أهم أسباب الخوصصة
منقول للإفادة
إن اللجوء للخوصصة كانت له عدة مبررات اختلف المهتمون و الدارسون لهذا الموضوع حول تقسيمها ووصفها و هكذا نجد من يميز فيها بين الأسباب الداخلية و الأسباب الخارجية و من يعتبرها منقسمة إلى أسباب اجتماعية ، اقتصادية و أخرى سياسية و بغض النظر عن مدى أهمية هذه التقسيمات فإن من بين أهم الأسباب التي جعلت المغرب على غرار باقي الدول يأخذ بالخوصصة نذكر :
* التوجه اللبرالي :
مما لا شك فيه أن المغرب و منذ استقلاله ينهج توجها لبراليا حيث أن حماية المبادرة الحرة يعتبر مبدأ دستوريا و أن هذه الأخيرة في المنهج اللبرالي تعتبر خير موظف و مستثمر للموارد و إن كانت الدولة المغربية لجأت في مراحل معينة إلى تأميم بعد المنشأ ت أو الأراضي فذلك لا يعني تراجعا عن المنهج اللبرالي بقدر ما كان في أغلب حالاته رد فعل عن عوامل مختلفة .
و من المعلوم أن التوجيه اللبيرالي قد ازدادت حدته على المستوى الدولي خاصة مع بداية الثمانينات و وصول السيدة تاتشرلسدة الحكم في بريطانيا و الرئيس ريكن في الولايات المتحدة الأمريكية .
و ما نهجاه من برامج في هذا الصدد إضافة إلى الطفرة التي عرفتها النظريات و الأفكار التي تدافع عن النظام اللبيرالي كأداة فعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية .
* أزمة المديونية و ضغوط المؤسسات المالية الدولية :
لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى كيفية نشوء هذه المديونية و كيف تدخلت المؤسسات المالية الدولية في هذه العلاقة رغم أنها لم تكن طرفا فيها وقت النشوء.
حيث أنه خلال أواخر السبعينات و اعتبارا للانتعاشة الاقتصادية التي عرفتها الرأسماليات المتقدمة خاصة في أمريكا و أوربا وذلك بعد ما تم تجاوز الأزمة الاقتصادية التي عرفتها بداية السبعينات و نتيجة هذه الانتعاشة حققت بعض المصاريف الأوربية و الأمريكية مداخيل مهمة خلقت لها فائضا في السيولة حاولت التخلص منه واستثماره في نفس الوقت عن طريق توجيهه كقروض للدول النامية وذلك بفوائد مشجعة و اعتبارا لظروف هذه الدول )مثلا المغرب كان بصدد إعادة بناء بنيته التحتية و شجعه على الإقدام على هذه القروض ارتفاع أسعار الفسفاط( فإنها لم تتردد في قبولها .
لكن و اعتبارا للسياسات التي نهجتها الرأسماليات المتقدمة ) انجلترا- أمريكا -..( في ميدان الاقتصاد و ما ترتب عنها من ارتفاع لقيمة العملة الصعبة (الدولار) الذي ترتبط بقيمته نسبة الفائدة في القروض مما أدى إلى ارتفاع حجم ديون الدول النامية و التي بدأت تعاني بعد الثمانينات من مشاكل مختلفة )المغرب مثلا سرعة النمو الديموغرافي – انخفاظ سعر الفسفاط- ظهور أزمة الصحراء( الأمر الذي أصبحت معه جل الدول النامية شبه عاجزة عن أداء ديونها و أصبحت معه المصاريف الأروبية و الأمريكة الدائنة قاب قوسين أو أدنى من أزمة مالية خانقة. الأمر الذي تحركت معه الحكومات المعنية و التي اعتبارا لهيمنتها على المؤسسات المالية الدولية دفعت بها إلى منح الدول المدينة قروضا حتى تتمكن من ضمان تسديد ديون مصاريفها و هو ما تم بالفعل ، لكن و انطلاقا من أواسط السبعينات كانت هذه المؤسسات قد وضعت شروطا لمنح هذه الديون يمكن إجمالها في تدخلها في السياسات الاقتصادية والنقدية للدول المدنية و التي من بين إملاءاتها بطبيعة الحال اللجوء إلى الخوصصة .
* الفساد البيروقراطي و غياب المشاركة الديمقراطية :
و يتجلى ذلك في الأزمة التي أصبح يعرفها القطاع العام من حيث ضعف التسيير و المراقبة وذلك نتيجة تفشي ظاهرة الزبونية و الرشوة و غياب المحاسبة و الشفافية و في هذا الإطار نبه البنك الدولي الدول النامية في توصية له سنة : 1996 إلى هذه الأزمة ومثل أوضاعها الداخلية بالأوضاع التي عرفتها الدولة العثمانية في حقبة من الزمن مستشهدا في ذلك بوصية قدمها علي باشا كبير وزير السلطان العثماني عبد العزيز يقول فيها : « مولاي إن أغلبية كبيرة من المستخدمين المدنيين يتلقون أجورا هزيلة و النتيجة أن الرجال المهرة و النابغين يعزفون عن الخدمة العامة و من تم تجد حكومة جلالتكم نفسها مرغمة على تعيين موظفين متواضعي الحال كل هدفهم هو تحسين وضعيتهم المادية ..... إن الخدمة المدنية في إمبراطوريتكم يجب أن يباشرها أشخاص أذكياء متابرون أكفاء و لديهم رغبة في العمل ... و لجلالتكم الحق في تطبيق المساءلة الذي لا غنى عنه و الذي من دونه لن يتحقق أي تقدم و يكون الدمار مصير كل عمل ».
و يضيف أن هذه المشاكل تظل قائمة و معاصرة لدى مختلف الدول النامية الأمر الذي أصبح معه القطاع العام يشكل عبئا كبيرا على كاهل هذه الدول .
المبحث الأول :
الهاجس الاجتماعي للنصوص التشريعية للخوصصة
لن يختلف اثنان في كون المتضرر الأول من عملية الخوصصة هو الطاقم البشري العامل في المؤسسة المراد تفويتها ، فهو غالبا ما يذهب ضحية هذا النوع من العمليات الاقتصادية التي أصبحت تحتمها ضرورات عصرنا الليبرالي . وضع أدى و مازال إلى إسالة مداد العديد من الباحثين و إعلاء صوت الجمعيات الحقوقية العالمية )1( التي ترفض رفضا قاطعا هذا السلوك الاقتصادي المتعطش للربح، وما الخوصصة إلا أحد وسائله ، اهتمام أدى بجل الدول إلى تضمين نصوصها المتعلقة بالخوصصة أحكاما و فصولا – على قلتهما – حاولت من خلالها التقليل شيئا ما من هذه الحقيقة المرة و القاسم المشترك بين هذه القوانين هو أنها سعت إلى إجبار المفوت لهم على الاحتفاظ بالأجراء للمشتغلين )مطلب أول( و من جهة أخرى عملت على السماح للأجراء بالمشاركة في رأسمال المقاولة المخوصصة )مطلب ثاني(.
المطلب الأول : المحافظة على اليد العاملة المشغلة
إن أقل ما يمكن للقانون أن يفعله هو الحفاظ على وضع مستقر سلفا لا يولد مشاكل، لأن هدف القانون ، ما هو إلا تنظيم أفراد المجتمع بشكل يمكن من توفير السكينة و الأمن ،وهذا ما نلاحظه بالنسبة لبعض المقتضيات الواردة في قوانين الخوصصة و التي حاولت توفير هذا الاستقرار للأجراء المشتغلين في المؤسسات المفوتة فألزمت المقتنين بعدم تسريحهم )2(، و هكذا نجد المشرع المغربي ينص في الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 5 من القانون رقم 89-39 المتعلق بالخوصصة على ضرورة الحفاظ على التشغيل ، هذا المقتضى يثير ملاحظة حول العبارة التي استعملها المشرع و التي قد تدل على أنه مجرد التزام بالسعي نحو إحداث مناصب الشغل مستقبلا .
وفي الحقيقة فإن هذا التفسير - على وجاهته- يسير في عكس الاتجاه الذي قصده المشرع، فسر تضمينه هذا المقتضى هو الرغبة القوية في الحفاظ على اليد العاملة الموجودة سلفا، و لعل ما يدعم هذا الطرح ما جاء في المادة 23 من المرسوم التطبيقي رقم 2.90.402 التي نصت على إمكانية اتخاذ قرار ضد المشتري يقضي بسقوط حقه في الإعفاء من بعض الرسوم(3)، ما لم تكن هناك ظروف استثنائية )4( تبرر هذا الإخلال.
وقد نبه جلالة المغفور له الحسن الثاني إلى ضرورة اختيار الوقت المناسب للقيام بالتحويل، توقيت إذا لم تهتم به السلطة الحكومية قد تسئ إلى وضع الأجراء، و بالتالي ليس هناك أي ضير في تأخير عملية الخوصصة من أجل الأجراء )5(.
و نجد العديد من القوانين المقارنة ذهبت إلى نفس الاتجاه مع اختلاف في الدرجة و الطريقة فمثلا نص المشرع التونسي في قانون 1 فبراير1989 )6( على هذا المقتضى – أي الحفاظ على مناصب الشغل و وضع عدة مساطر و إجراءات تمكن من تحقيق هذا الرجاء)7(.
كذلك نجد المشرع الجزائري ينص على ضرورة الحفاظ على مناصب الشغل ، بل إنه أكد على هذه المسألة أثناء صياغته نصوص قانون العمل ،حيث يوفر حماية قوية للأجير حتى في حالة وجود أسباب اقتصادية قد يلجئ إليها المقتني للقيام بالتسريح.
نفس الأمر ينطبق على فرنسا التي انتهجت سياسة الخوصصة مع مطلع التسعينات و ذلك تحت إشراف حكومة اشتراكية كان عليها تطبيق و لو بعض المبادئ البسيطة التي يقر بها الفكر الاشتراكي. إلا أن الملاحظ في تجربة هذه الدولة هو الطريقة الدقيقة التي تسلكها مسطرة الخوصصة، طريقة مكنتها من الاستفادة أكثر ما يمكن من هذه العملية و بالتالي التأثير الإجابي على الأجراء، فالحكومة لا تكتفي بما هو منصوص عليه في القوانين بل إنها تلجئ إلى تضمين شروط أخرى في ملفات طلب العروض و كذلك أثناء التعاقد النهائي. و بهذا تتمكن الدولة من الحصول على مداخيل مرتفعة قد تشغلها في توفير مناصب شغل جديدة أو تقوم بتوزيع جزء منها على الأجراء كما فعلت بولونيا التي وزعت حوافز مالية على ما يقرب من 4 ملايين شخص (
لكن قوانين الخوصصة لم تكن هي الوحيدة التي سعت إلى النص على ضرورة الاحتفاظ بمراكز الأجراء المشتغلين ، بل نجد كذلك قوانين العمل في إطار تكاملي مع هذه النصوص . فمثلا في المغرب هناك م 19 من مدونة الشغل التي نصت صراحة على حالة الخوصصة و التي لم تكن واردة في الفصل 754 ق ل ع ، أيضا هناك المادة 158 من مجلة العمل التونسية ، المادة L-122.12 من القانون الفرنسي .
إضافة إلى هذا لابد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي تقوم به النقابات في مجمل البلدان حتى تتمكن من تطبيق هذه المقتضيات بشكل يخدم مصالح منخرطيها، فمثلا نجد النقابات استطاعت أن تجبر شركة Telmex المكسيكي للاتصال أثناء خوصصتها سنة : 1990، على الاحتفاظ بأجرائها البالغ عددهم حوالي 65000 أجير و قد لعبت النقابات الفرنسية نفس الدور حيث أجبرت الدولة على اشتراط ضرورة الحفاظ على مناصب الشغل في العقود التي تبرمها مع المفوت لهم ، فإن لم تفعل فإنها تهدد بتعطيل مسطرة الخوصصة أو حتى اللجوء إلى أصناف شتى من الإضرابات و الاحتجاجات ، نظرا لما تملكه النقابات في هذا البلد من تأثير تستطيع به أن تعبئ الرأي العام الجهوي أو الوطني لنصرة موقفها .
و إذا كانت الدول تختلف في قدرتها على إجبار الحائزين على الاحتفاظ بمناصب الشغل فإننا نلاحظ أن هناك أخرى ذهبت إلى حد التخفيض من مبلغ التفويت المصرح به في طلب العروض رغبة منها في الحفاظ على الأجراء المشتغلين . نذكر على سبيل المثال تجربة حديثة في دولة مالي حيث قامت ببيع حصتها البالغة 96% من رأسمال شركة القطن ، أي ما يعادل 15 مليار فرنك فرنسي فوتتها إلى شركة "ALOU TOMOTA " بمبلغ أقل بكثير من القيمة المطلوبة حيث لم يتجاوز المبلغ المقدم من هذه الشركة 9 مليار فرنك فرنسي ذلك أن هذه الشركة حلت في حقيقة الأمر في المرتبة الثانية في طلب العروض بعد شركة " Ndaye Freres" التي تخلت لعدة أسباب فما كان إلا أن تم التفويت للشركة الثانية لكن باشتراط صريح بعدم التسريح .
و هناك من الدول من يفضل منح الأجراء المفصولين إثر عملية الخوصصة تعويضا لتشجيعهم على المغادرة كما فعلت مثلا دولة غينيا التي منحت أجراء إحدى المقاولات المراد خصخصتها تعويضا يقدر ب 3300 دولار أمريكي على مدة 30 شهرا .
أما بعض دول جنوب شرق آسيا فقد منحت الأجراء تعويضا ماليا يمكنهم من الاشتغال لحسابهم الشخصي و فتح مقاولاتهم الفردية .
و عودة إلى المغرب نجد أن الدولة رغم أنها تشترط في غالب الأحيان على المقنني عدم تسريح الأجراء فإن هناك حالات كثيرة تم فيها التسريح بعد الخوصصة، و اتخذ عدة طرق، فمثلا عندما قدمت ليدك إلى المغرب كانت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء و الكهرباء تشغل ما يقارب 5000 أجير و هو العدد الذي سيتقلص كثيرا لوجود أجراء لا يقومون بأي عمل بل منهم من كان يحضر للحصول على أجره آخر الشهر فقط . إضافة إلى من تم تعويضهم بأجراء مقاولة من الباطن .
و مؤخرا طالعنا خبر إضراب عمال و مستخدمي شركة Attadis ابتداء من يوم 27 ماي وذلك احتجاجا على عدة أشياء من بينها قيام الشركة بالتخلي عن 1000 شخص في إطار مغادرة طوعية لكن تحت الضغط و الإكراه و التهديد !!!
وحتى لا نطيل نود أن نقول أن الدول و رغم ما تتخذه من وسائل لحماية الشغيلة إلا أن ذلك رهين بنوع النشاط الذي تقوم به المقاولة فإذا كان من القطاعات المزدهرة فإن المقتني لن يجد صعوبة في الإبقاء على الأجراء بل و الزيادة في عددهم ، أما إذا كان النشاط يعرف صعوبات اقتصادية أو تنافسية قوية فإن المفوت له لن يتوانى عن إدخال التكنولوجيا الجديدة و بالتالي التسريح.
المطلب الثاني : إشراك العمال في ملكية المنشأة
و توسيع قاعدة الملكية
* إشراك العمال في ملكية المنشأة :
لقد عملت مختلف الدول التي عمدت إلى تحويل منشآتها العامة إلى القطاع الخاص على الحرص من أجل تمكين الأجراء من نسبة محددة من اسهم أو حصص المنشآت المعروضة للتحويل و إن كانت كيفية تحقيق ذلك تختلف من دولة لأخرى وذلك لاختلاف الأهداف المنشودة من الخوصصة كبرنامج إصلاحي.
فهناك من اكتفت بتحديد نسبة معينة للمشاركة العمالية في رأسمال المنشأة المعروضة للتفويت مع تخفيض في قيمة الأسهم المخصصة لهذه المشاركة ، في حين ذهبت بلدان أخرى، و على رأسها دول ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي إلى أبعد من ذلك عن طريق توزيع الأسهم بالمجان على الأجراء .
و بخصوص التشريع المغربي نجده ينطلق من مرجعيته المحددة في خطاب الملك الراحل الحسن الثاني ذلك ان الغرض من الخوصصة « إقامة الظروف للعمال و المدخرين و أصحاب المشاريع لأخذ نصيبهم الوافر من التنمية الاقتصادية اللذين هم صانعوها ».
و إيمانا من المشرع المغربي بأن المشاركة العمالية في رأسمال المنشأة لها مجموعة من الإيجابيات يمكن تلخيصها في :
*تخفيض حدة المعارضة العمالية لمسلسل الخوصصة.
*الرفع من مردودية المنشأة لأن المشاركة العمالية تشكل حافزا للعمال على المزيد من العطاء و المثابرة لزيادة هامش الربح حيث يستفيدون منه.
* مشاركتهم في رأسمال المنشأة يمكن أن يقيهم مخاطر قرارات المجالس الإدارية لهذه المنشأة انطلاقا من مشاركتهم في اتخاذ القرار على مستوى هذه المجالس .
من تم ومحاولة لبسط و ترجمة هذه الأفكار على أرض الواقع عمل قانون الخوصصة و مراسيمه التطبيقية على تمكين العمال المتقاعدين و الذين يتوفرون على أقدمية لاتقل عن سنة من حصص لا تتعدى 20% إذا تعلق الأمر ببيع مساهمات وذلك في حدود 10% من رأسمال المنشأة أو 10%من رأسمال المنشأة إذا تعلق الأمر ببيع منشأة .
هذا مع الاستفادة من تخفيض قيمته 10% و الالتزام بعدم بيع هذه الحصص خلال الثلاث سنوات الموالية تحت طائلة أداء نسبة التخفيض في حالة المخالفة .
و السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هل هذه المقتضيات كفيلة بتحقيق مشاركة عمالية فعالة تستجيب للأهداف الكبرى التي تحدثنا عنها سلفا ؟
لاشك أن الجواب عن هذا السؤال يقتضي مقارنة هذه المقتضيات مع ما ورد في تشريعات أخرى كالتشريع الجزائري- التونسي – الفرنسي و التي نظمت امتيازات حقيقية لتشجيع المشاركة العمالية كمنح تسهيلات في الأداء ، منح قروض بدون فوائد أو عدم إلزام العمال بالأداء بداية و اقتطاع قيمة الأسهم التي شاركوا بها من الأرباح .فعلى خلاف ذلك نجد التشريع المغربي لم يتضمن أي تسهيلات من هذا النوع . إضافة إلى ضعف الطاقة الادخارية للأجراء و عدم استقلاليتهم تجاه كبار المساهمين في رأس مال المقاولة و الذين يمكنهم استغلال نفوذهم ) التمثيل القوي داخل المجالس الإدارية ( كورقة ضغط تجبر الأجراء على التخلي عن الأسهم و الحصص المقتناة،إضافة إلى استثناء الأجراء من الامتيازات السالفة الذكر بخصوص المنشآت الفندقية التي تم تفويتها ، اعتبارا لكل ذلك فإن المشاركة العمالية ظلت هزيلة و لم تصل إلى حدها الأقصى و هو 10% إلا في حالات استثنائية كما هو الحال في شركة SIMEF حيث
وزعت هذه النسبة على الأجراء مجانا و ربما يرجع ذلك إلى المشاكل التي كانت تعاني منها هذه المنشأة !!.
و هكذا و رغم أن قانون الخوصصة و مراسيمه التطبيقية يقيدان إمكانية إعادة بيع الأسهم المقتناة من قبل العمال فإنه في غياب حلول عملية بقيت هذه القيود عديمة الفعالية و عاجزة عن ضمان استقرار الأسهم المقتناة من قبل الأجراء و ظهر ذلك جليا في عملية الخوصصة التي عرفتها اتصالات المغرب حيث أن الأجراء تخلوا عن أسهمهم في أقل من أسبوع .
* تحفيز المساهمات الشعبية لتوسيع قاعدة الملكية داخل المجتمع :
من أهم الأهداف التي اعتمدت في الخطابات المؤيدة للخوصصة دور هذه الأخيرة في توسيع قاعدة الملكية وهو الأمر الذي يقتضي في عمقه محاربة احتكار فئة معينة من المجتمع لثروات القطاع العام التي تقرر تحويلها للقطاع الخاص حيث جاء في خطاب الملك الراحل الحسن الثاني « العامل الاجتماعي الذي نثير الانتباه إليه يتمثل في ضرورة العمل على أن لا يكون تحويل المؤسسات العمومية إلى القطاع الخاص فرصة لتعزيز التمركز الرأسمالي ومطية يركبها كبار الأغنياء للحصول على احتكارات جديدة ».
و هذا ما تمت بلورته بالمرسوم عدد : 2.40.402 في بابه الثاني و المتعلق بتمكين فئات اجتماعية جديدة من ملكية المنشآت و تطوير و تعزيز الاقتصاد الجهوي.
فمن حيث تمكين فئات اجتماعية جديدة من ملكية المنشآت :
تم تحويل الوزير المكلف بتحويل المنشآت العمومية إلى القطاع الخاص .
إمكانية الاعتراض على أية عملية تمنح لأي شخص معنوي أو طبيعي شراء عدد من الأسهم والحصص تتعدى نسبة مئوية معينة من المساهمات المراد تحويلها إلى القطاع الخاص.
لا يجوز له أن يقبل أي طلب يهدف إلى خلق وضعية احتكارية من حيث تقوية الاقتصاد الجهوي :
ورد في نفس المرسوم أنه رغبة في تحقيق و تعزيز الاقتصاد الجهوي فإن امتلاك مساهمات عمومية في بعض الشركات المعينة بمرسوم يصدر باقتراح من الوزير المكلف بتنفيذ عمليات التحويل بعد استطلاع رأي هيئة التقويم يخصص بالأسبقية للفئات المحددة في المرسوم.
و من الأهداف التي توخاها المشرع المغربي من توظيف سياسة الخوصصة على المستوى الجهوي تحقيق مايلي :
- المشاركة الفعالة للفرد داخل الجهة.
- تأمين استغلال جيد للتروات المحلية الجهوية .
- الرفع من المستوى المعيشي للسكان داخل الجهة .
و إذا كانت هذه هي أهم المقتضيات التشريعية التي توخى بها المشرع المغربي ضمان توسيع قاعدة الملكية و تقوية الجهة اقتصاديا فلنا بشأن ذلك مجموعة من الملاحظات.
فمما لاشك فيه أن مقتضيات المرسوم السالف الذكر تميزت بغياب الدقة و الوضوح . فإذا كانت تهدف إلى منع وضعية الاحتكار فإنها تفتقر إلى معايير دقيقة لتحقيق ذلك.
باستثناء المنشآت الفندقية فإن أغلب المنشآت العامة الاقتصادية و الاجتماعية متمركزة في محور وسط المغرب بين الدار البيضاء و القنيطرة و بالتالي فإن باقي المناطق ليست بها منشآت عامة مهمة يمكن أن يؤدي تحويلها إلى القطاع الخاص إلى تأهيل الاقتصاد الجهوي و تطويره.
إن تحقيق المشاركة الشعبية يقتضي تحفيزها بمجموعة من الامتيازات والتسهيلات و هو ما تناساه المشرع المغربي خاصة أن شريحة عريضة من المجتمع المغربي مسحوقة و تصارع الزمن من أجل لقمة العيش كل همها هو تحقيق مدخول آني لسد حاجياتها اليومية و مدخولها لا يؤهلها للتفكير في الادخار و من تم الاستثمار.
غياب سوق مالية متطورة و ناجحة تتمتع بثقة المتعاملين و غياب إعلام متخصص للتعريف بها و ما ينتج عنه من غياب ثقافة بورصوية لدى السواد الأعظم من الأمة.
فضلا عن طريقة تفويت النصيب الأكبر من المنشآت عن طريق التفويت المباشر و هو ما يتنافى تماما معا الأهداف السالفة الذكر لا من حيث الشفافية و لا من حيث الاحتكار .
و النتيجة أنه ليس هناك ما يؤكد توسيع قاعدة الملكية بل على العكس من ذلك تم استبدال الملكية العامة بملكية عدد محدود من الأفراد.
المبحث الثاني :
الآثار الاجتماعية و الاقتصادية للخوصصة
يشكل قرار الخوصصة قرارا سياسيا محضا يتجاوز الجانب الفني و العملي ليؤخذ على أعلى مستوى، فهذا المنهج ـ أي التخصيص ـ يتم تبنيه في غالب الأحيان في دساتير أو قوانين و لا يأتي من مجرد إرادة فردية أو حكومية، و هذا ليس بالغريب إذا ما نظرنا إلى المخلفات التي يمكن أن تولدها الخوصصة خصوصا على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي، و من أبرز الأمثلة التي سنورد لها مطلبا ما يتعلق بمشكل البطالة الوجه الثاني لعملة الخوصصة و السعي الحكومي لخلق مناصب شغل بفضلها يتم تجاوز الأزمة، و أما المطلب الثاني فسنخصصه لانعكاسات سياسة الخوصصة على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية بصفة عامة.
المطلب الأول : بين البطالة و خلق مناصب شغل
انبنت سياسة المغرب منذ حصوله على استقلاله على ضرورة المحافظة على التوازن المالي و دفع عجلة الاقتصاد للتقليل من البطالة و الحث على الاستهلاك. إلا أن سعيه هذا رافقته عدة أخطاء في التدبير و التسيير حيث أدت هذه الرغبة إلى توسيع قاعدة العمالة الزائدة في عدد من المرافق العمومية، و مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي انخرط المغرب في برنامج PERL و ذلك سنة 1987 رغبة منه في ترشيد الموارد و النفقات العمومية و وضع اليد على مكامن الضعف التي تؤدي إلى خسائر مالية جسيمة في القطاع العام، و لم يكن هناك من محيد عن اللجوء إلى الخوصصة هذه الأخيرة ستعمل على إخراج المغرب من دوامة المديونية لكن هل فعلا تم تجاوز مشكل البطالة ؟
وصلت نسبة البطالة في بعض الأحيان إلى ما يقارب 30% أما اليوم و إذا ما وثقنا في الإحصائيات التي قدمتها لنا المندوبية السامية للتخطيط نجدها انتقلت من 11.4% سنة 2003 إلى 10.8% سنة 2004، و نظريا قد تبدو هذه النسبة معقولة في بلد نامي لكن السؤال الذي يطرح هل هذه فعلا هي النسبة الحقيقية مع العلم أن 30% من الساكنة الحضرية البالغة عمرها ما بين 15 و 25 هم بدون شغل، إضافة إلى الأفواج العديدة التي تتخرج كل سنة من معاهد تكوين العاطلين و كذا العمال الذين يتم تسريحهم كل يوم من معامل النسيج، و المندوبية السامية لم تعترف سوى ب 95000 حالة تسريح.
فبينما تسارع الدول الغربية إلى حماية اقتصادياتها و عمالها من الأخطبوط الصيني نجد المغرب يفتح ذراعيه لمنتوجات هذه السوق، و لعل ما يثير الدهشة هو التصريح الحكومي الذي طالعنا به الوزير الأول، الذي قال فيه أن صادرات النسيج لم تتراجع إلا بنسبة 14% خلال فترة يناير ـ أبريل 2005، و هنا نتساءل عن ما مصير العمال الذين لن يتم تصدير منتوجاتهم إلى الخارج؟ الجواب بسيط سيتم تسريحهم.
أما عن رقم 3 ملايير درهم الذي أورده الوزير الأول في خطابه و المتعلق بحجم الاستثمارات الخارجية في هذا القطاع، فإنه رقم هزيل جدا لا يمكن البتة الاستشهاد به.
يبقى الشق الإيجابي الوحيد في هذا التصريح هو ما صرح به الوزير من وجود 107 مشروع بقيمة ناهزت 31 مليار درهم ستمكن من توفير 25 ألف منصب شغل.
و المغرب ليس هو الدولة الوحيدة التي ترتفع فيها نسبة البطالة فهناك دول عديدة تعاني من هذا المشكل لكنها تعمل على تخفيضها، و أحسن الأمثلة نوردها عن بولونيا التي كانت تعاني من نسبة بطالة تصل إلى 40% قبل أن تقوم بعمليات كبرى للخوصصة، و هي عمليات مرشدة مكنت من جهة من ضخ ملايير الدولارات في خزينة الدولة و من أخرى تخفيض نسبة البطالة إلى ما دون 10%.
إلا أن الخوصصة لم تكن دائما إيجابية بل نجدها أحيانا ترفع من نسبة البطالة، فمثلا إثر فوز الرئيس البرازيلي Fernando Henrique Cardoso بالانتخابات و توليه الحكومة بتاريخ 3 أكتوبر 1994، قام بتسريح حوالي 300 000 موظف، و ذلك تنفيذا لاتفاق سابق مع أمريكا أي ما يعرف باتفاق واشنطن.
و في باكستان و على إثر البدء في سياسة الخوصصة سنة 1991 تم تسريح حوالي 43% من الأجراء.
أما الدول المتقدمة فرغم إقدامها هي الأخرى على الخوصصة فإنها استطاعت في غالب الأحيان أن تضرب عصفورين بحجر واحد. فهي من جهة تحافظ على نسبة التشغيل و ثانيا تقوم بخلق مناصب جديدة و أبرز مثال نورده عن ألمانيا حيث قامت الدولة بخوصصة شركة Deutch Telekom و على إثر ذلك تم تسريح 50 000 منصب شغل إلا أنه و في ظرف سنة واحدة تم تشغيل حوالي 53 100 في شركات أخرى منافسة أو تعمل في نفس القطاع و ذلك ما بين سنة 1998 و 1999.
و في النمسا قامت الدولة بخصخصة قطاع الاتصالات فارتفع عدد المناصب المتاحة إلى حوالي 42000 أي بزيادة 6000 منصب و ذلك سنة 1998 و استمرت الزيادة في عدد الأجراء بمعدل 2000 منصب شغل سنة 2000.
أما الاقتصاد الأمريكي المعروف بالدينامية، فإن النتائج التي أتى بها إحصاء في التسعينات أظهر أن الخوصصة أدت إلى تسريح حوالي 7% من أجراء المقاولة المخوصصة فقط في حين احتفظ 58% بعملهم رغم التفويت، و 24% حولوا للاشتغال في عمل آخر لكن في نفس المقاولة و هذا يظهر الدينامية القوية التي يعرفها سواء الاقتصاد أو المواطن الأمريكي.
و في اليابان قامت الدولة بخوصصة شركة النقل السككي و تم تشغيل حوالي 92 000 أجير بمعدل 30 000 شخص في السنة لمدة 3 سنوات.
و رغم ذلك نجد منظمة العمل الدولية في تقرير لها سنة 1995 حول الخوصصة و التشغيل تنبه إلى أن هناك أجراء في بريطانيا تدهورت حالتهم و ضعفت حمايتهم و قلت حقوقهم كما حصل مثلا في بريطانيا حيث تم تخفيض التعويض الممنوح عن العطلة السنوية بل شمل التخفيض حتى التعويضات الممنوحة عن التقاعد و كذا المنح و التعويضات الخاصة بالمرض و أحيانا يجد الأجراء أنفسهم مضطرين للاشتغال لمدة أقل من الوقت القانوني حتى لا يتم تسريحهم و هو ما يعني انخفاض مستوى الأجور.
مما سبق يتضح أنه يصعب كثيرا الإبقاء على أجراء المقاولة المخوصصة رغم أن الدولة تشترط ذلك صراحة و ذلك لعوامل كثيرة من بينها نقص الخبرة في عملية التخصيص كما هو الشأن في الدول الإفريقية فمثلا غانا قامت بخوصصة 86 مقاولة تشغل 20 000 أجير تم تسريح 25% منهم أي ما يعادل 5000 أجير، كذلك الشأن بالنسبة للجزائر التي صرح وزيرها الأول في 11 مارس 2005 أن الجزائر خصخصت ما يقارب 114 مقاولة بما يعادل 20 مليار دينار.
و ما دمنا بصدد الحديث عن التصاريح الحكومية فإنه يجدر بنا أن نشير أنه غالبا ما يتم دحض المعلومات المقدمة و المصرح بها، فمثلا في الجزائر صرحت الحكومة بأنها قامت في الفترة الممتدة بين 2002 و 2003 بخلق حوالي 320000 منصب شغل، لكن النقابات لم تكن من الذين استساغوا هذا الرقم حتى قالت بأن الرقم لا يتعدى 256 321 منصب، فقد منها 184 754 منصب.
نشير في خاتمة هذا المطلب أنه إذا كانت الخوصصة تشمل في الغالب شركات صناعية أو تجارية فإن هذا لم يمنع من خوصصة شركات فلاحية كما هو حال شركتي صوديا و صوجيتا المغربيتان التان تمت خوصصتهما لكن قبل ذلك تمت إعادة هيكلتهما و تسريح حوالي 60% من عمالهما أي ما يعادل 10706 عامل ضمن 15107 أجير في الكل.
المطلب الثاني : انعكاسات الخوصصة على الحقوق
الاقتصادية و الاجتماعية
مما لا شك فيه أن ما ترنو إليه الدولة المتدخلة من خلال المرفق العمومي هو سد حاجات عامة بغض النظر عن تحقيق الربح الآني و ذلك في شتى المجالات سواء كانت مربحة أو غير مربحة لأن الدولة من خلال ذلك تتطلع إلى إيجاد مجتمع متعلم خال من العلل و الأمراض. كما تحرص على تقديم الخدمات و السلع الأساسية بثمن معقول في متناول الجميع. و لعل هذا ما أشارت إليه بعض أجزاء خطاب الملك الراحل الحسن الثاني المؤرخ ب 08/04/1989 حيث ورد فيه : "سيكون على السلطة التشريعية بادئ الأمر أن تحصر قائمة المؤسسات العامة التي لا يكمن تحويلها إلى القطاع الخاص، إما لأنها تتكفل بإدارة مرافق عامة أساسية في قطاعات لا تقبل المنافسة، و إما لأنها تكتسي طابعا حيويا بالنسبة للاقتصاد الوطني، و تقتضي المصلحة الوطنية أن تبقى تابعة للدولة".
و كان هذا من باب الإدراك العميق لأهمية المرفق العام في بعض المجالات. فليس هناك أدنى شك في كون خوصصة المنشآت ذات الطبيعة الاقتصادية و الاجتماعية ستحول المستهلك من مرتفق منتفع إلى زبون مستهلك تختلف الخدمات التي يحصل عليها بحسب الأثمان التي يقبل دفعها (1) و في هذا الصدد أهم ما يعتمد عليه مؤيدو سياسة الخوصصة كونها سوف تحقق المنافسة التي تشكل نعمة يستفيد منها المستهلك.
لكن و من بين الأسئلة التي تطرح بهذا الخصوص هو مدى قدرة القطاع الخاص على القيام بدور المحافظة على التوازنات الاقتصادية و الاجتماعية التي اعتادت الدولة على القيام بها ؟ و هل هناك من تدخلات تشريعية و تنظيمية لضمان استمرار المقتني في القيام بنفس النشاط السابق؟ و منع الاحتكار؟ و تكريس منافسة حقيقية و مشروعة يستفيد منها المستهلك؟ و ذلك بتقديم مختلف السلع و الخدمات و بأثمنة معقولة ؟
مما لا شك فيه أن هذه التساؤلات جاءت نتيجة الأخذ بعين الاعتبار الهدف الأساسي الذي يرمي إلى تحقيقه القطاع الخاص ألا و هو تحقيق اكبر قدر من الربح و بأقل التكاليف و الخسائر. و هو ما يتأتى إما على حساب القدرة الشرائية للمستهلك، أو على جودة السلع و الخدمات. و في هذا الصدد نجد الرأسماليات المتقدمة و رغم إيمانها بالمنهج الليبرالي و دفاعها عنه إلا أنها و استشعارا منها لما قد يفضي إليه ذلك من مخاطر محققة قد عملت على تعزيز ترسانتها التشريعية من أجل فرض الرقابة و الحرص على تطبيق قواعد المشروعية و الملاءمة في مجال الخوصصة. و ذلك في إطار المحافظة على غايات و أهداف المرفق العمومي و لو في ظل الخوصصة. و من الأمثلة على ذلك :
• في إيطاليا :
تم إقرار ميثاق للمرافق العمومية بتاريخ 27 – 1-94
بمقتضاه تعتبر مرافق عمومية حتى و لو تم التخلي عنها لفائدة الخواص المرافق التي تهدف إلى ضمان حقوق الأشخاص بمقتضى الدستور في الصحة و حرية التجول و التزود بالطاقة الكهربائية و الماء و الغاز.
• في بريطانيا، إيطاليا و الولايات المتحدة الأمريكية :
تم خلق أجهزة خاصة تتولى فرض الرقابة من أجل ضمان الاستمرار في أداء خدمات المرفق العمومي من طرف الشركات الخاصة و التأكد من مدى احترامها للالتزامات الملقاة عليها تجاه الزبناء و المنتفعين و التأكد من تعدد المتنافسين منعا لكل احتكار.
فمثلا في بريطانيا : الدولة تحتفظ بتمثيليتها داخل المجلس الإداري للمنشأة المخوصصة بحيث لا يمكن لها تغيير القانون الداخلي إلا باستشارة الدولة.
• في فرنسا :
على إثر الإضرابات التي عرفها قطاع السكك الحديدية في عهد حكومة Alain بتاريخ 5-12-1985 و أمام تصدر "ضرورة المحافظة على المرفق العمومي" لمطالب العمال فإن الوزير الأول آنذاك أعلن أنه مستعد للذهاب بعيدا من أجل إبطال الشك حول ما نسب إليه من الرغبة في القضاء على المرفق العمومي و ذلك باقتراح تعديل الدستور بما يضمن إدخال ضرورة المحافظة على المرفق العمومي في ديباجته إلى جانب مبادئ إعلان حقوق الإنسان و المواطن.
إضافة إلى ذلك فالدولة الفرنسية غالبا ما تحتفظ "بالسهم الذهبي" في بعض المقاولات ذات الأهمية الاستراتيجية و هو ما يمكنها من التدخل في جميع القرارات التي تتخذها المقاولة طيلة 5 سنوات ابتداء من تاريخ التحويل.
• في المغرب :
في غياب نص عام يطبق على جميع المنشآت من أجل ضمان صفة مرفق عمومي نجد الأمر يقتصر على بعض المقتضيات التي تهم قطاع اتصالات المغرب (1) و التي تنص على أنه يفرض على المتعهدين من الخواص الذين سوف يعملون في قطاع اتصالات المغرب أن يضمنوا الاستمرار في أداء الخدمة الأساسية و هي كما عرفها القانون :
الخدمة الهاتفية الواجب توفرها للعموم بجودة معينة و سعر مقبول و كذا تمرير نداءات الاستغاثة و تقديم خدمات الإرشادات و دليل المشتركين في صورته المطبوعة و الإلكترونية و تأمين مخادع الهاتف العمومي في الملك العام في مجموع التراب الوطني و كل ذلك في إطار احترام مبادئ المساواة و استمرارية الخدمة و تعميمها و تكييفها مع الحاجات.
كما فرضت نفس المقتضيات : النص على ضرورة احترام المساواة بين المستفيدين طبق شروط موضوعية و شفافة و بدون تفضيل.
خــاتــمـة :
هكذا نكون قد أتينا على نهاية موضوعنا الذي شكل بدوره خاتمة مواضيع كثيرة سبق و أن بحثت في مادة الخوصصة، حاولنا ان نضمنه نقطا اعتقدنا أنها مهمة و جديرة بالانتباه، محيلين أحيانا أخرى على عروض سابقة تفاديا للتكرار.
و قد كانت سنة مليئة بالمناقشات و المعلومات و الاختلافات التي لم تخرج عن نطاق الدراسة، فكانت استفادتنا من ثلاث أوجه : أولها القدرة على جمع المعلومات و ثانيها ملكة النقاش و المواجهة و المجادلة و ثالثها التدرب على الإلقاء.
و بالرجوع إلى العرض يمكننا القول أن الدول اختلفت في طريقة نهجها سياسة الخوصصة فاختلفت النتائج، و كذا التأثيرات على الأجراء، حاولنا إعطاء نماذج من عدة دول سواء الغنية المتقدمة أو السائرة بخطى حثيثة نحو التقدم و أخيرا الفقيرة المتخبطة في مشاكلها التي لا تنتهي.
لا نستطيع الحكم على الخوصصة بالإيجاب أو السلب لأننا لسنا اقتصاديين و ما نظرتنا إلا نظرة الحقوقي بطبيعة الحال الساعي إلى خدمة و نصرة مجتمعه بتطبيق سليم للقانون تغذيه في ذلك مواطنته التي بها يفضل كل الخير لوطنه.
الخوصصة قدر، و القدر فيه الخير و فيه الشر، فإذا كان الإنسان يدعو ربه بأن يلطف من قدره فإننا ندعو حكوماتنا إلى التقليل من شر هذه الظاهرة بتفادي الإكثار منها، و لا ننسى أن مغرب اليوم الذي هو مغربنا سيكون في الغد مغرب المستقبل و غد أولادنا فلا منأى لنا عن خدمته لتوفير غد أفضل لهم، أليس كذلك ؟