منتدى زِدْنِي عِلماً القانوني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى زِدْنِي عِلماً القانوني

لطالب العلم عز الدنيا وفوز الآخرة وخير الناس من نفع الناس
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطبيعة القانونية لاتفاقية الشغل الدولية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سعيد الزعيم
Admin
سعيد الزعيم


عدد المساهمات : 320
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
العمر : 36

الطبيعة القانونية لاتفاقية الشغل الدولية Empty
مُساهمةموضوع: الطبيعة القانونية لاتفاقية الشغل الدولية   الطبيعة القانونية لاتفاقية الشغل الدولية Icon_minitimeالأربعاء أغسطس 21, 2013 1:19 pm

مــقدمــة
منقو ل للإفادة
قد يكون من الإجحاف أن ينكر إنسان متشبع بروح العصرنة والحداثة ما للمعاهدات من أهمية قصوى في الوقت الراهن، وذلك باعتبارها المصدر الرئيسي للقانون الدولي، أقرب بديل للتشريع الدولي وأداة لتطوير التنظيم العالمية وتأطير العلاقات بين الأمم وتحقيق الاتصال بينها، ومن تم التعاون والتعايش فيما بين مختلف مكونات المجتمع الدولي.
غير أن أهمية المعاهدات قد تختلف بالنظر إلى موضوعها أو المجال الذي تسعى إلى التدخل فيه، هذه الأهمية لا يمكن لأي أحد أن ينكرها أو يغفلها عند حديثه عن الاتفاقيات المتعلقة بقضايا العمل والأجراء، نظرا لاتصالها بصميم الحياة اليومية لأعداد كبيرة جدا من الناس الذين يراهنون على العمل لضمان عيشهم وعيش أسرهم، ومن حيث اختراقها الحدود الوطنية للدولة لتحتل مكانا مطرد التزايد والأهمية في المجتمع الدولي( ).
إن فكرة إبرام اتفاقيات دولية للشغل كانت مجرد حلم داعب أذهان المصلحين الاجتماعيين والمفكرين ردحا طويلا من الزمن وقد كتب له النجاح بإنشاء منظمة الشغل الدولية كإحدى الهيئات المتخصصة، وذلك عندما أدرك حاملوا لواء السلام في فرساي أن السبيل لاستقرار السلام العالمية لن إلا يتأتى بتوفر العدالة الاجتماعية، هذه الأخيرة لا يمكن بلوغها إلا بتعاون دولي لتحسين وتوحيد ظروف الشغل والمعيشة بين مختلف الدول على نحو قد يمنع كل أشكال المنافسة غير المشروعة فيما بينها.
ومنذ تأسيس منظمة العمل الدولية في 11 أبريل 1919، وفي محاولة منها لتحقيق أهدافها المنصوص عليها في ديباجتها أو تلك التي أقرها إعلان فيلاديلفيا لسنة 1944، والذي أعادت من خلاله تحرير غاياتها وأسلوب عملها لتصبح منسجمة مع عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، عملت هذه الهيئة لمتخصصة على إصدار ترسانة قانونية مهمة في مجال الشغل، وذلك عن طريق تبنيها لمجموعة من الاتفاقيات والتوصيات غطت تقريبا مختلف المجالات التي لها علاقة بالشغل.
وفي نظر البعض، فإن هذه الآليات قد ساهمت في وضع ما يمكن أن يسمى – وإن كان ليس بالمعنى الحرفي للكلمة – مدونة شغل دولية.
غير أن من الإشكاليات المحورية التي يطرحها الحديث عن اتفاقيات الشغل الدولية مسألة طبيعتها القانونية، ومسألة مدى قوتها الإلزامية خاصة إذا علمنا بأنها الوسيلة الوحيدة لخلق قواعد قانونية في مجال الشغل على مستوى دولي، رغم غياب مشرع دولي قادر على فرض التزامات دولية بكيفية تحكمية.
ولمعالجة موضوعنا، ومن خلاله الإجابة على الإشكال المطروح عملنا على تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين نتحدث في الأول عن ماهية اتفاقية الشغل الدولية وشروط إبرامها، على أن نخصص الثاني للحديث عن آثار اتفاقية الشغل الدولية وانتهاؤها.

الفصل الأول
ماهية اتفاقية الشغل الدولية وشروط إبرامها

المبحث الأول : تعريفها وتميزها عن الأنظمة المشابهة

الفقرة الأولى : التعريف والخصائص

يقصد بمصطلح الاتفاق الدولية بصفة عامة : كل توافق بين إرادة شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام يتم وفقا لقواعده إحداث آثار قانونية معينة( ).
ويقصد باتفاق الشغل الدولي على وجه الخصوص كل اتفق دولي مكتوب يتم إبرامه وفقا للشكليات المحددة في دستور منظمة العمل الدولية، والصادر عن هيئة من هيئاتها غايته تأسيس قواعد متشابهة في مجال العمل والعمال بين مختلف الدول الأعضاء والتي صادقت عليها.
انطلاقا من هذا التعريف يمكننا الوقوف عند مجموعة من الخصائص المميزة لاتفاقية العمل الدولية كالآتي( ):
1 – الخاصية الأولى : الطابع المؤسساتي لاتفاقية العمل الدولية :
هذه الخاصية يمكن استنتاجها من واقع أن هذه الاتفاقيات يتم اعتمادها أو سنها داخل مؤسسة دولية، ومن ثم فإن تبني هذه الاتفاقية لا تسبقه مفاوضات دبلوماسية بين الدول الأعضاء، وإنما تأتي على إثر مناقشات داخل هيئات شبيهة بالمؤسسات البرلمانية في النظم القانونية الداخلية.
كما يظهر هذا الطابع المؤسساتي من خلال تفسير هذه الاتفاقيات، والذي لا يتم من طرف الدول الأعضاء، وإنما من طرف جهاز أو مؤسسة هو محكمة العدل الدولية، وفي بعض الأحيان من طرف المدير العام لمكتب العمل الدولي.
2 – الخاصية الثانية : تتعلق بالتمثيل الثلاثي للجهاز الذي يتبناه، إذ أن المؤتمر الدولي للشغل باعتباره الجهاز التشريعي للمنظمة لا يتألف من ممثلين عن الحكومات فقط بل ويضم بالإضافة إلى ذلك ممثلين عن الأجراء والمشغلين باعتبارهم معنيين بموضوع تنظيم العمل، ولكل مندوب حرية التصويت استقلالا عن غيره من أعضاء الوفد الواحد، وأحيانا يمكن أن يصوت ممثل الأجراء أو ممثل المشغلين عكس ما يراه الأعضاء الحكوميين من وفد بلاده( )، إلا أن المشكل الذي يطرح بخصوص هذا التمثيل الثلاثي يتجسد في حالة تعدد التنظيمات النقابية في بلد ما، فمن هي النقابة التي يتم تعيين مندوب الأجراء ممثل لها( ).
- الخاصية الثالثة : تتجسد في الشكليات الخاصة باتفاقيات العمل الدولية، فبعد قبول الاتفاقية يجب على الدول الأعضاء أن تحيلها إلى السلطات الوطنية المختصة قصد التصديق عليها داخل أجل 12 شهرا أو 18 شهرا على أبعد تقدير، والهدف من ذلك هو إعطاء فعالية خاصة لهذه الاتفاقيات، وهو ما سيتم توضيحه لاحقا في المبحث الثاني.

الفقرة الثانية : تميز اتفاقية العمل الدولية عن التوصية

لما كانت كل الإشكالات ذات الطابع الدولي لا يمكن أن تكون موضوعا لاتفاقية دولية خاصة في الحالة التي تكون فيها بعض المواضيع محل خلاف( )بين الدول، فقد تم ابتكار آلية أكثر مرونة لمعالجة بعض المشاكل هذه الآلية هي ما يسمى بالتوصية، وبالنسبة لمنظمة العمل الدولية تعتبر هذه الآلية شكل ثاني من أشكال تدخلها في القضايا الاجتماعية، خاصة في المسائل التي يتضح أنه لا يمكن إبرام اتفاقيات بشأنها، وتنقسم التوصيات إلى نوعين : التوصية المكملة أو المفسرة لاتفاقية دولية( )، والتوصية التمهيدية وهي تلك التي تمهد لاتفاقية دولية إذا بعد مرور سنوات من إصدارها تقبلها الدولة على شكل اتفاقية.
وهذه التوصيات في الغالب تترجح الآمال والرغبات الموجهة إلى الدول في موضوع ما، من هنا يتضح لنا الفرق الجوهري بين الاتفاقية والتوصية كآليتين لعمل منظمة دولية على عاتق الدول التي صادقت عليها، فإن التوصيات لا تهدف إيجاد التزامات بل تستهدف فقط تحديد معايير تستخدم لتوجيه عمل الحكومات.
وبالرجوع إلى مدونة الشغل نجد مجموعة من النصوص هي عبارة عن استقاء لبنود جاءت بها توصيات شغل دولية، وهذا يؤكد ما قلناه سابقا بخصوص أن التوصية تلعب دورا مهما في توجيه والتأثير على السياسة التشريعية للمحكومة المغربية.

المبحث الثاني : الطبيعة القانونية لاتفاقية العمل الدولية وشروط الإبرام

الفقرة الأولى : الطبيعة القانونية( )

إن السمات المميزة لاتفاقية الشغل الدولية المتحدث عنها أعلاه أثارت ولا زالت تثير إشكالية تتعلق بتحديد الطبيعة القانونية لاتفاقية الشغل الدولية، وهو ما نتج عنه بروز مجموعة من النظريات والآراء :
البعض اعتبرها بأنها ذات طابع شبه تشريعي، والبعض الآخر اعتبرها ذات طابع ما قبل التشريعي، وحجته في ذلك أن الاتفاقية لا تصبح ملزمة إلا بعد التصديق عليها من طرف السلطة المختصة بذلك.
لكن النظرتين الأكثر شيوعا في هذا الإطار هما:
- النظرية الأولى : اتفاقية العمل الدولية عبارة عن مجموعة قوانين دولية:
استبعد أصحاب هذه النظرية الطابع التعاقدي لاتفاقية العمل الدولية واعتبرها مجموعة قوانين دولية تصدرها هيئة تشريعية دولية هي المؤتمر الدولي، هذه القوانين تحتاج للتمتع بالقوة التشريعية الداخلية إلى تحقق شرط التصديق فقط، والذي ما هو في الحقيقة إلا انضمام لاتفاق سابق الوجود وما يبرر هذا القول في نظرهم أن سريان الاتفاقية قانونيا وكقاعدة عامة ليس وقفا على تحقق عدد محدد من التصديقات إلا في حالات نادرة.
- النظرية الثانية : اعتبرت الاتفاقية تجمع بين مفهومي العقد والقانون :
انطلق المنتصرين لهذا الرأي من الخصائص المميزة لاتفاقية الشغل الدولية ليخلصوا إلى أن هذه الاتفاقيات عبارة عن نوع خاص من الاتفاقات يتطابق فيها مفهومين اثنين : مفهوم " المعاهدة العقد "، ومفهوم " المعاهدة القانون "، حيث يتعلق الأمر في الأولى بمعاهدة تعالج أمور محدودة وجزئية أي معاهدة منتجة لوضعيات قانونية شخصية، أما الثانية فموضوعها وضع قواعد قانونية عامة بمعنى أن الاتفاق فيها يعالج أمور عامة موضوعية وغير شخصية.
ونعتقد أن اتفاقية العمل الدولية لا تعدو أن تكون عبارة عن ترسانة قانونية بالنظر إلى إجراءات اقتراحها ومناقشتها والمصادقة عليها ودخولها حيز التنفيذ، حيث إن هذه القنوات شبيهة بالقنوات التي تمر منها صياغة القوانين التشريعية الداخلية، لكن بالنظر إلى أنها تصاغ في إطار دولي فهي مجموعة قوانين دولية.


الفقرة الثانية : شروط إبرام اتفاقية العمل الدولية

إذا كان الراجح فقها وقضاءا أن الاتفاق الدولي في مفهومه الواسع تصرف رضائي لا يخضع بالضرورة لأي شكل معين، إذ من المتصور أن يتم التعبير عن الإرادات المكونة له كتابة أو شفاهة( )، فمن المتفق عليه أن اتفاقية العمل الدولية تصرف شكلي لا بد وأن يمر بمراحل جوهرية متميزة منها ما يتعلق بتسجيلها بجدول أعمال المؤتمر ومنها ما يتعلق بالمناقشة ثم المصادقة عليها.
- التسجيل بجدول أعمال المؤتمر :
إن اول مرحلة إبرام اتفاقية العمل الدولية تتجلى في تسجيل الموضوع بجدول أعمال المؤتمر الدولي للعمل، ومن المقرر أن مجلس الإدارة هو الذي يعد هذا الجدول ويقرر القضايا التي يجب تسجيلها على أساس أنها اقتراحات مقدمة من لدن المدير العام بناءً على رغبات الحكومات والمنظمات الممثلة للأجراء والمشغلين، وبعد ثتبيت القضية بجدول الأعمال فإن الإجراء المتبع هو ما يعرف بالمناقشة المزدوجة( )(سمية بالمزدوجة لأن مؤتمر العمل الدولي يناقش اتفاقية العمل الدولية خلال دورتين متتاليتين).
- المناقشة المزدوجة( ) :
يقصد بمرحلة المناقشة بصفة عامة مرحلة تبادل وجهات النظر المبدئية بين الحكومات ومؤتمر العمل الدولي من أجل محاولة الوصول إلى اتفاق شغل دولي في شأن مسألة معينة.
وتبدأ المناقشة المزدوجة بإعداد تقرير أولي من طرف المكتب الدولي للعمل يرتكز فيه على تبيان وضع التشريع في البلدان المعنية وفي الميدان الذي يقترح إعداد اتفاقية العمل الدولية بخصوصه، ويرفق بالتقرير لائحة أسئلة تستهدف استخلاص موقف الحكومات بشأن الاتفاقية المراد سنها، ويجب أن يرسل التقرير ولائحة الأسئلة إلى الحكومات قبل 12 شهر على الأقل من دورة المؤتمر، وتحضى الحكومات بأجل أربعة أشهر للرد على الأسئلة باعتبار أن تلك الإجابات يجب أن ترسل إلى المكتب الدولي قبل ثمانية أشهر من افتتاح دورة المؤتمر.
ويقوم المكتب المذكور بعد ذلك بصياغة تقرير جديد على ضوء الإجابات المقدمة من طرف الحكومات المعنية مدونا فيه – أي التقرير – القضايا الأساسية التي يتعين اعتمادها في المؤتمر كأساس مبدئي للمناقشة.
وتجدر الإشارة إلى أن دراسة ومناقشة التقرير يتم من لدن لجنة فنية خاصة يعينها المؤتمر بتمثيل ثلاثي، وبعد هذه المناقشة تقرر اللجنة الفنية، ومن ثم المؤتمر ما إذا كان الموضوع قابلا لأن يكون محل اتفاقية أو توصية ليتم تسجيله بجدول الأعمال لدورته المقبلة.
حتى حدود هذه النقطة نكون إزاء المناقشة الأولى التي تليها المناقشة الثانية إذ بناءً على المناقشة في المؤتمر، وعلى إجابات الحكومات فإن المكتب يعد نصا أو أكثر لاتفاقية ليحيلها على الحكومات خلال شهرين بعد اختتام الدورة الأولى للمؤتمر، وتتمتع الحكومات بمهلة 3 أشهر لاقتراح تعديلات أو تقديم ملاحظات على إثرها يعد المكتب تقريرا نهائيا يوزعه على الحكومات قبل 3 أشهر على الأقل من افتتاح دورة المؤتمر التي يتم فيها نقاش الموضوع مرة ثانية من قبل لجنة فنية، والنصوص التي تتبناها توضع أمام المؤتمر كمشروع لاتفاقية يناقش موادها كلا على انفراد قبل أن يقرر اعتماد المشروع كله، فإذا ما تم قبول النص يرسل إلى لجنة الصياغة للمؤتمر لتحرير النص النهائي، إلا أن المشكل المرتبط بتحرير الاتفاقية يتعلق باختيار اللغة التي تحرر بها خاصة في الحالة التي تبرم فيها الاتفاقية بين دول تتكلم لغات مختلفة( ).

- المناقشة البسيطة أو المفردة :
في حالة الاستعجال الخاص أو إذا كانت هناك ظروف خاصة تبرر ذلك، فإن مجلس الإدارة بإمكانه أن يقرر إخضاع الموضوع إلى المؤتمر ليكون محل مناقشة بسيطة، ويجب أن تتخذ القرارات بأغلبية ثلاثة أخماس من الأصوات، وفي جميع الأحوال فإن الإجراء البسيط لا يخول من إنجاز تقرير بلائحة أسئلة واستشارة الحكومات.
- تبني الاتفاقية :
هو الإجراء قبل النهائي للالتزام بالاتفاقية، ويتمثل في قبول الاتفاقية بالتصويت النهائي من قبل المؤتمر (يجب تحقق أكثرية ثلثي أصوات المندوبين الحاضرين) عملا بالبند الثاني من المادة 19 من دستور المنظمة، ويعد بمثابة إثبات لما تم الاتفاق عليه بين الحكومات والمؤتمر، ويتم التوقيع على الاتفاقية من طرف رئيس المؤتمر والمدير العام لمكتب العمل الدولي، وهذا الإجراء شبيه بمرحلة توقيع الدول على المعاهدات الديبلوماسية التقليدية.
وفي حالة ما إذا لم يتوفر النصاب القانوني للتصويت فيمكن للمؤتمر إرسال الاتفاقية إلى لجنة الصياغة لتحويلها إلى توصية.
يتعين الإشارة إلى أن تبني الاتفاقية لا يكفي كقاعدة عامة للالتزام الدول بها، وإنما يجب أن يليه إجراء آخر هو التصديق.
- التصديق على الاتفاقية :
وهو من أهم مراحل إبرام اتفاقية العمل الدولية، ويعد الإجراء النهائي الذي بمقتضاه يتم ترتيب الآثار القانونية( ).
ويقصد بالتصديق : تصرف قانوني بمقتضاه تعلن السلطة المختصة إبرام الاتفاقيات في الدولة موافقتها ورضاءها للالتزام بأحكامها( )، وبهذا التصديق تكتمل الاتفاقية وتكتسب قوتها الملزمة، فعلى الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية إحالة اتفاقية العمل الدولية خلال مدة سنة من تبنيها إلى سلطاتها المختصة من أجل المصادقة عليها، وفي هذا كما يلاحظ بعض الفقه( ) إضعاف لمنظمة العمل الدولية وانتقاص من سلطاتها التشريعية وتقليل من فرص تدويل وتوحيد قواعد قانون الشغل على المستوى الدولي.
وفي رأينا إن اشتراط المصادقة على اتفاقية العمل الدولية من لدن السلطة المختصة على جانب من الأهمية إذ يعطي للدولة فرصة للتروي قبل الالتزام النهائي بالاتفاقية، خاصة وأنها ترتب التزامات خطيرة وما يبرر هذا القول هو أنه لا يجوز مساءلة الدولة في حالة امتناعها عن التصديق أيا كان بسبب الامتناع، لكن التساؤل الذي يطرح هل يمكن للدولة أن تقرن التصديق ببعض التحفظات أو أن تعلق المصادقة على شرط ؟
فإذا كان وضع التحفظ على المعاهدات من الأمور المتفق عليها في الفقه والقضاء الدوليين، فإن التحفظ على اتفاقية العمل الدولية أمر غير مقبول فلا يمكن للدولة أن تستبعد تطبيق نصوص اتفاقية العمل الدولية، وهذا راجع إلى التمثيل الثلاثي لمؤتمر العمل الدولي.
أما بالنسبة للتصديق المقترن بشرط، فهو مسألة مستصاغة طالما أن الشرط لا يستهدف عدم وضع اتفاقية العمل الدولية موضع التطبيق، لكنه يخضع تاريخ هذا التطبيق إلى شرط موضوعي، كأن تشترط دولة أن تخضع تاريخ تطبيق هذه الاتفاقية إلى تاريخ معين ريثما تتلائم ظروفها الاقتصادية والاجتماعية مع مقتضيات الاتفاقية.
ولكي ينتج التصديق آثاره في هذا المجال يتعين على الدول إعلام مدير المكتب الدولي بهذا التصديق، وتخضع الاتفاقيات التي تبرمها منظمة العمل الدولية كما باقي المنظمات الدولية الأخرى لإجراءات التسجيل في الأمانة العامة للحكومة وتسري عليه أحكام المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة( ).

الفصل الثاني
آثار اتفاقيات الشغل الدولية وانتهاؤها

لكي تصبح المعاهدة – عموما – والاتفاقية على وجه الخصوص قانونا، وتدمج في القانون الدولي يجب أن تتوافر شروط دخولها لحيز النفاذ، ونفس الأمر ينطبق على اتفاقيات الشغل الدولية، كما أن ضمان التنفيذ الفعلي لهذه الاتفاقيات من لدن الأطراف المعنية يحتجا إلى إقرار نظام مراقبة ذا فعالية.
وتطبيق الاتفاقية الدولية للشغل قد تعترضه الصعوبات، على أن هذه الأخيرة – الاتفاقية- يمكن إنهاء العمل بأحكامها (وبالتالي اختفاؤها عن النظام القانوني الدولي)، وذلك أيا كان السبب الذي أدى إلى ذلك الانقضاء( ).
لمقاربة مختلف هذه النقط ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين : نتناول في الأول نفاذ الاتفاقيات الدولية للشغل وآليات مراقبتها، على أن نخصص الثاني للحديث عن الصعوبات التي تعترض تنفيذ هذه الاتفاقيات ثم انتهاؤها.

المبحث الأول : نفاذ اتفاقيات العمل الدولية وآليات مراقبتها

لتناول هذا المبحث، سوف نقسمه إلى مطلبين، نخصص الأول لنفاذ اتفاقيات العمل الدولية، ثم آليات مراقبة هذه الاتفاقيات في مطلب ثان.

المطلب الأول : نفاذ اتفاقيات الشغل الدولية

نادرا – وكقاعدة عامة – ما تحتوي المعاهدة على نصوص تبين الوقت الذي تصبح فيه نافذة، وقد أخذت اتفاقية فيينا في مادتها 24 بما جرى عليه العمل الدولي في هذا الشأن، والذي يمكن إجماله في ثلاثة مقتضيات:
1 – نفاذ المعاهدة بمجرد إقرار النص.
2 – النفاذ اللاحق على تعبير الدولة الارتضاء بالالتزام بالمعاهدة.
3 – النفاذ المؤقت الذي نصت عليه المادة 25 من اتفاقية فيينا.
وذلك في حالتين :
أ – إذا نصت المعاهدة ذاتها على ذلك.
ب – إذا اتفقت الدولة المتفاوضة على ذلك بطرقة أخرى().
أما بالنسبة لاتفاقيات الشغل الدولية، فإن القواعد المتعلقة بوضعها موضع التنفيذ تكون متضمنة في شروطها أو مقتضياتها الختامية، وبمقتضى ذلك فإن نفاذ الاتفاقية الدولية للشغل يجب أن ينظر إليه من زاويتين :
- الأولى : النفاذ الأولي أو الموضوعي لكل اتفاقية على حدة.
- الثانية : نفاذ الاتفاقية بالنسبة لكل دولة على حدة.

الفقرة الأولى : النفاذ الأولي أو الموضوعي لاتفاقيات الشغل
الدولية كل على حدة
L’entrée en vigueur initial ou objective des conventions du travail international

يخضع النفاذ الأولي أو الموضوعي لاتفاقية العمل الدولية إلى حد أدنى من التصديقات لا يقل اعتياديا عن تصديقين اثنين، وأحيانا قد تتطلب بعض الاتفاقيات توفر أكثر من هذا النصاب، كما في الحالة المتعلقة بمجال العمل البحري، حيث أن أغلب هذه الاتفاقيات لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد المصادقة عليها من قبل (5) إلى (7) إلى (9) دول، وفيما عدا ذلك فإن الشرط النموذجي المستعمل عادة يقرر أن الاتفاقية تكون نافذة بعد اثني عشر (12) شهرا من تاريخ تسجيل التصديق الثاني.
وتجدر الإشارة إلى أنه وخلال السنوات الأولى التالية لإنشاء منظمة العمل الدولية لم تكن تحتاج الاتفاقية لكي تصبح نافذة إلا إلى إعلام الدول الأعضاء من طرف مدير مكتب الشغل الدولي بأن تصديق دولتين قد تم تسجيله.
وإذا تم تحديد تاريخ نفاذ اتفاقية العمل الدولية، فإنه تبعا لذلك سيصبح ممكنا تحديد الوقت الذي يمكن أن يتم فيه الانسحاب من هذه الاتفاقية، حيث يمكن للدولة الانسحاب في السنة الموالية لمرور 10 سنوات على التصديق على الاتفاقية.

الفقرة الثانية : نفاذ الاتفاقية بالنسبة لكل دولة على انفراد

عملت منظمة العمل الدولية طيلة السنوات الأولى لإنشائها وحتى العام 1926 على تبني قاعدة أن نفاذ الاتفاقيات المبرمة في إطارها يبدأ سريانه بالنسبة لكل دولة على حدة، بمجرد تسجيل تصديق هذه الأخيرة عليها، دون تطلب مرور وقت معين، لكن منذ العام 1927 أصبح هذا النفاذ رهينا بمرور 90 يوما من تاريخ تسجيل التصديق على الاتفاقية.
لكن، بعد ذلك أصبح المعمول به هو أنه بمجرد توفر النصاب القانوني من التصديقات – يبدأ غالبا بتصديق دولتين – فإنه يتأتى تحديد تاريخ سريان ونفاذ الاتفاقية المعنية بمرور 12 شهرا في كل دولة من الدول المصادقة عليها على حدة.
أما فيما يتعلق بالاتفاقيات البحرية، فقد أفردت لها في البداية مدد مخالفة عما تحدثنا عنه أعلاه، حيث كانت تتطلب مرور ستة (6) أشهر من تاريخ تسجيل التصديق عليها كي تصبح نافذة في حق الدول المصادقة كل على حدة، لكن منذ العام 1928 وحدت هذه المدة مع باقي الاتفاقيات المتعلقة بالشغل وأضحت مدة 12 شهرا من تاريخ تسجيل التصديق هي المعمول بها للحديث عن بدء سريان الاتفاقية( ).


المطلب الثاني : آليات مراقبة الاتفاقيات الدولية للشغل

إذا كانت القاعدة أن من التزم بشيء عليه تنفيذه، فإن هذه القاعدة تحتاج لتفعيلها توافر عنصر حسن النية في المتعاقدين وعدم تدخل ظروف تحول دون إمكانية هذا التنفيذ.
لكن هذه القاعدة، وإن كان العمل بها يصح مهما امتدت مساحة الالتزام، أي سواء اقتصر على شخصين أو امتد إلى حدود أشسع من ذلك، وكان المعني بالتعاقد دولتين أو أكثر، فإن هناك استثناء يرد عليها يتمثل في أن عدم التنفيذ يوقف المعني أمام إشكالية المطالبة بالتنفيذ أو اللجوء إلى الجهات المختصة قصد اقتضاء الحق والمطالبة بجبر الضرر (من جراء عدم التنفيذ).
ولهذا، فأمر الاستنكاف عند التنفيذ يبدو أكثر صعوبة إذا تعلق باتفاقية الشغل الدولية، لأن المتضرر عندها لن يكون شخصا أو مجموعة أشخاص، بل سيكون أجراء دولة أو عدة دول أو ربما حكومة أو عدة حكومات، ولأنه بذلك تتحقق صورة الحؤول دون تحقيق تلك الاتفاقية لأهدافها وغاياتها، وبالتالي يتغيب تفعيلها وتضيع حقوق وامتيازات كانت لا محالة ستحقق الرفاهية للأجراء في البلد المعني، وستوفر السلم والأمن الدوليين عبر ضمان الاستقرار والتماثلية بين أطراف العلاقة الشغلية والحكومات الموقعة على الاتفاقية.
ولهذا، ووعيا من واضعي دستور منظمة الشغل الدولية بخطورة المسألة المتحدث عنها أعلاه، فقد سنوا نظاما ردعيا ضد المتنكر لبنود اتفاقية الشغل الدولية، يتأتى بواسطته مراقبة مدى احترام أعضاء هذه المنظمة لما تضعه من بنود تتعلق بالشغل على الصعيد الدولي ومدى احترامهم للالتزامات التي صادقوا عليها، وذلك النظام هو الرقابة.
والرقابة كوظيفة موكولة لمنظمة الشغل الدولية، يمكن النظر إليها من خلال تصنيفين أو نوعين : الرقابة الإدارية (الفقرة الأولى)، والرقابة المشتركة (الفقرة الثانية).
- أولا : الرقابة الإدارية :
وهي الرقابة التي تمارسها منظمة الشغل الدولية استنادا إلى دستورها، وتهدف إلى التأكد من قيام الدول الأعضاء في المنظمة بملاءمة تشريعاتها الداخلية مع أحكام الاتفاقيات التي صادقت عليها، ويتم ذلك بفحص التقارير السنوية التي تلزم كل دولة عضو – وذلك تطبيقا لأحكام المادة 22 من دستور المنظمة – بتقديمها إلى مكتب الشغل الدولي، موضحة من خلالها ما قامت به وما سوف تقوم به من أجل تنفيذ الاتفاقيات التي صادقت عليها، وهذا يعني أن هذه الدول تكون ملزمة بوضع كافة المعلومات المتعلقة بتنفيذها لتعهداتها الدولية أمام الأجهزة المختصة بالرقابة، وذلك من تلقاء نفسها دون أن يتوقف الأمر على طلب من أية جهة.
وتقوم لجنة فنية تسمى لجنة الخبراء – وهي لجنة مستقلة تتكون من شخصيات ذات خبرة وكفاءة في مجال الاقتصاد والقانون وغيرها من مجالات المعرفة المرتبطة بالشغل وعلاقاته – بفحص هذه التقارير من خلال المطابقة بين معايير الشغل الدولية التي تتقرر بمراقبة مؤتمر الشغل الدولي، وبين ما هو قائم فعلا في التشريعات الوطنية للدول الأعضاء، ومدى ما أعطته هذه الدولية من قوة نفاذ لهذه المعايير( ).
وترفع هذه اللجنة تقريرا بنتائج أبحاثها وملاحظاتها إلى المؤتمر الدولي للشغل، الذي يحيل الموضوع إلى لجنة ثانية تسمى لجنة المؤتمر، وهي لحنة تتكون من ممثلين حكوميين وممثلين عن الأجراء وآخرين عن المشغلين، يقوم المؤتمر بتعيينها كل سنة، وتنبني مهمتها على دعوة حكومات الدول الأعضاء في المنظمة إلى توضيح الجهود المبذولة قصد تفعيل اتفاقيات وتوصيات الشغل الدولية أو تقديم وشرح الأسباب التي تحول دون ملاءمة تشريعها الوطني مع هذه الاتفاقيات والتوصيات، وذلك بهدف توضيح ما يمكن أن يبرز من اختلاف أو تباعد في وجهات نظر الحكومات بشأن الموضوعات محل البحث، على أساس أن تقوم هذه اللجنة في نهاية المطاف بإعداد تقرير مركز عما راج داخلها من مناقشات وبما انتهت إليه هذه الأخيرة وهو التقرير الذي تقوم بتقديمه إلى مؤتمر الشغل الدولي لكي يقوم بدوره بتدارسه ومناقشته.
- ثانيا : الرقابة المشتركة :
تمارس منظمة العمل الدولية هذا النوع من الرقابة في حالتين :
- الحالة الأولى : حالة المطالبة أو الشكوى المقدمة من لدن منظمات الأجراء أو المؤاجرين فقط :
يمكن لمنظمات الأجراء وكذا منظمات المشغلين بموجب المادة 24 من دستور المنظمة تقديم مطالبة بشأن قيام دولة (سواء الدولة التي ينتمون إليها أو أية دولة أخرى عضو بالمنظمة) بخرقها لالتزاماتها، وذلك بسبب عدم احترام أو عدم تطبيق أحكام اتفاقية شغل دولية سبق أن صادقت عليها، ويتم تقديم هذه الشكوى إلى مكتب الشغل الدولي الذي يكلف مجلس الإدارة بالنظر فيها، هذا الأخير الذي له حق طلب تقديم إيضاحات وأجوبة في الموضوع من لدن الدولة المسؤولة، وفي حالة عدم توصل المجلس بأي جواب من الحكومة المعنية خلال مدة معقولة أو إذا تبين أن الجواب المتوصل به ليس كافيا أو غير مرض، فإن للمجلس وطبقا للمادة 25 من دستور المنظمة الحق في نشر المطالبة وكذا الرد الذي تلقاه إن اقتضى الحال.
والملاحظ أن الجزاء في هذه الحالة لا يعدو أن يكون جزاءًا أدبيا أو عقوبة سياسية داخل المنظمة أو خارجها، بالإضافة إلى ذلك فقد أخذت منظمة العمل منذ سنة 1950 بطريقة خاصة لمعالجة المطالبات التي يكون موضوعها تجاوز أو عدم احترام الحقوق النقابية للعمال أو في حالة العمل الجبري (mécanisme adhoc)( )، حيث يمكن أن تحال هذه الأخيرة إلى المنظمة إما مباشرة أو عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ليتم تقديمها إلى لجنة مستقلة لتقضي الحقائق مؤلفة من تسعة أشخاص إلا أن فعالية هذه الطريقة لم تبلغ الدرجة المطلوبة، ذلك أن الإحالة المتحدث عنها أعلاه تبقى رهينة بموافقة الحكومة المعنية.
- الحالة الثانية : حالة الشكوى المقدمة من أطراف أخرى غير منظمات الأجراء أو المؤاجرين :
إن الشكوى عند عدم التزام دولة من الدولة بأحكام اتفاقية سبق أن صادقت عليها، يمكن أن يتقدم بها وطبقا للمادة 26 من دستور المنظمة أي عضو آخر أبرم هذه الاتفاقية، كما يستطيع أن يتقدم بها أي عضو بالمؤتمر أو حتى بمجلس الإدارة نفسه، وتبعا لذلك يقوم مجلس إدارة المنظمة بإجراء اتصالات بالحكومة أو الحكومات المشتكى بها ويدعوها لتقديم الشروحات اللازمة والضرورية المتعلقة بالشكاية المرفوعة ضدها، وذلك في محاولة منها للتوفيق والتوسط بغية التقريب بين وجهات نظر الأطراف.
وفي حالة عدم توصل مجلس الإدارة بجواب مقنع من الحكومة المعنية أو إذا رأى عدم جدوى مراسلة الحكومة المعنية أصلا، فإنه يقوم بتشكيل لجنة مستقلة تسمى لجنة التحقيق لدراسة الأمر والتثبت من الحقائق، ومن تم تحرير تقرير تضمنه الملاحظات والتوصيات التي رأت أنها ضرورية.
ويقوم مكتب الشغل الدولي بنشر هذا التقرير وتبليغه لكل الحكومات المعنية، وتكون كل دولة ملزمة بتبليغ المدير العام في غضون ثلاثة أشهر، بما إذا كانت قابلة لتوصيات لجنة التحقيق( )، أما في حالة عدم قبوها فعليها أن تبلغه برغبتها في إحالة الشكوى على محكمة العدل الدولية إذا ما اختارت ذلك، وللمحكمة في هذه الحالة سلطة واسعة في تأييد أو تغيير أو الانقاص من توصيات لجنة التحقيق، ويكون قرارها نهائيا( ).
وإذا رفض العضو أو الدولة المسؤولة تنفيذ توصيات اللجنة أو قرار المحكمة فإنه يمكن لمجلس الإدارة أن يوصي المؤتمر باتخاذ ما يراه ضروريا من الإجراءات لضمان ذلك، وربما يصل الأمر إلى حد إفقاد العضوية، ما دام أمر تقرير العضوية موكل لهذا الأخير – المؤتمر.
لكن الملاحظ هو أن دستور منظمة العمل لم يعالج بوضوح مسألة إيقاع عقوبة وقف العضوية أو الفصل، وبذلك فقد أتيح للمؤتمر أن ينزلها بنفسه، إلا أنه لم يلجأ عمليا إليها، مما يوضح أن هذه العقوبة تبقى وسيلة احتياطية أخيرة.

المبحث الثاني : صعوبات تنفيذ اتفاقيات الشغل الدولية وانتهاءها

سوف نتناول هذا المبحث من خلال مطلبين، نخصص أولهما لصعوبات التنفيذ، على أن نبحث في الثاني انتهاء اتفاق الشغل الدولي؟

المطلب الأول : صعوبات تنفيذ اتفاقيات الشغل الدولية

من البديهي أن التعهدين على معاهدة أو اتفاقية ما يستتبع التزام جوهري وأساسي يتعلق بضمان تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع، وهو التزام يقع على عاتق جميع أجهزة الدولة، لأن إلزامية التنفيذ تفرض على الدولة في مجموعها باعتبارها شخصا من أشخاص القانون الدولي العام.
وكمبدأ عام فقد نصت المادة 26 من اتفاقية فيينا على هذا المبدأ بقولها : " كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية، وهذا تأكيد للقاعدة العامة التي تقضي بتقيد المتعاقد بتعاقده Pacta sunt servanda، فعلي كل دولة احترام العهود التي قطعتها وتنفيذ الالتزامات التي ارتبطت بها، وللدولة التي أعطيت هذه العهود أن تطالب باحترامها وتنفيذها على الوجه المتفق عليه، وليس على الدولة أن تمتنع عن تنفيذ معاهدة ارتبطت بها بحجة أن التزاماتها فيها أصبحت مجحفة أو أنها أكرهت علي قبولها تحت ظروف خاصة، لأن هذا يؤدي إلى العبث والفوضى وإلى حدوث منازعات لا نهاية لها( ).
وبالرجوع إلى اتفاقيات الشغل الدولية نجد أن الفصل 19 من دستور المنظمة ألزم كل دولة بلغت بتصديقها على اتفاقية معينة بأن تتخذ كل الإجراءات الضرورية لتفعيل أحكام هذه الأخيرة، والتي من بينها أساسا عرض الاتفاقية على سلطاتها المختصة التي يقع الموضوع في مجال اختصاصها بغية إصدارها في شكل تشريع أو القيام بإجراء آخر.
غير أن تنفيذ الاتفاقية الدولية للشغل قد تعترضه صعوبات مؤقتة أو دائمة حسب الأحوال، ومن بين أهم هذه الصعوبات نقف عند حالتين :
- الصعوبة الأولى : حالة الاستعجال أو القوة القاهرة أو استثناء تأثير الحرب:
استثناءًا من الأصل، قد تنص بعض الاتفاقيات( ) الدولية للشغل على إمكانية تعليق تطبيق أحكامها من طرف دولة ما سبق أن صادقت عليها، وذلك لحالة الحرب أو لقيام أحداث تشكل خطرا على الأمن القومي أو لقوة قاهرة( ) أو لمراعاة المصلحة العامة بسبب ظروف خاصة تمر منها الدولة.
لكن الدول نادرا ما تقوم بالتنصيص على هذه المقتضيات، كما أنه وفي حالة قيام إحدى هاته الحالات، فإن هيئات المراقبة تقوم بتفسيرها بدقة، ويمكنها طلب معلومات تفصيلية حول تحلل الدولة من التزاماتها بسبب قيام هاته الحالة، هذا وقد ميزت هذه الهيآت بين حالة الحرب وحالة السلم، فمثلا وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دعت هذه الهيآت إلى ضرورة عودة الدول إلى التزاماتها المترتبة عن الاتفاقيات التي سبق أن صادقت عليها والتي تحللت منها بعد اندلاع الحرب، وذلك في أقرب وقت ممكن. أما في حالة السلم، فقد سبق لهذه الهيآت أن رفضت اعتبار بعض الصعوبات والتي تمسكت بها بعض الدول كقوة قاهرة، وذلك في معنى الاتفاقية موضوعها.
أما بخصوص حالة الاستعجال، فأغلب الاتفاقيات لم يتم التنصيص في مقتضياتها على حكم من هذا النوع، وحتى في حالة قيام هذه الحالات، فإن هيآت المراقبة يمكن أن لا تعتبرها كمبرر لإيقاف أو تعليق التزاماتها الدولية الناتجة عن مصادقتها على اتفاقية معينة.
وأخيرا، فإنه وبالنسبة لحالة الحرب، فإن الرأي الراجح بالنسبة لهيآت منظمة العمل الدولي، والذي أكده بعض القضاء كالقضاء الفرنسي، أنه ونظرا للطابع المؤسساتي والمتعدد الأطراف باتفاقية الشغل الدولية، فإن الحرب لا تأثير لها على انقضاء التزامات الدول بهذا الخصوص بل تتوقف هذه الالتزامات إلى حين انتهاء الحرب بين الأطراف التجارية( ).
- الصعوبة الثانية : التنازع بين الاتفاقية ومقتضيات القانون الداخلي :
قد تدخل اتفاقية أو معاهدة بصفة عامة خلال تطبيقها في تنازع مع قواعد قانونية داخلية، أمام مثل هذا التنازع ما هو الحل وماذا سيكون موقف القاضي ؟ هل سيفضل القاعدة الداخلية أم القاعدة الدولية ؟
إن هذا الحادث الذي يطرأ أثناء عملية تطبيق المعاهدة يرتبط بموضوع العلافة بين القانون الداخلي والقانون الدولي، ونحن نعرف أن النظرية العامة للقانون المدني تذهب مذهبين :وحدة القانون أو ثنائيته، والجديد بالذكر أنه بالنسبة للثنائيين فلا وجود لمثل هذه المنازعات نظرا لاستقلالية كل من القانونين الداخلي والدولي، بينما يرى غالبية الوحدويين ضرورة تغليب القانون الدولي على القانون الداخلي مستندين إلى نص المادة 27 من اتفاقية فيينا( )، وعلى صعيد القضاء الدولي، فليس بمقدور القاضي الدولي – باعتباره جهاز القانون الدولي – سوى أن يؤكد في كل الأحوال على تفوق القانون الدولي عرفيا كان أم اتفاقيا على القانون الوطني، وهذا موقف ثابت بدعم مذهب الوحدة مع تغليب القانون الدولي، وقد كرس اجتهاد القضاء الدولي وكذلك بعض القرارات التحكيمية سيادة المعاهدة على القوانين الداخلية كيفما كانت طبيعتها دساتير أو قوانين أو تدابير تنفيذية أو قرارات المحاكم( ).
وذلك طبقا للمبدأ القاضي بأن القاعدة القانونية اللاحقة تنفي ضمنا القاعدة القانونية السابقة التي تتعارض معها، إذن فالأخذ بنظرية تفوق المعاهدة على القانون العادي كفيلة بأن تخفف من مصاعب القاضي الوطني( ).
وإذا كانت أغلب الدساتير الأوروبية تقر بأولوية النظام القانوني الدولي المقبول من طرفها على النظام القانوني الداخلي، ويعني هذا أن المعاهدة التي وقع التصديق عليها بموافقة البرلمان تعدل التشريع السابق المخالف لها ولا يجوز للبرلمان في المستقبل اتخاذ تشريعا يخالف المعاهدة (في فرنسا : المادة 35 من دستور الجمهورية الخامسة ترى أن المعاهدة المصادق عليها بصفة قانونية بمجرد نشرها تتوفر لها قوة أسمى من القانون)( )، فإنه وبالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن مسألة العلاقات بين المعاهدة والقانون لم يرد ذكرها بكيفية صريحة، وإن كنا نرى مع بعض الفقه أن مسألة تفوق المعاهدة على القانون في المغرب تستنتج من ديباجة الدستور الذي نص على تقيد المغرب بالالتزامات الدولية والمبادئ والحقوق في إطار المنظمات الدولية وعزمه على العمل من أجل إرساء الأمن والسلم في العالم، فضلا عن توقيعه على اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات، والممارسة المغربية تدعم هذا الرأي، وذلك من خلال التشريعات الوطنية من جهة واجتهاد المحاكم من جهة أخرى، فهناك مثلا ظهائر في هذا الصدد تؤكد على تفوق المعاهدة على القانون الداخلي كظهير 6 شتنبر 1958 المتعلق بقانون الجنسية المغربية الذي تنص مادته الأولى على أن :" مقتضيات المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة ترجع إلى مقتضيات القانون الوطني"، بالإضافة إلى ظهير 8 نونبر 1958 المتعلق بتسليم الأجانب والمرسوم الملكي بمثابة قانون المؤرخ في 19 ديسمبر 1968 المتعلق بتنظيم المحاماة وممارستها ونصوص أخرى، وهي كلها نصوص تؤكد مبدأ سمو المعاهدة على القانون الداخلي، وذلك في حالات دقيقة ومحددة، وقد نهج القضاء الوطني هذا المبدأ بمناسبة عرض قضيتين : ميلان Maylan وكازلس Gazals( ) التي نظرت فيها محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 15 مايو و16 دجنبر من نفس السنة( ).

المطلب الثاني : انتهاء اتفاقيات العمل الدولية

يقصد بانتهاء المعاهدات الدولية عموما انتهاء العمل بأحكامها واختفاءها بالتالي عن النظام القانوني الدولي أيا كان السبب الذي أدى إلى ذلك الانقضاء، وانتهاء العمل بالمعاهدة يتناولها القانون بالبحث من جانبيها الشكلي والموضوعي باعتبارها تصرف وقاعدة، هذا ويختلف الانقضاء عن إيقاف العمل بالمعاهدة أو الاتفاقية والذي سبق أن تطرقنا له، إذ الإيقاف وكما نصت على ذلك المادة 72 من اتفاقية فيينا لا يعفي الأطراف من التزاماتها المتبادلة إلا خلال فترة الإيقاف، وذلك لظروف معينة، وبالنسبة لانتهاء اتفاق الشغل الدولي سوف نميز بين حالتين :
- أولا : انتهاء الاتفاقية الدولية للشغل طبقا لأحكام الاتفاقية :
وهكذا، فقد تحتوي الاتفاقية من خلال مقتضياتها الختامية على تحديد الحالات التي ينتهي فيها العمل بأحكامها أو الشروط التي وفقا لها يكون لأي طرف حق الانسحاب منها، كذلك وابتداءا من سنة 1933 أصبح بإمكان المؤتمر الدولي للشغل أن يقرر بالنسبة لكل اتفاقية يتبناها ما إذا كان بالإمكان إلغاءها بمقتضى اتفاقية جديدة تراجع أحكامها، وكذلك إن كان تنفيذ الاتفاقية الجديدة ينتج عنه إغلاق الاتفاقية القديمة، وبالتالي عدم جوزا الانضمام إليها مستقبلا من طرف دول أخرى، وهو ما لم يكن معمولا به في السنوات الأولي لإنشاء المنظمة وإلى حدود سنة 1933، حيث كان نفاذ الاتفاقية الجديدة يترتب عنه إنهاء العمل بالاتفاقية القديمة وعدم إمكانية المصادقة أو الإنضمام إليها مستقبلا من طرف حكومات أخرى( )، كما قد ينتهي العمل بالاتفاقية أيضا بمقتضى اتفاق لاحق بين جميع الأطراف يكون مضمونه هو إلغاء الاتفاقية السابقة بين الأطراف واتفاق الإلغاء هذا قد يكون اتفاقا خاصا لهذا الغرض، وقد يكون في صورة شرط مضمن في اتفاقية لاحقة بين الأطراف.

- ثانيا : انتهاء الاتفاقية الدولية للشغل بعد الانسحاب منها :
قد تتضمن الاتفاقية بيانا بكيفية وشروط الانسحاب منها، فإذا انسحب أحد الأطراف المتعاقدة ترتب على ذلك انتهاء الاتفاقية إذا كانت ثنائية وانتهاء آثارها في مواجهة الطرف المنسحب فقط إذا كانت جماعية، وبمقتضى ما هو معمول به حاليا، فإن الانسحاب من اتفاقية الشغل الدولية يكون ممكنا خلال السنة التالية لانقضاء فترة عشر سنوات على نفاذ الاتفاقية، أما بالنسبة للدولة التي صادقت وحيدة على الاتفاقية ولم يلحق بها عضو ثان فإنها لا تنسحب من الاتفاقية وإنما تطالب بإلغاء تسجيل مصادقتها على الاتفاقية.

خاتمـــة

ختاما، وتأسيسا على كل ما سبق يمكن القول إن اتفاقيات الشغل الدولية كمصدر مهم للقانون الدولي العام وكأولوية في العلاقات الدولية المتعلقة بالميدان الاجتماعي، قد لعبت ولا تزال دورا مهما ليس فقط على مستوى إنشاء القاعدة القانونية الاجتماعية وترسيخها، بل كذلك على مستوى تفسيرها وتطبيقها وإنهاء العمل بها، ويتجلى هذا بوضوح من خلال حجم الاتفاقيات وكذلك التوصيات التي أصدرتها منظمة العمل الدولية منذ نشأتها إلى وقتنا الراهن، والتي عرفت نموا مطردا ومتزايدا من حيث الحكم والكيف مع مرور الوقت، كما يتجلى من خلال عدد الدول التي انضمت للمنظمة والذي بلغ اليوم 178 دولة، وذلك إلى غاية نونبر 2005، بل إن هذه المنظمة واعترافا من المجتمع الدولي بأعمالها ومجهوداتها في سبيل إرساء عدالة اجتماعية قد حدا به إلى منحها جائزة نوبل للسلام.
غير أن عمل المنظمة يصطدم بمعطى أصعب من طموحاتها، وهو مفهوم سيادة الدولة في القانون الدولي، والذي يبقى فوق كل اعتبار، فعلى أهمية أجهزة المنظمة وخصوصا منها تلك الساهرة على تطبيق قراراتها، فلا يمكن الحديث عم مسؤولية دولية حقيقية لأعضاءها في حالة مخالفتها لقراراتها، أما الجزاءات فلا تعدو أن تكون ذات طابع أدبي حتى وإن ارتقت إلى درجة العقوبة الاقتصادية، كما أن ربط الالتزام داخل المنظمة بشرط التصديق من طرف السلطات المختصة على القواعد التي تقررها معطى آخر يضعف من سلطة المنظمة، ويقلل بالتالي من فكرة تحقيق العدالة الاجتماعية كأساس للسلم والأمن العالميين.
وأخيرا، فإن العولمة والتكثل الاقتصادي الذي تشهده العديد من دول العالم اليوم تطرح تحديات جديدة على منظمة العمل الدولية، والتي أصبحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى للتدخل من أجل حماية الطبقة الضعيفة في النظام العالمي الجديد وما يطرحه من تحديات خطيرة في مختلف المجالات.

المراجـــع المعتمــدة

- باللغة العربية :

- عبد اللطيف خالفي : الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية، الطبعة الأولى، 2004.
- عبد القادر القادري : القانون الدولي العام، الرباط، الطبعة الأولى، 1984.
- علي كريمي : حقوق الانسان والحريات العامة بين طموح التغيير وإكراه الظروف السياسية، الطبعة الأولى، 2002.
- نجاة بضراني : مكانة المعاهدة الدولية بين مصادر القانون (مدى أولويتها على القانون الداخلي عند التعارض)، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد:47، 2002.
- موسى عبود : دروس في القانون الاجتماعي، الطبعة الثالثة، 2004.
- محمد سامي عبد الحميد/مصطفى سلامة حسين : القانون الدولي العام، مطبعة الدار الجامعية، 1989.
- دستور منظمة العمل الدولية والنظام الأساسي لمؤتمر العمل الدولي، مكتب العمل الدولي، جنيف، مارس 2001.
- فاروق الباشا : التشريعات الاجتماعية.
- الصادق شعبان : قانون المنظمات الدولية: المنشورات العامة التونسية، سلسلة القانون العامة 2، تونس، 1985.

- باللغة الفرنسية :

- VALTICOS Nicolas : Droit international du travail,Paris, Dalloz, 1983.
- LYON-CAENG : Droit international et européen, Paris, Dalloz, 1991.
- OUAZZANI CHAHDI Hassan : La pratique Marocain du froit des traités, Essai sur le droit conventionnel Marocain, Faculté de droit, Paris, 1977.
- ALQUIER Georges : L’organisation international du travail, Toulouse, 1921.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://zidni3ilma.arabepro.com
 
الطبيعة القانونية لاتفاقية الشغل الدولية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى زِدْنِي عِلماً القانوني :: مواضيع قانون خاص. :: علاقات الشغل والضمان الاجتماعي-
انتقل الى: