عدد المساهمات : 320 تاريخ التسجيل : 08/11/2012 العمر : 36
موضوع: القضاء بالنفقة المؤقتة الخميس نوفمبر 08, 2012 12:08 pm
ذ /حساين عبود قاض بالمحكمة الابتدائية بميدلت مقدمة : النفقة لغة أما مشتقة من النفوق، وأما النفاق، والأول معناه الهلاك ، والثاني معناه الرواج ، ويمكن حملها على المعنيين، لان فيها إهلاك للمال المنفق، وفيها كذلك رواج حال المنفق عليه. وفي الاصطلاح الفقهي لها تعاريف شتى منها ما يقصرها على الطعام ويجعل الكسوة والسكنى معطوفين عليها مع أن العطف يقتضي المغايرة، ومنها ما يجعلها شاملة للطعام والإسكان والكسوة وما تواضع عرف الناس على انه منها. ويبقى المختار من هذه التعاريف هو الذي أورده الفقيه ابن عرفـة (1) " مابه قوام معتاد حال آدمي دون سرف" وهو تعريف وضع ضابطين أساسيين هما عدم الإسراف والحالة المعتادة للشخص. وبالنسبة لمدونة الأسرة فقد تناولت النفقة دون إعطاء تعريف لها، و التعاريف ليست من اختصاص المشرع ، وإنما بينت عناصرها بموجب المادة 189 وهو تحديد غير حصري لعناصرها يجعله يتسع لاستيعاب عناصر أخرى غير التي أوردتها المادة. والمقصود بالنفقة في هذا الإطار هي التكليف المالي المقرر على الشخص لغيره (2) وقضاياها تحتل حيزا مهما من المنازعات التي تفصل فيها أقسام قضاء الأسرة. ولأن النفقة تتعلق بمتطلبات معيشية يومية آنية وملحة وضرورية، فإنها موضع اهتمام الفقه والتشريع ، (3) فبعض الفقه الاسلامي يجعل نفقة الزوجة والأولاد من الأمور الجائـز 1- هو محمد بن عرفة التونسي (716-803هـ) مالكي المذهب كتاب الحدود 2-انفاق الشخص على غيره لايثار امام القضاء الا بصفة عرضية كمقاضاة ولي المال للانفاق على المحجوز واقتراح المبلغ السنوي لنفقة المحجور من ماله من طرف الوصي م 249 مدونة الاسرة 3-ذ/ محمد نعيم ياسين نظرية الدعوى بين الشريعة وقانون المرافعات المدنية والتجارية الطبعة الثالثة دار النفائس ص 117.
تحصيلها واستيفاؤها من مال الملزم بها من غير حكم ولا قضاء، وخصصتها التشريعات بمزايا وأحكام تختلف بها عن سائر القضايا ، ومن أهمها بالنسبة للقانون المغربي مايلي : *وجوب استيفاء محاولة الصلح بشأنها لأن في الصلح تأليف للقلوب ورأب للصدع وصفاء النفوس والقضاء يورث العداوة ، ومجال الأسرة أولى واجدر بالحفاظ على تماسكه ووحدته ( فصل 190 ق م م ) . *النظر فيها من طرف قاض منفرد والبت فيها داخل اجل أقصاه شهر. *ثنائية الاختصاص المحلي بالمطالبة بها قضاء إما أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه أو موطن أو محل إقامة المدعي باختيار هذا الأخير. *تجريم الإمساك العمدي عن أداء النفقة المقضي بها. *أحكام النفقة مشمولة بالنفاذ المعجل وقابلة للتنفيذ رغم كل طعن. *إمكانية استئناف الأحكام الصادرة في قضايا النفقة بموجــب تصريح فحســب(ف 141 ق م م ) *اعتبارها من الديون الممتازة وعدم قابليتها للحجز ولا المقاصة. وفي سياق تحديث المنظومة القانونية للأسرة ، وإيجاد الأرضية الكفيلة بضمان التطبيق الأمثل لمقتضيات المدونة ، صدرت موازاة معها عدة نصوص تشريعية منها القانـون 72-03 (4) المغير لبعض فصول قانون المسطرة المدنية، ومن جملة المستجدات الــتي أتى بها الفصل 179 مكرر الذي ينص على ما يلي " يبت في قضايا الأسرة باستعجال ، وتنفد الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن.ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقها في ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها . وينفد هذا الحكم قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه " على الرغم من أن الفصل 46 من قانون المسطرة المدنية يحث القضاة على الفصل الفوري في القضايا وتصريفها بأسرع وقت ممكن، وهم ملزمين كذلك ديانة كلما أحاطوا بالنزاع بتمحيص الطلبات والدفوع والحجج بالفصل فيها 4-صدر بشأن تنفيذه الظهير الشريف 32-04-01 المؤرخ في 12 ذي الحجة 1424 موافق 3/2/2004 منشور بالجريدة الرسمية 5184 الصادرة بتاريــــخ : 5/2/2004.
وإيصال الحقوق إلى ذويها، لان في التأخير غير المبرر مضيعة لها ، وهو باعث على الملل وصد الناس عن المطالبة بها ، فان المشرع رعيا منه للطابع المعيشي للنفقة، أكد على الفصل في قضاياها على وجه الاستعجال، وعلاوة على ذلك أعطى للقاضي إمكانية القضاء بالنفقة المؤقتة ريثما يصدر الحكم في الموضوع. والقضاء بالنفقة المؤقتة إمكانية مقررة لقضاء الموضوع، سواء منها المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف، وقد يتراءى للوهلة الأولى صعوبة تصور هذه الإمكانية أمام محاكم الاستئناف بعلة أن الحكم المستأنف هو سند تنفيذي يمكن اعتماده لمباشرة التنفيذ وتحصيل النفقة بدل اللجوء إلى هذه الإمكانية ، لكن قد يكون الحكم المستأنف رفض طلب النفقة وبمناسبة نشر النزاع أمامها يمكن تفعيل هذه الإمكانية . ولا يمكن الاعتداد بقاعدة حظر تقديم الطلبات الجديدة في المرحلة الاستئنافية، لان الأمر لا يتعلق بطلب جديد، وإنما هو تعجيل جزء من القدر المتوقع صدور الحكم بشأنه. وعلى خلاف ما هو مقرر في القانون المصري من قصر إمكانية القضاء بالنفقة المؤقتة على نفقة الزوجة وصغارها من زوجها ، فان القانون المغربي أورد هذه الإمكانية عامة تسري على جميع أصناف النفقات سواء منها نفقة الزوج على زوجته أو نفقة الفرع على اصله، أو نفقة الأصل على فرعه ، أو النفقة التي سببها الالتزام ، وتسري حتى على نفقة الأم على أبنائها سواء كان ذلك لعجز الأب كليا أو جزئيا، أو لتحملها ذلك كبدل للخلع ، وتسري حتى على حالة عودة الإنفاق إلى الأب على أبنائه بعد عسر أمهم التي اختلعت بالإنفاق عليهم. وإذا كانت إمكانية الحكم بالنفقة المؤقتة متروكة لتقدير المحكمة في ضوء كل حالة، فما هي شروط الحكم بها ؟ وما هي حجية الحكم بالنسبة للمحكمة التي أصدرته ؟ وهل يقبل الطعن بصورة مستقلة أم لا يقبله إلا مع الحكم الصادر في الموضوع؟. المطلب الأول : شروط القضاء بالنفقة المؤقتة : إن دعاوى النفقة كغيرها من الدعاوى قد تتشعب لارتباطها بطلبات أخرى، وتستغرق وقتا طويلا، لا يستطيع خلالها طالب النفقة مواجهة ظروف الحياة ومتطلباتها الآنية والضرورية ولهذا الاعتبار كرس المشرع إمكانية الحكم بنفقة مؤقتة ريثما يصدر الحكم في الموضوع. فما هي شروط أعمال هذه الإمكانية ؟.
*أولا : ان تكون في إطار دعوى النفقة وبناء على طلب من صاحب الشأن. إن الحكم بالنفقة المؤقتة هو تعجيل لجزء من النفقة المتوقع صدور الحكم بشأنها، وليس للقاضي أن يقضي بها تلقائيا، وإنما ينبغي أن يطالب بها صاحب المصلحة صراحة سواء بإدراج هذا الطلب في صلب مقال افتتاح الدعوى أو بموجب طلب عارض، وتكفي المطالبة بها شفاهيا أمام المحكمة والتنصيص على ذلك في محضر الجلسة. ومتى أثير هذا الطلب أمام هيأة المحكمة تعين عليها الفصل فيه بالإيجاب أو الرفض ، وينبغي أن تتوفر على ما يكفي من الحجج لتقدير صحة الطلب،واستكشاف الوضعية المادية للملزم بها وحال مستحقها ، لأجل تقدير يراعي العناصر التي حددها القانون لان المحكمة في تقدير هذه النفقة ملزمة بالتقيد بالعناصر التي حددتها المدونة. ومما تجدر الإشارة إليه أن الحكم بالنفقة المؤقتة ينبغي أن يكون بمناسبة دعوى معروضة على المحكمة ، والاختصاص بهذا الشأن يعود لقضاء الموضوع، وذات الهيأة المعروضة عليها الدعوى ولا يمكن أن يكون موضوع الدعوى هو طلب النفقة المؤقتة لوحده. ومتى رفع إلى المحكمة طلب النفقة المؤقتة لوحده وبصورة مستقلة إلا وكانت الدعوى معيبة غير جديرة بالقبول والقضاء بالنفقة المؤقتة قد يكون بمبلغ دوري يومي أو أسبوعي أو شهري أو مبلغا إجماليا ، وهذا الفرض الأخير قد لا يلبي حاجة طالب النفقة إذا طالت الإجراءات، ولا مانع من تجديد الطلب بهذا الشأن. وقد حدد المشرع اجل شهر واحد من تاريخ طلب النفقة المؤقتة للفصل فيها. وهذا الأجل اجل تحفيزي وتنظيمي لم يرتب القانون أي جزاء على مخالفته. ونشير هنا إلى أن الفقرة الأخيرة للمادة 190 من مدونة الأسرة حددت اجل أقصاه شهر واحد للبت في قضايا النفقة ، ومتى تأتى للمحكمة التقيد بهذا الآجل، فلا ضير عليها من البت دون تفعيل إمكانية الحكم بالنفقة المؤقتة، لان مقصود المشرع قد تحقق بذلك مع بيان علة صرف النظر عن الفصل في طلب النفقة المؤقتة، وحتى مع عدم بيان ذلك فلا مصلحة في الطعن في الحكم. ومتى أتثير أمام المحكمة طلب النفقة المؤقتة، تعين تبليغه للمدعى عليه، لتمكينه من الدفاع عن نفسه وبسط دفوعه وتدعيمها بما لديه من أدلة. وعلى الرغم من أن النيابة العامة تعتبر طرفا اصليا في قضايا الأسرة ، فإننا نرى انه لا يمكن لها أن تتقدم بطلب النفقة المؤقتة لصالح أحد الأطراف في الدعوى.
*ثانيا : ثبوت موجب من موجبات الإنفاق. يقتضي الحكم بالنفقة المؤقتة قيام سبب لاستحقاقها ، والإنفاق على الغير له أسباب محصورة حددتها المادة 187 من مدونة الأسرة فيما يلي : *الزوجية : فنفقة الزوجة واجبة على الزوج بما يحقق لها الكفاية واختلف الفقهاء في سبب هذه النفقة إلى أراء متشعبة (5) منهم من جعلها جزاء الاحتباس، ومنهم من جعلها مقابل الاستمتاع، ومنهم من أسسها على قوامية الرجل على المرأة . والراجح أن سببها عقد الزواج الذي له مقاصد شتى منها قضاء الشهوة والصحبة والألفة والتآزر وتأسيسها على غير ذلك من الأسباب يستوجب التفصيل وحرمان الزوجة المريضة والزوجة العاملة... ونفقة الزوجة مستحقة بالبناء أو الدعوة إليه ، وتفريعا على ذلك لا يستجاب للطلب إذا لم يحصل الدخول أو دعوة إليه من جانب الزوجة. *القرابة : اختلفت مذاهب الفقه الإسلامي بخصوص القرابة الموجبة للإنفاق (6) والمعول عليه عند المالكية هو أن نفقة الأقارب واجبة للأباء والأبناء فحسب. وهو ما سايرته مدونة الأسرة بتنصيص المادة 197 على ما يلي " النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين ، وعلى الأبوين لأولادهما طبقا لأحكام هذه المدونة ". ومعلوم أن نفقة الأقارب مبنية على الحاجة والصلة، فإنفاق الأبناء على الأباء، هو من باب البر بهما وشكر صنيعهما وهو احسن الإحسان المندوب إليه ديانة مصداقا لقوله
5- ذ/محمد كمال الدين امام : الزواج والطلاق في الفقه الاسلامي الطبعة الاولى 1996 ص 129 وما بعدها 6-ذ/مصطفى السباعي : شرح قانون الاحوال الشخصية الطبعة التاسعة سنة 2001 دار الوراق ص 284.
تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " (7) وإنفاق الأصل على فرعه سببه الجزئية ، لأن الفرع جزء من الأصل. *الالتزام : وهو أن يلتزم الشخص عن طواعية بالإنفاق على غيره ممن لا تلزمه نفقته قانونا. وفضلا عما ذكر، ينبغي أن تتحقق المحكمة من مطل الملزم بالإنفاق وامتناعه ، والحاجة الملحة لمستحقها، والالتجاء إلى القضاء قرينة بسيطة على هذه الحاجة، ومن القرائن الممكن اعتمادها في مطل الملزم بالنفقة غيابه وتخلفه عن الجواب رغم استدعائه بصفة قانونية، ولكنها بسيطة قابلة للدحض. ووجه الاختلاف بين نفقة الزوجة ونفقة الأقارب، أن هذه الأخيرة ، مقررة للحاجة ، وعلى المحكمة أن تتأكد من عسر طالب النفقة، بينما الزوجة يكفي ثبوت العلاقة الزوجية للقضاء بها ولا أحد يشارك الزوج فيها كما هو الشان بالنسبة لنفقة الأبناء ،إذ لا أحد يشارك الأب في الإنفاق على أبنائه بينما نفقة الأصول قد يتم توزيعها على فروعه ومن المتصور صدور حكم بالنفقة المؤقتة في مواجهة مدعى عليهم متعددين، بل وقد يصدر الحكم بالنفقة المؤقتة في مواجهة أحد الفروع ويحصل تنفيذه، وفي نهاية المطاف يحكم على من هو أولى بالإنفاق على نفس الأصل. و شفع الحكم بميزة التنفيذ الفوري لا يحتاج إلى طلب صريح من صاحب المصلحة، ولا يلزم إن تصرح به المحكمة ، لان ذلك مقرر بقوة القانون إلا أن الفصل لم يبين كما هو الشان في القانون المصري ، إمكانية طلب المحكوم عليه المقاصة بين المبلغ المقضي به في مواجهته والمبلغ الذي سبق أداؤه، وعلى المحكمة أن تتفادى ما يمكن أن يؤدي إلى الاستشكال في التنفيذ ، فلا يقضى للطالب بالحق مرتين ولا يمكن أن تكون المحكمة سببا في تفويت مقصود المشرع من هذه الإمكانية.
7- سورة الاسراء الاية 23.
المطلب الثاني : حجية الحكم القاضي بالنفقة المؤقتة : إن الحكم بالنفقة المؤقتة يوفر للمحكوم له حماية قضائية وقتية بتعجيل جزء من النفقة المتوقع الحكم بها فهل هو حكم قابل للطعن بصورة مستقلة مع انه حكم صادر قبل الفصل في الموضوع ؟ هل يتمتع هذا الحكم بالحجية وملزم للمحكمة التي أصدرته ؟ هل من الممكن مساءلة المنفذ له عن التنفيذ الحاصل على هذا الأساس ؟ .
*أولا : قابلية الحكم القاضي بالنفقة للطعن بصورة مستقلة. شرعت وسائل الطعن لأطراف الحكم لأجل استدراك ما قد يكون القاضي وقع فيه من خطأ في القانون أو سوء فهم للواقع ، وتتوخى إلغاء الحكم أو تعديله للتخلص من أثاره أو جزء منها وممارسته الطعون متروك لمشيئة الأفراد ، لأنها جوازية لهم أن يستعملوها أو يعدلوا عنها والحكم الصادر بشان النفقة المؤقتة هو حكم قضائي يتوفر فيه عنصري التقرير والإلزام. ويجب أن تتوفر فيه البيانات المنصوص عليها في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية ، وهي نفسها المتطلبة في جميع الأحكام. وما دام هذا الحكم متوفر على مقومات الحكم القضائي فهل يجوز الطعن فيــه باستقلال ؟. قد يبدو للوهلة الأولى أن التساؤل عن قابليته للطعن من عدمه، عديم الفائدة ، طالما أن الأمر يتعلق بسند واجب التنفيذ رغم الطعن، إلا انه أحيانا قد تكون الدعوى متشعبة ومتضمنة لطلبات متعددة تتطلب التأني والدراسة العميقة، مما يستغرق وقتا طويلا، ويحق للمحكوم عليه أن يسعى للتخلص من أثار هذا الحكم وإلزامية تنفيذه عليه، وقد يقضي الحكم برفض الطلب ، ويحق لطالب النفقة المؤقتة اللجوء إلى محكمة الدرجة الثانية من اجل الحصول على سند تنفيذي يمكنه من اقتضاء نفقته ريثما يصدر حكم في الموضوع . وبالنسبة للقانون المصري الذي يأخذ بدوره بإمكانية القضاء بالنفقة المؤقتة فان الفقه يرى انه لا يجوز الطعن فيه بصورة مستقلة سواء كان بالقبول أو الرفض (.
8- ذ/ احمد انور الجندي التقاضي في الاحوال الشخصية عام 1990 ص 11
أما بالنسبة للقانون المغربي فان الجواب يحتمل فرضيتين : *الأولى هي عدم القابلية للطعن بصورة مستقلة إلا مع الحكم الصادر في موضوع الدعوى لأن قابلية الطعن قد تؤدي إلى تشعيب النزاع بين المحكمة التي أصدرت الحكم، لأنها لم تستنفذ ولايتها بشان النزاع بصفة نهائية ، وبين المحكمة المطعون أمامها. *الثانية هي قابليته للطعن من منطلق أن عدم القابلية للطعن استثناء ينبغي أن يصدر به نص صريح، وما دام الأمر يتعلق بحكم قضائي له حجيته ومتوفرة فيه مقومات الحكم القضائي فانه يقبل الطعن. وتبقى الفرضية الثانية هي الأقرب للصواب، ولا يمكن مسايرة ما هو مكرس بالقانون المصري ، لأنه كرس هذه الإمكانية بموجب حكم غير معلل ويكفي فيه منطوق الحكم. بينما في ظل القانون المغربي يقضى بهذه النفقة بموجب حكم مستوف لبيانات الحكم القضائي وواجب التعليل. ثانيا : حجية الحكم القاضي بالنفقة المؤقتة : إن الحكم بالنفقة المؤقتة هو حكم صادر عن جهة قضائية وفي إطار سلطاتها القضائية وهو حكم فاصل في نزاع حول الأحقية في النفقة إلا انه صادر قبل الحسم النهائي في النزاع فهو حكم وقتي موضوعي وما دام الأمر يتعلق بحكم قضائي ، فانه له الحجية فما بين الخصوم وبالنسبة لذات الحق محلا وسببا ، وعليه لا يمكن إقامة طلب جديد أمام نفس المحكمة بشان النفقة المؤقتة وعن نفس المدة التي شملها الحكم. ولأنه حكم وقتي وتدبير لسد الحاجات الضرورية والعاجلة لطالب النفقة فان مصدره مرتبط وجودا وعدما بالحكم الذي سيصدر في موضوع الدعوى، فإذا صدر بشان الاستجابة لطلب النفقة فان وجوده يتأكد ، وإذا صدر برفض الطلب صار عدما وزال مفعوله واصبح الحكم القاضي برفض الطلب سندا تنفيذا لإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ويكون ما تم تحصيله هو من باب الدفع غير المستحق. والحكم بالنفقة المؤقتة غير ملزم للمحكمة التي أصدرته ، فبعد القضاء بالنفقة المؤقتة يمكن أن يثار أمامها الدفع بعدم الاختصاص المحلي ، وتتجلى له وجاهة الدفع ولا يمنعها ذلك من الحكم بعدم الاختصاص المكاني ، ويبقى الحكم الصادر بشان النفقة المؤقتة ساري المفعول إلى أن تصدر المحكمة المختصة والمحالة عليها الدعوى حكمها في الموضوع. كما أن التقدير الذي اعتمدته غير ملزم لها فيمكن لها أن تزيد في المبلغ أو تنقص منه حسب ما ظهر له من دراسة القضية ولها أن تقضي بالنفقة بعد رد طلب النفقة المؤقتة ولها كذلك أن تقضي برفض الطلب بعد القضاء بالنفقة المؤقتة . ونشير هنا إلى أن مفعول الحكم القاضي بالنفقة المؤقتة يطبعه التأقيت من تاريخ صدوره إلى حين صدور الحكم في موضوع الدعوى، حتى ولو لم تبين المحكمة ذلك، لان هذا الأخير يحل محله، ولأنها شرعت كإمكانية لسد الحاجيات الضرورية فلا شأن له بالمدة الماضية، وتفريعا على ذلك فان المحكمة عند جاهزية الدعوى للفصل فيها ينبغي لها أن تأخذ في الحسبان الحكم الذي أصدرته ، وتراعي مدة الإنفاق التي يستغرقها، وحتى في حالة إغفال ذلك، فان مأمور التنفيذ واجب عليه أن يراعي هذا الأمر تفاديا للتحصيل المضاعف للنفقة. *ثالثا مسؤولية المنفذ له عن تنفيذ الحكم القاضي بالنفقة المؤقتة : إن طلب النفقة المؤقتة كغيره من الطلبات يكسب مرتين أمام المحكمة، الأولى بمناسبة صدور الحكم، والثانية خلال مرحلة التنفيذ فما الفائدة من كسب هذا الطلب إذا لم يحصل المحكوم له من الفائدة المرجوة منه بترجمة منطوق الحكم إلى واقع ملموس؟. إن الحكم بالنفقة المؤقتة هو حكم قضائي استجمع عنصري التقرير والإلزام، وتتوفر له مقومات السند التنفيذي، ويعتبر كافيا للشروع في اتخاذ إجراءات التنفيذ المحددة قانونا في مواجهة المحكوم عليه لإشباع حاجيات المحكوم له. فإذا تجاوب المحكوم عليه مع المنطوق بالتنفيذ الاختياري يحسم الأمر، أما إذا تعنت فإن للمنفذ له أن يلجأ إلى تفعيل عنصر الإلزام الكامن فيه لإجباره على التنفيذ. وتنفيذ الحكم بالنفقة المؤقتة تكتنفه مخاطر من حيث إمكانية صدور الحكم في موضوع الدعوى برفض الطلب أو إلغائه من طرف محكمة الطعن ، وبذلك تثار مسؤولية المنفذ له عن ما يكون قد استوفاه استنادا إلى الحكم المذكور. فقد سبقت الإشارة إلى أن مصير الحكم بالنفقة المؤقتة، هو مصير قلق يرتبط بمآل الدعوى، والتنفيذ الذي يباشر على أساسه هو تنفيذ معلق على شرط فاسخ، فحواه عدم صدور الحكم على نحو مخالف له ، أو أن لا يلغى في مرحلة الطعن، وعليه إذا تحقق الشرط تحققت معه الأحقية في التنفيذ العكسي، و زالت معه أحقية المنفذ له في التنفيذ وإعمالا للأثر الرجعي للشرط ينبغي إعادة الحالة إلى ما كانت عليه فالمنفذ عليه يتولد له الحق في استرداد ما سبق استيفاؤه منه، وله بدوره إعمال قواعد التنفيذ الجبري في مواجهة المنفذ له. ومن جانب آخر فان المبالغ التي تم تحصيلها على أساس الحكم بالنفقة المؤقتة ، إذا صدر حكم في موضوع الدعوى برفض الطلب، يرتفع عنها طابع النفقة ، وتصبح دينا قابلا للمقاصة ، وقابلا للحجز ، ويحق للغير الدائن للمنفذ عليه أن يجري حجزا بين يدي المنفذ له على هذه المبالغ. كما أن التنفيذ الاختياري للحكم القاضي بالنفقة المؤقتة من جانب المنفذ عليه لا تأثير على أحقيته في الرجوع على المنفذ له. ويثير تنفيذ الحكم بالنفقة المؤقتة إشكالات اكثر عمقا ، ويولد عواقب أحيانا عواقب يصعب تداركها. فالامتناع عن التنفيذ هو إمساك عمدي عن نفقة مقضي بها يطاله التجريم ، ويمكن أن يقضي المحكوم عليه عقوبات حبسية وفي نهاية المطاف يصدر حكم بعدم استحقاق النفقة، ويصير الحكم الذي على أساسه أجريت المتابعة عدما. وبصفة عامة فان المتابعة أثيرت استنادا إلى حكم قضى بالنفقة واجب النفاذ، ومع ذلك فان إمكانية تصور التقاضي الكيدي قائمة، ومتى تحقق ذلك فلا مانع من إثارة المسؤولية والمطالبة بالتعويض على هذا الأساس. خاتـــمـــة : إذا كان مقصود المشرع من المادة 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية ، هو توفير الحماية الوقتية لطالب النفقة بتمكينه من ما يواجه به متطلباته المعيشية استنادا إلى حكم صادر قبل الفصل في الموضوع، فان القضاء مدعو للتعامل مع هذا الفصل في إطار هذه الغاية وإيجاد الحلول للعديد من الإشكاليات التي ستواكب تفعيله.