من اعداد الطالبة :
فاطمة الزهراء مخروب
توطئـــة:
إن النزاعات التي تنصب على الأموال بصفة عامة والعقارات بصفة خاصة ما فتئت تتزايد بشكل مضطرب نتيجة ازدياد نشاط المجتمع الاقتصادي. وبالنظر لهذه الأهمية فقد حاول المشرع المغربي إضفاء صبغة الثقة والاستقرار على جميع التصرفات العقارية، وحماية المكتسب للحقوق العينية العقارية عبر صيرورة قانونية انتقلت من تطبيق الشريعة الإسلامية التي كان يعرفها المجتمع المغربي ما قبل عهد الحماية إلى محطة أخرى ابتدأت بإخضاع المغرب لنظام الحماية وما ترتب عن ذلك من تغير الأوضاع القانونية بصفة جذرية ليتم إقصاء الشريعة الإسلامية عن بعض الميادين بصفة كلية أو بقبولها سارية المفعول جنبا إلى جنب مع القانون الوضعي، بحيث أصبح منذ ذلك الحين أن العقارات إما عادية وإما محفظة، ولم تكن هذه الثنائية وليدة الصدفة بل فرضتها عقلية المستعمر القاضي بجلب المصلحة للأجانب عن طريق وضع نظام يتضمن الملكية العقارية نوعان من الثبات والاستقرار وسندا لحل كثير من المشاكل ويسمى هذا النظام بنظام الشهر العقاري الذي هو عبارة عن حالت مدنية للعقار المحفظ ( ) ويتمثل هذا النظام في ظهيرة: 09 رمضان 1331 الموافق ل: 12 غشت 1913 واستمر هذا الأخير بقواعد تكسب إنشاء ونقل الملكية والحقوق العينية العقارية والتصرف فيها بمتاهة قوية وبالتالي يساعد على ازدهار الاستثمار العقاري، ويعتمد هذا النظام على مبادئ وأسس سليمة يرجع الفضل فيها إلى واضعها السيد: "روبيرت ريتشار تورانس"( )
لكن هذا النظام العقاري لم يجعله المشرع المغربي ملزم بالنسبة للجميع باستثناء بعض الحالات التي يقر فيها القانون بإجبارية التحفيظ ( ) فمالك العقار يتمتع بحق الخيار بين الخضوع لهذا النظام أو إبقاء عقاره خاضعا للوضع الحقوقي الذي هو عليه، ونتيجة لهذا الخيار أصبحت هناك مؤسستان لتنظيم أو الإشراف على تطبيق هذين القانونين، فهناك مؤسسة قاضي التوثيق الساهرة علة تطبيق الشريعة الإسلامية، وهناك مؤسسة المحافظة العقارية أو الجهاز المشرف على التحفيظ العقاري هو الوكالة الوطنية للمحافظة والمسح العقاري والخرائطية قانون رقم 58- 00 الصارد بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في فاتح ربيع الأخر 1423 الموافق ل 13 يونيو 2002 و الدخول في نظام التحفيظ العقاري يخضع لشكليات وإجراءات نص عليها قانون التحفيظ العقاري قبل أن يأخذ العقار شكله القانوني الجديد هذه الشكليات والإجراءات هي ما يعبر عنها بمسرة التحفيظ وقد تسير هذه المسطرة سيرا عاديا ويؤدي ذلك إلى تأسيس الرسم العقاري كما أنه قد تعترض سير هذه المسطرة إجراءات أخرى وهي ما يعبر عنها بالتعرض على مطلب التحفيظ. وبالرجوع إلى الظهير الشريف المتعلق بتحفيظ الأملاك العقارية المؤرخ في 12 غشت 1913 نجده يعرف التحفيظ في فصله الأول: "على إن المقصود من تحفيظ العقار هو وضعه تحت قيد الضابط المقرر في هذا الظهير الشريف من غير حياد عنه أصلا في المستقبل" وعرفه البعض ( )على أنه مجموعة من الإجراءات والعمليات التي يجب أن يمر بها العقار المطلوب تحفيظه، الهدف منها التعرف على الوضعية الهندسية والقانونية لهذا العقار بدقة كاملة وتصفية وتطهيره من كافة الحقوق والتحملات غير الثانية حتى لا تسجل بالسجلات العقارية إلا الحقوق المشروعة.
فمسطرة التحفيظ طبقا لهذا الظهير هي مسطرة إدارية أساسا ولكن قد تتخللها مرحلة قضائية ومع ذلك فإنها تختتم في جميع الأحوال بقرار إداري.
فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل المرحلة الإدارية مسطرة التحفيظ تبرر مبدأ الحجية المطلقة؟ وهل المشرع حقق نوع من التوازن بين المصلحة العامة التي يرمي إليها مبدأ الحجية المطلقة وبين المصلحة الخاصة المتمثلة في حماية حقوق الغير من الأضرار، وهل الوسائل القانونية والتقنية لهذه المرحلة هي وسائل كفيلة وناجعة تحقق الهدف المنشود منها؟
وعلى هذا الأساس سنتناول في المبحث الأول: شروط وشكليات مطلب التحفيظ والنتائج المترتبة عن إيداعه.
المبحث الثاني: مدار فعالية الوسائل و الإجراءات القانونية والتقنية المقررة لإشهار مطلب التحفيظ.
المبحث الأول: شروط وشكليات مطلب التحفيظ والنتائج المترتبة عن إيداعه:
يعتبر التحفيظ مبدئيا عمل اختياري ما عدا الحالات التي حددها القانون التي يكون فيها التحفيظ إجباريا وأول خطوة في عملية التحفيظ هي تقديم مطلب التحفيظ وهو الطلب الذي يتقدم أحد الأشخاص الذين عينهم القانون حصرا لمباشرة حقهم( ) منهم هؤلاء الأشخاص الذين لهم الحق في تقديم المطلب؟ وما هي شكلياته والآثار المترتبة عن إيداعه؟
المطلب الأول: الأشخاص المخول لهم تقديم مطلب التحفيظ:
حسب النظام القانوني لهذه المؤسسة العقارية فإن المشرع العقاري حصر الأشخاص الذين يحق لهم تقديم المطلب وذلك من خلال الفصل 10 وما يليه من ظهير التحفيظ العقاري.
1- المالك للعقار: المطلوب تحفيظه والمراد به من له حق الانتفاع والاستغلال والتصرف في ذلك العقار أي المالك ملكا تاما.
2- الشريك في الملك: أي المالك لحصة مشاعة في العقار المطلوب تحفيظه وذلك عندما يكون العقار مشتركا على الشياع بين عدة مالكين حيث يحق لكل واحد منهم أن يتقدم بمطلب لتحفيظ ذلك العقار.
3- كل من يملك في العقار حقا من الحقوق العينية التالية:
- حق الانتفاع: وهو حق يخول لمالكه التمتع بعقار يملك الغير رقبته.
- حق الاستعمال: وهو الحق الذي يخول صاحبه الحق في استعمال عقار يملكه الغير لغرض معين.
- حق السكنى: وهو الحق الذي يخول صاحبه الحق في السكنى في عقار يملكه الغير.
- حق الإجارة الطويلة: وهو عبارة عن كراء العقار لمدة طويلة لا تقل عن 18 سنة ولا تزيد على 99 عاما.
- الرهن الحيازي المنصب على عقار: وهو عبارة عن تقديم عقار للدائن ليكون ضمانا لدينه.
4 - المتمتع بحق عيني من الحقوق المتفرعة عن الملكية حسب قواعد الشريعة الإسلامية
(الحبس – الجلسة والجزاء أو الزينة – والهواء)
5 - المتمتع بحق ارتفاق على عقار وحق الارتفاق هو حق عيني عقاري ينصب على عقار مملوك للغير لمصلحة عقار أخر.
6- المتمتع بحق الرهن الرسمي وهذا الحق هو عبارة عن حق عيني عقاري ينصب على عقار مخصص لأداء التزام ما.
وكل من المتمتع بحق الارتفاع والمرتهن لا يمكنهما مباشرة طلب التحفيظ إلا بموافقة مالك ذلك العقار( ).
7- الدائن المرتهن الذي لم يقبض عند حلول أجله وذلك إذا قام بحجز عقاري بناء على حكم صادر لفائدة ضد المدني (وهذا بمقتض الفصل 11 من الظهير المتعلق بتحفيظ الأملاك العقارية 12 غشت 1913).
8- الولي أو الوصي أو المقدم من طرف القاضي يمكن له أن يتقدم بطلب تحفيظ ذلك العقار في اسم محجوره وذلك إذا كانت لهذا الأخير حقوق تسمح له بطلب التحفيظ بنفس لو كان رشيدا (الفصل 12 من الظهير المتعلق بتحفيظ الأملاك العقارية).
وحسب مقتضيات الفصل 16 من الظهير المذكور أنه يمكن الملاكين متعددين أن يتفقوا على تحفيظ عقاراتهم في آن واحد إذا تبت أن هذه العقارات متجاورة فيما بينها ولا يفصلها عن بعضها أي فاصل ما عدا الأملاك العامة. وبذلك تكون عمليات التحديد والخروج لعين المكان تجري كلها بصفة مشتركة وفي آن واحد وذلك تبسيطا للمسطرة وربحا للوقت.
المطلب الثاني: شكلية مطلب التحفيظ:
لم يحدد الظهير الشريف "المتعلق بتحفيظ الأملاك العقارية" شكل معين لتقديم المطلب بل اكتفى الفصل 13 من الظهير المذكور بذكر كلمة "تصريح" على أن هذه الكلمة تستعمل اصطلاحين فقد يكون التصريح شفويا أو كتابيا سواء قدمه طالب التحفيظ بصفته شخصية أو بمقتضى وكالة خاصة إلى المحافظ، وهذا التصريح يجب أن يتضمن جميع المعلومات المتعلقة بالعقار وأخرا متعلقة بطالب التحفيظ، وأن يرفق هذا المطلب جميع المستندات والحجج التي تؤيد حق ملكيته للعقار أو للحقوق العينية.
الفقرة الأولى: ففي ما يتعلق بطالب التحفيظ:
فهذه المعلومات المتعلقة بطالب التحفيظ هي المراد منها التأكد والتعرف على هوية طالب التحفيظ وعلى صفته إذا كان مقدم الطلب هو المالك نقسه( ) أما إذا كان مقدم طلب التحفيظ مجرد وكيل أو نائب قانوني فعليه أن يبرز صفته كوكيل أو نائب قانوني بالإضافة إلى المعلومات المتعلقة بصاحب الحق، ومن جملة هذه المعلومات هي الاسم الشخصي والعائلي لصاحب الحق، الصفة التي تقدم بها صاحب الطلب، تعيين موطن طالب التحفيظ( )، حالة العائلة ثم اسم الزوج وعند الاقتضاء النظام المالي الزواج، ثم جنسية طالب التحفيظ ثم تاريخ الازدياد وتجدر الإشارة أن الفصل 13 من ظهير التحفيظ العقاري لم ينص على تاريخ الازدياد مع أنه له أهمية كبرا لمعرفة توافر الأهلية أو عدمها، وإذا كان العقار المراد تحفيظه مشاعا بين عدة أشخاص فإن هذه البيانات تكون إلزامية بالنسبة لكل شريك منهم كما يجب تعين أحدهم للمخابرة معه.
وتجدر الإشارة أن المشرع اهتم فقط بالأشخاص الذاتيين حين تقديم مطلب التحفيظ ولم يشر إلى الأشخاص المعنويين علما بأن طلب التحفيظ يمكن أن يقدم من طرف شركات أو هيأت... ( )
الفقرة الثانية: أما فيما يخص البيانات المتعلقة بالعقار المطلوب تحفيظه:
تنقسم هذه البيانات إلى قسمين منها ما يهم الوضع المادي للعقار ومنها ما يهم وضعه القانوني: ففيما يخص البيانات المتعلقة بالوضع المادي للعقار فيجب أن يتضمن مطلب التحفيظ وصفا دقيقا للعقار لأن ذلك يسهل عملية الإشعار والتحديد وباقي الإجراءات المسطرية وعليه يجب تحديد موقع العقار بصورة دقيقة ونوعه هل هو (دار للسكن أو بناية أو قطعة أرضية...) ومشتملاته من ( أشجار ومنشآت وأغراس...) ثم حدوده من الجهات الأربعة مع بيان أسماء وعناوين أصحاب العقارات المجاورة له أو المتصلة به، ثم مساحة التقريبية بقدر الإمكان وقيمته التجارية، وعند الاقتضاء كذلك الاسم الذي يعرف به في عين المكان، وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن لطالب التحفيظ أن يعطي لعقاره اسما مغيرا لذلك.
أما فيما يخص الوضع القانوني للعقار: فيجب كما سبقت الإشارة إلى ذلك بيان اسم مالك العقار وكافة الشركاء على الشيع وتعيين نصيب كل واحد منهم ثم بيان مصدر حق الملكية هل هو تصرف قانوني أو واقعة قانونية واسم واضع اليد الأصلي أو العرض أي الحائز لحساب الغير وإذا كان قد انتزع العقار من مالكه فيجب ذكر ذلك مع بيان تاريخ نزع الحيازة ثم يجب بيان الحقوق العينية و التحملات المترتبة على العقار مع ذكر أصحاب الحقوق العينية تفصيليا وإعطاء كافة المعلومات الضرورية عنها.
المؤيدات المبررة لتقديم مطلب التحفيظ:
من المعلوم أن نظام التحفيظ العقاري يسند أساسا على وسيلة إلا تبات الكتابية( ) وعليه فقد اشترط الفصل 14 من الظهير الشريف المتعلق بالتحفيظ العقاري بأن يرفق طالب التحفيظ مطلبه بجميع ما لديه من وثائق والحجج الخاصة أو العامة التي تؤيد حق ملكية للعقار أو الحقوق العينية الأخرى المترتبة على العقار، على أنه إذا كانت محررة بغير اللغة الرسمية للبلاد يتعين أن تقدم مرفقه بترجمتها من طرف تراجمه محلفين وفي هذه الحالة يبقى من حق المحافظ تكليف تراجمه المحافظة المحلفين بمراجعتها أو مطابقتها للأصل، أما إذا كانت تلك المؤيدات بحوزة شخص آخر فإن المحافظ بعد إعلامه بذلك أن يأمر ذلك الغير بأن يضع بالمحافظة ما يوجد تحديده من وثائق خلال أجل 8 أيام يضاف إليها أجل المسافة، ويبتدأ هذا الأجل من تاريخ توصله بهذا الأمر ويدفع له وصل بتلك الوثائق التي تسلمها منه. ثم يحدد المحافظ المصاريف اللازمة لعملية التحفيظ ويأمر طالب التحفيظ بإيداعها لديه ( )، وبعد قبول إدراج المطلب من طرف المحافظ واستخلاص الرسوم المستحقة( ) يسلم لطالب التحفيظ وصلا بذلك يحمل رقم مطلب التحفيظ.
الفقرة الثالثة: النتائج المترتبة عن إبداع مطلب التحفيظ:
ينبغي الإشارة إلى أن هناك فرق بين أثار التحفيظ التي يترتب عنها تسجيل العقار وبين النتائج التي تترتب عن مجرد وضع مطلب تحفيظ فبمجرد تقديم مطلب التحفيظ. يصبح للعقار المطلوب تحفيظه وضع قانوني جديد ومتميز بحيث يصبح تابعا لنظام خاص أطلق عليه البعض إسم "نظام ما قبل التحفيظ" أو "في طور التحفيظ" فأثناء سريان مسطرة التحفيظ للعقار تترتب عليه نتائج كثيرة من أهمها:
- أن إبداع مطلب التحفيظ يكسب الطالب صفة المالك المفترض، في حين يعتبر المتعرضون بمثابة مدعين ويقع عليهم عبئ الإثبات لصحة إدعائهم.
- إذ العقار المطلوب تحفيظه يمكن أثناء جريان المسطرة إيقاع رهن رسمي عليه خلافا لما هو عليه الأمر في العقارات الغير المحفظة التي لا تقبل الرهن الرسمي وذلك نظرا لأن هناك علنية معينة حتى في العقارات التي في طور التحفيظ.
- إذا وقع أثناء جريان مسطرة التحفيظ تصرف من التصرفات من بيع أو هبة أو إراثة فلا بد للمتصرف إليه كي يثبت له حقه يوم صدور قرار التحفيظ من إتباع إحدى الطريقتين د نص عليهما الفصلين 83 و 84 من الظهير الشريف المتعلق بتحفيظ الأملاك العقارية:
فالطريقة الأولى: أن يقوم المتصرف إليه بتقديم الحجج المثبتة للحق المكتسب المحافظة العقارية مشفوعة بطلب للمحافظ قصد متابعة مسطرة التحفيظ مباشرة في اسم المتصرف إليه أو باسمه وباسم طالب التحفيظ الأصلي معا إذا كان التصرف جزئيا، وذلك بواسطة نشر خلاصة إصلاحية بالجريدة الرسمية.
أما الطريقة الثانية: تقديم طلب لإيداع الوثائق المثبتة للحق بحيث يسجل هذا الإيداع في سجل التعرضات والغرض من هذا الإيداع هو الحفاظ على رتبة الحق لأخذه بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار التحفيظ . وفي هذه الحالة تتابع المسطرة في اسم طالب التحفيظ الأصلي.
المبحث الثاني: مدى فعالية الوسائل والإجراءات القانونية والتقنية المقررة لإشهار مطلب التحفيظ:
لقد سبق القول أن الذي يعطي الانطلاقة لمسطرة التحفيظ هو وضع مطلب التحفيظ لدى المحافظ الواقع بدائرة اختصاصه العقار المراد إخضاعه لنظام السجلات العقارية. وانطلاقا من الفصل 17و18 ومن (ظ.ت.ع) أن المحافظ العقاري هو ملزم خلال مدة أقصاها عشرة أيام ابتدءا من تاريخ تقديم مطلب التحفيظ بتحرير ملخص بهذا المطلب وإعلان يبين فيه اليوم والساعة اللذين يتعين أن يجرى فيها التحديد المؤقت، ويقوم بإرسال نسخا من هذين الوثيقتين إلى كل من – الجريدة الرسمية والمحكمة الابتدائية والقائد وقاضي التوثيق الذي يوجد العقار المطلوب تحفيظ بناحتيه.
فإذا كان الهدف من هذا الإشهار هو إحاطة الغير بمضمون مطلب التحفيظ فإلى أي حد استطاعت الوسائل المقررة لإشهار المطلب في تحقيق حماية حقوق الغير؟
المطلب الأول: مدى تحقيق إجراءات إشهار المطلب للحجية المطلقة للتحفيظ العقاري.
سنناقش هذا المطلب على ثلاث مستويات وهي النشر بالجريدة الرسمية والتعليق بمختلف المؤسسات المنصوص عليها في الفصل 18 من قانون التحفيظ العقاري (12 غشت 1913) ثم الاستدعاءات الخاصة فيما يتعلق بالتحديد.
الفقرة الأولى: النشر بالجريدة الرسمية:
إن المبتغى المنشود من وراء نشر خلاصة المطلب والإعلان عن التحديد في الجريدة الرسمية هو إعلام عامة الناس بهذا المطلب (أو العقار المراد تحفيظه) حتى يتمكن ذووا الحقوق من تقديم تعرضهم، وبالتالي فهذا النشر بالجريدة الرسمية هو بمثابة تخطي الحدود الضيقة التي ينحصر ضمنها الشهر عن طريق التعليق بالحكمة ومكتب القائد ومقر القاضي وهو في نفس الوقت هو غير كاف لاطلاع الكل على هذا المطلب، ذلك أن أغلب الناس لا يعرفون القراءة ولا الكتابة (في البادية)، ولا يعلمون بوجود هذه الجريدة، وحتى الذين يحسنون القراءة والكتابة لا يتبعون نشرات الجريدة لعدم الاهتمام.
فيمكننا القول أن هذه الوسيلة ليست فعالة ولا تحقق الهدف المنشود منها وبالتالي يمكن تجاوزها مادام أنها لا تفيد بصفة جدية.
الفقرة الثانية: مدى نجاعة التعليقات الواردة في الفصل 18 من قانون التحفيظ العقاري لمبدأ الحجية المطلقة:
يبعث المحافظ نسخة من مطلب التحفيظ والإعلان عن إجراء التحديد المؤقت إلى المحكمة الابتدائية والقائد وقاضي التوثيق الموجود بالعقار بدائرة نفوذهم.
ويقول الأستاذ: محمد ابن الحاج السلمي في هذا الشأن بحسب تجربته كمحافظ عام على أن التعليقات تحدث بكيفية اعتباطية وغير منظمة، ذلك أن الإعلانات المتعلقة بالتحفيظ لا يمكن تمييزها عن الإعلانات القضائية والإدارية وبالتالي يصعب على أصحاب الحقوق أو المستفيدين من التحفيظ الإطلاع على هذه الإعانات المتعلقة بالتحفيظ. كما أن هؤلاء المستفيدين من التحفيظ لا يتنقلون بصفة مستمرة إلى هذه المؤسسات إلا إذا كان هناك عارض.
وبرأينا الشخصي تبقى هذه التعليقات مجرد إشهارات نسبية لمطلب التحفيظ ذلك إنها لا تحقق إشهارا كافيا لهذا المطلب لأنها لا تكفي لإعلام عدد أكبر من الجمهور لعوامل عدة مجملها في بعد المسافة والجهل، ويمكن القول أن هذه الإشهارات لا تؤيد إعطاء قيود الرسم العقاري الناتجة عن التحفيظ حجية قانونية مطلقة.
الفقرة الثالثة: الاستدعات لحضور التحديد المؤقت ودورها في تحقيق البينة المطلقة للتحفيظ العقاري:
انطلاقا من الفصل 19 من قانون 12 غشت 1913 يستدعى لهذه العملية طالب التحفيظ وذوو الحقوق العينية والتحملات العقارية وكذا الجوار المصرح بهم والمتعرضون الذين سبق لهم أن سجلوا تعرضاتهم، بالإضافة إلى هؤلاء فإن لكل من يهمه أمر هذا التحديد المؤقت الحق في الحضور للإدلاء بأقواله وشهاداته بالإضافة إلى ذلك فإن المحافظ يقوم بإخبار السلطات المحلية وذلك من أجل أن تتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على الأمن والنظام العام، فهذه الوسيلة تبدو أنها فعالة في إعلام الأشخاص المعنيين إلا أنها قد تعيقها مجموعة من العراقل وبالتالي تؤدي إلى عدم تحقيق الهدف المنوط بها، وذلك في الحالة التي لا تصل المعنيين هذه الإستدعاءات كتغيير العناوين وعدم التصحيح أو التصريح بعناوين وهمية لبعض الجيران من طرف طالب التحفيظ ذو النية السيئة فهؤلاء لا تتاح لهم فرصة حضور التحديد. والحل المناسب لهذه الإستدعاءات أن تبلغ بواسطة عون للمحافظة العقارية توفر له كل الوسائل الضرورية للقيام بهذه المهمة.
المطلب الثاني: مدى تبرير عملية التحديد للحجية المطلقة للتحفيظ
إن للتحديد قيمة الخاصة فهو يشكل القاعدة الجوهرية للتحفيظ ويستلزم أن تتخذ بشأنه كل التحركات الضرورية لتمكين المسطرة من أداء دورها الفعال والعملي في الإشهار العقاري من جهة وفي الحفاظ على حقوق الأطراف من جهة ثانية، فإذا كانت الوسائل القانونية المقررة لإشهار مطلب التحفيظ هي فعالة وتحقق الهدف المنشود من ورائها في إثبات الحجية المطلقة للتحفيظ. فسيكون لها أثر إيجابي على عمليات التحديد وخاصة التحديد المؤقت أما إذا كان العكس -كما أتبثناه في المطلب السابق- فسيوقع أثار سلبي على هذه العملية ذلك أن المحضر والخريطة المنجزان عن عملية التحديد لا يعبران عن الحقيقة تعبيرا سليما وذلك لعاملين اثنين هما:
الفقرة الأولى: تأثير وسائل الإشهار على عملية التحديد:
في التاريخ المحدد لإجراء التحديد المؤقت والمعلن عنه بواسطة الإشهار يخرج كل من المحافظ العقاري أو من ينوب عنه والمهندس العقاري إلى عين المكان لإنجاز هذه العملية فتلك الوسائل لا تحقق الغرض أو الهدف المبتغى منها وهو إعلام الغير ونظرا لخطورة هذه المرحلة من مسطرة التحفيظ قد ينعكس سلبيا هذا التحديد في حماية المستفيدين وذوي الحقوق، ذلك أنه لا يحضر كل من يهمهم الأمر وبالتالي يصبح محضر التحديد مطابقا لمطلب التحفيظ وعلى العكس من ذلك، إذا تغيب طالب التحفيظ عن حضور عملية التحديد المؤقت يؤدي تحديد سلبي وبالتالي إلغاء مطلب التحفيظ وحفظ الملف فهذه الأخيرة ليس معاملة تحقق نوع من التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
الفقرة الثانية: هل عملية التحديد المؤقت هي عمل طوبوغرافي أم بحث قانوني؟
تفتح عملية التحديد بمحضر يسمى محضر التحديد ويدون فيه المهندس المكلف بالعملية مجموعة من البيانات والمواصفات ومختلف الأحداث الطارئة خلال القيام بهذه العملية والتعرضات والتدخلات التي تحرر بوثائق منعزلة عن وثيقة المحضر وتدعى "بالملحقات"، وما تجدر الملاحظة إليه أن الوقت المقرر لإجراء هذه العملية هو وقت غير كافي لتأكد من صحة مطلب التحفيظ وبالتالي إجراء بحث قانوني معمق عن حالة العقار، كما أن المهندس العقاري الذي يتولى هذه العملية رجل تقني وليس رجل قانون وعملية لا يرمي بالدرجة الأولى إلى البحث القانون بل إلى تحديد معالم العقار ورسم خريطة موثقة له. وهذا أمر يشكل خطرا كبيرا على حقوق الغير ولا يتماشى مع مبادئ العدالة وعليه تصبح عملية التحديد المؤقت هي عملية طوبوغرافية أكثر منها عملية بحث قانوني، " ومن الآراء التي تشكل حلولا لهذا الأمر للفقه هناك رأي فقهي يقضي بأن المحافظ العقاري يجب عليه في الحالة التي يفوض فيها مهندسا للقيام بمهامه أن يجري بحثا معمقا لملف طلب التحفيظ وذلك أثناء وضع برنامج التحديد المؤقت وإعطاء التعليمات مفصلة للمهندس، وبعد إجراء العملية يجب على المحافظ كذلك القيام بعملية مراقبة وتصحيح وإزالة التناقضات بين الرسوم وهذه المحاضر".
وعموما فإن عملية التحديد تترجم في تصميم يربط من الناحية الهندسية بعمليات التثليث العامة للأقاليم أو الدوائر المفتوحة للتحفيظ ويلحق الرسم العقاري حين تأسيسه أولا وفي محضر تسجل فيه كل المواصفات المتعلقة بالعقار والتداخلات التي يقوم بها الحاضرون بعملية التحديد ثانيا.
خاتمــــة
فإذا كان القانون العقاري المغربي قد وضع رهن إشارة المعمرين آنذاك لتحقيق الاستقرار في الملكية العقارية وتسهيل تداول العقارات فقد كان له أثر سلبي على الواقع الاجتماعي بعد الاستقلال لأن النصوص المتعلقة بحجية التحفيظ هي نصوص صارمة وجازمة لا تراعي مبادئ العدالة والحق، فرغم تمييز المشرع بين التحفيظ والتسجيل سواء بالنية للمسطرة أو الآثار فألقى على الأولى حجية مطلقة سواء بين الأطراف أو اتجاه الغير والثانية إلا بالنسبة للغير حسن النية فقط. وعموما فإن مسطرة التحفيظ وخاصة المرحلة الإدارية إلا مقص تبرر إعطاء التحفيظ حجية مطلقة تلك أن مطلب التحفيظ هو تعبير عن إرادة منفردة وهذا أمر يشجع على تحفيظ حقوق الغير ثم النقص في وسائل إشهار مطلب التحفيظ قد يؤدي إلى إصدار حقوق الغير إن لم يحيطوا علما بهذا المطلب خاصة أن التعرض على هذا الأخير محدد بآجال معينة وقرار المحافظ هو قرار غير قابل للطعن فإن تأسيس الرسم العقاري المطلب فيبقى لأصحاب الحقوق التعويض المادي وليس العيني.