الفصل الخامس
منقول للإفادة
الخصال العشر وشعب الإيمان
• السلوك إلى الله
• شعب الإيمان
• وحدة السلوك
• الخصال العشر:
الصحبة والجماعة
الذكر
الصدق
البذل
العلم
العمل
السمت الحسن
التؤدة
الاقتصاد
الجهاد
الخصال العشر وشعب الإيمان
السلوك إلى الله:
قال الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني.(سورة يوسف، الآية: 108)
ذلك السبيل عقبة تقتحم، وليكون سلوكنا على ذلك السبيل، على ذلك الصراط المستقيم، سلوكا على بصيرة، واقتحاما على هدى لا على تخبط، على علم لا على ظن، على حق وسنة لا على هوى وبدعة، نحتاج لمعالم وأمارات على الطريق، نتأكد بها أننا لم نزغ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للإسلام صوى ومنارا كمنار الطريق" رواه الحاكم عن أبي هريرة. الصُّوَى جمع صُوَّة وهي الحجارة التي تعلم بها الطريق.
فهو سلوك إذن، سير وطريق تقطع مسافاتها، وغاية يسعى إليها. ما هي طريق معبدة سهلة، بل هي طريق وعرة، عقبة. من حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البيهقي وابن سعد عن أبي البجير: "ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بسهوة". وهو حديث حسنه السيوطي، يوافق في معناه ويشرح آية اقتحام العقبة. الحزن الوعر والربوة العقبة والسهل والسهوة عكسهما.
شعب الإيمان:
والغاية الله عز وجل، والمنزل الجنة، لمن سلك طريق الإيمان، وسبقت له من الله الحسنى.
عندما يذكر الإسلام لمن لا يعلم عن الإسلام شيئا، بل حتى عندما يتقدم في سرب الإيمان من يتقدم، يخيل للسامع والباحث والعابد والمجاهد صور شتى عن ما هو الإسلام، وعن معنى درجات الإسلام فالإيمان فالإحسان. ما هو الإسلام بالنسبة لي كفرد له مبتدأ في الزمان، ومثوى في المكان، ومكانة ووظيفة في المجتمع، وشهوات، وعقل، وطموح، وموت. ثم معنى الإسلام والإيمان والإحسان بالنسبة لسير البشرية التاريخي ولحاضر المسلمين ومستقبلهم. قد تكون الصور المتخيلة عائمة محلقة في المعاني المجردة أو مغرقة في الجزئية لا تتجاوز الاهتمامات الفردية.
فنريد أن تكون التربية الإيمانية والتنظيم الجهادي، جامعين لكل معاني الإيمان، وحركاته، وعواطفه وعباداته، سواء ما يخص منها الفرد وما يعم الجماعة وما وراءها من العالم. وجدنا حديث شعب الإيمان ونكرره، روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون -عند البخاري بضع وستون- شعبة (زاد مسلم): أعلاها قول لا إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
هذا الحديث الشريف يضع أقدامنا على منطلق الجادة، ويضع لنا صوى ثلاثة من معالم الطريق، ثم يحصر لنا عددها في بضع وسبعين.
فنريد أن يكون سلوكنا على بصيرة واتباع، ونريد أن تكون الدعوة دعوة إلى الله، لا مجرد دعوة للإسلام أو مجرد دعوة للجهاد. فإن ذكر الغاية -وهي وجه الله تعالى- والتذكير بأن الأمر سير، وسلوك، ومراحل زمنية مداها عمر الفرد واستمرار الرسالة إلى يوم القيامة، يعطينا تصورا متحركا للإسلام، يصور لنا الإيمان مجموع علاقات بين العبد وربه وبين العبد والناس، ثم بين جماعة المؤمنين المخاطبة بالقرآن، وبين سائر بني الإنسان، تم يصور لنا معنى كل ذلك، ومعنى المبدأ والمعاد والدنيا والآخرة.
للإسلام صوى وطريق لها معالم، والحديث عن شعب الإيمان يصور الإيمان وحركة المؤمنين في سيرهم إلى الله نهرا له شعب وروافد.
العين التي ينبع منها الإيمان، إذ هي أعلى شعبه، قول لا إله إلا الله. قولها باللسان، واعتقادها بالقلب، وتنفيذ مقتضاها وهو حاكمية الله. ثم ينحدر النهر وتصب فيه روافد سائر الشعب، فكلما كان نصيب المرء من أعمال الإيمان وعواطفه وأقواله وآدابه ومواقفه وعمله وسمته أكثر كان إيمانه أقوى.
يمثل نهر الإيمان في تجمعه وقوته الزاخرة في قلب المؤمن وجهاد الجماعة:
1- "مجموع" فضائل المؤمن، وقد جعلنا كلمة "مجموع" مفهوما نعني به أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان وخصال الخير، فلا ننتظر أن تعطينا التربية رجالا في نفس المستوى في كل الجوانب، ولا ننشد في إخوتنا الكمال في كل الفضائل. هنالك الاستعداد والقابلية اللذان أودعهما الله تعالى في فطرة كل منا، وهناك القدرة على الكسب على التعلم والعمل وبذل الجهد، إلى كل ما هنالك.
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفاضلين باعتبار "المجموع"، فما أجمعت عليه الأمة من تفضيل بعضهم على بعض استنادا لتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم لا يدل على أن الفاضل فاضل في كل خصال الإيمان، بل يدل على أن مجموعه الإيماني في كله أرفع عند الله درجة وأثقل في ميزان الأعمال والجهاد وزنا. ولا يمنع فضل هذا في جزئية إيمانية أن يكون مفضولا في مجموعه.
أورد الترمذي وابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرأهم لكتاب الله أبي، وأفرضهم زيد، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ. ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وأحاديث أخرى مثل هذا تذكر الخصال التي برز فيها هذا على هذا.
2- الجماعة المؤمنة التي تقوى على الجهاد بتوفر الكفاءات والفضائل في أفرادها وتكاملها. فبالنسبة للجماعة يمثل نهر الإيمان مجموع السلوك الإيماني في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
فمعنى الحل الإسلامي أن يهيمن شرع الله بأحكامه، والإيمان بالله بكل شعبه، على كل حركات المجتمع وعلاقاته ونشاطاته، في القضاء، في الحكم، في الجيش، في الإدارة، في الشرطة، في التربية، في الشباب، في إنصاف المرأة، في قوامة الرجل، في الأموال والاقتصاد، في الحياة اليومية، في علاقات المسلمين مع الصديق والعدو، في الأسرة والبيت، في القطر وعبر الأقطار، حتى يتوحد المسلمون في العالم.
الذين يقترحون الحلول المستوردة لورطة المسلمين التاريخية، وتخلفهم الاقتصادي وهزيمتهم العسكرية والحضارية، يلفقون من أفكار وقيم الجاهلية، يقترحونها أو ينفذونها ويفرضونها إن تسلطوا على الحكم، فيزداد الخبال في مجتمعاتنا الضحية.
وغداة الإسلام نحتاج أن تحتل القيم الإيمانية محل قيم الفتنة في كل مجال، وتملأ فراغا كبيرا على كل مستوى، بعد أن ينفر الشعب من رائحة كل ما ليس منا ولا من ديننا. في كل جزئية مهما صغرت من حياة الأمة لا بد أن يهيء المجاهدون الجواب عن الأسئلة، والنشاط الإيماني ليخلف النشاط الجاهلي، والفكر الإسلامي ليسود حيث كان يسود غيره، والأخوة الإسلامية لتعود الرحمة فتغطي الكراهية، والعدل الإسلامي لينهي الاستغلال الطبقي والحقد والبؤس.
مهمات المؤمنين يوم الإسلام كثيرة وضخمة وشاملة ودقيقة، فلا بد من تهيئ الإسلام. وذلك من أول واجبات التربية والتنظيم، وشعب الإيمان بعددها الواسع وشمولها للعقيدة والعاطفة والحركة، وكل السلوك، هي المضمون الذي يتجسد فيه الإيمان طريقا إلى الله وحلا لمشاكل المجتمع والأمة، ومنهاجا للحكم، وتنمية، وسياسة.
يمثل نهر الإيمان بشعبه الثرارة وقوته الزاخرة في قلوب الإسلاميين الصاحين من غفوة، الذاكرين الله من غفلة، المتحفزين لجهاد، طاقة النهوض لموعود الله بقيام الخلافة على منهاج النبوة، ووحدة المسلمين في العالم، لموعود الله بدخول الإسلام أهل الحجر والمدر، لسيادة الحضارة الإسلامية والقيم الإيمانية على الجاهلية في الأرض.
وحدة سلوك:
الانتماءات السطحية الشيطانية للشهوة، والطموح الفردي، والعصبية المحلية، والوطنية والقومية، حواجز نفسية وسياسية واجتماعية ومصلحية، تحول دون تكوين جماعة منسجمة، ودون لقاء المجتمعات المسلمة المغلوية على أمرها لتكون جسم الأمة الصحي القادر على مواجهة مهماتنا التاريخية وحمل أعباء حضارتنا ورسالتنا للعالم.
فنهر الإيمان بشعبه يمثل وحدة سلوك تكسر الحواجز، حواجز الأنانيات، والعادات، وسائر الحدود النفسية، والاجتماعية، والسياسية، والمصلحية، التي ضربت بين أفراد مجتمعاتنا المفتونة الطبقية، وبين مجتمع وطني قومي وآخر.
انتماؤنا إلى الله عز وجل بوحدة السلوك الإيماني الأخلاقي لا يعني أن نتبخر من على الأرض، بل بالعكس يعني أن نلتحم في جماعة الجهاد، ثم نسعى بعد إقامة الدولة الإسلامية الفطرية أن نلتحم عبر حدود الفتنة حتى النصر والخلافة والوراثة بإذن الله. وهذا يعني تحرير الإنسان، وتحرير الأرض، والجلاد على ذلك.
الخصال العشر:
شعب الإيمان بضع وسبعون حصرها الحليمي والبهيقي في سبعة وسبعين، فنقف عند هذا العدد وإن كان البضع من ثلاثة إلى عشرة كما في اللغة.
فلكثرة العدد نقسم الشعب في تصنيفها إلى عشر فئات، تكون كل فئة منها خصلة، لتقارب موضوعها ومغزاها الإيماني ومرماها السلوكي.
ونحن ذاكرون ذلك ببعض التفاصيل إن شاء الله في هذا الفصل.
عشر صوى على الطريق، عشر خطى، عشر مجموعات من الشعب.
• الخطوة الأولى على طريق التربية والتنظيم، على طريق المنهاج المؤدي إلى الله عز وجل بالنسبة للمؤمن، وإلى الخلافة بالنسبة للأمة وإلى السيادة الحضارة الإسلامية بالنسبة للعالم هي الصحبة والجماعة، هي لقاء رجل يربيك وجماعة مؤمنة تؤويك تحضنك، حتى يسري بصحبة المربى والجماعة إلى قلبك و"سلوكك أول سلك من أسلاك نور الإيمان، وأول نفحة من عبيره، وأول فيض من مائه".
• الخطوة الثانية، الإقبال على ذكر الله ترديدا للكلمة الطيبة وصلاة وعبادة. ومتى أصبح ذكر الله ودعاؤه والإقبال عليه في كل زمان للفرد المؤمن والجماعة الإيمانية المجاهدة هو الشغل الأول للقلب واللسان و الجسم والفكر، فقد بدأ تحول الفرد والجماعةمن الغفلة عن الله لذكره، من الإباق عن بابه للتوبة إليه، من تحكيم الطاغوت لنصرة شرعه.
• الخطوة الثالثة الصدق، التصديق بالله وغيبه. البرهنة بالاستقامة في القول والفعل على استعداد للجهاد.
• الخطوة الرابعة البذل، بذل يزيل شح النفس الفردية، فتزول بعموم الإيمان وسيادته شقاوة البائس المحروم. عدل الإسلام سيف يقطع بشرع الله الطبقية والأثرة والاستغلال، والبذل المتطوع يأتي بالأخوة سكينة ورحمة بين الناس.
• الخطوة الخامسة علم.
• الخطوة السادسة عمل.
• الخطوة السابعة سمت.
• الخطوة الثامنة تؤدة.
• الخطوة التاسعة اقتصاد.
• الخطوة العاشرة جهاد، والجهاد ثمرة تربية وتنظيم وعمل نشيط ملتزم بخط الإيمان، وسير الإيمان وفيض الإيمان، وسلوك الإيمان.
جعلنا الخصلة العاشرة مصبا لروافد الإيمان وشعبه، متدرجين من أهون أعمال الإيمان إلى أشقها. من لقاء فيه صحبة ومحبة رقيقة ومحضن دافئ أمين، إلى الموت في سبيل الله في ساحة الجهاد، مع الجماعة.
وتدرجنا تربية من الاتصال بأشخاص يشع منهم الإيمان إلى ذكر الله وهو الدواء إلى امتحان الصدق بالبراهين العملية، إلى بذل وعطاء، إلى علم وعمل، إلى سمت وتميز إلى تؤدة وصبر إلى اقتصاد ومضاء في الطريق، إلى اكتمال الرجولة بالكفاءة للجهاد.
وتدرجنا تنظيما من صحبة فضفاضة عاطفية، إلى عبادة فردية يندب الشارع أن تكون جماعية فيضاعف عليها الجزاء، إلى اختبار صدق الوارد، إلى البدء بماله نأخذ منه، إلى تعبئة فكره لمعركة العلم، إلى تشميره للعمل، إلى انضمامه إلينا وتميزه عن القاعدين، إلى تمرسه بمهمات شاقة تريد الصبر، إلى الموقف التنفيذي الذي لا يتردد، إلى الجهاد والموت في سبيل الله.
الخصال العشر –وتحت كل منها عدة شعب من شعب الإيمان- منهاج تربية، وتنظيم، وحكم، وسلوك إلى الله. تشمل كل الفرض والنفل والسنة والندب.
ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شعب الإيمان جمع بين لا إله إلا الله وهي أصل الإسلام وركنه الأول، وبين الحياء وهو خلق، وبين إماطة الأذى وهي فضيلة وروى البخاري أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن عدي: "إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان". جمع بين الفرائض والسنن والحدود والشرائع، فكلها صوى على الطريق والسنة تكمل الفرض، والمكروه يلحق بالمحظور.
لم نصنف الفرائض وحدها، والسنن والمستحبات وحدها، والمحظورات والنواهي وحدها. إنما صغنا السلوك الفردي والجماعي باعتبار ما وعد الله من خير لمن أطاعه وأطاع رسوله في الأمر والنهي، ويبقى ترتيب الشريعة على حاله، فالفرض فرض وأحكامه أحكامه، والسنة والحرام والمكروه، وكل على مقتضاه.
ثم أننا لم نضع لا إله إلا الله في أول الشعب فهي أعلاها، إنما مهدنا لها بشعب الصحبة والجماعة لأسبقية العامل الاجتماعي -الوارد والمربي والرفيق- في التأثير فإنما آمن من آمن لأنه سمع من دعاه للإيمان وصدقه واتبعه، وإنما كفر من كفر وانحرف من انحرف بتأثير البيئة أول شيء.
نذكر إن شاء الله تحت كل خصلة مغزاها تربية، ثم مغزاها تنظيما، ثم نعد ما أدرجناه تحتها من شعب الإيمان.