلق الأمر بمؤسسات الائتمان و الابناك و الشركات القابضة الحرة و الشركات المالية ، و مقاولات التأمين و إعادة التأمين و مراقبو الحسابات و المحاسبون الخارجيون و المستشارون في مجال الضريبي و الأشخاص المنتمون لمهنة قانونية مستقلة عندما يشاركون باسم زبونهم و لحسابه في معاملة مالية أو عقارية أو عندما يقومون بمساعدته في إعداد أو تنفيذ بعض العمليات الخاصة .
ثالثا : نص القانون الجديد على التزامات الأشخاص الخاضعين باليقظة في المادة 5 و هذه الالتزامات نابعة في الأصل من المبادئ الصادرة عن لجنة (بازل ) BASLE و من التوصيات الأربعين الصادرة عن مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال لسنة 1990 و المعدلة سنة 2003 .
فلجنة " بازل " هي لجنة تختص بالإشراف على البنوك في العالم و تسمى اللجنة الدولية للنظام البنكي و الممارسات الإشرافية و تتألف من ممثلي المصاريف المركزية و السلطات تشرف على المصاريف في كل دول من الدول الصناعية العشر و التي تتألف من بلجيكا و كندا و فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و اليابان و هولندا و السويد و الولايات المتحدة الأمريكية"
و قد اجتمعت هذه الدول في مدينة بازل السويدية و أصدرت بيانا بتاريخ 12 يناير 1988 حول منع الاستخدام المجرم للنظام المصرفي لغايات غسل الأموال ، واهتمت بشكل خاص بالوسائل التي تكفل عدم استخدم المصاريف في النشاط المتعلق بالجرائم المختلفة أو بأن تكون ممرا أو قناة لغسيل الأموال
و قد تضمن هذا البيان العديد من المبادئ التي يتعين على المصرفيين إتباعها لكي تتم السيطرة على ظاهرة غسيل الأموال أهمها:
1- ظروف تقيد المصاريف بتطبيق قاعدة " اعرف عميلك "
2- ضروة تقيد المصاريف بالقوانين المتعلقة بمنع استخدام المصرفي في عمليات غسل الأموال
3- ضرورة تعاون المصارف مع الجهات المختصة بتنفيذ القانون كلما راوتها الشكوك بأن نشاطها يتم اتخاذه في مجال غسيل الأموال
4- ضرورة تبني الوسائل المادية لسياسة تنسجم من مبادئ هذا البيان .
5- ضرورة اتخاذ المؤسسات المالية اللازمة لتدريب موظفيها على هذه السياسات
و في نفس السياق صدرت التوصيات الأربعون عن مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال لسنة 1990 و المعدلة سنة 2003 و المعروفة بلغة المختصرات GAFI
رابعا : في نطاق ما قررته المبادئ المنبثقة عن هذه الهيئات الدولية جاء قانون 05-43 لينص في الفصل الثالث على التزامات اليقظة و على التدابير التي يتعين على المخاطبين بهذا القانون اتخاذها لرصد العمليات المشبوهة الرامية إلى غسل الأموال و لذلك ألزمت المؤسسات المعينة بالتصريح بالاشتباه لوحدة معالجة المعلومات المالية المنصوص عليها في الفصل 14 من نفس القانون .
خامسا : و في مجال رفع القيود عن مبدأ سرية العمل المصرفي نص المشرع على مقتضيات جديدة تعفي الشخص الخاضع أو مسيرته أو أعوانه من المتابعة المقررة في نطاق الفصلين 446 (إفشاء السر المهني ) و الفصل 445 ( الوشاية الكاذبة ) من القانون الجنائي كما نصت المادة 23 من هدا القانون على جواز رفع أية دعوى على أساس المسؤولية الجنائية أو المالية المدينة ضد الوحدة أو ضد أعوانها أو ضد سلطات الإشراف أو سلطات المراقبة أو ضد أعوانه المكلفين من طرف الوحدة بسبب القيام بالمهام المخولة لهم بمقتضى هذا القانون .
و في اعتقادنا أن تحصين الوحدة من المتابعات القضائية أمر محل نظر و يتعارض مع مقتضيات الفصلين الرابع و الخامس من الدستور المغربي
كما أن الخروج عن مبدأ السرية المصرفية المتعارف عليها في العمل المصرفي قد ينعكس على السير العادي للمؤسسات المصرفية التي تعمل في جو من التنافس فالحافظة على السر المهني هو كل شيء التزام أخلاقي فالزبون الذي يكون محلا للاشتباه بدون شك سيعيد النظر في تعامله مع البنك أو المؤسسة التي رفعت التصريح بالاشتباه إلى وحدة معالجة المعلومات المالية ...
و قد تنبه المشرع الفرنسي لهذه الحالة و أصدر بتاريخ 29-01-1993 قانونا جديدا بموجبه أصبحت المؤسسات المالية قادرة على القيام بمهمة الإبلاغ عن العمليات المشبوهة بصورة شفوية الأمر الذي يترتب عنه إزاحة الإثباتات الخطية التي يكون رافع التصريح بالاشتباه مضطرا إلى اتركها ، و التي قد تشغل لاحقا إما للمقاضاة في حالة توفر سوء النية و إما لإيقاف التعامل مع المؤسسة التي رفعت التصريح بالاشتباه .
منقول للافادة