منقول للإفادة
مقدمة:
من المتعارف عليه انه لدراسة أي موضوع، فلابد من الرجوع إلى إطاره التاريخي الذي يسهل تفسير و تأصيل دلك الموضوع من كل جوانبه.
أما بالنسبة إلى تأصيل الكمبيالة كورقة تجارية فإننا نجد اختلافا حادا بين الفقهاء حول تاريخ ظهورها ،فمنهم من يرجعها إلى قانون حمو رابي ،و منهم من يرى أن اليهود كانوا أول من استعملها لتهريب الأموال من أوربا إلى أمريكا ،بينما يرى البعض الأخر أن الصينيين كانوا أول من تعامل بها ، وهناك من لا يستبعد أن يكون العرب أول من ابتكر هده الورقة تحت اسم السفتجة.
كما أن هناك فريقا أخر لا يستبعد أن يكون الايطاليون هم أول من تعامل بهذه الورقة .
إلا أن ما يهمنا في هذا الموضوع هو التأصيل التاريخي لقاعدة عدم التمسك بالدوفع كأهم اثر من آثار تظهير الكمبيالة ،حيث نجد أن هذه القاعدة لم يتضمنها أي نص تشريعي في أي بلد من البلدان إلا في نهاية القرن التاسع عشر ، و بداية القرن العشرين وبالضبط بعد توحيد أحكام الأوراق التجارية المعدة في مؤتمر لاهاي سنة 1912 ثم مؤتمر جنيف 1930-1931 ،أما قبل هدا التاريخ فقد كان العرف هو الذي ينظم القواعد السابقة .
و قد عمل القضاء الفرنسي على الاخد بهذا المبدأ مند القرن الثامن عشر رغم أن القانون الفرنسي لسنة 1807 لم يشر إليه .
أما بخصوص تعريف قاعدة عدم التمسك بالدفوع فيتجلى في انه لا يجوز للمدين بالكمبيالة أن يتمسك ضد الحامل حسن النية بالدفوع المستمدة من علاقته الشخصية بالساحب أو باقي الموقعين السابقين .
و تجدر الإشارة إلى أن الإطار القانوني الذي ينظم هدا الموضوع يتحدد في المادة 171 من مدونة التجارة و التي تنص على انه لا يجوز للأشخاص المدعى عليهم بسبب الكمبيالة أن يتمسكوا ضد الحامل حسن النية بالدفوع المستمدة من علاقاتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين ما لم يتعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين.
و تتجلى أهمية مبدأ عدم التمسك بالدفوع في كونه أهم اثر يترتب على التظهير الناقل للملكية و أكثرها خروجا عن القواعد العامة ، بل إنه لا مبالغة في القول إنه حجر الزاوية في قانون الصرف بأكمله ، حيث تجعل من الكمبيالة ورقة مطهرة عند انتقالها من كل الدفوع و هذه الخاصية هي التي تبرز أهمية هذه القاعدة ،كمحور أساسي ترتكز عليه الأوراق التجارية ، حيث إنه لن تستطيع هذه الأوراق القيام بوظيفتها الاقتصادية و التجارية إلا إذا اعتبرت مجردة عن كل علاقة تربطها بمن سحبها أو تداولها .
و الإشكالية التي تثار على مستوى هذا الموضوع هي مدى استطاعة هذه القاعدة البعيدة كل البعد عن القواعد العامة من تحقيق الحماية الصرفية لحامل الكمبيالة حسن النية ، و هل هذه القاعدة نجحت في تشجيع و طمأنة المتعاملين بالكمبيالة ، ذلك ما سنحاول الإجابة عنه وفق التصميم التالي :
المبحث الأول : ماهية قاعدة عدم التمسك بالدفوع.
المبحث الثاني : نطاق قاعدة عدم التمسك بالدفوع.
المبحث الأول:ماهية قاعدة عدم التمسك بالدفوع
من ابرز ما يتميز به قانون الصرف على مستوى الكمبيالة كورقة تجارية نجد قاعدة عدم التمسك بالدفوع.وللإلمام بماهية هذه القاعدة سنحاول التطرق إلى بيان مفهومها في مطلب أول،كما سنسلط الضوء على الأساس الذي تنبني علية في مطلب ثاني على أن نتطرق إلى شروط تطبيق هذه القاعدة في مطلب ثالث.
المطلب الأول: مفهوم قاعدة عدم التمسك بالدفوع
للتعريف بمفهوم قاعدة عدم التمسك بالدفوع سنعمل على إيضاح معناها في فقرة أولى، إضافة إلى إبراز أهم مميزاتها في فقرة ثانية، إلى جانب حصر الأشخاص الذين تطبق عليهم في فقرة ثالثة.
الفقرة الأولى: معنى قاعدة عدم التمسك بالدفوع
إذا كان التظهير يعتبر من أبرز الطرق التي جاء بها قانون الصرف لتسهيل تداول الكمبيالة، فإن من أهم الآثار التي تترتب عنه نجد القاعدة المسماة عدم التمسك بالدفوع، والتي نظمها المشرع المغربي في المادة 171 من مدونة التجارة التي تنص أنه " لا يجوز للأشخاص المدعى عليهم بسبب الكمبيالة أن يتمسكوا تجاه الحامل بالدفوع المستمدة من علاقتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين، ما لم يكن الحامل قد تعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين."
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه القاعدة لم يتم تناولها من طرف أي تشريع قبل توحيد أحكام الأوراق التجارية في مؤتمر لاهاي لسنة 1912 وبعده مؤتمر جنيف سنة 1930/1931، أما قبل هذا التقيين والتنظيم الدولي للأوراق التجارية وخاصة الكمبيالة فقد كان العرف هو المنظم الوحيد لقواعد الصرف.
وعليه فإن قاعدة عم التمسك بالدفوع تفيد الحامل حسن النية في عدم إمكانية إثارة الدفوع السابقة في مواجهته ، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة ثقة الناس للتعامل بالكمبيالة بسبب علمهم بعدم وجود أي دفع سيقضي على حقهم في الحصول على مقابلها من المحسوب عليه أو من أي ملتزم سابق.
وكمثال على ذلك نفترض أن المستفيد من الكمبيالة كان مدينا للمحسوب عليه بمبلغ يساوي قيمة الكمبيالة، فإذا رجع على المحسوب عليه للحصول على مبلغها فإنه سيواجه بدفع من هذا الأخير يتمثل في انقضاء حق المستفيد بسبب المقاصة، أما إذا قام المستفيد بتظهير الكمبيالة فإن المظهر إليه الحامل لا يتأثر بهذا الدفع، وبالتالي يحق له المطالبة بمبلغ الكمبيالة عملا بقاعدة عدم التمسك بالدفوع، أي أن الملتزم الصرفي لا يستطيع أن يدفع تجاه الحامل بالدفوع التي كان بمقدوره أن يثيرها ضد باقي الموقعين الآخرين بناء على العلاقات الشخصية التي تجمعه بهم.
الفقرة الثانية: مزايا قاعدة عدم التمسك بالدفوع.
بالنظر إلى إيجابيات هذه القاعدة بالنسبة لحامل الكمبيالة حسن النية، يتضح أنها توفر مجموعة من الضمانات التي لا يستطيع القانون المدني توفيرها للدائن.
فوفقا للطرق التقليدية للتداول في قانون الالتزامات والعقود، وخاصة ما يتعلق بالحوالة ، نجد أن المحال له لا يستطيع أن يحصل على أكثر من الحقوق التي كان يتوفر عليها المحيل، وهو ما يؤدي تبعا لذلك إلى أن المحال عليه يستطيع أن يتمسك في مواجهة المحال له بكل الدفوع التي كان بإمكانه إثارتها ضد المحيل.
وأمام عجز الحوالة كطريق للتداول عن توفير الحماية للمحال له من جهة، و عدم انسجامها مع القانون الصرفي من جهة أخرى، فإن اللجوء إلى العمل بقاعدة عدم التمسك بالدفوع كانت أكبر ضمانة يمكن منحها لحامل الكمبيالة حسن النية حتى لا يفاجأ بأي دفع بعد حصوله على الكمبيالة وتملكها . وهو ما يزيد حقوق الحامل قوة ومناعة طالما أن حقه لن يتأثر بالدفوع الناشئة عن العلاقات الشخصية التي تربط الموقعين السابقين على الكمبيالة.وهو ما يعني أن الحامل يتجنب البحث عن طبيعة وشرعية العلاقات السابقة كما تجدر الإشارة إلى أن قاعدة عدم التمسك بالدفوع تكملها قاعدة صرفية أخرى يطلق عليها مبدأ استقلال التوقيعات والتي مفادها أن كل من وقع على الكمبيالة سواء كان ساحبا أو مسحوبا عليه أو ضمانا احتياطيا أو غيرهم يعتبر توقيعه على الكمبيالة مستقلا عن باقي التوقيعات الأخرى، وعليه فإذا كان التزام أحد الموقعين عن الكمبيالة باطلا بسبب انعدام الأهلية أو وجود عيب من عيوب الرضا أو عدم مشروعية السبب أو غيرها من أسباب بطلان التزام الموقع على الكمبيالة، فإن ذلك لايطال باقي التزامات الموقعين الآخرين، والتي تبقى صحيحة لأن كل التزام من الالتزامات السابقة يبقى مستقلا عن التزام البقية .وهو ما يعطي لقاعدة عدم التمسك مفعولها وأهميتها .
وعلى العموم فإن قاعدة التمسك بالدفوع تبقى القاعدة الأهم ضمن القواعد المنظمة بقانون الصرف، ويتجلى ذلك بالنظر على أن حق الحامل يبقى مجردا و مباشرا ضد كل موقع على الكمبيالة باستثناء الموقع الذي تربطه به علاقة مباشرة.
أما على مستوى الاجتهاد القضائي بالمغرب، فنجد انه قد كرس هذه القاعدة منذ أن تم إقرارها بموجب مؤتمر جنيف، وفي ذلك يسير قرار المجلس الأعلى بتاريخ 1 غشت 1980 والذي جاء فيه :" تطبيقا لقاعدة تطهير الدفوع أو عدم التمسك بالدفوع فإن الأشخاص المدعى عليهم بسبب الكمبيالة لا يسوغ لهم أن يتمسكوا ضد الحامل بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية مع الساحب أو مع الحملة السابقين، ما عدا إذا تعمد الإضرار بالمدين".
الفقرة الثالثة: الأشخاص الذين تطبق عليهم قاعدة عدم التمسك بالدفوع.
تجدر الإشارة في ختام هذا المطلب إلى أن الأشخاص الذين تطبق عليهم هذه القاعدة هم كل الموقعين على الكمبيالة باستثناء المسحوب عليه الذي لم يوقع عليها بالقبول أو الذي رفض قبولها، وبالتالي يجوز له في هذه الحالة التمسك بدفوعه تجاه الحامل سواء كان حسن النية أو سيئها. على عكس باقي الموقعين السابقين كالساحب والمظهرين والذين تطبق في حقهم قاعدة تطهير الدفوع.
ومثال ذلك أنه في حالة سحب كمبيالة على مدين ما دون أن يقوم هذا الأخير بقبولها، فإنه من حقه أن يحتج في مواجهة الحامل بهذا الدفع إذا كان الساحب قد سبق له أن قام بتظهيرها. إذ أن المسحوب عليه يبقى أجنبيا عن الكمبيالة طالما أنه لم يوقع عليها .
بعد أن تطرقنا إلى مفهوم قاعدة عدم التمسك بالدفوع نتساءل عن الأساس الذي تنبني عليه.
المطلب الثاني: شروط تطبيق قاعدة عدم التمسك بالدفوع.
حتى لا يواجه الحامل بالدفوع التي يمكن أن يثيرها ضده الموقعون السابقون على الكمبيالة، لا بد وأن يتم توافر مجموعة من الشروط حتى تؤدي قاعدة عدم التمسك بالدفوع مفعولها.
وتتحدد هذه الشروط في ضرورة أن تنتقل الكمبيالة إلى الحامل بطريق التظهير (الفقرة الأولى) وأن يكون الحامل، حاملا شرعيا لهذه الكمبيالة (الفقرة الثانية). وألا يتعمد الإضرار بالمدين بالالتزام الصرفي (الفقرة الثالثة). إضافة على ضرورة أن يكون أجنبيا عن العلاقة التي نتج عنها الدفع (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى: أن تنتقل الكمبيالة عن طريق التظهير.
لكي تعطى قاعدة عدم التمسك بالدفوع مفعولها، يجب أن تصل الكمبيالة إلى الحامل عن طريق التظهير، أما إذا انتقلت إليه عن طريق الحوالة أو الإرث أو الوصية أو غيرها من الطرق، فإن للمدين في هذه الحالة أن يتمسك في مواجهة الحامل بكل الدفوع التي تكون له تجاه المحيل .
ويستوي في ذلك أن يكون التظهير اسميا أو على بياض أو للحامل، ذلك أن التظهير يجعل المظهر إليه حاملا شرعيا للكمبيالة ولجميع الحقوق المترتبة عنها، وخاصة الحق في إثارة قاعدة عدم التمسك بالدفوع باعتبارها أهم ضمان لحق الحامل.
أما إذا وقع تظهير الكمبيالة بعد تاريخ الاستحقاق أو بعد إقامة الاحتجاج، فإننا نكون بصدد القاعدة التي نصت عليها المادة 173 من مدونة التجارة، وخاصة الفقرة الثالثة والتي جاء فيها " يترتب عن التظهير الحاصل بعد تاريخ الاستحقاق نفس الآثار المترتبة عن تظهير سابق، إلا أن التظهير الحاصل بعد وقوع احتجاج عدم الوفاء أو بعد انصرام الأجل المعين لأقامته لا يترتب عليه سوى آثار الحوالة العادية".
وهو ما يعني أنه لكي يستفيد الحامل من قاعدة عدم التمسك بالدفوع يجب أن تنتقل إليه الكمبيالة قبل إقامة الاحتجاج أو انتهاء مدته، ولو تم هذا التظهير بعد تاريخ الاستحقاق، حيث إن مفعول هذه القاعدة يتوقف بعد إقامة الاحتجاج، وهو ما يجعل التظهير الحاصل بعد هذا التاريخ بمثابة حوالة عادية . .
أما إذا لم تتم الإشارة في الكمبيالة إلى التاريخ الذي وقع فيه التظهير، فيعتبر وكأنه وقع قبل انصرام الأجل اللازم لإقامة الاحتجاج.
أما بالنسبة للتظهير التأميني فيترتب عنه إعمال قاعدة عدم التمسك بالدفوع كما هو الشان بالنسبة للتظهير الناقل للملكية، وهو ما أشارت إليه المادة 19 من قانون جنيف الموحد وعليه فإن هذه القاعدة تطبق في علاقة المظهر إليه المرتهن بالموقعين السابقين، وهو ما أقره القضاء المصري بتاريخ 22 ماي 1989 حيث جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية أن التظهير التأميني يعتبر بالنسبة للمدين الأصلي في الورقة في حكم التظهير الناقل للملكية ومن أثره تطهير الورقة من الدفوع للمظهر إليه ومطالبة المدين بقيمة الورقة متى كان هذا التظهير صحيحا .
وفي حالة ما إذا كان مبلغ الكمبيالة يفوق قيمة الدين الذي تم تظهير الكمبيالة من أجله عن طريق التظهير التأميني، فإن إعمال قاعدة عدم التمسك بالدفوع لا يكون إلا في حدود قيمة الدين،أما ما زاد عنه فلا يطهر وفقا للقاعدة السابقة .
أما بالنسبة للتظهير التوكيلي فإن المطهر إليه الوكيل لا يستفيد من إعمال هذه القاعدة وذلك لأنه لا يتمتع بحق مباشر ومستقل عن حق مظهره، وإنما يمارس الحقوق الصرفية نيابة عن موكله، وهو ما يجعل المدين الصرفي يثير ضده كل الدفوع التي يمكن له إثارتها ضد المظهر وذلك وفق ما تنص عليه المادة 172 من مدونة التجارة .
وعليه فإذا كان المدين بالالتزام الصرفي دائنا للوكيل الذي طالبه بأداء قيمة الكمبيالة، فإنه ليس من حق المدين في هذه الحالة أن يدفع بالمقاصة في مواجهة الوكيل وذلك على اعتبار أن الوكيل لا يمارس حقا يعود له، وإنما يمارس حق الموكل .
الفقرة الثانية: أن يكون حاملا شرعيا للكمبيالة.
بالرجوع على المادة 170 من مدونة التجارة نجد أنها تحدد الحامل الشرعي للكمبيالة بقولها:" يعتبر حائز الكمبيالة الحامل الشرعي لها إذا أثبت حقه بسلسلة غير منقطعة من التظهيرات ولو كان التظهير الأخير على بياض، وتعتبر في هذا الشأن التظهيرات المشطب عليها كأن لم توجد"، وعليه فإذا كان الحامل ملزما بإثبات عدم انقطاع سلسلة التظهيرات لكي يعتبر حاملا شرعيا فإنه لا يلزم بإثبات صفات الموقعين السابقين، ولا إثبات رضاء كل موقع ولا صحة توقيعه .
كما تجدر الإشارة إلى أن الحامل يعتبر حاملا شرعيا ولو تسلم الكمبيالة عن طريق تظهير على بياض، حيث في هذه الحالة يعتبر التظهير الذي يعقب مباشرة التظهير على بياض قد صدر عن المظهر إليه في التظهير الأخير، وهو ما أكدته المادة 170 من مدونة التجارة التي اعتبرت أنه متى كان التظهير على بياض متبوعا بظهير آخر اعتبر موقع التظهير مكتسبا للكمبيالة المطلوبة كأنها غير مكتوبة.
أما إذا كانت الكمبيالة مظهرة على بياض، وعثر عليها شخص آخر، فإن هذا الأخير لا يعتبر حاملا شرعيا لهذه الكمبيالة إذا أثبت المالك الشرعي لها بمختلف الوسائل أنه هو حاملها الشرعي وفق ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 171 من مدونة التجارة.
وبخصوص الغاية من التأكيد على ضرورة توافر هذا الشرط فتتحدد في الحيلولة دون حماية الحامل غير الشرعي للكمبيالة، وإلا فإن هذا الأخير سيستفيد من الحماية والضمانات التي يوفرها قانون الصرف بموجب هذه القاعدة بالرغم من أنه ليس أهلا لهذه الحماية.
الفقرة الثالثة: أن يكون الحامل حسن النية.
بالرجوع إلى المادة 171 من مدونة التجارة نجد أنها تؤكد على ضرورة توافر هذا الشرط بقولها "... ما لم يكن الحامل قد تعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين".
ورغم وضوح هذه المادة فإن الفقه اختلف بخصوص تحديد الحامل الذي يعتبر سيئ النية، وبالتالي لا يكون أهلا للاستفادة من قاعدة عدم التمسك بالدفوع . فهناك من يرى بأن الحامل يكون سيئ النية إذا كان على علم بالضرر الذي سيسببه التظهير للمدين بالالتزام الصرفي .أما بخصوص مدى إمكانية العلم بهذا الدفع، فقد أكدت المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة للكمبيالة أنه " لأغراض هذه الاتفاقية، يفترض علم الشخص بواقعة ن ما إذا كان على علم بها بالفعل، أو لم يكن بالإمكان أن يجهلها".
وإعمالا لهذه القاعدة فعلى الحامل أن يمتنع عن تلقي الكمبيالة إذا كان على علم بأن أحد الموقعين عليها يستطيع الاحتجاج ضد حامل سابق بدفع معين.
وفي مقابل الاتجاه السابق، هناك من يرى بأن الحامل يعد سيئ النية إذا كان هناك تواطؤ بينه وبين من تلقى منه الكمبيالة على حرمان المدين من الاحتجاج بدفوعه تجاه المظهر، أي أن هذا التواطؤ يهدف إلى حرمان المدين من التمسك بدفعه في مواجهة الحامل السابق للكمبيالة قبل عملية التظهير، وبالتالي فإن المدين بالالتزام الصرفي في هذه الحالة يكون ملزما بإثبات الاتفاق الذي تم ما بين الحامل والشخص الذي ظهر إليه الكمبيالة.
وعلى العموم فإن المشرع المغربي باشتراطه عدم الإضرار بالمدين، يكون قد تبنى موقفا وسطا بين النظرية الفرنسية التي كانت تدعو في مؤتمر جنيف إلى الاكتفاء بعلم الحامل للتمسك ضد الدفوع،وبين النظرية الإنجليزية التي كانت تطالب باشتراط التواطؤ بين الحامل والمظهر.
كما أن القضاء المغربي اكتفى في أكثر من مرة بمجرد علم الحامل للقول بسوء نيته ، وذلك بخلاف القضاء الألماني الذي يشترط التواطؤ بين الحامل ومن ظهر له الكمبيالة .
كما تجدر الإشارة على أن تقييم مبدأ حسن أو سوء نية الحامل يتم في تاريخ اكتسابه الكمبيالة، فإذا كان حسن النية في هذا الوقت، فإنه يبقى كذلك ولو أصبح سيئ النية بعد ذلك، أما تقييم سوء نية الحامل فيتم من طرف قضاة الموضوع، حيث يتم الاستناد في ذلك إلى الظروف السابقة واللاحقة لتاريخ تظهير الكمبيالة من اجل القول بأن الحامل لم يحصل على الكمبيالة إلا لأجل الإضرار بالمدين وحرمانه من التمسك بالدفوع التي كان بإمكانه التمسك بها تجاه المظهر السابق.
أما في الحالة التي يكون فيها الحامل عبارة عن مؤسسة بنكية ،فنجد أن القضاء الفرنسي قد تعامل بقسوة وشدة معه، نظرا لما يتعين على البنك القيام به من فحوص وتحركات عند قيامه بعملية الخصم، وعليه فقد اعتبر أن إهمال البنك بمثابة سوء نية.
الفقرة الرابعة: أن يكون الحامل أجنبيا عن العلاقة الناشئ عنها الدفع.
يشترط لتطبيق قاعدة عدم التمسك بالدفوع ألا تجمع بين الحامل وبين المدين بالالتزام علاقة شخصية، وإلا أمكن للمدين أن يتمسك بتلك الدفوع التي تجمعه بالحامل، وكمثال على ذلك فإذا كان المدين دائنا للحامل بمبلغ يساوي مبلغ الكمبيالة، أمكنه أن يدفع بالمقاصة بين دينه على الحامل وبين دين الحامل عليه والذي تمثله الكمبيالة.
لذلك فإن قاعدة عدم التمسك بالدفوع تم ابتكارها لحماية الحامل حسن النية ضد الدفوع التي لم يتسبب فيها والتي لم يكن له دخل في وجودها، أي الدفوع الناتجة عن العلاقات السابقة بين الموقعين على الكمبيالة، أما إذا انتفت هذه العلة بأن كان الحامل طرفا في العلاقة القانونية الناشئ عنها الدفع، فإنه يتم تعطيل العمل بقاعدة عدم التمسك بالدفوع.
وحتى لا يصطدم الحامل بهذا الشرط فإنه يرجع على الموقع الذي لا تربطه به أي علاقة شخصية أو علاقة مديونية حتى يستفيد من قاعدة تطهير الدفوع، خاصة وأن المشرع منحه حق الرجوع على أي واحد من الموقعين السابقين على الكمبيالة دون مراعاة ترتيبهم.
أما في حالة عدم الوفاء بمبلغ الكمبيالة من طرف الموقع الذي رجع عليه الحامل، فإنه يكون من حق هذا الأخير مطالبة المسحوب عليه بدعوى مباشرة ناشئة عن الكمبيالة .
ومع ذلك فإن الساحب إذا أصبح حاملا للكمبيالة، ولم يسبق له أن قدم مقابل الوفاء للمسحوب عليه، جاز لهذا الأخير التمسك في مواجهة الساحب بهذا الدفع طالما أنه ناتج عن العلاقة شخصيته بين الساحب والمسحوب عليه، أما إذا قام الساحب بإعادة تظهير الكمبيالة فإنه هذا الدفع يتم تطهيره مما يحول دون تمسك المسحوب عليه بهذا الدفع عملا بالقاعدة التي تجعل بأن تطهير الدفوع يعتبر أهم أثر للتظهير .
المبحث الأول:نطاق قاعدة عدم التمسك بالدفوع.
إذا كان الأصل أن الحامل لا يمكن أن يواجه بالدفوع الناشئة عن العلاقات الشخصية بين الموقعين السابقين المطلب الأول فان هذا المبدأ ترد عليه بعض الاستثناءات،وهي ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الدفوع التي يطهرها التظهير.
سنحاول من خلال هذا المطلب التطرق إلى مجمل الدفوع التي لا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الحامل الشرعي للورقة التجارية،أي منع الاحتجاج في مواجهة الحامل الحامل الشرعي بدفوع المدين الناتجة عن علاقته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين التي تربط المدين بالحامل( ).
وأهم دفوع يطهرها التظهير وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بها على الحامل نجد الدفوع الناتجة عن عيوب الرضا، و الدفوع المتعلقة ببطلان الالتزام الصرفي، أو بطلان العلاقة القانونية الأصلية التي تربط الساحب بالمسحوب عليه أو بأي ملتزم آخر كما تطبق هذه القاعدة على الدفوع الناتجة عن تعديل أحد الموقعين لالتزامه إذا لم ترد الشروط المعدلة في نص الكمبيالة كما يطهر التظهير التصرفات اللاحقة لنشأة الكمبيالة كما في حالة فسخ العقد أساس نشأتها .
والدفوع المشار إليها أعلاه هي ما سنحاول تحليله في الفقرات الموالية
الفقرة الأولى: الدفوع الناتجة عن عيوب الرضا.
اذا كانت هذه الدفوع تتصل بعلاقة الحامل المدعي والمدعى عليه،فان لهذا الاخير ان يثيرها ليدفع رجوع هذا الحامل عليه .
أما أذا كانت الدفوع المشار اليها ،تتصل بعلاقة المدعى عليه بالساحب أو بحامل سابق فلا يمكن إثارتها في مواجهة الحامل المدعي الحسن النية .
قد يشوب إرادة أحد الموقعين على الكمبيالة عيب من عيوب الرضا، ومع ذلك فإن الدفوع الناتجة عن هذه العيوب لا يجوز التمسك بها في مواجهة الحامل حسن النية والسبب في ذلك أن العمل التجاري يتسم بالسرعة وبالتبعية تداول الكمبيالة، وإذا ما ألزمنا الحامل بتقصي مدى سلامة إرادة كل الموقعين فإننا نكون قد عطلنا سرعة تداول الكمبيالة كأساس يقوم عليه السجال التجاري( )وبذلك لا يسوغ للمسحوب عليه أو المظهر أن يدفعها إزاء الحامل حسن النية بالدفوع الشخصية والمباشرة الناتجة عن إبطال الالتزام لعيوب التدليس او الغلط أو الإكراه أو الاستغلال التي تشوب الإرادة( ).
وعليه فإذا ما سحب شخص كمبيالة اعتقادا منه مدين للمستفيد بمبلغها ثم يجعلها هذا الأخير تتداول نتيجة تظهيره لها، ثم بعد ذلك يكتشف الساحب انه غير مدين للمستفيد، فإنه يمكنه أن يواجه المستفيد برفض الأداء لقيمة الكمبيالة لكنه لا يستطيع ذلك في مواجهة الحامل حسن النية، لأن التظهير ينتج أثره المتمثل في تطهير الورقة( ) وكذلك الأمر بالنسبة للساحب الذي يصدر كمبيالة نتيجة طرق احتيالية مورست عليه ونتج عنها غبن له، حيث يجوز له أن يدفع بالغبن تجاه الشخص الذي احتال عليه ولكن إذا كانت الكمبيالة قد ظهرت إلى شخص آخر فإنه يمتنع عليه التمسك بالغبن تجاه الحامل الجديد حسن النية( ).
لكن إذا وصلت العيوب اللاحقة بإرادة الموقع على الكمبيالة إلى حد إعدام إرادته فإن له أن يتمسك بالعيب الذي مورس عليه أو وقع ضحيته، ذلك أن من انعدمت إرادته أجدر بالحماية من الحامل حسن النية( ).
نخلص إلى أنه إذا كانت مثل هذه الدفوع تتصل بعلاقة الحامل المدعي والمدعي عليه فإن هذا الأخير أن يثيرها ليدفع رجوع هذا الحامل عليه، لكن إذا كانت تلك الدفوع تتصل بعلاقة المدعي عليه بالساحب أو بحامل سابق فلا يمكن إثارتها في مواجهة المدعي الحسن النية، فمثلا او كان المسحوب عليه وقع الكمبيالة بالقبول بغلط أوقعه فيه الساحب او المستفيد بهذا الدفع في مواجهة هذا الساحب أو المستفيد الذي أوقعه في هذا الغلط لكن المسحوب عليه لا يمكنه أن يثير هذا الدفع في مواجهة الحامل المظهر إليه ما دام أنه حسن النية( ).
الفقرة الثانية: الدفوع المرتبطة ببطلان الالتزام الصرفي.
ويعني ذلك أنه لا يمكن مواجهة الحامل ببطلان الالتزام الصرفي لأحد الملتزمين في الكمبيالة كأن يكون سبب تظهير أحد المظهرين للكمبيالة غير مشروع( )، وعليه فإنه لا يمكن مواجهة الحامل حسن النية بهذه الدفوع لأنه لا يفترض علمه بها إلى جانب أنه غير ملزم بالبحث في شرعية الروابط بين الموقعين وسبب توقيعهم خصوصا إذا علمنا أن الالتزامات الصرفية غالبا ما تكون خالية من ذكر سببها( )، لكن هذا لا يعني أن عدم التمسك بالدفوع ببطلان الكمبيالة مبدأ مطلق وإنما يصح في مواجهة المستفيد الأول للكمبيالة( )، وهذه في الحالة الاستثنائية الوحيدة، حيث إنه بعد تظهيرها شخص آخر حسن النية فلا يجوز مواجهته بهذه الدفع( )، أنه إذا تم إنشاء كمبيالة نتيجة علاقة غير مشروعة أو نتيجة القيام بتنفيذ جريمة قتل فإنه يجوز للساحب أو المظهر التمسك في مواجهة المستفيد أو لمظهر إليه ببطلان الالتزام نتيجة كون سببه غير مشروع، لكن بعد أن تظهر هذه الكمبيالة المبنية على سبب غير مشروع إلى شخص آخر فإنه لا يجوز التمسك تجاهه بعد مشروعية سبب الكمبيالة وبالتالي بطلانها خصوصا إذا كان حسن لنية، حيث أن التظهير ينتج أثره الأساسي والمتمثل في تطهير الورقة من الدفوع الشخصية( )، أي أنه لا يسوغ للمسحوب عليه أو المظهر أن يدفعه إزاء الحامل حسن النية بالدفع الشخصية والمباشرة المستمدة من خلافات سابقة كالدفع بالفسخ أو البطلان لانعدام السبب أو عدم مشروعيته( ).
الفقرة الثالثة: الدفوع المتعلقة بانقضاء الالتزام الصرفي.
إذا ما تم انقضاء الالتزام الصرفي بأحد الموقعين على الكمبيالة، بسبب استسقاء دائن سابق للدين أو مقاصة بين دينين متقابلين في الكمبيالة أو غيرها من أسباب انقضاء الالتزام( )، فإنه لا يجوز التمسك به في مواجهة الحامل حسن النية( )، ولكن إذا كان هذا المبدأ يسري على الموقعين على الكمبيالة فإنه يستثنى منهم الملتزمين ذوي العلاقة المباشرة نشأ عنها الانقضاء حيث يمكن مواجهتهم به وبالتالي يجوز التمسك بانقضاء الالتزام فيما بين الموقع والشخص الذي يرتبط معه بعلاقة مباشرة.
على انه يجب على من يتمسك بالانقضاء تجاه الشخص الذي تربطه به علاقة مباشرة يجب عليه أن يثبته( ).
وعليه فإذا أصبح الساحب عند تاريخ الاستحقاق للكمبيالة دائنا للمستفيد فإنه لا يجوز له أن يتمسك تجاهه بانقضاء الالتزام الصرفي بالمقاصة، إلا انه إذا تما تم تظهير الكمبيالة إلى شخص آخر فإنه يمنع على الساحب رفض رجوع الحامل الشرعي حسن النية عليه لضمان الوفاء( ).
أي أنه إذا تم الرجوع من طرف المستفيد بقيمة لكمبيالة على الساحب فإن لهذا الأخير أن يتمسك في مواجهته بانقضاء الالتزام الصرفي، أما إذا ظهرت الكمبيالة من الدفوع وبالتالي لا يجوز للساحب أن يرفض الوفاء للحامل حسن النية( ).
نخلص إلى أنه لا يمكن الدفع ضد الحامل بانقضاء الالتزام بالإجراء أو اتحاد الذمة أو المقاصة التي تثبت له إزاء حامل سابق أو إزاء الساحب ولا يسوغ للمظهر المتابع أو المطالب بالآداء او الوفاء أن يدفع بعدم وصول القيمة أو بإجراء مقاصة، اللذين كانا ثابتين له ضد حامل سابق إزاء الحامل المتابع حسن النية ( ).
في ختام هذا المطلب نشير إلى أن هناك العديد من الدفوع التي لم نشر إليها وأهمها الدفع بالمقاصة والدفوع المرتبطة بتوقيع الكمبيالة مجاملة.لأننا نهدف فقط إلى تبيان القاعدة العامة على مستوى الدفوع التي يطهرها التظهير.
ونمر الآن إلى دراسة مختلف الدفوع التي لا يطهرها التظهير.
المطلب الثاني: الدفوع التي لا يطهرها التظهير.
استثناء من قاعدة عدم التمسك بالدفوع فإن هناك مجموعة من الدفوع التي يمكن مواجهة الحامل بها سواء كان حسن النية أو سيئها.
أما سبب استثناء هذه الدفوع فقد يرجع إما إلى مراعاة حماية ناقص الأهلية أو منعدمها (الفقرة الأولى). وإما لكونها تتعلق بشكل الكمبيالة (الفقرة الثانية) أو أنها كانت عرضة للتزوير أو للتحريف (الفقرة الثالثة). وكذا في حالة تجاوز حدود الوكالة أو عدم وجودها (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى: الدفع بنقص الأهلية أو انعدامها.
يتعين للقول بصحة أي عمل أو تصرف قانوني أن يكون صادرا عن شخص يتوفر على الأهلية الكاملة واللازمة لإبرام مختلف التصرفات القانونية. وإعمالا لهذه القاعدة فإن من نقصت أهليته أو انعدمت يكون من حقه التمسك بهذا الدفع في مواجهة جميع الحملة حتى ولو كان من بينهم من هو حسن النية .
وعليه فإذا وقع ناقص الأهلية أو فاقدها على الكمبيالة وتم تداولها بعد ذلك، فإن لا يكون من حق الحامل أن يرجع على هذا القاصر الذي يحق له بدوره أن يتمسك بنقص أهلية في مواجهة الحامل حتى ولو كان حسن النية .
كما نشير في هذا الصدد إلى أن الحماية المقررة للقاصر في هذه الحالة لا يجب تمديدها على باقي الموقعين على الكمبيالة ممن لهم الأهلية الكاملة للتوقيع عليها، وذلك عملا بقاعدة استقلال التوقيعات المنصوص عليها في المادة 164 من مدونة التجارة وخاصة الفقرة الثانية والتي جاء فيها" إذا كانت الكمبيالة تحمل توقيعات أشخاص لا تتوفر فيهم أهلية الالتزام بها.... فإن التزامات غيرهم من الموقعين عليها تظل مع ذلك صحيحة".
وعليه فإن توقيع القاصر أو فاقد الأهلية على الكمبيالة لا يؤدي إلى بطلانها، وإنما يؤدي فقط إلى بطلان التزام ناقص الأهلية.
أما إذا كان القاصر مأذونا له بممارسة التجارة، فإن توقيعه على الكمبيالة يكون صحيحا ومرتبا لجميع آثاره القانونية، وخاصة عدم جواز تمسكه بالبطلان لنقص أهليته.
كما تجدر الإشارة إلى انه طبقا لقانون الصرف فإن التزام ناقص الأهلية يبقى باطلا حتى ولو عمد إلى اللجوء على وسائل وطرق احتيالية من أجل إيهام الطرف الآخر بكمال أهليته، لأنه بإمكان القاصر أن يطعن في تصرفه عند بلوغه لسن الرشد.
الفقرة الثانية: الدفع بالعيوب الشكلية اللاحقة بالكمبيالة
بالرجوع إلى المادة 159 من مدونة التجارة نجد أنها تشترط أن تتضمن الكمبيالة مجموعة من البيانات الإلزامية، حيث أن خلو الكمبيالة من أحد هذه البيانات يحولها على مجرد سند عادي إذا توفرت شروط هذا السند مما يستطيع معه المدين الصرفي أن يحتج ضد الحامل بنقص أحد البيانات الجوهرية ، طالما أن قانون الصرف يعتمد بالدرجة الأولى على الشكلية.
وكمثال على ذلك فإذا كانت الكمبيالة لا تحتوي على اسم الساحب أو المسحوب عليه، فإنها تعتبر باطلة قانونا، مما يجوز معه لكل موقع عليها أن يتمسك بهذا الدفع تجاه الحامل ولو كان حسن النية ويرجع السبب في إجازة مثل هذا الدفع إلى أن الحامل لا يكون أهلا للحماية في هذه الحالة طالما أنه لم يحمي نفسه عن طريق عدم أخذ هذه الكمبيالة طالما أنها لا تحتوي على جميع البيانات الإلزامية .
إضافة إلى الدفع بانعدام أحد البيانات الشكلية الإلزامية الواجب توفرها في الكمبيالة، فإن هناك بعض الدفوع الأخرى التي يترتب عليها تعطيل قاعدة عدم التمسك بالدفوع، ويتعلق الأمر بالحالة التي تتم فيها مخالفة أحد البيانات الاختيارية من طرف الحامل، حيث يجوز في هذه الحالة للموقع الذي تم الرجوع عليه أن يتمسك بذلك الدفع في مواجهة ذلك الحامل ولو كان حسن النية.
وكمثال على ذلك فإذا ضمن الساحب الكمبيالة بيانا اختياريا يقضي بضرورة الرجوع بلا مصاريف، فإن مخالفة الحامل لهذا البيان يجعله يتحمل لوحده مصاريف الرجوع وبالتالي فلو أراد الرجوع بهذه المصاريف على أحد الموقعين السابقين، فإن من حق هذا الأخير، أن يواجهه بهذا الدفع .
الفقرة الثالثة: الدفع بالتزوير أو التحريف.
يستطيع كل من تم تزوير توقيعه أن يحتج على الحامل عند رجوعه عليه بعدم توقيعه على الكمبيالة، وبأن ذلك التوقيع مزور، وعليه فإذا تم تزوير توقيع المحسوب عليه أمكن لهذا الأخير أن يتمسك بهذا الدفع في مواجهة الحامل ولو كان حسن النية، لأن من لم يوقع على الكمبيالة فمن الطبيعي أنه لا يلتزم بأي شيء ، إلا انه يستثنى من ذلك الحالة التي يتسبب فيها الملتزم في التزوير إما بسبب رعونته أو إهماله أو بأي تصرف يثير مسئوليته التقصيرية.
كما انه وبالنظر إلى مبدأ استقلال التوقيعات الذي تتميز به الأوراق التجارية فإنه لا يجوز التمسك بهذا الدفع إلا من الطرف الذي تم تزوير توقيعه، أما باقي الموقعين الآخرين فإن التزامهم يبقى صحيحا.
وتستثنى من هذه القاعدة حالة الضامن الاحتياطي الذي يجوز له أن يتمسك في مواجهة حامل الكمبيالة بتزوير توقيع الشخص الذي تدخل الضامن الاحتياطي لضمانه وتعليل ذلك أن التزام الضامن يكون تابعا لالتزام المضمون، وبالتالي فإنه يتأثر به وجودا وعدما .
وإذا كانت أحد بيانات الكمبيالة يمكن أن تكون عرضة للتزوير، فإنها قد تكون في أحيان أخرى عرضة للتحريف، وهو ما يعطي للموقع على الكمبيالة الحق في التمسك بهذا الدفع ضد كل حامل للكمبيالة ولو كان حسن النية.
وبالرجوع على المادة 227 من مدونة التجارة نجدها تقضي بأنه " إذا وقع تغيير في نص الكمبيالة، فإن الموقعين اللاحقين لهذا التغيير ملزمون بمقتضى النص كما هو بعد التغيير أما الموقعون السابقون فيلتزمون بما ورد في النص الأصلي" .
ومثال ذلك أنه إذا كان الموقع على الكمبيالة، قد وقع عليها على أساس أن مبلغها هو 500 درهم، فإذا تم تحريف هذا المبلغ بأن أصبح 5000 درهم، فإن من حق الموقع في هذا المثال أن يتمسك في مواجهة الحامل بالدفع الذي مفاده بأن المبلغ الواجب الدفع هو 500 درهم فقط شريطة أن يثبت أن هذا المبلغ هو الذي كانت تحتوي عليه الكمبيالة حينما قام بالتوقيع عليها. أما الموقعون اللاحقون للتحريف فيلتزمون على أساس 5000 درهم وليس على أساس 500 درهم.
وكنتيجة لهذه القاعدة فإن الحماية المقررة لحامل الكمبيالة تنقص في هذه الحالة طالما أنه لا يكون بمقدوره الرجوع على الموقعين السابقين لواقعة التحريف .
الفقرة الرابعة: الدفع بتجاوز الوكالة أو بعدم وجودها
بالرجوع إلى المادة 164 من مدونة التجارة وخاصة الفقرة الأخيرة نجدها تقضي بأن " من وقع على الكمبيالة نيابة عن آخر بغير تفويض منه التزم شخصيا بموجبها، فإن وفاها آلت إليه الحقوق التي كانت ستؤول إلى من ادعى النيابة عنه".
وعليه فإن من حق الموكل في هذه الحالة أن يتمسك في مواجهة الحامل عندما يرجع عليه بعدم وجود وكالة تخول الوكيل الالتزام نيابة عنه ، أو على الأقل أن إرادته لم تتجه إلى تخويل الوكيل الالتزام بالكيفية التي التزم بها نيابة عنه .
وهنا يرى بعض الفقه أن السماح للموكل بالتمسك بالدفع الذي مفاده تجاوز الوكيل لحدود الوكالة فيه مبالغة في حماية الموكل على حساب الحامل خاصة إن كان حسن النية، ومع ذلك فإن حماية الحامل حسن النية تظل قائمة إذا علمنا أن من حقه الرجوع على الوكيل الذي تجاوز حدود الوكالة والتزم نيابة عن الموكل بالرغم من عدم وجودها، لأن الوكيل يصبح ملتزما شخصيا وملتزما صرفيا بمقتضى الكمبيالة التي وقع عليها.
وعلى العموم فإذا كان المشرع قد خول للحامل حسن النية إمكانية تطهير الدفوع التي يمكن أن يواجهه بها الموقعين على الكمبيالة حينما يرجع عليهم، فإن هذه القاعدة ترد عليها كما رأينا عدة استثناءات تسمى بالدفوع الموضوعية التي يترتب عن إعمالها تعطيل العمل بقاعدة عدم التمسك بالدفوع.
خاتمة
نخلص إلى أن مبدا قاعدة عدم التمسك بالدفوع،وبحق،أساس للتداول الصرفي،ذلك أنها تجعل من حامل الكمبيالة مطمئن على انه سياخد مقابلها دون تعرضات أو دفوع،مما يجعل قبول التعامل بالكمبيالة من طرف الجمهور مسالة مقبولة.
وبالرغم من الأساس القانوني الذي تقوم عليه قاعدة عدم التمسك بالدفوع أساس منتقد،بحيث لم يستطع الفقه لحد الآن الاستناد على أساس سليم،فإننا نعتبر أن أساس هذه القاعدة تتمثل في إرادة المشرع الذي أراد للكمبيالة أن تنتقل مطهرة ، بمجرد تظهيرها،من كل الدفوع وذلك لتكريس مبادئ القانون الصرفي المتمثلة في الائتمان والثقة والسرعة....
لائحة المراجع:
1-- محمد الشافعي:الأوراق التجارية :سلسلة البحوث الجامعية ،المطبعة و الوراقة الوطنية ،الطبعة الثانية ،مراكش 2002 .
2- احمد شكري السباعي :الوسيط في الأوراق التجارية ،الجزء الأول ،في آليات أو أدوات الائتمان ن الكمبيالة و السند لأمر الطبعة الأولى ، الرباط 1998 .
3- لطيفة الداودي :الحماية المدنية لحامل الكمبيالة ، الحماية المدنية ،الطبعة الأولى ،المطبعة و الوراقة الوطنية ،مراكش 2001 .
4- أستاذتنا زينب تاغيا :تداول الكمبيالة بين التشريع و القضاء ،دراسة مقارنة ،المطبعة و الوراقة الوطنية ،مراكش 1995 .
5- محمد الحارثي :الأوراق التجارية في القانون المغربي فقها و قضاء ، الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، 1996،ص 132.
6- علي البارودي : القانون التجاري ،منشاة المعارف ،الإسكندرية 1988 ،
7- أحمد إبراهيم البسام، قاعدة تطهير الدفوع في ميدان الأوراق التجارية، مطبعة العاني، بغداد، 1969.
8- محمد الحارثي: الأوراق التجارية في القانون المغربي فقها وقضاء، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1996.
9- المختار عطار: الوجيز في القانون المدني، أوصاف الالتزام وانتقاله وانقضاؤه، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى مراكش 2001.
10- علي سليمان العبيدي، الأوراق التجارية في التشريع المغربي. مكتبة التومي للطبع والتوزيع. الطبعة الأولى الرباط.
11- أستاذنا عبد الرحمن أسامة ،نظرية العقد،مطبعة الجسور،وجدة،2005/2006.
12- مصطفى سهيل عاشور،الحوالة في التشريع المدني المغربي،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس ، الرباط،السنة الجامعية1975/1976
13-- إسماعيل صاحب الدين وعثمان غفران، تظهير الكمبيالة في التشريع المغربي والمقارن. بحث لنيل الإجازة في الحقوق. كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. جامعة القاضي عياض، مراكش 2003. 2004
14- هدي مشبال،قاعدة عدم التمسك بالدفوع في الأوراق التجارية في القانون المغربي،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،السنة الجامعية 1986
15- المختار بكور، تبعية التزام الضامن الاحتياطي وقاعدة عدم التمسك بالدفوع. المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد. العدد 18.
16- علي حسن يونس، الأوراق التجارية، دار الفكر العربي، طبعة 1974
17- مامون الكزبري : نظرية الالتزامات و العقود بالمغرب ، الجزء الثاني ، أوصاف الالتزام و انتقاله و انقضاؤه الطبعة الأولى 1970
18- أحمد حسن البرعي : نظرية الالتزام في القانون المغربي ، مصادر الالتزام ، الجزء الأول ، العقد ، دار الثقافة ، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1980 ، ص 202
المراجع باللغة الفرنسية:
1- Georges Caillol : du principe de l’inopposabilité des exceptions du porteur d’un effet de commerce, éditions Paul roubaud. 1930.
xavier mavin: lettre de-2
change endossement après expiration du délai du prêt en dos sans date, banque 1960. p 48
.
3-Christian Gavalda – jean Stoufflet :droit commercial ;chèques et effets de commerces ; 2 eme édition ; Août 1984
4-René ROBLOT : les effets de commerce ; lettre de change , billet a ordre et au porteur , warrants , facture ; protestable ,
2 ème édition 1975 .
الفهرس
مقدمة: 1
المبحث الأول:ماهية قاعدة عدم التمسك بالدفوع 4
المطلب الأول: مفهوم قاعدة عدم التمسك بالدفوع 4
الفقرة الأولى: معنى قاعدة عدم التمسك بالدفوع 4
الفقرة الثانية: مزايا قاعدة عدم التمسك بالدفوع. 5
الفقرة الثالثة: الأشخاص الذين تطبق عليهم قاعدة عدم التمسك بالدفوع. 7
المطلب الثاني:الأساس القانوني لقاعدة عدم التمسك بالدفوع. 8
الفقرة الأولى:نظريات اتصال الالتزام الصرفي بالعلاقات السابقة كأساس قانوني لقاعدة عدم التمسك بالدفوع 8
الفقرة الثانية: ا لنظريات المبنية على أساس استقلال الالتزام الصرفي عن العلاقات السابقة عيه. 10
الفقرة الثالثة: نظريات الالتزام القانوني 12
المطلب الثالث: شروط تطبيق قاعدة عدم التمسك بالدفوع. 14
الفقرة الأولى: أن تنتقل الكمبيالة عن طريق التظهير. 14
الفقرة الثانية: أن يكون حاملا شرعيا للكمبيالة. 16
الفقرة الثالثة: أن يكون الحامل حسن النية. 17
الفقرة الرابعة: أن يكون الحامل أجنبيا عن العلاقة الناشئ عنها الدفع. 19
المبحث الأول:نطاق قاعدة عدم التمسك بالدفوع. 20
المطلب الأول: الدفوع التي يطهرها التظهير. 20
الفقرة الأولى: الدفوع الناتجة عن عيوب الرضا. 21
الفقرة الثانية: الدفوع المرتبطة ببطلان الالتزام الصرفي. 23
الفقرة الثالثة: الدفوع المتعلقة بانقضاء الالتزام الصرفي. 24
المطلب الثاني: الدفوع التي لا يطهرها التظهير. 25
الفقرة الأولى: الدفع بنقص الأهلية أو انعدامها. 26
الفقرة الثانية: الدفع بالعيوب الشكلية اللاحقة بالكمبيالة 27
الفقرة الثالثة: الدفع بالتزوير أو التحريف. 28
الفقرة الرابعة: الدفع بتجاوز الوكالة أو بعدم وجودها 29
خاتمة 31
لائحة المراجع: 32
المراجع باللغة الفرنسية: 34
الفهرس 35