عدد المساهمات : 320 تاريخ التسجيل : 08/11/2012 العمر : 36
موضوع: أسس سعادة الحياة الزوجية الأربعاء أغسطس 21, 2013 4:00 pm
أسس سعادة الحياة الزوجية
بقلم: محمد بهادي
لقد غمر الله تعالى الحياة الزوجية منذ بدايتها وفق سنن خلقها، بالمودّة والرّحمة حتّى يعيش الزوجان في سعادة مطلقة، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(1) وأحاط ذلك بمرتكزات ومساند تسعف سعادة الزوجين كلّما ضعفت أو هدّدت سلامتها، وتندرج تحت ذلك الأسّ المزدوج - المودّة والرّحمة - تابعة، ولا تظهر أهميّتها إلاّ إذا تضرّر. فالمودّة والرّحمة تولد بين الزّوجين بمجرّد الزّواج وتشتعل باشتعال عواطف الطّرفين، في تجاهل تامّ لكلّ المنغّصات والمكدّرات والمشوّشات، لكن سرعان ما تتلوّث تلك المودّة والرّحمة مع كثرة المشاغل والمشاكل. لذلك كان لابدّ من استحضار الأسس التابعة، حتّى تقوِّم ما اعوجّ أو ترمِّم ما انهدم، وتُبقِي على سعادة الطّرفين، إذا حرص الزوجان عليها عاشا سعيدين، وإذا أهملاها بقي الصّبر الحلّ الوحيد حتّى تستمرّ الحياة الزوجية بشكلها العادي غير المفضّل. تتجلّى الأسس التابعة لأسّ المودّة والرّحمة في عدّة عناصر يمكن للزّوجين الزيادة فيها أو النقصان منها حسب حاليهما وطبيعة تفاعلهما، يضعانها دستوراً لحياتهما ويتعاهدانها عند كلّ خلاف وبدون خلاف. وهي تكثر وتقلّ بحسب المستوى التربوي للفرد ومدى التزامه بالثوابت الشرعية (الصّدق والإخلاص والثقّة وحسن الظن والتواضع والبذل في بناء الحياة الزوجية واجتناب الظلم والاعتداء.. وغير ذلك من الثوابت الشرعية)، ينحصر بعضها في الآتي:
1ـ الاحترام المتبادل لا يعقل أن ينعم الزوجان بسعادة وأحدهما يحقر الآخر أو يسخر منه أو يتتبّع عوراته. قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ).
2ـ التقدير من الطرفين روي عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك. ما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك. ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا»(2)".
3ـ الاشتغال بعظائم الأمور والترفع عن سفاسفها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها». وفي رواية أخرى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها»(3).
4ـ تلبية رغبات أحدهما للآخر على قدر المستطاع تسعد الزوجة إذا لبّى الزّوج رغباتها، ويسعد الزوج إذا لبّت الزوجة رغباته، سواء كان بالإشراك في الطموحات، أو إبداء الاهتمام بأمر الآخر، أو قضاء الحوائج، أو زيارة الأقارب، أو غير ذلك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»(4).
5ـ صيانة المودّة والرّحمة نظراً لتضرّر المودّة والرّحمة تحت ضغط كثير من العناصر، يستوجب تجديدها وإحياؤها بأعمال أخرى، من بينها الوسائل الآتية: ـ الهدية: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء»(5)، وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا»(6). ـ تجديد المشاعر: وذلك بالكلام الرقيق والملاعبة والمداعبة، قال ابن قيم الجوزية: "وإذا كانت المحبة من الجانبين، استراح بها كل واحد من المحبين، وسكن ذلك بعض ما به، وعده نوعا من الوصال... وقال آخر: فيا رب أشغلها بحبي كما بها... شغلت فؤادي كي يخف الذي بيا وقالت امرأة تعاتب بعلها: أسأل الذي قسم بين العباد معايشهم أن يقسم الحب بيني وبينك، ثم أنشدت: أدعو الذي صرف الهوى ... مني إليك ومنك عني أن يبتليك بمــا ابتـلا ... ني أو يسل الحب مني وقال آخر: فيا رب إن لم تقسم الحب بيننا ... بشطرين فاجعلني على هجرها جلدا وأعقبني السلوان عنها ورد لي ... فؤادي من سلمى أثبك به حمدا"(7). ـ التزيّن: عن ابن عباس قال إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحبّ أن تتزين لي المرأة(. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي سخابا من ورق فقال: ما هذا يا عائشة ؟ فقلت صنعتهن أتزين لك فيهن يا رسول الله..(9). ـ الكلمة الطيّبة: عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة»(10). ـ دعوة أحدهما الآخر بأحبّ الأسماء إليه وأفضل الألقاب: روي عن عثمان بن طلحة: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه(11).
6ـ مراعاة أحوال الطّرف الآخر ـ عدم الإثقال عليه إذا كان مثقلاً. ـ مؤانسته وخدمته إذا كان مريضاً. ـ مساعدته إذا كان مغلوباً. ـ تشجيعه إذا كان محتاجاً. ـ نصحه إذا كان مخطئاً. ـ التماس العذر له إذا كان معذوراً. ـ الابتعاد عن العادات التي يكرهها إن كان مصرّاً.
7ـ التنازل على قدر الإمكان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك المراء(12) وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة ومن تركه وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة»(13). قال عمار: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار(14).
8ـ الحوار الهادئ ـ عقد جلسة بشكل دوري يتصافان فيها الإثنان، ويصارح كلّ منهما الآخر بما يختلج في قلبه في اتجاه الآخر من ملاحظات وتحفظات قصد إصلاحها وتقويمها. ـ حصر المشكل بين الزوجين. ـ فتح صفحة جديدة بعد طيّ لما سبق، طيّ يطبعه التغافر والتجاوز.
9ـ المسارعة والمبادرة إلى الصّلح بالتي هي أحسن، وترك المجال للزمن لمعالجة ما تضعف العزائم عن معالجته فالتأخّر عن حلّ المشاكل يفتح الباب للشيطان لينفخ فيها وللنفس لتطوّرها وتعقّدها، أمّا إهمال المشاكل وتجاوزها بدون إصلاح فهو الإبقاء على بركان خامد متوقّع انفجاره في أيّ لحظة، لذلك فالصلح العاجل هو أفضل الحلول، والصلح خير، قال الله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)(15)، قال الإمام القرطبي: "لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق. ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأته، في مال أو وطء أو غير ذلك. "خير" أي خير من الفرقة; فإن التمادي على الخلاف والشحناء والمباغضة هي قواعد الشر, وقال عليه السلام في البغضة: (إنها الحالقة) يعني حالقة الدين لا حالقة الشعر(16).
10ـ طاعة الزوجة لزوجها وحسن معاشرة الزوج لزوجته ـ طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف وفي المعروف. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ فقال: خير النساء من تسر إذا نظر، وتطيع إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله(17). ـ حسن المعاشرة. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف): أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والخطاب للجميع، إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو وليا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج، وهو مثل قوله تعالى: «فإمساك بمعروف» وذلك توفيه حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقا في القول لا فظا ولا غليظا ولا مظهرا ميلا إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ومنه قول طرفة: (فلئن شطت نواها مرة... لعلى عهد حبيب معتشر)"(18).
11ـ قوامة الرجل، وحافظية المرأة قال الأستاذ عبد السلام ياسين: "جمع الله عز وجل وظيفة الزوج ووظيفة الزوجة في قوله جل ذكره: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)(19). فالرجل مسؤول عن رعيته يربيها، ويطعمها، ويكسوها، ويحميها، ويقيها نارا وقودها الناس والحجارة بتوجيهها إلى الإيمان. والمرأة حافظة لغيب الرجل. حامية لظهره، كي ينبعث إلى جهاده آمنا أن تظهر من خلفه عورة تكسر صلبه"(20).
12ـ الدّعاء بظهر الغيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ولك بمثل»(21).
----------------------- 1 - سورة الروم(21). 2 - سنن ابن ماجه، باب حرمة دم المؤمن وماله، رقم: 3932. 3 - شعب الإيمان لأبي بكر البيهقي 6/241، رقم:8012. 4 - صحيح البخاري، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم الحديث: 2310 5 - الموطأ - رواية يحيى الليثي - باب ما جاء في المهاجرة، رقم الحديث: 1617. 6 - الأدب المفرد، باب قبول الهدية، رقم الحديث: 594. 7 - روضة المحبين 1/77ـ78. 8 - مصنف ابن أبي شيبة، باب ما قالوا في قوله وللرجال عليهن درجة رقم الحديث: 19263 - سنن البيهقي الكبرى، باب حق المرأة على الرجل، رقم الحديث: 14505. 9 - المستدرك على الصحيحين، كتاب الزكاة، رقم الحديث:1437. 10 - صحيح البخاري، باب صفة الجنة والنار، رقم الحديث: 6195. 11 - المستدرك، كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، رقم الحديث: 5815. 12 - المراء هو الطعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير وإظهار مزية الكياسة. 13 - الموطأ - رواية محمد بن حسان - باب الخصومة في الدين، رقم الحديث: 917. 14 - الجامع الصحيح المختصر، باب إفشاء السلام من الإسلام، 1/18. 15 - سورة النساء(128). 16 - الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي. 17 - سنن النسائي الكبرى، كتاب الاستعاذة، رقم: 7961 - المستدرك، كتاب النكاح، رقم الحديث: 2682. 18 - الجامع لأحكام القرآن. 19 - سورة النساء (34). 20 - المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً. 21 - سنن أبي داود، باب الدعاء بظهر الغيب، رقم الحديث: 1534