قاضي تنفيذ العقوبات في ضوء قانون المسطرة
الجنائية الجديد
منقول للافادة
مقـــــــدمة :
لما آل جلالة الملك الراحل على نفسه إعادة صياغة الترسانة القانونية المغربية انطلاقا من التزام المملكة المغربية بمبادئ حقوق الإنسان في القانون الأسمى للأمة " كما هي متعارف عليها دوليا "، أصدر أمره إلى مجموعة العمل المكلفة بالتشريع الجنائي وحقوق الإنسان في بداية التسعينيات من أجل القيام بترجمة هذه المبادئ ضمن قانون المسطرة الجنائية، فتتبع جلالته عملها عن كثب، وأخضعه للتقييم من قبل جهات رسمية أخرى كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تصدى لدراسة تقارير مجموعة العمل ورفع بشأنها مذكرات عدة إلى جلالة الملك كانت آخرها المذكرة المؤرخة في 24 فبراير 1994.
ورغم أن المنية قد وافت جلالته قبل أن يرى المشروع النور، فقد تم إخراجه إلى الوجود بإشراف وتعهد من وزارة العدل، وتضمن مقتضيات جديدة حملت معها مستجدات يمكن حصرها على الشكل التالي :
1- دور جديد للنيابة العامة تمثل في مسطرة السدد ( الفصلان 41-49 )
2- الأمر القضائي الصادر عن النيابة العامة في المخالفات ( سند قابل للتنفيذ– المواد من 358 إلى 366 )
3- القضاء الفردي في الجنح ( الفصول 357 – 366 )
4- ثنائية التحقيق ( الفصول 52 إلى 55، 83، 87، 88 )
5- الوضع تحت المراقبة القضائية ( الفصول 150 إلى 165 )
6- استئناف القرارات الصادرة عن غرف الجنايات ( المادة 457 )
7- الطعن بالنقض في القرارات الجنائية القاضية بالبراءة أو الإعفاء ( المادة 525 )
8- قاضي تنفيذ العقوبة ( المادة 596 – 640 )
9- الجديد في قضاء الأحداث ( المواد 458 – 460 – 461 – 462 – 465 – 468 – 470 – 471 – 472 – 477 – 478 – 479 – 497 – 512 – 513 – 514 – 515 – 516 – 517 )
10- إيقاف سير الدعوى ( المادة 355 )
ولئن كانت هذه المستجدات تشكل تدابير ومساطر قانونية، فإن قاضي تنفيذ العقوبة يتفرد بكونه مؤسسة قضائية جديدة لم يسبق لها مثيل في النظام القضائي المغربي .
وقد ألهمت هذه الاعتبارات مبادئ حقوق الإنسان، كما ألهمت عددا من التشريعات الوطنية لتضع تدابير قانونية تكفل معاملة السجناء بما يليق بالكرامة الإنسانية، فكانت النتيجة إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة .
وقد سبق المشرع الفرنسي إلى إقرار هذه المؤسسة بما لها من فوائد، وحاول إحاطتها بكافة الضمانات القانونية، وذلك بمقتضى القانون رقم 1226-72 المؤرخ في 29 ديسمبر 1972 4 الذي أضاف الفصــــل 722 إلى قانون المسطرة الجنائية الفرنسي ؛ كمـــا خصص قانون الإجـــراءات المسطرية الإيطالي أحكاما هامـــة تخص قاضي الإشراف أو الــرقابة (Juge de surveillance ) يشرف بموجبها على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية والتدابير الاحترازية والمؤسسات السجنية دون أن يتدخل في خدمات موظفيها، ومالت عدد من التشريعات العربية إلى المؤسسة، كما فعل التشريع التونسي بمقتضى قانون 31 يوليو 2000 .
فما هي إذن فلسفة قاضي تنفيذ العقوبات ؟ وما هي اختصاصاته ؟ والإمكانيات المتاحة له ؟
وهل وفق المشرع المغربي في تبنيه لهذه المؤسسة وفي استيعاب أهدافها ومستلزماتها من الناحية التشريعية ؟
الفرع الأول : قاضي تنفيذ العقوبات في القانون المقارن
المبحث الأول : فلسفة قاضي تطبيق العقوبات :
ماذا يمثل خلق مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات في القانون المغربي ؟
المطلب الأول :
هل هو نظام جديد للعقوبات ؟ أم هو نظام يجعل من مسلسل المتابعة الجنائية نظاما قضائيا يمتد حتى إلى تنفيذ العقوبات ؟
I / قاضي تطبيق العقوبات أو نظام جديد للعقوبات
من المعلوم أن نظام العقوبات الجنائية الحالي يرتكز على العقوبة السالبة للحرية ( السجن ) كعقوبة مركزية ( peine centrale ).
ويأتي نظام قاضي تنفيذ العقوبات ليخلق توجها جديدا في السياسة الجنائية ينطلق من فكرة أن السجن من شأنه أن يخلف بعض الآثار السلبية على الشخص المحكوم عليه، الأمر الذي يستوجب العمل على تفاديها .
وهكذا حاولت العديد من التشريعات قلب نظام العقوبات السالبة للحرية إلى نظام العقوبــات التقليصي للحرية الهدف منه هو الحد من استعمال عقوبـة الحبس والتي أصبحت حلا أخيرا لا يطبق إلا عند ما يتضح أن جميع العقوبات البديلة "peines de substitution " غير مجدية أو يستحيل تطبيقها .
النتيجـة الحتمية لهذا المنطق هو ضرورة المرور من نظام عقوبات لا يوجــد ضمنه إلا السجن، وإيقاف تنفيذ عقوبة السجن ( sursis ) والعقــوبة المـالية 5 إلى نظـــام يوجد فـيه السجن، وإيقاف التنفـيذ والعقوبة الـمالية، والعمـل للمصلحة العامـة ( Tig )، ( assignation à résidence ) التكليف بالبقاء داخل البيت مع المراقبة الإلكترونية، المنع مــن السياقة...إلخ .
إن النظام الجديد هو عبارة عن " نظام للعقوبات ذي طابعين " على الشكل التالي :
1/ قاضي الجلسة وينطق أساسا بمدة العقوبة ( durée de la peine ) فعوض أن ينطق القاضي الجالس بنوع العقوبة ومدتها ( مثلا الحبس ثلاثة أشهر ) فإنه لن يفصل إلا في مدة العقوبة (durée de peine ) أي " عقوبة ثلاثة أشهر " أو "عقوبة تسعين يوما "، فالمعيار بالنسبة له هو وحدة احتساب العقوبة ( unité de sanctions ) وهو معيار يستساغ في نظام العقوبات المغربي طبقا لما نص عليه الفصل 30 من القانون الجنائي المتعلق بكيفية احتساب مدة العقوبة السالبة للحرية، الجديد بالنسبة له فقط هو أن يسكت قاض الحكم عن تحديد نوع العقوبة، والذي يصبح من اختصاص قاضي تنفيذ العقوبات .
وطبعا سوف ينطق بمدة العقوبة تبعا للمسؤولية الجنائية وأسباب ارتكاب الجرم وسوابق المتهم والوضعية الشخصية للمحكوم عليه .
ويكون كذلك لقاضي الموضوع أن ينطق " بإيقاف التنفيذ " ( sursis) الذي ينسحب على وحدات العقوبة ( أي عدد أيامها ) إذا كانت شروط الإيقاف متوفرة .
وإذا لم يرتأ قاض الموضوع إيقاف العقوبة يرسل الملف إلى قاضي تنفيذ العقوبات .
2/ قاضي تطبيق العقوبات يفصل في نوع العقوبة الأكثر تلاؤما مع المحكوم عليه، ويكون القاضي ملزما بالمدة المحددة من قبل القضاء الجنائي الموضوعي ( tenu par le quantum) ولكي تكون له سلطة تقديرية واسعة بما أن القانون الجنائي يضع أمامه مجموعة من الخيارات يحتل الحبس ضمنها آخر مرتبة .
ويمكن أن نتصور – ضمن حدود قانونية معينة – أن ينطق بعقوبة مالية وذلك بتحويله لكل وحدة من وحدات العقوبة ( أي أيامها ) إلى " يوم غرامة " ( وهو نظام تبنته دول الشمال الأوروبي ) ، يتمثل هذا النظام في ضرب عدد أيام العقوبة في الدخل اليومي المتوسط الخام للمحكوم عليه، وهو نظام يرمي إلى جعل العقوبات المالية أكثر عدالة من نظام الغرامات الحالي .
كما يمكن أن نتصور إمكانية تتاح لقاضي تنفيذ العقوبات تتمثل في تحويل كل يوم عقوبة إلى يوم عمل للمصلحة العامة (Tig )، أو يوم اعتقال بيوم اعتكاف إجباري داخل البيت أو يوم منع من السياقة .
المطلب الثاني :
تنفيذ العقوبة يصبح جزءا من عمل القضاء الجنائي الموضوعي وليس عملا إداريا :
يقع على قاضي تنفيذ العقوبات التزام أولي بالمطابقة بين العقوبة والاحتياجات الحقيقية للمحكوم عليه، أي بالاستجابة لمتطلبات مبدأ شخصية العقوبة ومبدأ تفريد العقوبة6 .
ويسمح نظام قاضي تنفيذ العقوبات بنوع من تفريد العقوبة المضاعف بما أن القاضي الموضوعي يحكم هو أيضا بالعقوبة باعتبار الوضعية الشخصية للمعني ( وهذا هو مربط الفرس في نظام قاضي تنفيذ العقوبات ) .
وبتبني هذا النظام الجديد نمر لزوما من نظام يقرر فيه القضاء في شأن الاتهام والعقاب قبل أن يترك للسلطـة الإدارية ( إدارة السجون ) تنفيذ العقوبة إلــى نظام قضائي ( judiciairisé ) .
فالقاضي هو الذي يقرر بشان الاتهام ومدة العقوبة، والقاضي أيضا هو الذي يقوم بتحديد نوع العقوبة وطريقة تنفيذها لتصبح جميع القرارات المتعلقة بتنفيذ العقوبات من اختصاص القضاء .
ولن يبقى الحبس والسجن العمود الفقري لنظام العقوبات، بل فقط إمكانية من بين العقوبات المكنة لردع الجاني .
وإذا كان موضوع الحكم الجنائي يتكون من إثبات الاتهام وتحديد العقاب، فإن القرار الجنائي يصبح مع إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات من ثلاثة أجزاء :
1- إثبات الاتهام
قاضي الموضوع
2- تحديد مدة العقوبة
3- تحديد نوع العقوبة قاضي تنفيذ العقوبات
المطلب الثالث : مختلف أشكال العقوبات والتدابير البديلة في القوانين المقارنة
( القانون السويسري نموذجا )
الغرامة : تعتبر أخف شكل من أشكال العقوبات التي ينص عليها القانون الجنائي السويسري إذ يعاقب بها على المخالفات Contraventions وكذا الخروقات البسيطة ( infractions )، وذلك بمقتضى قوانين محلية cantonales أو جماعية municipales .
تحويل الغرامات إلى توقيفات (Arrêts)
عند ما يحكم على شخص بأداء غرامة ويمتنع عن الأداء يتحول المبلغ إلى أيام توقيف بقرار من العامل الحاكم (Préfet) .
التوقيفات المنزلية : (Arrêt domiciliaire)
تشكل التوقيفات المنزلية إمكانية جديدة للحبس بعقوبات تتراوح بين شهر وستة اشهر، يتعلق الأمر بعقوبة تنفذ داخل المنزل باتباع برنامج تشخيصي ( personnalisé ) ومحدد ( ساعة الخروج إلى العمل، ساعة العودة إلى البيت، المشاركة في العلاج تهيئة المنظمة المسؤولة عن تنفيذ العقوبات )، وقبل أن تثبت للمحكوم عليه إمكانية الاستفادة من التوقيفات المنزلية يجب أن يقبل البرنامج المحدد ويحصل على موافقة أسرته ويتابع التنفيذ من قبل (la société vandoise de patronage ) .
يتم إلصاق دملج إلكتروني برجل المحكوم عليه خلال فترة العقوبة يسمح بمراقبة احترام البرنامج .
الحبس و السجن : Emprisonnement et réclusion ) )
الحبس هي عقوبة سالبة للحرية تتراوح مدتها بين ثلاثة أيام وثلاث سنوات كحد أقصى .
أما السجن فهي أخطر عقوبة سالبة للحرية تتراوح مدتها بين سنة وعشر سنوات كحد أقصى باستثناء الحالات التــي ينص فيهـا القانون صراحـة على السجن المؤبد ( réclusion à vie ) .
ويمكن أن يتم تنفيذ الحبس والسجن في نفس المؤسسة، وتستهدف العقوبتان عدة أهداف، فهي نوع من تعويض الضحايا عما لحق بهم من ضرر، وإصلاح للمحكوم عليه، وكذا تحضير عودة هذا الأخير للحياة العادية .
التدبير الوارد في الفصل المائة من القانون الجنائيMaison d éducation au travail ) )
يطبق في حق الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة والذين ارتكبوا جرائم لها علاقة بتطور سلوكي متذبذب بشكل خطير ( gravement perturbé )، حيث يمكن للقاضي أن ينطق – عوض العقوبة – بتدبير يرمي إلى وضع المعني في مؤسسة للتربـية بالعمل .
التدبير الوارد في الفصل 43 من القانون الجنائي السويسري
في الحالات التي يتم فيها ربط التصرفات الجانحة للحدث بحالته العقلية يمكن للقاضي أن يحكم بتعليق العقوبة لفائدة تدبير موجه لمحاربة السبب الأصلي للسلوك الجانح ( بعلاج مناسب ) .
وأهمية هذا التدبير ( سواء كان علاجا متنقلا أو وسيلة استشفائية، أو وضع تحت الحراسة بمؤسسة لهذا الغرض ) تتجلى في خصوصيات كل حالة، خاصة من حيث الخطر الذي يشكله على الغير .
ولا تحدد مدة التدبير منذ البداية، وتنتهي عندما يختفي السبب المبرر لها، وللقاضي أن يقرر بعد ذلك في تطبيق العقوبة أو توقيفها .
التدبير الوارد في الفصل 44 من القانون الجنائي السويسري
إذا تعلق الأمر بجرائم مرتكبة من قبل أشخاص مدمنين على الكحول أو المخدرات يمكن للقاضي أن يقرر تدبير الإيداع في مؤسسة متخصصة في محاربة هذا النوع من العلاج أو تدبير العلاج المتنقل..
ويوقف التدبير العقوبة، وعندما ينتهي ( إما بشفاء المعني، أو بتحرير فشل العلاج ) يقرر القاضي ما إذا كانت العقوبة الموقوفة ستنفذ ويحدد الشروط المناسبة .
العقوبة الموقوفة التنفيذ : ( sursis )
في حالة الحكم بعقوبة تقل عن 18 شهرا أو بعقوبة تبعية يمكن للقاضي أن يعلق تنفيذ العقوبة خاصة إذا كان من شأن التوقيف أن يعود بالنفع، أو إذا انهمك المحكوم عليه في مسلسل إصلاحي (réparation).
العمل للمصلحة العامة : (Tig)
هي إمكانية حبس من أجل عقوبات حدها الأقصى ثلاثة أشهر، يوجه هذا الشكل من العقوبات إلى الأشخاص الذين ارتكبوا مخالفات تعتبر " ذات أهمية بسيطة " ( de moindre importance ) .
ونظرا لخاصية النفع العام التي يتوفر عليها هذا التدبير فإنه يتيح تفادي إدخال المعني إلى السجن والاحتكاك بوسطه، كما يساهم في الحد من اكتظاظ السجون، ويعطي للمحكوم عليه فرصة التفكير فيما اقترفه من أفعال .
الاعتقال الاحتياطي :
يحكم به قاضي التحقيق ( juge instructeur )، ويهدف الحيلولة دون فرار المتهم .
المبحث الثاني : مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات في القانون الفرنسي
Juges de l' application des peines
1- تعريفه : قاضي تنفيذ العقوبات هو قاضي متخصص ينتمي إلى محكمة الدرجة الثانيةTribunal de Grande instance يوجه صوب الإدماج و إعادة الإدماج بالنسبة للأشخاص المحكوم عليهم .
- Tribunal de Police / محكمة المخالفات1
- Tribunal correctionnelيتدخل بعد النطق بإحدى العقوبات الجنائية من قبل 2/ محكمة الجنح
- La cour d’assises أو القضاة الجالسين أي محكمة الجنايات /3
وذلك من أجل تنفيذ العقوبة المقضي بها، ويمكنه بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات، باستثناء حالة الاستعجال، أن يأذن بتقليص العقوبة (accord de réduction ) للمعتقلين ذوي السلوك الحسن .
وتندرج اختصاصاته في إطارين : تتبع المحكوم عليهم في حالة سراح، وتنظيم عقوبات الحبس النافذة .
المطلب الأول : تتبع المحكوم عليهم في حالة سراح
يضمن قاضي تنفيذ العقوبة في علاقة مع المصلحة السجنــية للإدماج والاختبار ( S.P.I.P ) Service Pénitentiaire d’Insertion et de Probation
تتبع الأشخاص المحكوم عليهم بالعمل للمصلحة العامة أو بالسجن مع إيقاف التنفيذ والوضع تحت المراقبةmise à l épreuve وكــذا الأشخاص المستفيدين من الإفراج الشرطي ( libérés conditionnels ) .
أ- العمل للمصلحة العامة : ( الفصول 1-747-7472 من ق.م.ج الفرنسي ) يتعلق الأمر بعقوبة تتمثل في عدد من ساعات العمل غير مدفوعة الأجر بين 40 ساعة إلى 240 خلال 18 شهرا ونصفها بالنسبة للأحداث تنجز لفائدة جماعة محلية أو مؤسسة عمومية أو جمعية ذات نفع عام تطبق على من يزيد سنهم عن 16 سنة، وقد تكون عقوبة أصلية في حالة العقوبة مع إيقاف التنفيذ وقد تكون عقوبة إضافية لعقوبة حبسية؛ وفي كلتا الحالتين لا يمكن النطق بالعقوبة إلا بحضور وموافقة المعني، ويكون على الهيئة التي ينفذ العمل لفائدتها أن تدفع مصاريف النقل والأكل وان تعقد تأمينا على المسؤولية .
ب- الحبس مع إيقاف التنفيذ والوضع تحت المراقبة :
يماثل هذا التدبير المتابعة الاجتماعية القضائية ( suivi socio -judiciaire ) الخاصة بالجانحين الجنسيين ( délinquant sexuel ) ويتعلق الأمر بعقوبة حبسية يخضع لها المحكوم عليه، تحدد مسبقا، إما من قبل المحكمة التي نطقت بالاتهام (condamnation ) أو من قبل قاضي تنفيذ العقوبات، وترتفع إذا لم يحترم المستفيد الالتزامات الرئيسية المتعلقة بها، وهي كالتالي :
* العلاجات الطبية أو النفسية ( لمدمني الخمر، والمتخلفين عقليا الذين ظهر عليهم الخلل بجلاء، أو ينتظر أن يشكلوا خطرا على الغير...)
* التزام تعويض الضحــية عن الضرر الذي لحقها، ( سرقة، نصب، عنف ...) أو أداء النفقة في حالة التخلي عن الأســرة ( pension alimentaire )
* التزام أداء نشاط مهني أو متابعة تكوين
* حظر التوفر على السلاح
* حظر التوجه إلى أماكن محددة ( كأبواب المدارس، والمسابح.. )
* حظر ممارسة المهنة التي ارتكبت المخالفة بمناسبتها
* حظر الالتقاء بالضحية .
- ولا ينطبق إيقاف تنفيذ العقوبة البسيطة على العقوبات الإضافية ( إلا في الأحوال الخاصة ) ولا على المنع من حق التصويت والانتخاب .
- ويستفيد من التوقيف البسيط الأشخاص الذين لم يتابعوا خلال الخمس سنوات التي سبقت ارتكاب الأفعال التي توبعوا بموجبها والذين لم يحكم عليهم بعقوبة حبسية تبعا لجريمة في حق النظام العام délit de droit commun .
- يبطل مفعول التوقيف البسيط خلال خمس سنوات إذا ارتكب الشخص جريمة أخرى، وتنفذ العقوبتان .
المحكوم عليهم في حالة سراح :
هم معتقلون سابقون سمح قاضي تنفيذ العقوبة بخروجهم قبل نهاية عقوبتهم نظرا لسلوكهم الحسن داخل السجن وللإمكانيات الجيدة لإعادة الإدماج التي منحهم إياها الإفراج الشرطي libération anticipée أو المسبق؛ بالمقابل يخضع هؤلاء لبعض الالتزامات التي تنطبق على العقوبة الحبسية موقوفة التنفيذ مع الوضع تحت الحراسة .
وإذا لم يتم احترام هذه الالتزامات فإن قاضي تنفيذ العقوبة يمكنه أن يطلب من المحكمة التأديبية إبطال التدبير ( révoquer la conditionnelle ) مما يعيد إدخال الجاني إلى السجن للمدة المتبقية، وهو تدبير يخص العقوبات التي تبلغ عشر سنوات .
متابعة السجلات :
تتم متابعة السجلات الفردية للمحكوم عليهم بالعمل للمصلحة العامة، أو بإيقاف العقوبة مع الوضع تحت المراقبة، أو المفرج عنهم شرطيا إما مباشرة من قبل قاضي تنفيذ العقوبة، أو غالبا بمعيته، من قبل مسؤولي الإدماج والاختبار ( probation ) أعضاء المصلحة السجنية للإدماج والإختبار .
وعموما في حالة الإخلال بعقوبة العمل للمنفعة العامة، أو عدم احترام التزامات العقوبة الموقوفة التنفيذ مع الوضع تحت المراقبة، يمكن لقاضي تنفيذ العقوبة أن يطلب من المحكمة التأديبيةtribunal) correctionnel ) إبطال إيقاف التنفيذ، أي تحويل العقوبة الأصلية من وقف التنفيذ إلى السجن الفعلي .
وإذا لم تحترم هذه الالتزامات من قبل مفرج عنه إفراجا شرطيا، فإن قاضي تنفيذ العقوبات هو الذي يبطل مباشرة الإفراج الشرطي، مما يكون له أثر إرسال المحكوم عليه مباشرة إلى السجن لقضاء المدة المتبقية قبل الإفراج .
وتجدر الإشارة إلى أنه لا تتم متابعة المفرج عنهم جميعا من قبل ( قاضي ت.ع ) .
كما أن السجن مع إيــقاف التنفيذ البسيط دون وضع تحت المراقبة(sans mise à l' épreuve )، أو الغرامة، أو سحب رخصة القيادة .... مثلا ليست عقوبات تستلزم تدخل قاضي تنفيذ العقوبات .
و أخيرا يقدم قاضي تنفيذ العقوبات تقريرا سنويا إلى وزير العدل بشأن ما اتخذه من تدابير .
ويحقق العمل المزدوج القاضي بتنفيذ العقوبة والمصلحة السجنية هدفين، هما : حض المحكوم عليه على احترام التزاماته، تسهيل إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني مع مساعدته في المساطر الإدارية والمهنية والتكوينية من خلال المعرفة المعمقة التي تتوفر عليها المصلحة السجنية بمعية شركائها الاعتياديين ( هيئات للتكوين، مصالح إدارية واجتماعية للمساعدة العائلية، جمعيات... ) .
المطلب الثاني : تنظيم عقوبات الحبس النافذ
يقوم قاضي تنفيذ العقوبات بتنظيم عقوبات السجن النافذة طبقا لشروط قانونية معينة بهدف السماح للمحكوم عليه بالحفاظ على عمل أو إيجاد عمل، أو تمكينه من الحفاظ على علاقاته الأسرية أو الاهتمام بأطفاله القصر أو اتباع علاج طبي .
وتهدف التدابير المتخذة لهذا الغرض تشجيع الميل الاجتماعي– المهني، وهو أنجح وسيلة للحيلولة دون العود إلى الجريمة ( récidivité ) وتأخذ هذه التدابير في اعتبارها شخصية المحكوم عليه والمخاطر التي يمكن أن يشكلها على الآخرين، وثقل العقوبة، وخطورة الأفعال المرتكبة، والتعويض المادي عن نتائج أفعاله
وتتمثل هذه التدابير في :
أ - الإذن بالخروج
ب- تعليق العقوبة
ج- تشطير العقوبة fractionnement
د- نظام نصف مفتوح
ه- الورش أو الوضع بالخارج chantier un placement extérieur
و- الإفراج الشرطي .
أ- النظام النصف مفتوح : (semi-liberté) يسمح النظام النصف المفتوح للمحكوم عليه بالخروج من السجن خلال النهار للتوجه إلى عمله أو تعليمه أو تكوينه المهني .
ب- الإفراج الشرطي : يسمح للمحكوم عليه بالخروج من السجن بوقت قصير قبل نهاية العقوبة شرط احترام بعض الالتزامات وتحت تهديد الإعادة إلى السجن في حالة عدم احترامها .
ج- الورش والوضع بالخارج : يسمح بوضع المعتقل خارج المؤسسة السجنية من أجل نشاط خاص نافع لإعادة إدماجه مع البقاء من الناحية الفرضية معتقلا، أي تحت مراقبة ومسؤولية المؤسسة السجنية .
د- تعليق العقوبة : يسمح بالتوقيف القصير لتنفيذ العقوبة مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لا تحتسب في مدة العقوبة .
ه- تشطير العقوبة : (fractionnement ) يسمح بتنفيذ العقوبة وتشطيرها إلى أجزاء زمنية لا يمكن أن تقل مدتها عن يومين متتاليين .
أخيـرا يراقب قاضي تنفيذ العقوبات احترام المحكوم عليهم بحضر التواجــد de séjour) interdiction )في مكان أو جماعة محلية ما، ويمكن أن يخضـع المنع لبعض المرونـــةassouplissement) )، كما يدلي برأيه في نقل المعتقلين من سجن لآخر ( الفصل 720 قانون جنائي ) .
الفرع الثاني: قاضي تنفيذ العقوبات في قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد
المبحث الأول : أبعاد المؤسسة و صلاحياتها بين المسطرة الجنائية و القانون الجنائي و قانون تسيير السجون
نصت المادة 596 على ما يلي :
1-يعين قاض أو أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي تطبيق العقوبات .7
2-يعين هؤلاء القضاة بقرار لوزير العدل8 لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، و يعفون من مهامهم بنفس الكيفية
3-إذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة قاضيا للنيابة عنه مؤقتا
4-يعهد إلى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل
5-يتتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب
6- يطلع على سجلات الاعتقال ويعد تقريرا عن كل زيارة يضمنه ملاحظاته و يوجهه إلى وزير العدل مع إحالة نسخة منه على النيابة العامة
7-يمكنه مسك بطاقات خاصة بالسجناء الذين يتتبع وضعيتهم تتضمن بيانات حول هويتهم و رقم اعتقالهم والمقررات القضائية و التأديبية الصادرة في شأنهم و ملاحظات القاضي
8-يمكنه تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط الرجوع إلى السفر . يمارس مهامه حسب هذا القانون و كذا بموجب أي نصوص أخرى " .
لما كانت أحكام الفصل 596 قد وضعت قاضي تطبيق العقوبات في مفترق طرق بين قانون جنائي لا يسعفه في الصلاحيات التي أوكلها إليه القانون المقارن، و بين قانون تسيير المؤسسات السجنية الذي يلزمه أن يسترشد به، و لما كان الفصل 640 من قانون المسطرة الجنائية قد جعل قاضي تطبيق العقوبات سيد الموقف في مادة الإكراه البدني فإننا سوف نعالج هذا الفرع ضمن مبحثين اثنين :
المبحث الأول : أبعاد المؤسسة و صلاحيتها بين قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي و قانون تنظيم و تسيير المؤسسات السجنية
المبحث الثاني : قاضي تطبيق العقوبات و اختصاص الإكراه البدني .
المبحث الأول : أبعاد المؤسسة و صلاحيتها بين قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي و قانون تنظيم و تسيير المؤسسات السجنية
تقول الأستاذة آسيا الوديع في معرض إخضاعها الفصل 596 لمجهر القضاء الممارس : " إذا كان من حق الأسرة القضائية التعامل مع هذه الوظيفة الدخيلة على ثقافتنا و فكرنا التشريعي بالحيطة والحذر، وهي نفس المخاوف التي استقبلت بها عند غيرنا، فإن الملاحظ أن هذه الحيطة وذلك الحذر قد بلغا عند واضعي المشروع حدا يخشى معه إفراغ هذه المؤسسة من جوهرها ، ذلك أن المهام المسندة لقاضي تطبيق العقوبات لا
تخرج عن مهام ذات صبغة إدارية موجودة، و تقتصر في مجملها على زيارة السجون ووضع تقارير بتلك الزيارة وهي موكولة إلى جهات أخرى أو أضيف في صياغة نصوصها و تشكيلتها تسمية قاضي تطبيق العقوبات، بينما لم تسند له أية صلاحية بالتدخل في هذه العقوبة و أساليب تطبيقها أو تأثير فعلي في مصير المدان 9.
يقول الأستاذ عبد الله الولادي رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان 9 : " إن قاضي تنفيذ العقوبة المستحدث من طرف الفصل 596 معين من طرف وزير العدل وهو سلطة تنفيذية، لا يسمح معه بالجزم بحياد أعمال هذا القاضي، مما يتعارض مع نزاهة وحياد القضاء المتطلب في شروط المحاكمة العادلة " .
ولا يتوفر قاضي تنفيذ العقوبة على القوة العمومية وعليه أن يطلبها من النيابة العامة دوما للقيام بمهامه، مما يؤثر على فعاليته وربما استقلاله، الشيء الذي يمس حق المتقاضي في محاكمة منصفة و عادلة"
ويقول ذ. محمد ليديدي 10 : " لقد أتى المشروع بنظام قاضي تنفيذ العقوبات وهو شيء محمود لكن كان من الممكن تحديد صلاحيته لأن العبرة ليست بوجوده، ولكن بالصلاحيات المخولة ولاسيما في تخفيض العقوبة وفي الإفراج المقيد الآلي " .
فما هو مدى استيعاب القانون الجنائي المغربي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات ؟ وماذا عن الإمكانيات التي يخولها قانون السجون ؟
إن تقييمات الفقه والقضاء للمؤسسة وصلاحياتها المحدودة تفيد عدم قدرة القانون الجنائي المغربي على استيعاب العقوبات البديلة .
فقد نص هذا القانون في فصله 24 على ما يلي : " تنفذ عقوبة السجن داخل سجن مركزي مع الانفراد بالليل كلما سمح المكان بذلك ومع الشغل الإجباري فيما عدا حالة ثبوت عجز بدني و لا يمكن مطلقا للمحكوم عليه بالسجن أن يشغل في الخارج قبل أن يقضي عشر سنوات من العقوبة إذا كان محكوما عليه بالسجن المؤبد أو قبل أن يقضي ربع العقوبة إذا كان محكوما عليه بالسجن المؤقت " .
و نص الفصل 28 على أنه : " تنفذ عقوبة الحبس في إحدى المؤسسات المعدة لهذا الغرض أو في جناح خاص من أحد السجون المركزية مع الشغل الإجباري في الداخل أو الخارج فيما عدا حالة ثبوت عجز بدني" .
أما الفصل 29 فجاء فيه ما يلي : " تنفذ عقوبة الاعتقال في السجون المدنية أو في ملحقاتها مع الشغل الإجباري في الداخل أو الخارج فيما عدا حالة ثبوت عجز بدني " .
و جاء الفصل 30 بالنص على ما يلي : " تبتدئ مدة العقوبة السالبة للحرية من اليوم الذي يصبح فيه المحكوم عليه معتقلا بمقتضى حكم حاز قوة الشيء المحكوم به " .
و في حالة تقدم اعتقال احتياطي فإن مدته تخصم بتمامها من مدة العقوبة وتحسب من يوم أن وضع المحكوم عليه تحت الحراسة أو من يوم أن وضع رهن الاعتقال من أجل الجريمة التي أدت إلى الحكم عليه.
فلما لم يستسغ المشرع الجنائي المغربي إمكانية تشغيل المحكوم عليه بالسجن المؤبد في الخارج قبل قضاء عشر سنوات من العقوبة ، ولا المحكوم عليه بالسجن المحدد إلا بعد قضاء ربع العقوبة و حيث تبنى إمكانية الشغل الإجباري في الخارج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة حبسية ( أي تقل مدة عقوبته عن خمس سنوات )، فإن هذه الأحكام الجنائية توضح أن فلسفة القانون الجنائي المغربي ما زالت بعيدة كل البعد عما آلت إليه علوم الجريمة و العقاب من تقدم اتجاه أهداف الإدماج و فلسفة حقوق الإنسان، فإذا كان من الممكن تفهم خطورة الجريمة التي استلزمت الحكم بالسجن المؤبد و بالتالي خطورة المجرم و الرغبة في إبعاده عن المجتمع فإن الحكم القاضي بالعمل الجبري لا ينسجم والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي حرمت العمل الجبري الماس بالكرامة الإنسانية حتى بالنسبة لمعاملة السجناء .
و هكذا يكون على مشرع القانون الجنائي المغربي الجديد أن يراعي مبادئ حقوق الإنسان وأهداف الإدماج و إنسانية العقوبة بوضع الوسائل اللازمة بيد قاضي تطبيق العقوبات ليتمكن من الوصول إلى هذه الأهداف، وهي :
- العمل المناسب و الأجر المناسب
- العمل للمصلحة العامة
- مراعاة التكوين العلمي و المهني للمحكوم عليه
- الإذن بالخروج للعمل بالخارج إلى غير ذلك من أشكال العقوبات البديلة التي عرفها القانون المقارن .
يقول ذ محمد ليديدي في هذا الصدد : " لابد أن يكون للعقوبة السالبة للحرية هدف وغاية وهي الإصلاح و التأهيل و تسهيل عملية الإدماج ، وإذا كان المشروع لم ينص على ذلك صراحة، فبالإمكان تدارك ذلك عند تعديل القانون الجنائي الذي يتناول العقوبة والإحالة الواردة في مشروع المسطرة على قانون السجون هو بمثابة تبني للمبدأ . والعقوبة إذا لم تخضع لتعديل فستكون في خلاف مع مفهوم العقوبة الإنساني و الإصلاحي ..." 11 .
المطلب الثاني : قاضي تطبيق العقوبات في مواجهة قانون تنظيم و تسيير المؤسسات السجنية :
أوكل الفصل 596 إلى قاضي تطبيق العقوبات :
- زيارة المؤسسات السجنية التابعة لنفوذ المحكمة التي يعين بدائرتها مرة في الشهر
- تتبع مدى تطبيق القانون المنظم للسجون في شأن قانونية الاعتقال و حقوق السجناء و مراقبة سلامة إجراءات التأديب
- الاطلاع على سجلات الاعتقال و إعداد تقرير عن كل زيارة
بالنسبة لمسألة الزيارة، فان زيارة المؤسسات السجنية موكولة إلى وكيل الملك وقاضي التحقيق طبقا للفصل 660 من ق.م.ج و ذلك مرة كل ثلاثة أشهر، ولا تختلف زيارة قاضي تطبيق العقوبات إلا بالوثيرة الشهرية .
و أما عن تتبع مدى تطبيق القانون المنظم للسجون في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب، فإن هذه المهام تعد خطيرة للغاية، وهي مهام ستمارس في مواجهة مدير السجن و العاملين به، ولذلك يلزم أن لا تحتد المواجهة في التنافس على المهام في غياب أية اختصاصات يمارسها قاضي تطبيق العقوبات داخل السجن كمرحلة أولى للاستئناس بوجوده داخل السجن كسلطة مساعدة فاعلة وفعالة وذلك بأن تسند له المهام الموكولة لرئيس المحكمة الابتدائية المتمثلة مثلا في التوقيع على سجل الاعتقال وترقيم صفحاته ( الفصل 13 من القانون رقم 23/98 12، و يكون هذا السجل وسيلة قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال لما يوضحه من تواريخ دخول وخروج المعتقلين ، والعمل على جعل إذن الإفراج المؤقت ورخصة الخروج الاستثنائية ( الفصل 19) من اختصاص قاضي تطبيق العقوبات 13 إلزام مدير المؤسسة بإشعار قاضي تطبيق العقوبات عن الوضعية الجنائية لكل معتقل تبدو أنها غير قانونية (الفصل 21 ) .
إسناد مهمة تسليم بطاقة خروج المعتقل عند الإفراج عنه إلى قاضي تطبيق العقوبات ( المادة 27 )، تتبع وتقييم مستلزمات عمل السجناء ( الفصول من 35 إلى 45 )، أما ما يتعلق بالانضباط و الأمن داخل المؤسسات السجنية فيتعين أن يبلغ قاضي تطبيق العقوبات بكل ما اتخذه مدير السجن في هذا الشأن حتى يتبين قانونيته من عدمها و يعمد إلى إصلاح ما لم يستقم منها بمعية السلطة القضائية التي عملت على تعيينه لهذا الغرض، ويلزم العمل على تمكين قاضي تطبيق العقوبات من تلقي شكايات المعتقلين ( المادة 98 ) ومحاولة معالجتها بالكيفية المناسبة .
المبحث الثاني : قاضي تطبيق العقوبات و اختصاص الإكراه البدني :
" يشكل التنفيذ الجبري للأحكام و باقي السندات التنفيذية " نهاية النزاع القضائي باستحصال الدائن لحقه ووضع حد لتعنت وعناد مدينه، و بوفاء المدين بالتزاماته قهرا عنه بأمواله المنقولة والعقارية وبحقوقه أحيانا .
فالأصل أن يقوم كل مدين بتنفيذ التزاماته اختيارا أو طوعا امتثالا لعنصر المديونية لكن إذا ما تلكأ في ذلك جاز للدائن اللجوء إلى القضاء لإجباره على الوفاء استنادا لعنصر المسؤولية ليحصل على سند تنفيذي يعلنه للمدين و يكلفه بإبراء ذمته، وإلا أرغم على ذلك بالطرق القانونية " إذ لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له " أي التنفيذ الجبري ".
والتنفيذ الجبري نوعان : تنفيذ جبري عيني يحصل فيه الدائن على ذات ما التزم به المدين كنقل ملكية عقار أو منقول، وتنفيذ جبري بالتعويض يحصل بموجبه الدائن على مقابل مالي يحدد من طرف المحكمة إذا تعذر الوفاء العيني، والغالب أن يكون التنفيذ بالتعويض في الحالات التي يكون فيها تنفيذ الالتزام الأصلي يتطلب تدخلا شخصيا من المدين فيمتنع هذا الأخير عن ذلك كما هو الشأن في الالتزام بإجراء عملية جراحية حيث لا يمكن استعمال القوة الجبرية للحصول على التنفيذ لأن ذلك إما أن يكون مستحيلا أو ماسا بالحرية الشخصية و الذي لم يعد مقبولا في عصرنا، وللضغط على المدينين في مثل هذه الالتزامات تقر بعض التشريعات الإكراه البدني و الإكراه المالي 14 .
فما هو إذن التنظيم القانوني للإكراه البدني في التشريع المغربي ؟ ثم أية إشكالية يواجهها قاضي تطبيق العقوبات في اختصاص الإكراه البدني ؟
المطلب الأول : التنظيم القانوني للإكراه البدني في التشريع المغربي ؟
لم يعرف المشرع المغربي الإكراه البدني وقد تصدى بعض الفقه لعملية التعريف هذه فعرفه ذ حسن الرملي كالتالي 14: " هو نظام يقصد به حسب المحكوم عليه مدة معينة يحددها الحكم الصادر به طبق لمقتضيات القانون المنظم لهذا الإجراء القهري لإجباره على أداء ما التزم أو الزم به قضاء " .
و الإكراه البدني بشكل عام هو حبس المدين حتى يضطر إلى الوفاء بدينه، و يعتبر من بقايا العهود القديمة حيث كان المدين يلتزم في شخصه لا في ماله، ويحق لدائنه أن يحبسه إذا لم يف بالتزامه .
و يفضل بعض الفقه الآخر اعتباره إجراء تهديديا يستهدف الضغط على المدين القادر على الوفاء عن طريق حبسه لإجباره على تنفيذ التزامه 15، وهو تعريف جديد يقترب من التصور الذي ورد في المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية 16 و المتعلقة بتنظيم مسطرة الإكراه البدني .
إلا أنه و بعد أن تبنت التشريعات الوضعية الحديثة مبدأ تطبيق الإكراه البدني تراجعت جلها عنه رغم فعاليته لما له من مساس بحرية الشخص المدين، معتبرة أن ذلك يخالف المبادئ المدنية الحديثة التي تقضي بان المدين يلتزم في ماله لا في شخصه، وأن جزاء الإخلال بالالتزام هو تعويض لا عقوبة .
و هكذا ألغى التشريع الفرنسي الإكراه البدني في الميدان التعاقدي فيما يخص الديون التجارية والمدنية بموجب القانون الصادر بتاريخ 22/7/1867، إلا أنه أبقى على هذا النظام كإجراء قهري بالنسبة للغرامات المالية والمصاريف القضائية وكذا التعويضات المدنية لفائدة الدولة والمطالب بالحق المدني مادام مصدرها الفعل الجرمي .
و يعود تنظيم المشرع المغربي لنظام الإكراه البدني لظهير 21/8/1935 المتعلق بسن نظام المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة و الأداءات المماثلة وغيرها التي يحصلها أعوان الخزينة، و كذا قانون المسطرة الجنائية الذي ينص في الفصل 675 على أنه " يمكن أن تنفذ عن طريق الإكراه البدني بقطع النظر عن المتابعات التي يقع إجراؤها على الأموال حسب الفصل 673 الأحكام الصادرة بالغرامة، ورد ما يلزم رده والتعويضات وا لمصاريف .
و ... الإكراه البدني عن طريق الزج بالغريم في السجن ولا يمكن أن يسقط الإكراه البدني بحال من الأحوال الالتزام الذي يمكن أن تجري في شأنه بعد ذلك متابعات بطرق التنفيذ العادية 17.
إلا أن أهم ظهير في هذا الباب هو ا لظهير رقم 305-60-1 الصادر بتاريخ 20/2/1961 بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية؛ لكن هل ما زالت مسطرة الإكراه البدني لازمة التطبيق في كافة الحالات ؟
أم أن المشرع المغربي قد نحى منحى التشريعات الحديثة في الحد من هذا التدبير السالب للحرية ؟ فما هي المستجدات في هذا الباب ؟
يجدر في البداية أن نشير إلى موقف الشريعة الإسلامية في هذا الباب :
أ – الإكراه البدني في الفقه الإسلامي :
لقد أقر فقهاء الإسلام مبدأ حبس المدين الذي يمتنع عن الوفاء بديونه رغم قدرته ويسره، حيث اعتبروا الحبس في حالة المماطلة المتعمدة جزاء لظلم المدين دائنه لقوله ص " مطل الغني ظلم، فلا يجوز حبس المدين المعسر الذي لا مال له لأداء الدين و إنما ينظر إلى حين يسره " لقوله تعالى " وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون "، وعليه فالمبدأ في الفقه الإسلامي بقول " يسر المدين شرط حبسه " .
ب- الإكراه البدني في المواثيق الدولية :
لقد بادر المغرب إلى المصادقة في مارس 1979 على اتفاقية نيويورك الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخة في 16/12/1966، والتي نصت في فصلها الحادي عشر على أنه : " لا يجوز سجن إنسان فقط على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي" ورغم الخلاف الذي رصد في تعامل المحاكم المغربية مع هذا النص حيث رفضت العديد من الأحكام تطبيق الاتفاقية الدولية 18 ، فإن المجلس الأعلى قد تراجع عن ذلك في قرار حديث طبق المادة 11 ورفض تطبيق الإكراه البدني على المدين المعسر بالرغم مما يقضي به القانون الوطني وهو ما اعتبره السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى في كلمته بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2001 اتجاها إنسانيا يميز بين الموسر والمعسر حيث يكره الأول و ليس الثاني كما تقضي بذلك مبادئ الفقه الإسلامي .
ج- مستجدات الإكراه البدني من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية :
كرس المشرع المغربي من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية مبدأ اللجوء إلى الإكراه البدني لحمل المدين على الوفاء بما هو ملزم به، إلا أنه أحاط ذلك بعدة ضمانات .
فالمسطرة كانت مجحفة بشكل كبير حيث إنه بعد توجيه الإنذار إلى المعني بالأمر وفق ما تقتضيه أحكام ظهير 21/8/1995 تحرك الإدارة مسطرة الإكراه بمجرد عدم الاستجابة، و ذلك بتوجيه طلب مباشر إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة استنادا إلى قاعدة الأداء أولا .
و بصدور مدونة تحصيل الديون بالظهير الشريف رقم 177-00-1 القاضي بتنفيذ القانون رقم 97-15 ، نظمت الفصول 76 إلى 83 مسطرة الإكراه البدني كوسيلة لتحصيل الديون العمومية حيث نصت المادة 76 على ضرورة اللجوء أولا إلى الطرق الأخرى للتنفيذ الجبري وخاصة الحجز على أموال المدين، وبعد فشل تلك الطرق يتم سلوك مسطرة الإكراه البدني، وحصر الفصلان 77 و 78 نطاق المسطرة في المدين المعروف بيسره واستثنت المدين الذي ثبت عسره وفق الشروط المقررة في المادة 57 وذلك إما بإنجاز محضر بعدم وجود ما يحجز، وإما بشهادة الصور المسلمة من طرف السلطة الإدارية المحلية كما تم استثناء بعض المدينين من الخضوع للإكراه البدني في حالات عددتها المادة 77 سواء ما تعلق منها بمبلغ الديون المستحقة إذ أعفت الديون التي تقل عن 8000 درهم، كما راعت بعض الحالات الاجتماعية كحالة المرأة الحامل والمرضعة وكذا سن المدين فأعفت المدين الذي يقل عمره عن 20 سنة أو يفوق 60 سنة، ونصت على عدم تطبيق المسطرة ضد الزوجين في آن واحد ولو من أجل ديون مختلفة، و أدخلت المادة 79 مددا زمنية للإكراه البدني بالنسبة للضرائب المباشرة والرسوم المماثلة وديون الدولة الأخرى بخلاف مدة الإكراه بالنسبة للمصاريف القضائية والغرامات الواردة في الفصل 678 من ق.م.ج .
و ألزمت أخيرا المادة المذكورة الإدارة ( المحاسب المكلف بالتحصيل ) بتقديم طلب الإكراه البدني إلى قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية المختصة ليبت فيه بمقتضى أمر داخل أجل لا يتجاوز ثلاثين يوما يحدد فيه الحبس، ويعمل وكيل الملك على تنفيذ ه بمجرد توصله به .
د- الإكراه البدني في قانون المسطرة الجنائية الجديد :
ينص الفصل 675 من قانون المسطرة الجنائية القديم ( ظهير 1959 ) على ما يلي : " يمكن أن تنفذ عن طريق الإكراه البدني بقطع النظر عن المتابعات التي يقع إجراؤها على الأموال حسب الفصل 673 الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده و التعويضات و المصاريف ".
و ينجز الإكراه البدني عن طريق الزج بالغريم في السجن و لا يمكن أن يسقط الإكراه البدني بحال من الأحوال الالتزام الذي يمكن أن تجري في شأنه بعد ذلك متابعات بطرق التنفيذ العادية " .
أما الفصل 635 من قانون المسطرة الجنائية الجديد نقد أضاف فقرة ثالثة نص فيها على ما يلي : "غير أنه لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني على المحكوم عليه الذي يدلي لإثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو العامل أو من ينوب عنه و بشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن المحكوم عليه " .
و قضت المادة 637 من المسطرة الجنائية الجديدة بمنع تنفيذ الإكراه البدني في آن واحد على الزوج و الزوجة ولو من أجل ديون مختلفة ولا على امرأة حامل ولا على امرأة مرضع في حدود سنتين من تاريخ الولادة .
كما عمد الفصل 638 إلى تحديد مدد الإكراه البدني فتم تقليصها بحسب المبالغ المستحقة .
أما عن المسطرة فقد نظمها الفصل 639 الذي قضى بتقديم طلب الإكراه البدني لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة، ويرفق بنسخة من المقرر القابل للتنفيذ بالإضافة إلى الوثائق المشار إليها في المادة 640 .
و يلاحظ من خلال هذا التنظيم أنه راعى ضرورة الانسجام مع أحكام الفقه الإسلامي و كذا الاتفاقية الدولية، و مدونة تحصيل الديون العمومية، وذلك تأسيسا على مبدأ " إعفاء الملزم في حالة إثبات عسره " .
المطلب الثاني: صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبة في مجال الإكراه البدني
نصت المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على أنه: " لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال، ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك :
1- توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، دون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر واحد من تاريخ التوصل به
2- تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن
3- الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين إذ لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات مع مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده .
وهكذا يبدو أن المشرع حاول إحاطة نظام الإكراه البدني بسياج عتيد، وحذر شديد بما استلزمه من شروط نصت عليها أيضا المادة 639، كما حاول الانسجام مع باقي الأنظمة القانونية المغربية المنظمة له، وذلك في انتظار إيجاد بديل للنظام .
إن محاولة مشرع قانون المسطرة الجنائية الجديد تبني مبادئ حقوق الإنسان والحريات الشخصية بادية للعيان من خلال ما تقدم، كما أنها كرست مبدأ سبقها إليه الفقه الإسلامي والقانون الدولي ومدونة تحصيل الديون العمومية، وع ذلك فقد أصبحت مقتضيات القانون الجديد ذات أهمية كبيرة في مادة الإكراه البدني، وذلك بجعل قاضي تطبيق العقوبات حارسا أمينا للمواد المنظمة لها بما وفرت له من حق الموافقة أو الرفض على تطبيقها على المدين .
خاتـــــمة :
إذا كانت الأنظمة المقارنة التي تبنت نظام قاضي تنفيذ العقوبات قد كيفت وجود المؤسسة مع نظام العقوبات الواردة في قوانينها الجنائية وذلك بالنص على العقوبات البديلة بمختلف أنوا عها، فإن تبني المشرع المغربي للمؤسسة لم يصاحبه هذا النوع من التكييف القانوني.
وإذا كان من الممكن استساغة عدم القيام بإدراج العقوبات البديلة ضمن القانون الجنائي المغربي، مع ما ارتأى مشرع قانون المسطرة الجنائية الجديد من تقليص لصلاحيات هذا القاضي، فإن التطبيق العملي سيثبت لا محالة ضرورة التعجيل بتوسيع اختصاصاته، وإدراج بدائل العقوبات ضمن القانون الجنائي بشكل سريع، ولربما هذا ما يهدف إليه من خلال صياغة المادة 596 في فقرتها الأخيرة
" يمارس مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب أي نصوص أخرى " نظرا لما سوف يتطلبه الأمر من تكريس لمكانة هذا القاضي ولدوره في أهداف الإدماج وإعادة الإدماج بالنسبة لخريجي المؤسسات السجنية .
وإنه لمن دواعي الاعتزاز الإشارة إلى أن المشرع المغربي فطن مؤخرا إلى أن المؤسسات الدخيلة
على القانون الوطني، والتي لم تنبع من خصوصيات عملنا القضائي واحتياجاتنا اليومية، يلزم أن يتم تبنيها بنوع من الحيطة والحذر وعلى مراحل حتى يتسنى تكييفها مع خصوصياتنا .
ومهما يكن من أمر فإن نجاح المؤسسة يتوقف على شخص قاضي تطبيق العقوبات بما يتطلبه دوره من حنكة التصرف بمرونة مع الإمكانيات التي يتيحها القانون الجنائي الحالي، وكذا النصوص المنظمة لسير المؤسسات السجنية، وما يمكن أن تمليه عليه قناعته من خلال معاينة ومعايشة السجين نفسه .
وتبقى عملية إحداث المؤسسة بداية عمل لم ينته منها المشرع المغربي، كما يفضل التحفظ في تقييم التجربة إلى ما بعد استكمال معالمها والشروع فيها، وهو ما سوف يسمح حينئذ بإيجاد الجواب لعدة إشكاليات منها الرقابة على عمل قاضي تنفيذ العقوبات، وتحديد الطبيعة القانونية للقرلرات التي يصدرها ومدى قابليتها للطعن ./.