كثيرا ما ألح على هذا السؤال و أشتد في الإلحاح ألا و هو : لماذا الناس أعداء ما جهلوا، و هل نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم كما قال أبو الطيب ذات مرة، و لم أجد مناصا إلا أن أقف على مكمن الداء و منبع العلة منقبا محللا عساني أخرج بحقيقة تكشف لي السر الخفي الذي يتغاضى عن كشفه العديد من الناس و خاصة في عالمنا المعاصر، فالكتاب يعتبر خير جليس لما يقدمه من علم و نفع للعقل و القلب معا و تربية للأحاسيس و الجوارح من جهة أخرى و هو منارة التقدم الحضاري في كل الأحوال، متعدد الاختصاصات و المجالات لكن المشكل القائم فينا و ليس فيه، إذ نعرض عنه الأيام و الشهور و ربما سنوات و لا نعانق دفتيه إلا لماما أو لحاجة في نفس يعقوب، و قديما كان يسعى إلينا سعيا فهو مقروء و مسموع و مكتوب في شتى العلل و الصيغ و لكن لكل امرئ من دهره ما عودا كما يقول المتنبي، فما من عصر ذهبي عرفته الأمة العربية إلا و كان للكتاب دور قيادي فيه خادم للفكر مؤثر في سياسة الدول، ناهض بالأفراد سموا و زكاة للنفس من براثن الجهل و الفقر العقلي و الضحالة ... فالإعراض عن الكتاب و القراءة في تزايد و مرجع ذلك عائد إلى البيت أولا حيث تؤسس القواعد و تربى العادات ثم إلى الاستلاب الفكري و الإيديولوجي و النفسي الذي تسرب إلينا من الغرب و من حب التواكل و الخمول؛ و النفس كما يقول الشاعر العربي راغبة إن رغبتها و إن ترد إلى قليل تقبع، نعم رغبنا في كل ما مؤقت و استهلاكي و آني و رددناها إلى ضيق بعد سعة و ضحالة و ضيق أفق بعد نجومية في سماء الحضارة و التقدم إن أهم العلوم و الآداب التي عانقها الغرب و تحسبا إليه أصلها إسلامي عربي أيام كان للعربي عزمه و ركاب و يراع أنعش مداده الآفاق، و اليوم نستغرب الإحجام عن الكتاب تحت مبررات الظروف التي قلما تسمح، و هذا غير صحيح على الإطلاق فلو خير الواحد منا في مسابقة القراءة ليحظى بجائزة ما أو يفوز في مباراة لحقق الشيء الكثير و حصل على ما أراد؛ نفهم من ذلك أن المسألة إرادية و اختيارية لا دخل للظروف فيها، علاوة على ذلك أن العالم بالشيء يعطي دائما و ينفع البلاد و العباد أما الجاهل فلا يعطي شيئا لأن فاقد لاشيء لا يعطيه، ذلك أن العلم مجد إن أعطيته كلك أعطاك بعضه و إن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا فهل بعد هذا فكرنا في الكتاب في أمة أول ما نزل عليها من الخالق الأعظم قوله تعالى << اقرأ باسم ربك الذي خلق>> صدق الله العظيم