عرض حول موضوع :
إعـــداد : تحت إشراف :
أنس سعدون كوثر الهشميوي الدكتور مرزوق آيت الحاج
ياسين سعدون سمية عيدون
السنة الجامعية: 2006 – 2007
مقدمة:
لاشك أن الوصية عرفت منذ أن عرف الإنسان المال، وأحس بأن حياته فانية، مما يقتضي منه التفكير في مصير ثروته، ومستقبل أبناءه .
ولعل هذا ما تشير إليه الآية الكريمة:
﴿وليخش الذين إذا تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم، فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا﴾ .
والوصية كنظام قانوني لها تاريخ قديم، حيث تطورت بتطور الحضارات. وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بدورها بالوصية باعتبارها من أهم التصرفات المالية المضافة إلى ما بعد الموت عن طريق التبرع حيث وضحت أحكامها، وفصل الفقهاء في بيان أركانها وشروطها، وقد انعكس هذا الإهتمام الكبير بأحكام الوصية على مختلف التشريعات العربية, وهكذا نصت المادة 277 من مدونة الأسرة (المغربية) على ما يلي:
"الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته"
وقريبا من هذا التعريف نجد المادة 148 من قانون الأسرة الجزائري تقضي بأن "الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع". كما تنص المادة 207 من قانون الأحوال الشخصية السوري على ما يلي:
"الوصية تصرف في الشركة مضاف إلى ما بعد الموت"
ولم تكتف التشريعات العربية بتعريف الوصية بل عملت أيضا على تنظيم أحكامها وهي مستمدة في مجملها من الفقه الإسلامي.
وفي هذا الصدد تشير المادة 202 من قانون الأحوال الشخصية لسلطنة عمان إلى أن "أركان الوصية: الصيغة، الموصي، الموصى له، الموصى به" وهي نفس المقتضيات الواردة في مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية.
وإذا كانت مدونة الأسرة لم تجمع أركان الوصية في نص واحد، إلا أنها تعرضت لها من خلال القسم الأول من الكتاب الخامس والذي يتعلق بشروط الوصية وإجراءات تنفيذها، حيث خصصت الباب الأول من القسم الرابع للموصي والباب الثاني للموصى له، والباب الثالث للإيجاب والقبول، والباب الرابع للموصى به، وأشارت أيضا إلى شكل الوصية وتنفيذها في البابين المواليين.
ورغم هذا الخلط غير المبرر بين أركان الوصية وشروط تنفيذها، يمكن الرجوع إلى أحكام المذهب المالكي التي تتفق مع مذهب الجمهور في اعتبار أركان الوصية أربعة على خلاف رأي الحنفية الذين يعتبرون الصيغة ركن الوصية الوحيد.
وإذا كانت المذاهب جميعا تتفق على ضرورة الصيغة كركن من أركان الوصية، إلا أنها اختلفت مع ذلك في مضمونها.
فالصيغة هي التعبير عن الإرادة فهل تشمل الإيجاب فقط أم الإيجاب والقبول ؟ إن مرد هذا الخلاف بالأساس تضارب آراء الفقهاء بخصوص مفهوم الركن من جهة , وتكييف الوصية على أنها عقد أو إيقاع من جهة أخرى.
ويمكن إجمال الآراء الفقهية بهذا الخصوص في ثلاث اتجاهات .
-الاتجاه الأول: الوصية عقد وليست تصرفا انفراديا، ولا يتحقق إلا بإيجاب الموصي وقبول الموصى له.
-الاتجاه الثاني: الوصية إيقاع وليست عقدا وركنها الإيجاب وحده، أما القبول فهو شرط لزوم فقط.
-الاتجاه الثالث: الوصية تتحقق بالإرادة المنفردة للموصي، وتنتقل بموته دون حاجة إلى قبول الموصى له.
ولقد اختارت مدونة الأسرة أن تكون الصيغة هي الإيجاب وحده, وأن تنشأ الوصية بالإرادة المنفردة، حيث نصت في المادة 284 على أنه:
"تنعقد الوصية بإيجاب من جانب واحد وهو الموصي"
وإذا كانت الوصية من العقود التي تنعقد بإرادة واحدة حسب الاتجاه الغالب في الفقه والقانون، إلا أنها مع ذلك لابد فيها من القبول في بعض الحالات، كما أنها قد تبطل في حالة الرد.
لذا نقترح معالجة هذا الموضوع حسب التصميم الآتي:
المبحث الأول: الإيجاب في عقد الوصية
المبحث الثاني: القبول والرد في عقد الوصية
المبحث الأول:
الإيجاب في عقد الوصية
يقصد بالإيجاب في عقد الوصية ما يعبر به الموصي عن إنشاءها, أو بمعنى آخر هو كل ما يدل على معنى الوصية ويفهم منه قصدها وإنشاؤها, دون التقيد بصيغة معينة، ذلك لأن الوصية من العقود، والقاعدة العامة في العقود أن العبرة فيها بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني، وعليه لا يشترط في الوصية لفظ مخصوص ولا عبارة معينة .
ولهذا يقول ابن عرفة: الصيغة ما دل على معنى الوصية، فيدخل اللفظ والكتابة والإشارة ، من هنا تنوعت الصيغة في الوصية إلى ثلاثة أنواع:
العبارة , الكتابة , والإشارة
و الوصية قد تكون معلقة على شرط، كما قد يقترن الإيجاب فيها ببعض الشروط، لذا سنتناول في المطلب الأول وسائل التعبير عن الإيجاب، وسنخصص المطلب الثاني لبيان حكم الشروط المقترنة بالإيجاب.
المطلب الأول:
وسائل التعبير عن الإيجاب
إذا كانت الوصية تنعقد بإيجاب من جانب واحد وهو الموصي حسب ما يستفاد من المادة 284 من مدونة الأسرة، فإن هذا الإيجاب يتم إما بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة.
الفقرة الأولى: العبارة
العبارة أو التعبير اللفظي يقصد به في هذا الإطار كل لفظ يدل على التمليك بعد الموت، فلا خلاف بين الفقهاء في انعقاد الوصية باللفظ الصريح من قبيل: أوصيت لفلان بكذا، وغير الصريح الذي يفهم منه الوصية بالقرينة، مثل: جعلت له بعد موتي كذا أو أشهدوا أني أوصيت لفلان بكذا أو ادفعوا لفلان هذا بعد موتي .
أما إذا كان اللفظ محتملا للوصية وغيرها، فالعبرة بما فهمه الشهود عند تحمل الشهادة على الوصية أو الوعد بها، وإن لم يفهموا شيئا من ذلك كانت العبرة بالقرائن اللفظية .
وقد قسم الشافعية الإيجاب إلى نوعين: الإيجاب الصريح والكناية.
فالإيجاب الصريح لا يحتاج إلى نية، أما الكناية فتحتاج إليها .
وعليه كانت الصيغة الصريحة عند الشافعية هي ما كان الإشعار بما فيها قويا سواء بالوضع أو بالقرينة مثلا: أوصيت ووصيت وما اشتق منهما... وإن لم يقل بعد وفاتي، أما إذا اقتصر على قوله أعطوه أو ادفعوا إليه كذا ولم يزد "بعد موتي" كان ذلك توكيلا على العطاء ينقطع بالموت وغيره من مبطلات الوكالة، وعليه لا يستحق المأمور له بالعطاء أي شيء بعد وفاة الآمر بالعطاء قبل العطية لأن الوكالة في هذه الحالة تكون قد أصبحت باطلة.
بينما إذا اقتصر على قوله وهبته له، أو تصدقت له بداري ولم يزد عبارة "بعد موتي" فإنها تعتبر عطية ناجزة.
إذا اقتصر على قوله: هو لفلان، فإنه يعتبر إقرارا لا وصية ما عدا إذا قال: هو له من مالي فيكون حينئذ كناية عن الوصية أو الهبة الناجزة لأن الكناية تحتمل الوصية وغيرها شرط اقترانها بالنية ، ويلاحظ أن للعبارة التي تصدر بها الوصية دور كبير في استجلاء إرادة الموصي، لذا ينبغي أن يختار الألفاظ المناسبة للتعبير عن إرادته، وفي هذا الإطار نشير إلى الحكم الصادر عن المحكمة الإقليمية بمكناس سابقا والذي جاء فيه: "الغالب على الناس أنه إذا أوصى لأولاده إنما يقصد به للذكور" .
ففي هذا الحكم يلاحظ أن القضاء فسر عبارة "الأولاد" بأنها تعني الذكور فقط، حسب المفهوم المتداول على صعيد المجتمع المغربي، وليس على مستوى المفهوم اللغوي للكلمة، ومن المعلوم أن لفظ الولد يشمل لغويا ودينيا البنت والذكر، وهو ما يبدو لنا بشكل واضح من قوله تعالى: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ .
وجاء أيضا في قرار للمجلس الأعلى:
"عبارة كل واحد يتبع أباه الواردة في الوصية تعني أن نية الموصي انصرفت إلى قسمة الموصى به على أحفاده بحسب فقرائهم لا بحسب عدد رؤوسهم"4
وقد تبدو هذه الاجتهادات القضائية للوهلة الأولى مخالفة للمنطق القانوني السليم، خاصة وأنها تعمل على إعطاء بعض الألفاظ مفهوما مغايرا للمفهوم المعمول به قانونا، إلا أنه لا يمكن التسرع في إطلاق الأحكام قبل الاطلاع على وقائع كل قضية على حدة.
الفقرة الثانية: الكتابة
اتفق الفقهاء على جواز انعقاد الوصية بالكتابة، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" .
فلو كانت الوصية لا تنعقد بالكتابة, لما كانت فائدة في الأمر بكتابتها والحث على ذلك.
ويبدو أن هذا الحديث النبوي الشريف جاء بشكل عام, يشمل القادر على النطق وكذلك العاجز عنه طالما كان ملما بالكتابة.
لكن الفقهاء اختلفوا في جواز الإكتفاء بمجرد الكتابة, في إثبات الوصية وتنفيذها .
الرأي الأول: يكتفى بالوصية المكتوبة إذا عرف الموصي سواء أشهد عليها أم لا، وهو قول أبي عبيد وأحمد في إحدى الروايتين، وحجتهم حديث ابن عمر الذي سبق تخريجه.
الرأي الثاني: لا يكتفى بالوصية المكتوبة وحدها وإنما يلزم الإشهاد عليها، وهذا قول الشافعية وأحمد في الرواية الأخرى.
ودليلهم: قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم﴾ .
الرأي الثالث: لا يكتفى بالوصية المكتوبة ولا يعمل بها إلا إذا أشهد الموصي الشهود على أن ما في الوثيقة المكتوبة بخطه هي وصيته، أو قال للشهود أو للورثة نفذوا ما فيها, سواء قال ذلك بلسانه, أو كتبه بخط يده أو بخط غيره , إذا ثبت أنه قرأه على الشهود أو قرئ عليه... ففي جميع الأحوال ينبغي الإشهاد على الوصية.
وهذا هو المشهور في المذهب المالكي والذي أخذ به المشرع المغربي في المادة 296 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه:
"يشترط في صحة الوصية أن يصدر بها إشهاد عدلي أو إشهاد أية جهة رسمية مكلفة بالتوثيق أو يحررها الموصي بخط يده مع إمضائه.
فإذا عرضت ضرورة ملحة تعذر معها الإشهاد أو الكتابة قبل إشهاد الموصي على وصيته من اتفق حضورهم من الشهود، شريطة أن لا يسفر البحث والتحقيق عن ريبة في شهادتهم وأن تؤدى هذه الشهادة يوم التمكن من أدائها أمام القاضي، الذي يصدر الإذن بتوثيقها، ويخطر الورثة فورا ويتضمن الإخطار مقتضيات هذه الفقرة.
للموصي أن يوجه نسخة من وصيته أو تراجعه عنها للقاضي قصد فتح ملف خاص بها".
وهذا يعني أن الأصل في الوصية أن تكون مكتوبة وأن يصدر بها إشهاد عدلي، أو إشهاد جهة رسمية مكلفة بالتوثيق إلا إذا حالت ظروف قاهرة دون ذلك , جاء في قرار للمجلس الأعلى:
"عندما يضطر الموصي نظرا لحالة القوة القاهرة لأن يلجأ إلى وصية لفظية أمام من اتفق حضورهم لها, ممن تقبل شهادتهم وهم غير منتصبين , وحال ذلك دون كتابتها صحت هذه الوصية إن أديت من يوم التمكن من الأداء وعمل بها مطلقة أو مقيدة..."
الفقرة الثالثة: الإشارة
انعقاد الوصية بالإشارة قد يطرح عدة إشكالات على المستوى العملي، لذا ميز الفقهاء بين نوعية الإشارة من جهة والشخص المشير بها.
بالنسبة لنوعية الإشارة فقد ميز الفقهاء بين الإشارة المبهمة والإشارة المفهمة، فالإشارة المبهمة هي التي لا يفهم المراد منها وقد أجمع الفقهاء على أن الوصية لا تنعقد بها.
أما الإشارة المفهمة فهي التي تدل بشكل واضح على المراد منها وتنعقد بها الوصية اتفاقا إذا كان الموصي عاجزا عن الكلام خلقة، إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم الشخص القادر عن الكلام وكذلك الشخص الذي أصبح عاجزا عن الكلام لعلة أصابته.
بالنسبة للقادر على الكلام : فالمشهور في مذهب مالك أن الوصية تنعقد بإشارته , جاء في شرح الخرشي: "ويكون بلفظ غير صريح يفهم منه إرادة الوصية كالإشارة وظاهره ولو من القادر عليها" . بينما ذهب الحنفية والحنابلة والشافعية إلى عدم قبول إشارته، جاء في المغني لابن قدامة : "لا خلاف أن إشارة القادر لا تصح بها وصية ولا إقرار" وهذا أمر منطقي لأنه غير معذور.
أما بالنسبة للعاجز عن الكلام لعلة أصابته : فقد ذهب المالكية والشافعية إلى أنه تصح وصيته بالإشارة المفهمة سواء كان قادرا على الكتابة أو عاجزا عنها.
وقد استدلوا بما ثبت عن الرسول (ص) وأصحابه من الاعتداد بالإشارة في العبادات والمعاملات من الشخص القادر عنها وبالتالي كان العاجز أولى، إلى جانب قياس الإشارة على القول بجامع أن كلا منهما يفهم المقصود ويبين المراد.
وقال الثوري والأوزاعي والحنابلة أنها لا تصح، بينما قال الحنفية أنها لا تصح إلا إذا طالت العلة بالشخص لمدة سنة, وقال البعض إلى حين الوفاة .
وقد حسم المشرع المغربي هذا الخلاف حيث سمح بانعقاد الوصية بالإشارة المفهمة شريطة العجز عن الكتابة والكلام وهو ما يستفاد من المادة 295 من مدونة الأسرة والتي جاء فيها:
"تنعقد الوصية بما يدل عليها من عبارة أو كتابة أو بالإشارة المفهمة إذا كان الموصي عاجزا عنهما" وهو نفس الاتجاه الذي تبنته بعض التشريعات العربية المقارنة حيث نصت المادة 229 من قانون الأحوال الشخصية اليمني على ما يلي:
"تنعقد الوصية باللفظ أو بالكتابة وعند العجز بالإشارة المفهمة..." وجاء في المادة 203 من قانون الأحوال الشخصية لسلطنة عمان "تنعقد الوصية بالعبارة، أو بالكتابة، فإذا كان الموصي عاجزا عنهما فبالإشارة المفهومة"
في المقابل نجد بعض التشريعات العربية لم تشترط لقبول الوصية بالإشارة العجز عن الكلام والكتابة, حيث نصت المادة 295 من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني على أنه:
"تنعقد الوصية بأي لفظ أو كتابة أو إشارة مفهمة من الموصي"
المطلب الثاني:
حكم الشروط المقترنة بالإيجاب
الإيجاب في عقد الوصية قد يأتي مطلقا كما قد يأتي مقيدا أو مشروطا، ويقصد بالإيجاب المشروط أن يعلق الموصي وجود الوصية على أمل في المستقبل بأداة من أدوات الشرط ، كإن وإذا... وهو ما يعرف بالوصية المعلقة على شرط أو يقيد وصيته على شرط من الشروط فنكون أمام وصية مقترنة بشرط .
لذا سنتناول حكم الوصية المطلقة والمقيدة في (الفقرة الأولى)، والوصية المعلقة على شرط في (الفقرة الثانية)، وذلك قبل الحديث عن الوصية المقترنة بشرط في (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: الوصية المطلقة والمقيدة
تتنوع الوصية باعتبار صيغتها إلى وصية مطلقة وأخرى مقيدة.
فالوصية المطلقة هي الخالية من التعليق صراحة أو ضمنا، غير الموت، مثل قوله: أوصيت لفلان, أو متى حدت بي حدت الموت فثلثي لفلان، أو إن مت فداري لفلان...
أما الوصية المقيدة فهي التي قيدها الموصي صراحة بقيد من القيود كقوله: إن مت من مرضي هذا، أو سفري هذا، أو في هذا العام أو في هذا البلد فلفلان كذا...
أو ضمنا كوصية المريض في حالة مرضه أو المسافر في سفره سواء قال إن مت من مرضي هذا أو لم يقل ذلك، وقد تطرقت بعض القوانين العربية المقارنة بشكل صريح لهذا التمييز في الوصايا، وهكذا تقضي المادة 199 من قانون الأحوال الشخصية لسلطنة عمان بما يلي: "تقع الوصية مطلقة، أو مقيدة بشرط".
وفائدة التمييز بين الوصية المطلقة والمقيدة يمكن توضيحها من خلال الجدول الآتي:
نوع الوصية صورها حكمها
مطلقة غير مكتوبة: صحيحة
مكتوبة: وأبقى الموصي الكتاب عنده حتى مات صحيحة
مكتوبة: وأخرج الموصي الكتاب من يده, ووضعه تحت يد الموصى له أو غيره, وتركه بيده حتى مات صحيحة
مكتوبة: ووضعها تحت يد غيره ثم استرجعها منه في صحته أو مرضه, حتى ولو سبق الإشهاد عليها. باطلة: لأن استرجاع الوصية دليل عن الرجوع عن الوصية
مقيدة
*في حالة تحقق الشرط غير مكتوبة صحيحة
مكتوبة: وأبقى الموصي الكتاب عنده حتى مات صحيحة
مكتوبة: وأخرج الموصي الكتاب من يده ووضعه تحت يد الموصى له أو غيره وتركه بيده حتى مات صحيحة
مكتوبة ووضعها تحت يد غيره تم استرجعها باطلة
*في حالة تخلف الشرط غير مكتوبة باطلة
مكتوبة: وأبقى الموصي الكتاب عنده حتى مات باطلة
مكتوبة: وأخرج الموصي الكتاب من يده, ووضعه تحت يد الموصى له أو غيره, وتركه بيده حتى مات. صحيحة
مكتوبة: ووضعها تحت يد غيره تم استرجعها باطلة
وهكذا يتبين لنا أن الوصية المطلقة لها أربعة صور، تصح في ثلاثة وتبطل في واحدة. والوصية المقيدة هي كالمطلقة في عدد صورها، لكن حكمها يختلف بحسب تحقق الشرط أو عدمه .
وفي جميع الأحوال لابد من التمييز بين الوصية المعلقة على شرط من جهة، والوصية المقترنة بشرط من جهة أخرى.
الفقرة الثانية: الوصية المعلقة على شرط
إن تعليق الوصية على وجود شرط معين يعني ترتيب وجودها على وجود هذا الشرط ، فالأصل في العقود أن تترتب آثارها فور إنشائها، ولكن هناك حالات يختلف فيها الأثر عن وقت الإنشاء، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن صيغة العقود عموما تكون على ثلاث حالات:
أ-الصيغة المنجزة: وهي التي تدل على إنشاء العقد وترتيب آثاره في الحال دون تأجيل أو تعليق على شرط.
2-الصيغة المعلقة: وهي كل صيغة علق فيها الأثر على أمر، فإن حدث الأمر المعلق عليه صح العقد، وإلا لم يترتب عليه أي حكم.
3-الصيغة المضافة إلى المستقبل: وهي ما دلت على إنشاء العقد في الحال، ولكن تؤخر أثره إلى الوقت الذي أضيف إليه.
والفرق بين الإضافة والتعليق عند الحنفية, أن الصيغة المعلقة على شرط لا ينعقد فيها العقد قبل حدوث الأمر المعلق عليه، فقد يحدث فيتم العقد وقد لا يحدث فلا ينعقد العقد، أما الإضافة فالعقد فيها ثم حين الإنشاء ولكن الأثر متأخر إلى وقت معلوم.
وقابلية العقود للإضافة والتعليق تختلف، والوصية من العقود التي لا يترتب أثرها, إلا مضافا إلى وقت متأخر عن وقت الإنشاء , لأنها تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، فهل يجوز تعليقها على شرط؟
لقد ميز الفقهاء بين الوصية المعلقة على شرط صحيح والوصية المعلقة على شرط غير صحيح.
فإذا كانت الوصية المقترنة بشرط غير صحيح –كما سيتبين لنا في الفقرة الموالية- هي وصية صحيحة والشرط باطل، فهذا يختلف عن حكم الوصية المعلقة على شرط غير صحيح حيث تبطل الوصية أيضا، لأن التعليق لا يتم به العقد قبل وجود الأمر المعلق عليه ، فإن قال الموصي: أوصيت لك بداري إن نجحت في الامتحان، لا تنعقد الوصية قبل النجاح في الامتحان، وإذا كان الشرط المعلق عليه باطلا كانت الوصية باطلة، كأن يقول الموصي: أوصيت لك بداري إن قتلت فلانا، فالوصية في هذه الحالة باطلة لأنها علقت على شرط باطل.
وإذا كان الشرط صحيحا، صحت الوصية في حالة تحقق هذا الشرط، وبطلت إذا تخلف هذا الشرط.
وقد تطرقت مدونة الأسرة للاشتراط في عقد الوصية حيث تقضي المادة 285 بما يلي:
"يصح تعليق الوصية بالشرط وتقييدها به إن كان الشرط صحيحا".
كما تنص المادة 199 من قانون الأسرة الجزائري على أنه:
"إذا علقت الوصية على شرط استحقها الموصى له بعد إنجاز هذا الشرط وإذا كان الشرط غير صحيح صحت الوصية وبطل الشرط".
والملاحظ أن القانون الكويتي للأحوال الشخصية كان أكثر دقة في التمييز بين الوصية المعلقة على شرط والوصية المقيدة على شرط، إذ نصت الفقرتان (ج) و(د) من المادة 216 منه على ما يلي:
" ج- إذا علقت الوصية على شرط غير صحيح كانت باطلة.
د-إذا قيدت الوصية بشرط غير صحيح صحت الوصية ولغا الشرط"
الفقرة الثالثة: الوصية المقترنة بشرط
يجوز أن تقترن صيغة الوصية بشروط معينة، ويراد بالشرط المقترن بالوصية حين يرغب الموصي بالوصية أكثر من آثارها الشرعية التي نص عليها الفقه أو القانون.
والشرط الصحيح حسب ابن تيمية هو ما كان فيه مصلحة مشروعة للموصي أو للموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهيا عنه ولا مخالفا لمقاصد الشريعة .
ومثال الشرط الذي يحقق مصلحة الموصي، أن يوصي لفلان بكذا على أن يقوم برعاية أولاده الصغار أو أن يدفع ضرائب الدولة المستحقة، أو أن يبدأ في تنفيذ الوصايا بأداء ما فاته من واجبات كالزكاة والحج أو القيام ببعض النذور، ومن أمثلة الشروط التي تحقق مصلحة للموصى له اشتراط أن يبدأ من الوصية بأداء ديونه..
وقد تكون الشروط المقترنة بالوصية تحقق مصلحة مشروعة لشخص أجنبي غير الموصي والموصى له، كأن يوصي لفلان بداره على أن يسقي من مائها حديقة جاره، أو يوصي بمنفعة شقته لجهة خيرية على أن يكون حق السكنى لمن لم يجد مأوى من ذريته، وقد قيد الإمام أبو حنيفة الشرط الصحيح بقيدين :
1- أن يكون مشتملا على مصلحة
2- وألا يكون منهيا عنه ولا منافيا لمقاصد الشريعة
أما إذا كان الشرط غير صحيح شرعا فيعتبر باطلا وتبقى الوصية صحيحة، كأن يوصي لفلان بمبلغ من المال على ألا يتزوج، فالوصية بالمال تعتبر صحيحة لكن شرط عدم الزواج يعتبر لاغيا، ومثاله أيضا أن يوصي شخص بداره لفلان على أن يخصصها للقمار، أو الوصية بقدر من المال للنائحة، فكل ذلك مناف لمقاصد الشريعة الإسلامية .
وقد بينت مدونة الأسرة بشكل صريح موقفها من الشروط المقترنة بالوصية من خلال المادة 285 التي تنص على أنه"
"يصح تعليق الوصية بالشرط وتقييدها به إن كان الشرط صحيحا، والشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصي أو للموصى له أو لغيرهما ولم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية"
ويبدو لنا من خلال نص هذه المادة أنها تسعى لتحقيق هدفين بالنسبة للشرط:
أولا: أن تكون فيه مصلحة بينة بحيث لا يكون اشتراطه من باب العبث حتى ولو كان فيه مصلحة في وقت وتزول في وقت آخر فإنه يعتبر صحيحا.
ثانيا: ألا يكون منهيا عنه وغير مناف لمقاصد الشرع بالشكل الذي وضحناه سالفا، وفي جميع الأحوال إذا كان الشرط الصحيح هو ما استوفى هذين الأمرين، فإن الشرط الباطل هو الذي لا يتحقق فيه الأمران معا ولا يؤثر على صحة الوصية، حيث يعتبر باطلا وتبقى الوصية صحيحة.
ونجد نفس هذه المقتضيات في التشريعات العربية المقارنة، حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 211 من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني:
"..للموصي تعليق أو تقييد الوصية بشرط صحيح،
يعتبر صحيحا الشرط المتضمن مصلحة لأحد طرفي الوصية أو للغير إذا لم يخالف مقاصد الشرع"
كما نصت المادة 216 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي على ما يلي:
"تصح إضافة الوصية إلى المستقبل أو تعليقها على الشرط أو تقييدها به إذا كان الشرط صحيحا.
-الشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة مشروعة للموصي أو للموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهيا عنه، ولا منافيا لمقاصد الشريعة، وتجب مراعاته، ما دامت المصلحة المقصودة به متحققة أو غالبة.
إذا علقت الوصية على شرط غير صحيح كانت باطلة
إذا قيدت الوصية بشرط غير صحيح، صحت الوصية ولغا الشرط.."
المبحث الثاني:
القبول والرد في عقد الوصية
إن الوصية تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، ينعقد بالإرادة المنفردة للموصي، لكن الملكية لا تثبت إلا بعد قبول الموصى له، وتبطل في حالة رده لها، فما هي الأحكام المنظمة للقبول والرد في عقد الوصية (المطلب الأول)، وما هي الإشكالات الفقهية والعملية المرتبطة بهما (المطلب الثاني)؟
المطلب الأول:
مفهوم القبول والرد وطبيعته
سنحاول توضيح مفهوم القبول في الفقرة الأولى، ومفهوم الرد في الفقرة الثانية، قبل التطرق لطبيعتهما في الفقرة الثالثة.
الفقرة الأولى: مفهوم القبول
من المعلوم أنه لابد من وجود طرفين في كل عقد، ولابد من إيجاب وقبول كما في عقد الزواج، والكراء والبيع مثلا، وعدم تلاقي الإرادتين لا يولد عقدا ، خاصة وأن مفهوم العقد ينصرف إلى توافق إرادتين من أجل إحداث أثر قانوني .
إلا أن بعض الفقهاء رأوا أنه يمكن أن يتم إنشاء العقد بالإرادة المنفردة في عقود التبرع كالوصية والهبة على سبيل المثال.
فالفقهاء اعتبروا الوصية نوعا من العقود واختلفوا في الشق المتعلق بالقبول، فبعضهم قال بلزومه والبعض الآخر قال بالعكس, كما سنرى في الفقرة الثالثة من هذا المطلب.
من هنا يمكن القول أن الوصية من العقود التي لها طبيعة خاصة.
فهي وإن كانت تنعقد بمجرد الإيجاب من الموصي، فإنها لا تصبح تامة إلا بصدور قبول من الموصى له بعد وفاة الموصي، أي أن القبول لا يتم في نفس المجلس الذي صدر فيه الإيجاب, بل يتأخر إلى حين وفاة الموصي الذي صدر عنه الإيجاب.
ويقصد بالقبول الموافقة على الوصية ممن له الحق في ذلك.
ويجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب، فإذا قال الموصي أوصيت لك بهذه الدار، فالقبول يجب أن يكون بـ : "قبلتها"، أما إذا قال الموصى له: قبلت هذا البستان أو غير ذلك، فإن القبول لا يعتبر شرعا .
ويلاحظ أن للفقهاء رأيان بخصوص مفهوم القبول :
*رأي الجمهور: أن المراد بالقبول الموافقة على الوصية والرضا بها ممن له الحق في ذلك .
*رأي الحنفية : المقصود بالقبول عدم الرد الصادق بالموافقة وبالسكوت حيث لا موافقة ولا رد .
وتظهر أهمية هذا الخلاف في حالة وفاة الموصى له قبل القبول والرد وبعد وفاة الموصى.
فإذا اتبعنا رأي الجمهور فإن القبول يعتبر غير حاصل لأن الموصى له لم يوافق على الوصية، وبالتالي ينتقل الحق في القبول والرد إلى ورثته.
أما إذا أخذنا برأي الحنفية فيعتبر القبول حاصلا نظرا لعدم وقوع الرد، وبذلك تنتقل الوصية لورثة الموصى لهم على وجه التمليك ولا يحق لهم ردها.
ويرى الفقيه محمد التاويل أن رأي الجمهور هو الراجح لأن القبول عمل إيجابي يعبر عن رضا الموصى له فإذا لم يصدر منه ما يدل على القبول لا يمكن إدعاء حصوله، خاصة وأن السكوت لا يدل على الرضا دائما، كما قد يموت الموصى له قبل العلم بالوصية وفي هذه الحالة لا يمكن القول أن سكوته دليل على رضاه .
وقد تبنت التشريعات العربية هذا الرأي حيث اعتبرت موت الموصى له قبل الموصي من مبطلات الوصية .
الفقرة الثانية: مفهوم الرد
الرد هو ضد القبول ويعني رفض الوصية وعدم الموافقة عليها.
ويبدو أن رد الوصية لا يحصل كثيرا في الحياة العملية حسبما ذكر المقرر العام لمدونة الأحوال الشخصية، حيث يقول: "...فإن العرف القائم في المغرب هو عدم تفكير أحد من الموصى لهم في الرد، فلم نسمع قط أن أحدا رد وصية، ولا رأينا نازلة بهذا المعنى في مجموع ما اطلعنا عليه من النوازل والفتاوى، وليس في كتب الوثائق جملة تدل على القبول أو تشير لعرض الوصية على الموصى له، بل كلها تشتمل على صيغة الإرادة المنفردة، فمذهب الشافعي في هذه المسألة متفق مع الواقع المغربي فيها.."
ويحصل القبول والرد بالقبول والكتابة والإشارة وبالفعل أيضا من كل ما يدل على الرضا بالوصية أو رفضها حسب رأي الجمهور، بينما ذهب الشافعية في المشهور عندهم إلى أنه لا يتم القبول إلا بالقول ولا يكفي فيه الفعل .
ولاشك أن الأرجح هو رأي الجمهور قياسا للفعل على القول، بل هو أقوى منه في الدلالة على القبول أو الرد، وقياسا أيضا للوصية على الهدية حيث يكفي في قبولها الفعل، فإذا قيل للموصى له: هذه وصية فلان، فقال: رددتها أو مزق وثيقتها، أو كتب جوابا بردها، أو قيل له: هل تقبلها؟ فأشار برأسه أو يده بالنفي، اعتبر كل ذلك دلالة على رد الوصية، أما إذا قال: قبلتها أو شكر له عند وصيته أو أشار برأسه بقبولها أو أخذها وتصرف فيها، أو كتب جوابا بقبولها، كان ذلك كله قبولا للوصية، أما السكوت فلا يعتبر قبولا ولا ردا.
الفقرة الثالثة: طبيعة القبول
اختلف الفقهاء في طبيعة القبول وما إذا كان يعتبر شرطا في صحة الوصية أو لا يعتبر كذلك.
*الرأي الأول: القبول ركن من أركان الوصية وهذا قول أبي حنيفة .
*الرأي الثاني: القبول شرط صحة في الوصية وهو قول مالك .
*الرأي الثالث: القبول شرط صحة في لزوم الوصية وتنفيذها وهذا هو المشهور في المذهب المالكي .
*الرأي الرابع: القبول شرط في تنفيذ الوصية وملكية الموصى له للموصى به.
*الرأي الخامس: القبول لا يعتبر ركنا ولا شرطا في الوصية وهو قول الشافعي .
وينبني على هذا الخلاف، اختلاف في الرأي بخصوص مسألتين: ملكية الموصى به قبل قبول الوصية، وحكم الغلة الحادثة بعد الموت وقبل القبول.
أولا: ملكية الموصى به قبل قبول الوصية
بصدد هذه المسالة انقسم الفقهاء على ثلاثة أقوال:
*القول الأول: الملك للموصى له بمجرد وفاة الموصي ما دام القبول لا يعتبر ركنا ولا شرطا وهو قول المالكية والشافعية في إحدى الروايتين.
وقد استند أصحاب هذا القول على الحجج الآتية:
أ-القياس على الإرث، فهو يدخل في ملك الوارث بالموت، فكذلك الوصية.
ب-القياس على الوصية للفقراء، وهي أيضا تدخل في ملكهم بمجرد الموت.
ج-الإحتجاج بأنه لا يصح بقاء الوصية على ملك الموصي لموته لان الميت لا يملك.
كما أنه لا يجوز انتقالها للوارث لأن الوصية مقدمة على الميراث لقوله تعالى: ﴿من بعد وصية يوصي بها أو دين﴾ .
وبالتالي فإن المنطق يقتضي القول بانتقال ملكية الموصى به للموصى له بمجرد وفاة الموصي خاصة وأن قصد الموصي في وصيته غالبا هو أن تسلم الوصية للموصى له بمجرد وفاته .
*القول الثاني: الوصية لا تدخل في ملك الموصى له إلا بالقول إذا كانت بمعين، لأن القبول يعتبر ركنا أو شرطا في صحة الوصية ، وهذا قول الحنفية والحنابلة وأحد أقوال المالكية، وقد استدلوا بما يلي :
أ- القياس على البيع والهبة وباقي العقود، حيث لا تدخل في ملك الطرف المستفيد إلا بالقبول.
ب- الاحتجاج بأن القبول إما شرط أو جزء من السبب، والحكم لا يتقدم على شرطه ولا على سببه ولا على جزئه.
ج-الإنسان لا يملك شيئا بغير سعيه، وهذا ما يوضحه قوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ فلو ثبت الملك للموصى له بدون قبول، لثبت له بدون سعيه وهذا يتعارض مع نص الآية الكريمة وعمومها.
د-القول بدخول الموصى به في ملك الموصى له بدون حاجة إلى القبول، فيه إضرار بالموصى له، حيث يؤدي إلى المن عليه من قبل الورثة كما يجعله متحملا للوازم الإنفاق على الموصى به الذي لا نفع فيه.
*القول الثالث: الملك بعد وفاة الموصي موقوف، غير محكوم به لأحد، فإن قبل الموصى له، دخل ملكه وإن رده دخل في ملك الورثة.
وهذا رأي الشافعية والمالكية, وقد استدلوا بأنه لا يصح بقاء الموصى به على ملك الموصي لأنه أصبح ميتا، كما لا يصح القول بانتقال ملكيته للورثة، لأن الوصية مقدمة على الميراث، ولا يصح أيضا جعله للموصى له لأنه لم يعلن عن قبوله بعد، وبالتالي يتعين وقفه وعدم الحكم به لأحد حتى يثبت الأمر بالقبول والرد .
ويترتب عن اختلاف آراء الفقهاء بخصوص هذه المسألة, اختلافهم أيضا في حكم الغلة الحادثة بعد موت الموصي وقبل الموصى له.
ثانيا: حكم الغلة الحادثة بعد الموت وقبل القبول
للفقهاء ثلاثة آراء بخصوص هذه المسألة، وسنحاول إيجازها فيما يلي:
*الرأي الأول: الغلة الحادثة بعد الموت وقبل القبول ملك للموصى له كلها، عملا بقاعدة من ملك شيئا ملك غلته، وحديث الرسول (ص): "الخراج بالضمان" فالضمان على الموصى له بالموت وبالتالي تكون الغلة له بالموت أيضا.
*الرأي الثاني: هذه الغلة ملك للورثة لأن الملك باق للميت أو للوارث قبل القبول، وما دام القبول ركن أو شرط في الملك، ولم يتم القبول بعد، فإن الغلة لورثة الموصي.
*الرأي الثالث: للموصى له ثلث الغلة، والثلثان للورثة، فإن كان الموصى به وغلته يخرجان من الثلث أخذهما، وإن كان الثلث يحمل الموصى به دون غلته، فإنه يعطى للموصى له كله.
وإذا كانت مدونة الأسرة قد سكتت عن بيان حكم هذه المسألة، فإنه يتعين الرجوع إلى المذهب المالكي حسب ما يقتضيه العمل بالمادة 400 من المدونة.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع التونسي حسم هذا الخلاف من خلال الفصل 181 من مجلة الأحوال الشخصية الذي ينص على أن:
"الموصى له يستحق الوصية مع ما زاد فيها من زمن وفاة الموصي" .
كما أن قانون الأحوال الشخصية لدولة الكويت تطرق لهذه الإشكالية بشكل دقيق، حيث نصت المادة 235 على المقتضيات الآتية:
"أ- إذا كان الموصى له موجودا عند موت الموصي، استحق الموصى به من حين الموت، ما لم يفد نص الوصية ثبوت الاستحقاق في وقت معين بعد الموت.
ب-تكون للموصى له زوائد الموصى به من حيث الاستحقاق إلى القبول، إذا كان القبول متأخرا عن بدء الاستحقاق ولا تعتبر وصية، وعلى الموصى له نفقة الموصي به في تلك المدة".
المطلب الثاني:
الإشكاليات المرتبطة بالقبول والرد
إذا كان القبول هو الموافقة على الوصية، والرد هو رفضها، فما هو الوقت اللازم للقبول والرد، ومن له هذا الحق، وهل يجوز تجزئة القبول والرد؟
للإجابة على هذه التساؤلات، سنخصص الفقرة الأولى للحديث عن وقت القبول والرد، والفقرة الثانية للحديث عن من له حق القبول والرد، بينما سنخصص الفقرة الثالثة لتجزئة القبول والرد.
الفقرة الأولى: وقت القبول والرد
لا خلاف بين الفقهاء في أن الوصية عطية لا يستحقها الموصى له إلا بموت الموصي, إذ لا تجب له قبله إجماعا، ولهذا كان الوقت المعتبر لقبولها أو ردها هو ما بعد وفاة الموصي لا قبله، فإن قبلها بعد موته لزمت، وإن ردها بعده بطلت.
لكن الفقهاء اختلفوا إذا ردها الموصى له قبل الموت ثم قبلها بعده.
ذهب الجمهور إلى أنها لا تبطل حيث يجوز له قبولها بعد الموت، وقال بعض المالكية أنها تبطل إذا ردها قبل الموت .
ومرد هذا الخلاف اختلاف الفقهاء في حكم إسقاط الشيء قبل وجوبه، كمن يسقط الشفعة قبل البيع، فمن رآه لازما قال ببطلان الوصية بردها قبل الموت، ومن رآه غير لازم قال بعدم بطلانها لأنها إسقاط للشيء قبل وجوبه.
وبالنسبة لمدونة الأسرة فقد نصت في المادة 290 على أنه: "لا يعتبر رد الموصى له إلا بعد وفاة الموصي".
وهذا يعني أن المشرع أخذ برأي الجمهور, فلم يعتد برد الموصى له للوصية قبل وفاة الموصي, وهو نفس الرأي الذي أخذ به القانون المصري في المادة 24 والتي تقول: "لا تبطل الوصية بردها قبل موت الموصي", وفي نفس السياق تقضي المادة 197 من قانون الأسرة الجزائري بما يلي:
"يكون قبول الوصية صراحة أو ضمنا بعد وفاة الموصي"
أما القانون التونسي فقد كان أكثر إيضاحا حيث نص في الفصل 196 من مجلة الأحوال الشخصية على أنه:
"لا يعتبر القبول بعد الرد ولا الرد بعد القبول إلا إذا قبل الورثة"
واتفقت المذاهب الفقهية على أنه لا تشترط الفورية في القبول والرد، كما لا يشترط كون القبول أو الرد في مدة معينة بل هو على التراخي، فيجوز بعد الوفاة ولو إلى مدة طويلة، لأن الفور إنما يشترط في العقود المنجزة التي يرتبط القبول فيها بالإيجاب كالبيع مثلا، جاء في المغني: "...ويجوز القبول والرد على الفور والتراخي ولا يكون إلا بعد موت الموصي، لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق" .
لكن الشافعية خالفوا هذا الرأي حيث ذهبوا إلى أن للوارث الحق في مطالبة الموصى له بالقبول أو الرد، فإن امتنع بعد المطالبة اعتبر ذلك ردا للوصية ، وهذا رأي منطقي وعادل لأن فيه دفع الضرر عن الورثة، كما ذهب الحنابلة إلى أنه في حالة الامتناع عن القبول والرد رغم مطالبة الورثة بذلك يحكم على الموصى له بالرد وسقوط حقه.
وإذا كانت مدونة الأسرة لم تتعرض لهذه المسألة فإن المشرع المصري أخذ برأي الشافعية والحنابلة فاشترط أن يكون قبول الوصية أو ردها خلال 30 يوما من وفاة الموصي، أو من وقت علم الموصى له بالوصية وبه أخذ المشرع السوري أيضا .
بينما فرض المشرع في سلطنة عمان على الموصى له حضور قسمة التركة، وإلا اعتبر تخلفه عن ذلك بدون عذر ردا للوصية بموجب حكم يصدره القضاء.
الفقرة الثانية: من له حق القبول والرد
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي التمييز بين حالتين:
- الحالة التي يكون فيها الموصى له معينا
- والحالة التي يكون فيها الموصى له غير معين.
وفي الحالتين معا قد يكون الموصى له المعين رشيدا كامل الأهلية, وقد يكون محجورا عليه، كما أن الموصى له غير المعين قد يكون جماعة غير محصورة العدد, أو جهة محددة.
- اتفق الفقهاء على أن الموصى له المعين يملك بنفسه القبول والرد متى كان كامل الأهلية، لأنه صاحب الولاية على نفسه، كما اتفقوا على أنه إذا كان فاقدا للأهلية لا يعتد بقبوله أو برده لأن عبارته ملغاة، وإنما يقبل نائبه الشرعي ، أما الحمل فإن المالكية ترى أن القبول ينبغي أن يكون بعد الوضع لأن أهلية الملك لا تثبت للحمل إلا بعد الولادة .
واتفق الفقهاء أيضا على أن الموصى له غير المعين لا يحتاج إلى قبول ولا رد، وإنما تلزم الوصية في هذه الحالة بمجرد إيجاب الموصي وقد أخذت مدونة الأسرة بهذا الرأي في المادة 288.
أما المشرع المصري فجعل حق القبول والرد عن المؤسسات والجهات والمنشآت لمن يمثلها قانونا, فإن لم يكن لها من يمثلها قانونا، لزمت الوصية من غير حاجة إلى قبول.
وقد اختلفت آراء الفقهاء، بخصوص ناقص الأهلية وهو الصبي غير المميز والمحجور عليه بسبب السفه أو الغفلة.
- قال الحنفية: له القبول لأن الوصية نفع محض له كالهبة والاستحقاق في الوقف، وليس له ولا لوليه الرد، لأنه ضرر محض .
- قال الجمهور: القبول والرد لنائبه الشرعي.
وخلاصة آراء الفقهاء بخصوص من له حق القبول والرد، أن الموصى له المعين الرشيد له وحده حق القبول والرد وهو ما أكدته المادة 289 من مدونة الأسرة بقولها : "الوصية لشخص معين ترد برده, إذا كان كامل الأهلية، ويرث ورثته هذا الحق عنه".
أما الموصى له غير الرشيد فينوب عنه وليه في القبول والرد، وإذا كان جنينا لا يقبل له إلا بعد ولادته .
بخلاف الموصى له غير المعين كالمساجد والفقراء، فإن الوصية تلزم بموت الموصي ولا تحتاج لقبول، وهذا ما أكدت عليه مدونة الأسرة في المادة 288 والتي تنص على أن: "الوصية لغير معين لا تحتاج إلى قبول ولا ترد برد أحد" .
الفقرة الثالثة: تجزئة القبول والرد
معلوم أن قبول الوصية وردها، قد يتحقق بشكل كامل، كما قد يتم بشكل جزئي، فالوصية تختلف عن غيرها من العقود في جواز تبعيض الصفقة، ذلك لأن القبول لما كان لأجل مصلحة الموصى له فقد يرى أن مصلحته في قبول البعض ورد البعض الآخر، فإذا أوصى شخص لجاره بدار وأرض زراعية, فله قبول الأرض دون الدار والعكس صحيح، وله أيضا قبول بعض الدار أو الأرض، ولا يحق للورثة الاعتراض على ذلك لأنه لا ضرر عليهم في قبول البعض ورد البعض الآخر .
وإذا كانت الوصية لجماعة فقبل بعضهم ورد الآخرون، لزمت الوصية لمن قبل منهم، وبطلت لمن رد، وعادت ميراثا بين الورثة يحاصصون بها أصحاب الوصايا، ذلك لأن بطلانها في نصيب من رد لا يؤثر في صحتها في نصيب من قبل، وبهذا أخذت مدونة الأسرة في المادة 291 والتي نص على أنه:
"يجوز رد بعض الوصية وقبول بعضها كما يجوز ذلك من بعض الموصى لهم كاملي الأهلية وتبطل بالنسبة للمردود والراد فقط" .
وقد جاء في الفصل 195 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية، "إذا قبل الموصى له بعض الوصية ورد بعضها الآخر تلزم فيما قبل وتبطل في البعض الآخر.
وفي صورة تعدد الموصى لهم وقبول بعضهم دون البعض الآخر تنفذ بالنسبة لمن قبل وتلغى بالنسبة للآخر" وهي نفس المقتضيات التي نصت عليها المادة 233 من قانون الأحوال الشخصية لدولة الكويت.
خاتمة:
وصفوة القول أن الوصية من أهم العقود وأكثرها انتشارا في الحياة العملية خاصة وأن الشريعة الإسلامية حثت على اللجوء إليها، ونظمت أحكامها بشكل يتماشى مع مبادئ العدل والإنصاف وروح البر وصلة الرحم.
فالوصية وسيلة من وسائل تمتين العلاقات الأسرية طالما احترمت روح الشرع الحنيف، إلا أنها قد تتحول إلى مصدر للكثير من المنازعات التي تهدم بناء الأسرة كلما ابتعدت عن النهج الذي رسمته الشريعة الغراء.
من هنا كانت للصيغة باعتبارها ركنا من أركان الوصية أهمية قصوى في التعبير عن إرادة الموصي، لذا اهتم الفقهاء بتوضيح الأحكام المتعلقة بها وهو ما انعكس أيضا على التشريعات العربية المتعلقة بالأحوال الشخصية والتي وإن اختلفت في بعض الجزئيات، فإنها تلتقي في المبادئ العامة التي تميز عقد الوصية.
وإذا كان المشرع المغربي قد حاول تنظيم المقتضيات المتعلقة بصيغة الوصية واستقى معظم أحكامها من المذهب المالكي، إلا أنه أغفل الإشارة إلى كثير من الإشكاليات التي ما تزال تطرح في الحياة العملية، وهو ما يفرض الاستفادة من التشريعات العربية المقارنة من جهة، والاجتهادات القضائية من جهة أخرى، وخاصة وأن القضاء يعتبر من أهم المصادر التكميلية للقاعدة القانونية.