المستجدات المتعلِقة بالتنظيم القضائي المغربي، المسطرة الجنائية و المسطرة المدنية على ضوء التعديلات الأخيرة
يعد التحديث و عصرنة المؤسسات السياسية و الدستورية التي تمر عبر دولة الحق و القانون من أهم الأسس التي ينبني عليها التقدم التشريعي، هذا البناء يقتضي أن ينصب الاهتمام على التعديل المستمر للقوانين ومسايرتها للتطورات الحاصلة في جل الميادين وتماشيا مع المنظومات التشريعية المقارنة، وهذا فعلا ما جسده مشرعنا المغربي على أرض الواقع عبر التعديلات و التحيينات المستمرة للنصوص التشريعية كان آخرها تلك المرتبطة بالتنظيم القضائي المغربي و قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية.
عرف التنظيم القضائي المغربي عدة تطورات قبل أن يتشكل على الصورة التي هو عليها الآن، هذه الأخيرة – التطورات - نتجت عما عرفه المغرب من أحداث سياسية واجتماعية مواكبة للتطورات على مستوى التشريعات المقارنة، الشيء الذي جعله يكون حريصا على مراجعة النصوص القانونية المنظمة للتنظيم القضائي المغربي كان آخرها تلك الصادرة بتاريخ 5 سبتمبر 2011.
ظهرت قواعد قانون المسطرة المدنية بالمغرب منذ السنوات الأولى من القرن الماضي، وعرفت تطورات متعددة ومختلفة عكست المراحل التي مر بها المجتمع المغربي بصورة عامة والقانونية بصورة خاصة، غير أن أهم خطوة قام بها مشرعنا هي تلك التي تمت في 28 شتنبر 1974،إذ أصدر القانون الجديد للمسطرة المدنية الذي سيعرف فيما بعد تعديلات في بعض فصوله ابتداء من مطلع التسعينات.
المسطرة الجنائية...............
وبشيء من التفصيل في المقتضيات التشريعية المنظمة للتنظيم القضائي، وقانون المسطرة المدنية، و قانون المسطرة الجنائية، سنحاول الخوض في غمار تعديلات سنة 2011 المنصبة على النصوص المتعلقة بهذه القوانين، وفي محاولة لذلك سنتبع التصميم التالي:
المبحث الأول : التعديلات المرتبطة بالتنظيم القضائي
المبحث الثاني: التعديلات المرتبطة بقانون المسطرة الجنائية
المبحث الثالث: التعديلات المرتبطة بقانون المسطرة المدنية
المبحث الأول: التعديلات المرتبطة بالتنظيم القضائي
كما سبقت الإشارة إليه فالتنظيم القضائي المغربي عرف مجموعة من التعديلات التي فرضتها التطورات المتتالية، إلا أنه ورغم كل هذا فإن المبادئ التي يقوم عليها لم تتغير من حيث جوهرها اللهم تلك التي كانت المستجدات تستدعي تحديثها، هكذا أصدر المشرع المغربي قانون رقم 10-34# الصادر بتاريخ 5 سبتمبر 2011 المغير و المتمم للظهير الشريف بمثابة قانون رقم 388-74-1 بتاريخ 24 جمادى الآخرة 1394 الموافق لتاريخ 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، وذلك عن طريق مادة فريدة تغير وتتمم الفصول 1و2و4و6و7و24 من الظهير الشريف بمثابة قانون المتعلق بالتنظيم القضائي السالف الذكر، وعلى هذا الأساس سنتعرف على التعديلات التي لحقت هذه الفصول.
وهكذا أصبح الفصل الأول من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 388-74-1 المتعلق بالتنظيم القضائي المغربي ينص على ما يلي: " يشمل التنظيم القضائي المحاكم التالية:
المحاكم الابتدائية؛
المحاكم الإدارية؛
المحاكم التجارية؛
محاكم الاستئناف؛
محاكم الاستئناف الإدارية؛
محاكم الاستئناف التجارية؛
المجلس الأعلى.
..."
وبناء على مقتضيات الفصل الأول أعلاه، يتبين أن المشرع المغربي أدخل تغييرا مهمة على تنظيم المحاكم المغربية بإلغاء محاكم الجماعات و المقاطعات المحدثة بمقتضى الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974، والتي كان هدفها الأساسي التخفيف على المحاكم الابتدائية عن طريق منحها النظر في بعض القضايا التي لا تحتاج إلى كل الإجراءات والمساطر التي ينص عليها المشرع بالنسبة للمحاكم الابتدائية من جهة، والمساعد على تقريب القضاء من المتقاضين من جهة أخرى.
وبالرغم من أن محاكم الجماعات و المقاطعات لا تدخل في أي درجة من درجات التقاضي سواء العادية منها أو الاستثنائية ،إلا أنها تدرس إلى جانب محاكم أول(المحاكم الابتدائية) درجة لاتصالهما عن طريق الإحالة.
أما في ما يخص تأليف المحاكم الابتدائية فإن الفصل الثاني من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي أصبح ينص على ما يلي: " تتألف المحاكم الابتدائية من:
رئيس و قضاة وقضاة نواب،
نيابة عامة تتكون من وكيل الملك ونائبه أو عدة نواب،
من كتابة الضبط،
من كتابة النيابة العامة
..."
من خلال مقتضيات الفصل أعلاه يلاحظ أن تأليف المحاكم الابتدائية بقي كما كان سابقا، إلا أن المشرع أدخل بعض الإصلاحات و الإضافات من خلال تقسيم هذه المحاكم بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى أقسام قضاء الأسرة وأقسام قضاء القرب# وغرف مدنية وتجارية وعقارية و اجتماعية وزجرية.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي أبقى على اختصاص قسم قضاء الأسرة التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية و الميراث، و الحالة المدنية و شؤون التوثيق والقاصرين والكفالة، وكل ماله علاقة برعاية و حماية الأسرة، حيث أن التعديل الذي أدخله المشرع على هذا الفصل بتاريخ 03 فبراير 2004# والذي جاء موازيا لصدور مدونة الأسرة، وضع استثناءً إذ منح الاختصاص لأقسام قضاء الأسرة وحدها دون غيرها من الغرف التي تتألف منها المحاكم الابتدائية ،في كل ماله علاقة بالأسرة، سواء كان واردا بالمدونة نفسها شأن الزواج و الطلاق،الأهلية والنيابة الشرعية، والوصايا و المواريث، أو كان واردا بغيرها من النصوص الخاصة، كما هو الحال بالنسبة لكفالة الأطفال المهملين وشؤون القاصرين والتوثيق، والحالة المدنية....
لكن الجديد في هذا الفصل هو إحداث أقسام قضاء القرب و التي أصبحت تنظر في الدعاوى الشخصية والمنقولة التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم باستثناء النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة و العقار والقضايا الاجتماعية و الإفراغات، كما تنظر أيضا في المخالفات المنصوص عليها في القانون المتعلق بقضاء القرب# وتحديد اختصاصاته.
وعليه فإنه يمكن لكل غرفة أن تبحث و تحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة و أقسام قضاء القرب.
كما ينص هذا الفصل على إمكانية تكليف قاض أو أكثر من قضاة هذه المحاكم بمزاولة مهامهم بصفة قارة في مراكز توجد دائرة نفوذها وتحدد بقرار لوزير العدل. و في هذا الصدد نتساءل عن مدى تأثير غياب الاحتكاك و تبادل الخبرات المتوفر داخل أسوار المحكمة في جودة أعمال القاضي المقيم.........................
نفس الفصل أورد مستجدا في غاية الأهمية و هو إمكانية تصنيف المحاكم الابتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى محاكم ابتدائية مدنية و محاكم ابتدائية اجتماعية و ابتدائية زجرية، فأما المحاكم الابتدائية المدنية فتقسم إلى أقسام قضاء القرب وغرف مدنية و غرف تجارية وغرف عقارية، و أما المحاكم الابتدائية الاجتماعية فتقسم إلى أقسام قضاء الأسرة وغرف حوادث الشغل و الأمراض المهنية و غرف نزاعات الشغل، بينما تقسم المحاكم الابتدائية الزجرية إلى أقسام قضاء القرب وغرف جنحية وغرف قضاء الأحداث وغرف حوادث السير. و تتجلى أهمية هذا المستجد في ترسيخ ثقافة التخصص و ما لها من تأثير إيجابي على جودة العمل القضائي لكن تطبيق هذا المقتضى يبدو صعبا في الوقت الراهن لارتباط ذلك بتوفر موارد بشرية و مادية كبيرة.
من المسائل الجديدة أيضا و التي جاء بها تعديل 5 سبتمبر 2011 ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل الثاني من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي التي أوردت ما يلي: " تحدث بالمحاكم الابتدائية بما فيها المصنفة، غرف تسمى غرف الاستينافات تختص بالنظر في بعض الاستينافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عنها ابتدائية"، بمعنى أنه تم إحداث غرف بالمحاكم الابتدائية تختص باستيناف الأحكام التي لا تتجاوز قيمتها عشرون ألف درهم بمعنى أن القضايا التي تتجاوز هذا المبلغ يبقى الاختصاص فيها لمحاكم الاستئناف، ويبدو أن المشرع قد أصاب حين أحدث هذه الغرف وذلك عن طريق تخفيف عمل محاكم الاستئناف وفي هذا ضمانة أكثر لسرعة البث في القضايا الذي ينعكس على سرعة إجراءات الدعاوى#.
وفيما يخص المسطرة أمام المحاكم الابتدائية فإن الفصل الرابع من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي المعدل بمقتضى ظهير 11 نونبر 2003 على ما يلي: " تعقد المحاكم الابتدائية جلساتها بحضور ثلاث قضاة بمن فيهم الرئيس ومساعدة كاتب الضبط مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة في الدعاوى التالية:
دعاوى الأحوال الشخصية و الميراث باستثناء النفقة،
الدعاوى العقارية العينية و المختلطة،
الجنح المعاقب عليها بأكثر من سنتين حبسا و التي يسند قانون المسطرة الجنائية الاختصاص فيها إلى المحاكم الابتدائية.
تعقد هذه المحاكم جلساتها بقاض منفرد ومساعدة كاتب الضبط في باقي القضايا."
وينص الفصل الرابع من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي المعدل بمقتضى قانون رقم 34.10 على ما يلي: " تعقد المحاكم الابتدائية بما فيها المصنفة، جلساتها مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 5 بعده، وكذا الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى نصوص خاصة، بقاض منفرد وبمساعدة كاتب الضبط، ما عدا الدعاوى العقارية العينية و المختلطة وقضايا الأسرة و الميراث، باستثناء النفقة التي يبث فيها بحضور ثلاث قضاة بمن فيهم الرئيس ومساعدة كاتب الضبط.
من خلال ملاحظة الفصل أعلاه و التعديلات التي طرأت عليه يتبين أن صياغة الفصل الرابع تغيرت، حيث أن المشرع المغربي عاد إلى تبني مبدأ القاضي الفرد كقاعدة عامة، رغم حفاظه على مبدأ القضاء الجماعي في بعض القضايا، فتبني مبدأ القاضي الفرد يحقق مصالح و منافع بالنسبة للمتقاضين أهمها السرعة في البت، والبساطة في المسطرة، فضلا عن أن القاضي الفرد وهو يبت في القضايا التي تعرض عليه، يحكم بناء على قناعته خاصة و أنه هو الذي تتبع كافة أطوار النزاع إلى حين الحكم فيه.
ويمكن القول بأن المشرع المغربي أخد بنظامي القضاء الفردي و القضاء الجماعي أمام المحاكم الابتدائية.
وفي ما يخص الاختصاص فإن المشرع المغربي غير الفقرة الثانية من الفصل الخامس من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي بفقرة أخرى و التي تنص مقتضياتها على ما يلي: " تبت هذه المحاكم كدرجة استينافية طبقا للشروط المحددة بمقتضى قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية أو بمقتضى نصوص خاصة. وفي هذه الحالة، تبت وهي مركبة من ثلاثة قضاة بمن فيهم الرئيس و بمساعدة كاتب الضبط."
ودائما في إطار التعديلات الأخيرة التي قام بها المشرع المغربي ( 5 سبتمبر 2011 ) أردف فقرة ثالثة ورابعة إلى الفصل السادس من التنظيم القضائي، وذلك عن طريق إضافة أقسام للجرائم المالية داخل محاكم الاستيناف تعين دوائر نفوذها بمرسوم، وتشتمل هذه الغرف بدورها على غرف للتحقيق و غرف للجنايات و غرف للجنايات الاستينافية ونيابة عامة وكتابة للضبط وكتابة للنيابة العامة.
بقي أن نشير إلى الفصل 24 من التنظيم القضائي باعتباره واحدا من الفصول التي طرأ عليها تعديل (5 سبتمبر 2011) و الذي كان ينص (الفصل 24) قبل هذا التعديل على ما يلي: " لا يمكن للأزواج و الأقارب و الأصهار إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء الأخوة أن يكونوا بأية صفة كانت قضاة في آن واحد بنفس المحكمة عدا في حالة ترخيص يمكن منحه بمرسوم عندما تشتمل المحكمة على أكثر من غرفة واحدة أو إذا كانت المحكمة تعقد جلساتها بقاض منفرد، وبشرط أن لا يكون أحد الأزواج و الأقارب أو الأصهار المشار إليهم أعلاه رئيسا من رؤساء المحكمة.
لا يمكن في أي حال من الأحوال ولو بعد الترخيص المذكور أن ينظر الأزواج و الأقارب المشار إليهم بالمقطع ............في قضية واحدة".
من خلال مقتضيات الفصل أعلاه يتضح أن المشرع غير عبارة "في آن واحد" بعبارة "بنفس المحكمة"، - كما أن الترخيص الذي يمنحهم هذه المكنة - فبعدما كان يمنح بمقتضى مرسوم أصبح يمكن منحه بقرار للمجلس الأعلى للقضاء، و هذا يوضح نية المشرع في رغبته رفع يد وزارة العدل على عمل القضاة.
وأخيرا يمكن الأخذ على المشرع عدم تحيينه و أخذه بالتسمية الجديدة للمجلس الأعلى ألا وهي " المجلس الأعلى للسلطة القضائية " ولعل الأمر كان مجرد سهو، إذ لا يعقل تجاهل المقتضيات التي جاء بها الدستور الجديد و خاصة الباب السابع منه (الفصل 113).
المبحث الثاني: التعديلات المرتبطة بقانون المسطرة الجنائية
أصبح الاقتناع راسخا بتغيير قانون المسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 255-02-1 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق لتاريخ 3 أكتوبر2002 ،كل هذا جاء تماشيا مع المنظومة الجنائية التي يعد هدفها الأساسي هو حماية حقوق وحريات الأفراد وضمان المحاكمة العادلة بجميع مقاييسها لكل فرد داخل المجتمع، وذلك عن طريق إصدار قانون رقم 10-36 # القاضي بتغيير و تتميم القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 255-02-1 الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002، والتي تقضي المادة الأولى منه على تغيير أحكام المواد371 و374و 462 و 470 و 479 و480 و481 و 482 و 483 و484 و489.
تنص مقتضيات المادة 371 من قانون المسطرة الجنائية على أن الرئيس و كاتب الضبط يوقع أصل الحكم أو القرار أو الأمر داخل أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ صدوره، أما في الحالة التي يتعلق الأمر فيها برئيس المحكمة الابتدائية و استحال على القاضي الذي ترأس الجلسة توقيع الحكم أو الأمر، فيجب أن يوقع هذا الأخير خلال الثمانية و أربعين ساعة الموالية لثبوت وجود مانع من طرف رئيس المحكمة.
و الملاحظ هنا أنه بعدما كان رئيس المحكمة هو المختص في توقيع الحكم في الحالة التي يكون صادرا عن القاضي المنفرد، وأقدم القضاة الذين شاركوا في الجلسة بالنسبة للقضاء الجماعي، أصبح رئيس المحكمة وحده المختص سواء كان الحكم صادرا من القاضي المنفرد أو من القضاء الجماعي، وذلك بعد التنصيص الذي يشهد بصحته كاتب الضبط على أن هذا الحكم أو الأمر ضمن كما نطق به القاضي الذي لم يتمكن من التوقيع.
وتنص المادة 374 من ق.م.ج على أن: " تعقد المحكمة جلساتها بقاض منفرد وبحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط.
يترتب البطلان عن الإخلال بهذه المقتضيات".
يلاحظ من خلال المادة أعلاه أن المشرع أسس لمبدأ القضاء الفردي كقاعدة أساسية و ذلك في جميع القضايا التي تهم المخالفات و الجنح التي تختص بالنظر فيها المحاكم الابتدائية.
ودائما في إطار التعديلات التي لحقت مواد قانون المسطرة الجنائية بمقتضى القانون رقم 10-36، فإن المادة 462 أصبحت تنص على أنه مع مراعاة الاختصاصات المخولة لبعض المحاكم بمقتضى نصوص خاصة فإن الهيئات القضائية المكلفة بالأحداث، بالنسبة للمحاكم الابتدائية تتألف من قاضي الأحداث، وقاضي التحقيق للأحداث، وغرفة الاستئنافات للأحداث، وأما بالنسبة لمحكمة الاستئناف فإن المشرع أبقى على نفس الهيئات التي كانت تتألف منها قبل التعديل، و تجدر الإشارة هنا إلى إحداث مؤسسة قاضي التحقيق للأحداث و ذلك تزامنا مع إنشاء غرفة الاستئنافات للأحداث، و يمكن التساؤل هنا على مدى نجاعة مؤسسة قضاء التحقيق للأحداث خاصة أن الممارسة أكدت أن قضاء التحقيق كان سبب تأخير البث في العديد من القضايا.
تنص المادة 470 من ق.م.ج على ما يلي: " إذا ارتأى وكيل الملك ضرورة إجراء تحقيق في القضية، يحيلها إلى قاضي التحقيق المكلف بالأحداث.
تطبق في هذه الحالة، المسطرة المقررة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي، مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في الكتاب الثالث من هذا القانون المتعلق بالقواعد الخاصة بالأحداث.
إذا كانت الجنحة لا تستدعي إجراء تحقيق، أو كان الأمر يتعلق بمخالفة فإن وكيل الملك يحيل القضية على قاضي الأحداث.
إذا تعلق الأمر بمخالفة تطبق مقتضيات المادة 468 أعلاه.
إذا تعلق الأمر بجنحة يمكن لقاضي الأحداث تطبيق مقتضيات المادة 471 بعده عند الإقتضاء.
تبث المحكمة في الجنح تحت طائلة البطلان وهي مكونة من قاضي الأحداث بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط وفقا للمسطرة المقررة في المواد 475 و476 ومن 478 إلى 484 من هذا القانون".
من خلال الإطلاع على مقتضيات المادة 470 أعلاه، يلاحظ أن المشرع كان حريصا هذه المرة على التنصيص صراحة من خلال فقرتين مختلفتين على حالات الإحالة إلى قضاء التحقيق حيث أن الفقرة الثانية من المادة 470 من ق.م.ج، تحيل على المادة 468 ( المتعلقة بالمخالفات)، والفقرة الثالثة تحيل على المادة 471 ( المتعلقة بالجنح)، بعد أن كان هناك غموض في نفس المادة قبل التعديل.
بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع من خلال الفقرة الأولى من نفس المادة، بعد أن كان وكيل الملك في حال وجود ضرورة لإجراء تحقيق في القضية يحيلها على قاضي الأحداث، أصبح يحيل نفس القضية على قاضي التحقيق المكلف بالأحداث.
كان هذا فيما يخص المادة 471 أما في ما يخص المادة 479 من ق.م.ج ،فإن الفقرة الأخيرة منها كانت تعطي الحق لرئيس غرفة الأحداث أن يأمر في كل وقت بانسحاب الحدث من البحث و المناقشات كليا أو جزئيا، و يصدر الحكم بمحضره ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك، الشيء الذي تغير من خلال التعديل الأخير الذي طال هذه المادة ، حيث أصبح الأمر من اختصاص المحكمة ( هيأة الحكم).
هذا ما أردف عليه المشرع من خلال مقتضيات المادة 480 من ق.م.ج، الذي تمنح الحق للمحكمة أن تصرح ببراءة الحدث إذا تبين لها ذلك من خلال المناقشات، وكذلك الأمر إذا كانت مصلحة الحدث تقتضي ذلك بأن تطبق في حقه مقتضيات المواد 510 إلى 517، بمعنى أن هذه الإجراءات بعدما كانت من اختصاص غرفة الأحداث أصبحت المحكمة هي المختصة، كما يمكن للمحكمة كذلك أن تتخذ في شأن الحدث واحدا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481، بعد أن كانت غرفة الأحداث هي المختصة، نفس الملاحظة بالنسبة للمادتين 483 و 484 اللتان خولتا الاختصاص لمحكمة الأحداث عوض غرفة الأحداث بالنسبة للإجراءات الواجب اتخاذها بمقتضى المادتين السالفتين الذكر.
وتنص مقتضيات المادة 489 من ق.م.ج على أن غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث تتكون، تحت طائلة البطلان، من مستشار للأحداث بصفته رئيسا ومن مستشارين اثنين، و تعقد جلساتها بحضور ممثل للنيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط، وتختص بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية - بدل غرفة الأحداث أو عن قاضي الأحداث وفقا للفقرة الرابعة من المادة 470 من ق.م.ج – في قضايا الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، ما عدا تلك المنصوص عليها في المادة 484 من ق.م.ج.
كان هذا في ما يخص المادة الأولى من القانون رقم 10-36 ،أما المادة الثانية فقد جاءت متممة لأحكام المادة 253 من القانون المذكور أعلاه رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية و ذلك من خلال إضافة فقرة ثالثة، وعليه و استثناء من أحكام الفقرة الأولى من المادة 253 من ق.م.ج تختص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في قضايا المخالفات المشار إليها في المادة 396 من نفس القانون، وفي القضايا الجنحية التي لا تتجاوز عقوبتها سنتين حبسا و غرامة أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.
أما المادة الثالثة من القانون رقم 10-36 فهي تضيف إلى القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية المواد 1-260 و 1-413 و 1-484.
تنص المادة 1-260 من ق.م.ج على ما يلي: " استثناء من قواعد الاختصاص المنصوص عليها في هذا الفرع تختص أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف المحددة والمعينة دوائر نفوذها بمرسوم، بالنظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول241 إلى 256 من القانون الجنائي و كذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها"، و تجدر الإشارة هنا أنه تم بالفعل إحداث أقطاب مالية في أربعة محاكم استيناف وهي (الرباط، الدار البيضاء، فاس و مراكش)، وهذه الأقطاب المالية ستكون متخصصة في جرائم الفساد المالي إذ تضم نيابة عامة متخصصة و قضاء حكم متخصص ابتدائيا و استئنافيا#.
و تنص المادة 1-413 من ق.م.ج على ما يلي: " إذا تبين أن للفعل وصف جناية، أو جنحة تتجاوز العقوبة المقررة لها سنتين حبسا، فإن غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية تصرح بعدم اختصاصها، و تجري المسطرة المقررة في المادة 390 من هذا القانون".
و من حيث تكوين غرفة الاستئنافات للأحداث نصت المادة 1-484 من ق.م.ج على ما يلي: " تتكون غرفة الاستئنافات للأحداث لدى المحكمة الابتدائية تحت طائلة البطلان، من قاض للأحداث بصفته رئيسا، ومن قاضيين اثنين، و تعقد جلساتها بحضور ممثل للنيابة العامة و مساعدة كاتب الضبط.
تختص هذه الغرفة بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكمة الابتدائية في قضايا الأحداث إذا كانت العقوبة المقررة لها تعادل أو تقل عن سنتين حبسا و غرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
تطبق أمام غرفة الاستئنافات للأحداث، الأحكام المتعلقة بالاستئناف المنصوص عليها في القانون".
أما المادة الرابعة من القانون رقم 10-36 فهي تضيف إلى القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية تضيف الفرع السادس المتعلق بغرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية، حيث اهتمت المادة 1-415 منه بتكوين هذه الغرفة فنصت على ما يلي: " تعقد غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية جلساتها وهي مكونة من رئيس و قاضيين بحضور ممثل للنيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط".
وفيما يتعلق بالمسطرة أمام غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية فهي نفس المسطرة المطبقة أمام محكمة الاستئناف، حيث نصت المادة 2-415 من ق.م.ج على ما يلي: " تطبق مقتضيات الفرع الخامس من هذا الباب على الاستئنافات المقدمة أمام غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية وفقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 253 أعلاه".
بقي لنا الإشارة إلى المادة الخامسة من القانون رقم 10-36 التي تقضي بحذف عنوان الباب الثالث (غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية) من القسم الثاني من الكتاب الثالث من القانون المذكور أعلاه رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية و المادة 477 من نفس القانون و التي كانت تبين كيفية تكوين غرفة الأحداث.
المبحث الثالث: التعديلات المرتبطة بقانون المسطرة المدنية
يميز عادة في القانون المدني بين القانون الموضوعي و القانون المسطري أو الشكلي أو الإجرائي، فإذا كان الأول هو مجموع القواعد التي تبين حقوق و التزامات الأفراد في المجتمع على مستوى العلاقات المالية وعلى مستوى الأسرة، فإن الثاني يراد به تلك القواعد القانونية التي تهدف إلى تحديد الإجراءات التي ينبغي اتباعها لحماية الحقوق و الوفاء بالالتزامات على المستويين المذكورين، هذا الأخير عرف و يعرف مجموعة من التعديلات مواكبة للتطورات التي تصاحبها القوانين المسطرية، كان آخرها قانون رقم 10-35 (ظهير شريف رقم 148-11-1 صادر في 16 رمضان 1432 الموافق لتاريخ 17 سبتمبر 2011) القاضي بتغيير و تتميم قانون المسطرة المدنية (كما صادق عليه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 447-74-1)، و قانون رقم 11-33 القاضي بتعديل الفصول (32و37و38و39و63و431) من قانون المسطرة المدنية، هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه للتعرف أكثر على التعديلات التي طالت هذا القانون (المسطرة المدنية).
تنص مقتضيات الفصل 18 من ق.م.م على أن المحاكم الابتدائية تختص بالنظر في جميع القضايا المدنية، و قضايا الأسرة و التجارية و الإدارية و الاجتماعية، وذلك مع مراعاة الاختصاصات المخولة إلى أقسام قضاء القرب.
يتبين أن المحاكم الابتدائية هي صاحبة الولاية العامة للنظر في كافة القضايا ما لم يكن هناك نص صريح يمنح الاختصاص لمحكمة أخرى، كما هو الشأن بالنسبة للقضايا التجارية و الإدارية التي تنظر فيها المحاكم التجارية و الإدارية و التي أصبحت صاحبة الولاية في هذا النوع من النزاعات.
إن المحاكم الابتدائية تنظر أيضا في بعض القضايا الأخرى على الرغم من وجود نص خاص ينظم أحكامها، كما هو الحال بالنسبة لمادة الصحافة و مادة الجمعيات، و يعد هذا التمديد نقطة ايجابية تحسب لتشريعنا المغربي لأنه يخفف على الأقل من حيرة المتقاضين في اختيار المحكمة المختصة في هذا النوع من القضايا.
و تختص المحاكم الابتدائية ابتدائيا مع حفظ حق الاستيناف أمام غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية، إلى غاية 20.000 درهم، و تختص كذلك ابتدائيا مع حفظ حق الاستيناف أمام المحاكم الاستئنافية في جميع الطلبات التي تتجاوز 20.000 درهم، يبت ابتدائيا إذا كانت قيمة النزاع غير محددة مع حفظ حق الاستيناف أمام المحاكم الاستئنافية وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 19 من ق.م.م، بمعنى أن هذا الفصل يتعلق بتحديد الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية ويبين الحدود التي تفصل فيها، فإذا كانت القضية لا تتجاوز 20.000 درهم يمكن أن تستأنف أمام غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية، أما إذا كانت تتجاوز هذا المبلغ أو كان غير محدد فيمكن أن تستأنف أمام المحاكم الاستئنافية، لكن ما يلاحظ هنا هو غياب التنصيص على القضايا التي بإمكان المحاكم الابتدائية النظر فيها ابتدائيا و انتهائيا# مما سيشكل إثقالا لكاهل غرف الاستينافات، و يتضح أيضا من خلال مقتضيات الفصل 19 أن المشرع رفع من قيمة القضايا المعروضة على المحاكم الابتدائية من ثلاثة آلاف درهم إلى 20.000 درهم.
بالنسبة لمقاضيات الفرع الثاني المتعلق باختصاصات محاكم الاستيناف و غرف الاستينافات فقد قام المشرع بتحيين الفصول 24، 45، 134، 141، 142، 145، 146، 162 مكرر، 281، 287، 288 و 298 و ذلك بالأخد بعين الاعتبار غرفة الاستينافات كدرجة استينافية وملائمة اختصاصاتها بالدور المنوط بها.
لذلك ففي ما يخص اختصاص محاكم الاستئناف و غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية، تنص مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 24 من ق.م.م على أن غرفة الاستينافات بالمحاكم الابتدائية تختص بالنظر في الاستينافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في إطار البند الأول من الفصل 19 أعلاه.
ونظرا لإضافة المشرع المغربي ( قانون رقم 10-35 )، لغرفة الاستينافات بالمحاكم الابتدائية فقد تمت إضافتها أيضا إلى الفقرة الأولى من الفصل 45 من ق.م.م إلى جانب المحاكم الابتدائية.
أيضا يجب على كتابة الضبط المحكمة الابتدائية أن ترفع مقال استيناف الأحكام الصادرة في قضايا الأسرة مع المستندات المرفقة إلى كتابة ضبط المحكمة المرفوع إليها الاستيناف خلال أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الاستيناف ( الفصل 134 ق.م.م)، فبعد ما كانت كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية ترفع مقال استيناف الأحكام الصادرة في قضايا الأسرة إلى محاكم الاستيناف، أصبحت ترفع الأمر إلى غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية إلى جانب هذه الأخيرة - محاكم الاستيناف - طبقا للشروط المحددة قانونا.
ويثبت وضع مقال الاستئناف بكتابة الضبط في سجل خاص ويوجه مع المستندات المرفقة به دون مصاريف حسب الأحوال إلى غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية إذا كان الحكم ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف دون أن تتجاوز مبلغ 20.000 درهم، و إلى كتابة ضبط محكمة الاستيناف المختصة إذا كان الحكم يدخل في نطاق أحكام البندين الثاني و الثالث من الفصل 19 من ق.م.م، طبقا لما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 141 من ق.م.م.
كما أنه إذا لم تقدم أية نسخة أو كان عدد النسخ غير مساو للأطراف تطلب كتابة الضبط من المستأنف أن يدلي بهذه النسخ داخل عشرة أيام و يدرج رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستيناف القضية بعد مرور الأجل في الجلسة التي يعينها و تصدر المحكمة المرفوع إليها الاستيناف حكما أو قرارا بالتشطيب ( الفقرة الثالثة من الفصل 142 من ق.م.م)، فنظرا لإحداث غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية فقد أصبح يحق لرئيس المحكمة الابتدائية أن يقوم بهذا الإجراء إلى جانب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.
وفيما يخص الأحكام الملغاة من طرف غرفة الاستينافات بالمحاكم الابتدائية، فإن هذه الأخيرة هي التي تنفذها، و عند إلغائه من طرف محكمة الاستئناف ينفذ من قبلها أو من المحكمة التي تعينها لذلك ما لم ترد في القانون مقتضيات خاصة تعين محكمة أخرى ( الفقرة الثانية من الفصل 145 من ق.م.م)، وفي حالة إذا أبطلت أو ألغت غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف الحكم المطعون فيه وجب عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبت فيها ( الفصل 146 من ق.م.م).
من جهة أخرى ينص الفصل 281 من ق.م.م على ما يلي: " لا يمكن في حالة إصدار أمر بإنجاز خبرة طبية من طرف المحكمة الابتدائية أو غرفة الاستينافات بها أو محكمة الاستئناف أن يكون الخبير- عدا إذا وافق على ذلك الطرف المعني بالأمر- الطبيب الذي عالج الشخص المذكور ولا طبيب المشغل المنخرط فيها المشغل ولا الطبيب الملحق بالمؤسسة أو شركة التأمين المنخرط فيها المشغل ولا طبيب صندوق الضمان الاجتماعي. ويجب أن يضع الخبير تقريره داخل أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ تبليغ الأمر أو القرار المتعلق بإجراء الخبرة"
بالنسبة لاستدعاءات كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية أو كتابة الضبط بمحكمة الاستيناف باستدعاء الأطراف عند الاقتضاء والشهود طبقا لمقتضيات الفصل 274 من ق.م.م ( الفقرة الثانية من الفصل 287 من ق.م.م).
و يمكن الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة انتهائيا من طرف القاضي في القضايا الاجتماعية وكذا القرارات الصادرة عن غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية أو عن محكمة الاستيناف طبق المسطرة العادية ( الفصل 288 من ق.م.م).
فيما يخص التجريح، ينص الفصل 298 من ق.م.م على ما يلي: " يجب على كل قاض يعلم بوجود أحد أسباب التجريح المحددة في الفصل 295 أو أي سبب آخر لتنحيته بينه وبين أحد الأطراف أن يصرح بذلك:
لرئيس المحكمة الابتدائية إذا تعلق الأمر بقاض من هذه المحكمة أو قاض بغرفة الاستينافات بها،
للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إذا تعلق الأمر برئيس المحكمة الابتدائية،
...."
كان هذا كل ما يتعلق بالتعديل الذي طال النصوص المرتبطة باختصاص المحاكم الابتدائية وغرف الاستيناف بها، أما في ما يخص المسطرة داخلهما فقد طالت نصوصها هي الأخرى مجموعة من التعديلات جاءت كما يلي :
ينص الفصل 328 من ق.م.م على ما يلي: " تودع مقالات الاستيناف وفقا لمقتضيات الفصلين 141 و142 و تسلم دون تأخير إلى كتابة ضبط المحكمة المرفوع إليها الاستيناف حيث تقيد مع الملف و النسخ المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل 142 وتطبق مقتضيات الفقرة الأخيرة من هذا الفصل".
وتنص مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 329 من ق.م.م يعين رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستيناف مستشارا مقررا يسلم إليه الملف في ظرف أربع و عشرين ساعة.
يجب على كل طرف يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة المرفوع إليها الاستيناف (سواء تعلق الأمر بمحكمة الاستئناف أو بغرفة الاستيناف داخل المحاكم الابتدائية) أن يعين موطنا مختارا في مكان مقرها، ويجب أن يتضمن كل تبليغ إلى شخص لم يدخل بعد في الدعوى عند الإقتضاء تنبيها بتعيين موطن مختار (الفقرة الأولى من الفصل 330 من ق.م.م).
تودع مذكرات الدفاع و كذلك الردود وكل المذكرات و المستنتجات الأخرى في كتابة ضبط المحكمة المرفوع إليها الاستيناف ويجب أن يكون عدد نسخها مساويا لعدد الأطراف (الفصل 332 من ق.م.م).
وتأمر المحكمة المرفوع إليها الاستيناف عند تقديم المستأنف عليه مستنتجاته بإرجاع القضية إلى المستشار المقرر إلا إذا اعتبرت القضية جاهزة للمحكم (الفصل 333 ).
ويلاحظ من خلال الفصول المبينة أعلاه وفصول أخرى (334و 335و336 من ق.م.م) أن المشرع كان حريصا على التأكيد على وجود غرفة الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية و اختصاصها إلى جانب المحاكم الاستئنافية في أغلب الاجراءات سواء تعلق الأمر بالإختصاص أو بالمسطرة وفي جميع المراحل الاستئنافية، الشيء الذي يطرح السؤال التالي : هل تعد غرفة الاستئناف بالحكمة الابتدائية درجة ثانية من درجات التقاضي إلى جانب محكمة الاستئناف؟
بقي أن نشير إلى التعديلات التي لحقت فصول الباب الثاني من قانون المسطرة المدنية المرتبطة بقرارات محاكم الاستيناف و غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية.
ينص الفصل 337 من ق.م.م على ما يلي: " يهيء رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول كل جلسة علنية ويبلغ إلى النيابة العامة، ويعلق بباب قاعة الجلسات"
وللرئيس حفظ نظام الجلسة و تطبق أمام المحكمة المرفوع إليها الاستيناف مقتضيات الفصل 43 من ق.م.م طبقا لما جاء في الفصل 340، و المقصود بالمحكمة هنا غرفة الاستيناف الابتدائية أو محكمة الاستيناف كل واحدة حسب اختصاصها القيمي.
كما أنه إذا صدرت من المحامين أقوال تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا تحرر المحكمة محضرا بذلك و تحيله على النقيب و على الوكيل العام للملك لاتخاذ الإجراء اللازم في حقه، طبقا لمقتضيات الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية، بمعنى أن المشرع المغربي كان صارما مع المحامين الذي يمكن أن تصدر منهم أقوال مشينة من خلال المحضر الذي تحرره المحكمة (سواء تعلق الأمر بغرفة الاستيناف الابتدائية أو محكمة الاستيناف) و يحال على النقيب و على الوكيل العام للملك، فهذا يبين أن مهنة المحاماة التي يجب أن يمثلها أناس أكفاء ليس فقط على المستوى العلمي بل أيضا على المستوى الأخلاقي الذي يعكس صورة المحامين الذين يعتبرون جناح للعدالة إلى جانب القضاة و باقي المتدخلين.
و من ناحية التكوين فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 345 من ق.م.م على ما يلي: " تنعقد الجلسات و تصدر قرارات غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية و محاكم الاستيناف من ثلاث قضاة بما فيهم الرئيس "، يتبين من خلال هذه الفقرة أن المشرع جاء ليؤكد على التشكيلة الجماعية للهيئة القضائية التي يجب أن تتكون من ثلاث قضاة بمن فيهم الرئيس في كل الأحكام القابلة للاستئناف و التي تكون سواء أمام غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية أو محاكم الاستيناف.
من جهة أخرى ينص الفصل 346 من ق.م.م على ما يلي: " يحفظ في كتابة الضبط أصل القرار لكل قضية مع المراسلات و المستندات المتعلقة بالتحقيق، وتسلم المستندات لأصحابها مقابل وصل ما لم تقرر غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستيناف بغرفة المشورة إبقاء بعضها بملف القضية"، وتطبق أمام المحكمة المرفوع إليها الاستيناف مقتضيات الفصل 147 المتعلقة بالتنفيذ المعجل رغم التعرض ( الفصل 347 من ق.م.م).
من خلال الإطلاع على النصوص أعلاه و النصوص الأخرى ( 350و 351و 352 ) التي تبين قرارات محاكم الاستيناف و غرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية و محاكم الاستيناف، يمكن تسجيل نفس الملاحظة المتعلقة بالاختصاص و المسطرة، فغرف الاستينافات بالمحاكم الابتدائية تقوم بنفس الإجراءات التي تقوم بها محاكم الاستيناف.
كان هذا كل ما يهم التعديلات المتعلقة بقانون رقم 10-35 القاضي بتغيير و تتميم نصوص قانون المسطرة المدنية، أما في ما يخص قانون رقم 11-33 القاضي بتعديل الفصول ( 32 و37 و 38 و39 و 63 و431) من قانون المسطرة المدنية فقد جاءت التعديلات كما يلي:
ينص الفصل 32 من قانون م.م على ما يلي: " يطلب القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية عند الاقتضاء تحديد البيانات غير التامة أو التي تم إغفالها، كما يطلب الإدلاء بنسخ المقال الكافية و ذلك داخل أجل يحدده، تحت طائلة الحكم بعدم قبول الطلب".
من خلال مقتضيات الفصل 32 أعلاه يظهر أن المشرع كان واضحا في هذه النقطة، إذ يمكن لهذا الأخير- القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية - إضافة إلى طلبه تحديد البيانات وفق للشكليات المنصوص عليها قانونا، أن يطلب الإدلاء بنسخ المقال الكافية، ويعطي القاضي مهلة للمدعي لإتمام ما ينقصه من بيانات و إلا حكم بعدم القبول.
من ناحية أخرى أوجب المشرع المغربي شكليات و طرق أخرى بغية التخفيف من صعوبات التبليغ.
فإذا كان المرسل إليه يقيم خارج المغرب، يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية أو بواسطة البريد المضمون، عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك، وفق ما ينص عليه الفصل 37 من ق.م.م الذي أصبح يعتد بالتبليغ عن طريق البريد المضمون، شرط ألا يتناقض ذلك مع ما تقضي به الاتفاقات الدولية.
كما ينص الفصل 38 من ق.م.م على ما يلي: " يسلم الاستدعاء والوثائق إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو في محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار"، فبعدما كان تسليم الاستدعاء والوثائق يكون إما للشخص نفسه أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه، نص المشرع على التسليم في الموطن دون التحديد بدقة للمتسلم و هكذا أصبح التبليغ صحيحا إذا تم تسليم الاستدعاء في موطن الشخص بغض النظر عن الشخص المسلم له، كما أصبح بالإمكان أن يتم هذا التسليم إضافة لما سبق في أي مكان آخر يوجد فيه الشخص المعني بالإضافة إلى إمكانية التبليغ في المكان المختار، الشيء الذي يوسع دائرة التبليغ أكثر فأكثر بشكل يساعد ما أمكن في توصل الشخص المعني بشكل سليم و بالتالي مواجهة الصعوبات التي تعرقل التبليغ و التسليم بشكل سليم.
ولضمان أن يتم التبليغ بجميع الطرق المتاحة، فقد أضاف المشرع إمكانية الإلصاق و ذلك من خلال الفقرة الثانية من الفصل 39 من ق.م.م التي نصت على ما يلي : " ففي الحالة التي يتعذر على المكلف بالتبليغ أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو في محل إقامته ألصق في الحين إشعارا بذلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ و أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر".
من ناحية أخرى، أوجب المشرع على الخبير تحت طائلة البطلان، أن يستدعي الأطراف ووكلائهم لحضور انجاز الخبرة، مع إمكانية استعانة الأطراف بأي شخص يرون فائدة في حضوره ( الفقرة الأولى من الفصل 63 ق.م.م).
ولعل آخر إضافة قام بها المشرع المغربي من خلال القانون رقم 11-33 تلك المنصبة على إضافة فقرة أخيرة إلى الفصل 431 من ق.م.م التي تقضي بأن الحكم القاضي بمنح الصيغة التنفيذية في قضايا انحلال ميثاق الزوجية يكون غير قابل للطعن، ما عدا من لدن النيابة العامة هذه الأخيرة التي أصبح لها دور مهم في هذا النوع من القضايا.
سميرة الراجب
الماستر المتخصص:المستشار القانوني للمقاولات كليةٌ الحقوق مراكش