جرائم البورصة في التشريع المغربي
الخاميس فاضلي
محامي متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء
باحث في قانون الأعمال
مقدمة:
تعتبر السوق المالية إحدى المقومات الأساسية المعاصرة لمعرفة مدى تطور الدولة، وازدهار اقتصادها، بالإضافة إلى أن لها دور كبير في تحريك إستراتيجية الاستثمارات بمختلف أنواعها المباشرة وغير المباشرة عن طريق تعبئة الادخار الحر وتوفير مصادر للتمويل طويلة الأمد، فبواسطة البورصة يستطيع كل الفاعلين الاقتصاديين الاستفادة من كل ما توفره من مؤهلات، وكذلك تمكين طالبي التمويل من تحقيق حاجاتهم التمويلية، والمدخرين من تنويع أدوات الادخار ذات المردودية العالية والآمنة .
وتلعب الأسواق المالية أهمية بالغة نظراً للدور المتميز الذي تقوم به فهي تمثل حلقة من حلقات تطور النظام الاقتصادي لأي دولة، حيث أنها أصبحت أمراً ضروريا ورهاناً أساسيا لا يمكن التراجع عنه في ظل التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية، ولهذا فقد عملت كل التشريعات على تنظيم هذه الأسواق ووضع الوسائل القانونية الكفيلة بحمايتها وتحقيق نموها.
مدخل عام : حول تطور قوانين السوق المالية ومعها المقتضيات الجنائية:
عرف المغرب سوقا مالية منذ زمن طويل وتحديداً منذ 07 نوفمبر 1929 حيث تم إحداث مكتب المقاصة في القيم المنقولة ، وذلك بمبادرة من البنوك الخاصة التي كانت تعقد جلسات دورية لتبادل القيم المنقولة لحساب الزبناء، خصوصا المستثمرين الأجانب .
وبعد حصوله على الاستقلال قامت الدولة بإنشاء سوق منظمة للتعامل في القيم المنقولة هدفها تمكين الدولة من إيجاد وسيلة لتغذية الميزانية العامة، وكذا من أجل تسهيل الاتصال بين المدخرين، حيث صدر المرسوم الملكي المعتبر بمثابة قانون متعلق ببورصة القيم بتاريخ 14 نوفمبر 1967 تلاه المرسوم الملكي في 15 نوفمبر 1967 متعلق بتنظيم وسير بورصة القيم.
والمشرع المغربي مواكبة لمتطلبات الإقتصاد الوطني، وللإكراهات الدولية، ونظراً للقصور الذي اعترى التنظيمين التشريعيين المذكورين، قام بإعادة تنظيم شامل، وهيكلة كبرى للسوق المالي بإصداره لمجموعة من القوانين سنة 1993 وهي:
أ) الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.211 صادر في (21 سبتمبر 1993) يتعلق ببورصة القيم، ولعل أبرز المستجدات التي أتى بها هذا القانون هو إحداثه لنظام الشركة المسيرة للبورصة التي هي عبارة عن شركة مساهمة ذات امتياز في إدارة بورصة القيم، حيث أنه لم تعد بورصة القيم مؤسسة العمومية كما كان عليه الحال في ظل المرسوم الملكي 14 يونيو 1967 ، بالإضافة إلى إحداثه لشركات البورصة التي منحها حق إحتكار إبرام المعاملات المتعلقة بالقيم المنقولة المقيدة في جدول أسعار البورصة .
وكذلك من أبرز مستجداته تخصيصه للفصل الثاني من الباب الخامس المواد من 72 إلى 80 للعقوبات الجنائية (9 مواد) ، وهذا في نظرنا ثورة تشريعية جنائية كبرى على المرسوم الملكي الذي لم يأتي إلا بفصل جنائي وحيد (هو الفصل 26) الذي كان يعاقب فيه الأشخاص الذين يزاولون بصفة غير قانونية وسيطا للبورصة .
ب) أما الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 121.93.2 صادر في (21 سبتمبر 1993) يتعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها، فقد أحدث مجلس القيم المنقولة الذي يعتبر بمثابة الدركي الذي يراقب كل العمليات التي تتم في البورصة، ومنحه كذلك سلطات في مراقبة المعلومات، وزوده بسلطات تأديبية هامة.
وخصص هذا القانون الباب الرابع منه لإثبات المخالفات والمعاقبة عليها المواد من 24 إلى 35، حيث تضمن هذا الباب عقوبات جنائية لمجموعة من الجرائم التي قد يترتكبها مختلف الفاعلين في السوق المالي.
ج) بالإضافة إلى الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.213 صادر في 4 ربيع الآخر 1414 (21 سبتمبر 1993) المتعلق بهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة.
ثم بعد ذلك وبتاريخ 9 يناير 1997 صدر القانون رقم 96-34 المغير والمتمم للقانون رقم 211-93-1 المتعلق ببورصة القيم، هذا القانون الذي أضاف المادتين 75 مكررة و75-3، وغير وتمم المواد 73 و75 من قانون البورصة، حيث عاقب على أفعال لم يكن منصوص عليها قبل التعديل المذكور .
وقد عرفت قوانين السوق المالية السالفة الذكر تعديلات بتاريخ 21 أبريل 2004 حيث أنها غيرت وتممت ونسخت بعض مقتضياتها سواء في الشق التنظيمي أو في الشق الجنائي، هذا الأخير التي سنحاول الإشارة إليه بإختصار مادمنا سنتطرق له في عند تحليلنا لكل جريمة على حدا:
أ) القانون رقم 52.01 الصادر بتاريخ 21 أبريل 2004 القاضي بتغيير وتتميم ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 1.93.211 صادر في (21 سبتمبر 1993) يتعلق ببورصة القيم ، من أبرز ما جاء به فيما يتعلق بالمقتتضيات الجنائية (الباب الخامس) هو إضافته لنص المادة 80 المكررة، وتتميمه وتغييره للمواد 70 (الفقرة الأولى) و 75 و76 و78و80 من القانون رقم 211-93-1.
ب) القانون رقم 23.01 القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 121.93.2 الصادر في (21 سبتمبر 1993) المتعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها ، هذا القانون أتى بتعديلات جوهرية مست كل مقتضات القانون المذكور، وأبرزها توسيع من نطاق اختصاصات مجلس القيم المنقولة، في مجال الرقابة ، وفي البحث عن المخالفات لأحكام القانون، وكذا تم توسيع سلطات المجلس في توقيع العقوبات التأديبية، هذه التعديلات سمحت له بلعب الدور الأساسي الفعَّال المنوط به، حيث تم إعطائه سلطات كبرى داخل السوق المالي توازي تلك المعطاة للبنك المغرب في إطار السوق النقدي.
ومن أهم التعديلات التي لحقت الباب المتعلق بالعقوبات ، نجد المادة 25-1 عاقبت كل شخص يطلع الغير على معلومات متميزة، ثم 28-1 التي عاقبت كل شخص لم يقم بإيداع المبلغ المحدد من طرف القاضي طبقا للمادة 25-3 من القانون المذكور، 33-1 التي عاقبت الأشخاص الذي يرفضون دفع العقوبات المالية التي يصدرها مجلس القيم المنقولة..
ج) القانون رقم 53.01 القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.213 صادر في (21 سبتمبر 1993) المتعلق بهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة.
الذي يمكن أن نقوله أن تعديلات 2004 كان لها وقع خاص على السوق المالي المغربي، الشيء الذي جعله يتوفر على ترسانة تشريعية –جنائية- تشكل الضمانة الوحيدة الفعالة لتشجيع الاستثمار وبعث الثقة في نفوس المستثمرين .
هذا بالإضافة إلى عدة قررات وزارية وتنظيمية ودوريات، فأصبح المغرب يتوفر بذلك على ترسانة قانونية مهمة خلقت مجموعة من المتدخلين والفاعلين في السوق المالية من أجل تفعيله وجعله أداة نشيطة في خلق اقتصاد دينامكي ، قادرة على تلبية حاجيات الاقتصاد الوطني التمويلية.
داخل هذا الإطار القانوني الكبير يعيش العديد من الفاعلين حيث نجد إلى جانب كل من الشركة المسيرة لبورصة التي تسهر على إدارة بورصة القيم ، وكذا وسطاء البورصة –شركات البورصة-، ومجلس القيم المنقولة، وهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة، نجد الوديع المركزي (Maroclear) ، وكذلك فاعلين آخرين مهنيين كما هو الحال بالجمعية المهنية للشركات البورصة .
إشكالية الموضوع:
إذا كان المشرع المغربي بإصداره لترسانة تشريعية كبرى لتنطيم السوق المالية، قد أسس لقانون جنائي للبورصة فماهي إذن أبرز ملامح هذا القانون، وماهي أهم الجرائم التي حظيت بالتنظيم؟ وهل ساهمت التعديلات اللاحقة لقوانين السوق المالية في تطور سياسة التجريم والعقاب في السو ق المالي المغربي؟
تأسيسا على ماسبق، ومن خلال هذه الإشكاليات الكبرى، وأخرى متفرعة عنها، ارتأينا تقسيم الموضوع كما يلي:
الفصل الأول : جرائم متعلقة بالوساطة والاستغلال التعسفي للمعلومات المهنية
الفصل الثاني : الجرائم المرتبطة بتنظيم السوق و مراقبة مجلس القيم المنقولة للمعلومات.
الفصل الأول : جرائم متعلقة بالوساطة والاستغلال التعسفي للمعلومات المهنية
يعرف السوق المالي تدخل مجموعة من الفاعلين سواء تعلق بالقائمين بالوساطة داخل السوق من جهة أولى أو الشركات المسعرة في البورصة والمستثمرين والمكتتبين من جهة ثانية، وقد جرَّم المشرع العديد من الأفعال التي قد يقوم بها الأشخاص مخالفين بذلك نظام الاحتكار المعمول به في البورصة، وكذا الجرائم التي تتعلق باستغلال المعلومات المهنية التي لها تأثير على السير المنتظم للسوق.
بناءا عليه، سنحاول التعرض في هذا الفصل جرائم وسطاء البورصة (المبحث الأول) ثم الاستعمال التعسفي للمعلومات المهنية (المبحث الثاني).
المبحث الأول : جرائم وسطاء البورصة
سنتطرق في هذا المبحث لجريمة القيام بأعمال الوساطة دون رخصة اعتماد (المطلب الأول ) ، ثم لجريمة القيام بأعمال الوساطة رغم قيام حالات المنع (المطلب الثاني) وأخيراً لجريمة القيام بأعمال الوساطة رغم حالات التنافي (المطلب الثالث).
المطلب الأول : القيام بأعمال الوساطة دون رخصة اعتماد
جاء القانون المتعلق ببورصة القيم لسنة 1993 بمستجدات منها منح الشركة المسيرة للبورصة حقا استئثاريا في تنظيم السوق كما نص على أن القيام بعمليات داخل السوق المالي، لا بد أن تمر عبر شركات الوساطة بالبورصة.
وعليه، ولقيام شركات البورصة بعمليات داخل السوق المالي، لابد أن تكون حاصلة على رخصة الاعتماد من قبل وزير المالية بعد أخذ رأي مجلس القيم المنقولة.
وقد نص المشرع المغربي على مخالفة هذا المقتضى في المادتين 72 و73 من قانون البورصة، حيث نجد أن المادة 72 تنص على يلي:« يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنة وبغرامة من 5000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص عامل لحسابه الخاص او لحساب الغير يستعمل بغير حق اسما تجاريا أو عنوانا تجاريا او إعلانا وبصفة عامة أي عبارة يفهم منها انه معتمد كشركة بورصة أو تحدث في أذهان الجمهور التباسا حول مزاولة نشاطه بصورة قانونية ».
ونصت المادة 73 على ما يلي : « يعاقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 50.000 الى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص عامل لحسابه الخاص أو لحساب شخص طبيعي آخر أو شخص معنوي غير معتمد بصورة قانونية كشركة بورصة يقوم اعتياديا بالعمليات المحددة في المادة 35 أعلاه».
ويتكون العنصر المادي في جريمة المساس بنظام الوساطة باستعمال الوسائل المنصوص عليه في المادة 72 وهي استعمال اسم تجاري أو عنوان تجاري أو إعلان أو أي عبارة يفهم منها أن هذا الشخص معتمد كشركة بورصة، غير أن الأمر خلاف ذلك.
وتعد هذه الجريمة من الجرائم الاعتيادية، حيث تفرض القيام بالعديد من العمليات المتشابهة، فالاعتياد عنصر ضروري لقيام الجريمة، حيث يكفي إبرام هذه العمليات مرتين دون الحصول على الرخصة المطلوبة لقيام الجريمة .
ولا تتطلب هذه الجريمة حتى تتم المعقبة عليها قصدا جنائيا لدى الشخص مخالف نظام احتكار الوساطة، فالأمر يتعلق إذن بجريمة عمدية تنشأ بمجرد خطأ يمكن ارتكابه .
المطلب الثاني: القيام بأعمال الوساطة رغم قيام حالات المنع
حماية للعملاء والمدخرين في السوق المالي، نص المشرع في المادة 77 من قانون البورصة على عدم مخافة الموانع المنصوص عليها في المادة 56 من نفس القانون .
نصت المادة 77 على ما يلي: « يعاقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، كل شخص يخالف الموانع المنصوص عليها في المادة 56 من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون ».
وبالرجوع إلى المادة 56 نجدها تنص على ما يلي: « لا يجوز تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون لأي شخص أن يكون مؤسسا لاحدى شركات البورصة أو عضوا في أجهزة إدارتها وتدبيرها وتسييرها أو في مجلس رقابتها أو يتولى مباشرة أو بواسطة شخص آخر مراقبة هذه الشركة أو ادارتها أو تسييرها أو تدبير شؤونها أو تمثيلها بأي وجه من الوجوه أو يتمتع بسلطة نيابة عنها:
-اذا سبق أن حكم عليه نهائيا من أجل ارتكاب جناية أو احدى الجنح المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المواد من 334 الى 391 و من 505 الى 574 من القانون الجنائي .
- اذا سبق أن حكم عليه نهائيا من أجل مخالفة للتشريع المتعلق بالصرف؛
- اذا صدر عليه أو على المنشأة التي يديرها سواء في المغرب أو الخارج حكم بإعلان الإفلاس ولم يرد اليه اعتباره؛
- اذا صدر عليه حكم نهائي عملا بما ورد في المادة 73 من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون ؛
-اذا صدر عليه من محكمة أجنبية حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به وكان يعتبر وفق القانون المغربي حكما من أجل ارتكاب إحدى الجنايات أو الجنح الوارد بيانها أعلاه ».
من خلال نص المادة 56 المحال عليها يتضح أنها أن الركن المادي للجريمة يتحقق بمخالفة الموانع المنصوص عليها في هذه المادة.
مخافة هذه الموانع لا يتطلب قصدا جنائيا، حيث أنها تقوم بمجرد ممارسة إحدى المهام المذكورة وحالة من حالات المنع قائمة.
المطلب الثالث : القيام بأعمال الوساطة رغم حالات التنافي
نصت المادة 76 من قانون البورصة على مايلي:« يعاقب بغرامة من 5000 إلى 200.000 درهم كل شخص عضو في أجهزة إدارة وتدبير وتسيير إحدى شركات البورصة أو مجلس رقابتها أو ينتمي إلى مستخدميها يقوم ، خلافا لأحكام المادة 58 او 59 من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون ، بعمليات في البورصة لحسابه الخاص بواسطة شركة بورصة أخرى أو يعطي الأولوية لهذه العمليات بالنسبة إلى عمليات الزبناء».
كما نصت المادة 78 على ما يلي: « يعاقب بغرامة من 10.000 الى 500.000 كل شخص منتم إلى أجهزة إدارة وتدبير وتسيير إحدى شركات البورصة أو إلى مستخدميها يخالف أحكام المادة 57 من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون بكونه عضوا في الأجهزة المذكورة في شركة تكون سنداتها مسعرة في البورصة او بمزاولته مهام مقابل أجرة بالشركة المذكورة ».
عاقب المشرع المغربي من خلال النصين السابقين:
كل شخص عضو في أجهزة إدارة وتدبير وتسيير إحدى شركات البورصة أو مجلس رقابتها أو ينتمي إلى مستخدميها، اصبح عضوا في مجلس إدارة شركة تكون مسعرة في البورصة، أو أقام بمزاولة مهام بهذه الشركة مقابل أجرة.
والمشرع نص على عدم الجمع بين المهمتين، وهذا الحضر القانون يأتي لإحتمال وجود تعارض في المصالح بين الشركتين أو لإحتمال قيام الأشخاص المذكوين سابقا بإستغلال المعلومات المتميزة التي نم الإطلاع عليها من أجل إنجاز أو المساعدة عمليات غير مشروعة لصالح الشركة الأخرى داخل سوق البورصة .
وحتى يقوم الركن المادي في هذه الجريمة، يجب أن يكون الشخص منتميا إلى هيئة مسيري أو مستخدمي إحدى شركات البورية، ثم يمارس في نفس الوقت مهام العضوية داخل إدارة شركة تكون سنداتها مسعرة في بورصة القيم، أو يقوم بمزوالة مهام مقابل أجرة في نفس الشركة.
ولا تتطلب الجريمة قصدا جنائيا، إذ يكفي خرق المقتضيات القانونية والقيام بإحدى العناصر المكونة للجريمة المذكورة أعلاه يجعل مرتكبيها محلاً للمساءلة .
المبحث الثاني : الاستعمال التعسفي للمعلومات المهنية
تلعب المعلومات داخل السوق المالي أهمية كبيرة، ولهذا فقد عمل المشرع المغربي على تجريم كل الأفعال التي تمس بالمعلومات المتميزة، وذلك لما تشكل هذه الأخيرة من تأثير على السوق، وعاقب كذلك على جريمة إفشاء السر المهني التي قد يرتكبها المتدخلون أثناء قيامهم بوظائفهم.
سنتعرض في هذا المبحث إلى جريمة استغلال المعلومات المتميزة في (المطلب الأول)
ثم لجريمة إفشاء السر المهني (المطلب الثاني).
المطلب الأول : استغلال المعلومات المتميزة
يقضي ضمان تنافسية المعاملات (موضوع الحماية الجنائية) توفر المستثمرين والمدخرين على المعلومات ذات العلاقة بالهيئة المصدرة وبمستجدات القيم المنقولة المتداولة في البورصة، وكل إخلال بما ذكر عملا غير مشروع يحرمه القانون .
ونظراً لأهمية المعلومات المتميزة داخل سوق البورصة في توجيه رغبات المستثمرين والمدخرين في توظيف أموالهم أو الإحجام على توظيفها، وكذا للتأثيرات التي تحدثها قد في السوق.
كل هذه الاعتبارات دفعت المشرع المغربي إلى تجريم هذا الفعل في المادة 25 من القانون رقم 121.93.2 صادر في (21 سبتمبر 1993) يتعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها التي جاء في فقرتها الأولى: « كل شخص يحصل في أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه على معلومات متميزة ويستخدمها لإنجاز أو المساعدة عمدا على إنجاز واحد أو أكثر من العمليات في السوق سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبغرامة يمكن أن تساوي خمس مرات مبلغ الربح المحتمل تحقيقه من غير أن تقل عن 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط».
يتضح لنا من خلال المادة المذكور أعلاه أن جريمة استغلال المعلومة المتميزة تنهض حينما يقوم شخص أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه بإنجاز أو المساعدة على واحدة أو أكثر من العمليات في البورصة ، ويظهر كذلك من نص الفقرة الأولى من المادة 25 أعلاه أن جريمة استغلال المعلومات المتميزة تستجمع عنصرين اثنين: العنصر المادي وكذا العنصر المعنوي.
قبل التطرق للعنصرين المكونين للجريمة استغلال المعلومة المتميزة، سنطرق لتحديد المقصود بالمعلومة المتميزة، ثم التطرق للخصائص التي تجعلنا نصفها بالمتميزة.
الفقرة الأولى : المقصود بالمعلومة المتميزة وخصائصها:
سنتناول في هذه الفقرة للمقصود بالمعلومة المتميزة (أولا) ثم خصائص المعلومة المتميزة (ثانيا).
أولا: المقصود بالمعلومة المتميزة
جاء في الفقرة الثانية من المادة 25 من القانون رقم 212-93-1 المتعلق بمجلس القيم وبالمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها ما يلي: « يراد بالمعلومات المتميزة كل معلومات تتعلق بالسير العادي التقني أو التجاري أو المالي للشخص الصادرة عنه الأسهم أو بآفاق تطور قيمة منقولة ما زال الجمهور يجهلها ويمكن أن تؤثر على قرار المستثمر ».
يظهر من خلال هذه الفقرة أنه لتكون المعلومة متميزة يجب أن تتعلق بالسير العادي للحالة التقنية والتجارية والمالية للشخص الصادرة عنه الأسهم، حيث تؤثر هذه المعلومات في وضعية الراهنة أو المستقبلية.
بالإضافة إلى أن المعلومة المتميزة يمكن أن تتعلق بآفاق تطور قيمة منقولة ما زال يجهلها، والقيم المنقولة في التشريع المغربي عديدة ومتنوعة حيث نصت المادة الأول من القانون رقم 211-93-1 المتعلق بالبورصة كما تم تعديلة بمقتضى القانون 96-35 على أنه: "تعتبر قيما منقولة الأسهم والسندات أو الحقوق الأخرى التي تتيح أو يمكن أن تتيح المشاركة في رأس المال وفي حقوق التصويت التي تكون قابلة للتحويل بقيدها في حساب أو عن طريق التداول؛ و سندات الديون التي تمثل حقا في دين عام في ممتلكات الشخص المعنوي الذي يصدرها.
كما نصت المادة 3 من القانون 212-93-1 على أنه تدخل في حكم قيم منقولة : الحصص المملوكة لصناديق التوظيف المشتركة، والحصص المملوكة لصناديق التوظيف الجماعي للتسنيد كما هي محددة في القانون رقم 98-10 المتعلق بتسنيد الديون الرهنية ؛ والحصص المملوكة لهيئات توظيف الأموال بالمجازفة.
ثانيا- خصائص المعلومة المتميزة:
نصت المادة 25 في فقرتها الثانية على خاصية واحدة وهي أن يكون الجمهور مازال يجهل بهذه المعلومة، وقد أورد الفقه والقضاء مجموعة من الخصائص المهمة، سنوردها فمل يلي:
1- أن تكون المعلومة سرية:
يجب أن تكون المعلومة سرية، ولا تفقد المعلومة المتميزة سريتها إلا إذا نشرت بين العمومة، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 26 ماي 1977 : «بأن المعلومة تعتبر متميزة إذا كان لا يعلمها غلا عدد محدود من الأشخاص مقارنة بمجوع المشاركين في سوق البورصة» .
مما يعني أن المعلومة المتميزة تعتبر مجهولة من طرف الجمهور حتى ولو اطلع عليها أكثر من شخص واحد.
وتعد المعلومة المتميزة إلا إذا نشرت وفق الطرق القانونية المعتمدة من طرف المساهمين أو بنشرة رسمية صادر عن المؤسسة، وفي دورية صادرة عن مجلس القيم المنقولة ذهب إلى أنه لا تعتبر المعلومة المتميزة قد وصلت إلى الجمهور إلا إذا نشرت عن طريق الصحافة أو بواسطة إحدى جرائد الإعلانات القانونية .
2- أن تكون المعلومة دقيقة :
شرط الدقة من الشروط التي تطلبها مجلس القيم المنقولة في الدورية المذكور سابقا، والتي اعتبرت أن مجرد العلم لا بكون الشركة تعرف نمواًّ أو تعاني من صعوبات دون عرض لجزئيات محددة لا يشكل معلومة متميزة.
وفي قرار لمحكمة الاستئناف بباريس صادر بتاريخ 30 مارس 1977 جاء فيه: «أن مجرد الإشاعة البسيطة لا تحمل طابع الدقة والخصوصية والتأكيد التي يجب أن تتوفر عليها المعلومة المتميزة حتى تدخل في مفهوم قانون 28 شتنبر 1967 »
3- أن تكون المعلومة أكيدة :
هذا الشرط كان في بداية الأمر شبه إجماع عليه ، حيث كان يشترط أن تكون المعلومة المتميزة أكيدة، ويأتي هذا التأكيد من كوننا لا نكون أمام جريمة استغلال المعلومة المتميزة إذ ما كانت المعلومة خاطئة.
غير أن هذه الخاصية قد تم هجرها مؤخر، حيث ذهبت غرفة الجنايات بمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 26 يونيو 1995 جاء فيه: «أن المعلومات المعنية بالأمر، يجب أن تكون دقيقة وسرية وتؤثر بطبيعتها على أسعار القيم، وتحدد العمليات المنجزة » .
4- أن تكون المعلومة ذات أهمية :
حتى يكون للمعلومة تأثير في أسعار بورصة القيم وتحديد العمليات المنجزة، يجب أن تكون هذه المعلومة ذات مهمة، وهذا ما نصت عليه الدورية رقم 06/97 في توضيحها للمادة 25، حيث أنه جاء فيها مجموعة من الأمثلة تبين نوعية المعلومات المهمة والتي يجب نشرها للعموم، وقبل هذا النشر فإنها تشكل معلومات متميزة تلعب دورا كبيرا في إنجاز عمليات غير مشروعة داخل السوق المالي، إذ ما استغلت من طرف الشخص الحاصل عليه .
الفقرة الثانية : الأعمال المكونة لجريمة استغلال المعلومات المتميزة:
أولا: استعمال المعلومات المتميزة:
جاء في المادة 25 من القانون 212-93-1 ما يلي: « ويستخدمها لإنجاز أو المساعدة عمدا على إنجاز واحد أو أكثر من العمليات في السوق سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر».
حيث يتحقق الركن المادي بإعطاء الأمر بشراء أو بيع سندات لبنك أو شركة بورصة وليس بتنفيذ هذا الأمر، ويظهر هذا التحديد في كون هذه الجريمة مستمرة وأن عنصر المحاولة فيها لا يخضع للعقاب .
وهكذا فقد حكمت محكمة الاستئناف بباريس ببراءة احد المتابعين الذي أعطى أمرا بالبيع قبل معرفة المعلومات المتميزة المتعلقة بالشركة بأربعة أيام، رغم أن هذا الأمر لم ينفذ إلا غداة معرفته بهذه المعلومات .
وبصفة عامة فإن القضاء يقرر على أن القانون يعمل على فرض الالتزام بالامتناع على الأشخاص المطلعين على المعومات المتميزة خلال المرحلة السابقة لنشر المعلومات بين الجمهور، بل أن بعض قرارات محكمة الاستئناف بباريس، وبعض الفقه أكد على أن الالتزام بالامتناع هو التزام مطلق.
ويمكن في حالة يقدم المطالع على المعلومات المتميزة أن يقوم بعملية داخل السوق دون أن يكون مرتكبا لجريمة استغلال معلومات متميزة، شريطة أن يثبت أن قيامه بالعمليات لم تكن نتيجة تأثره بالمعلومات المتميزة با بأسباب أخرى.
وبالتالي يشترط لقيام جريمة استغلال معلومات متميزة وجود علاقة سببية بين المعلومة المتميزة والعملية المنجزة.
وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية (الغرفة التجارية) أنه :« كان على محكمة الاستئناف بباريس أن تبحث عما إذا كان تفويت السندات من طرف المطلع على المعلومات المتميزة لم يكن لأسباب أخرى ليست شخصية».
وبهذا فإن محكمة النقض قد أعطت للمطلع على معلومات متميزة إمكاني إثارته لوقائع مبررة، أي لظروف تعمل على إبعاد العنصر القانوني للجريمة.
نخلص في الأخير إلى أن الالتزام الملقى على عاتق الأشخاص المطلعين على معلومات متميز، وإن كان التزاما مطلقان فهذا لا يمنعهم من إثارة الوقائع المبررة لتصرفاتهم .
ثانيا : نقل المعلومات المتميزة:
عاقب المشرع المغربي في المادة 25 إلى جانب الشخص الذي يقوم بعملية لحسابه الخاص أو بواسطة شخص آخر، كل شخص ساعد على إنجاز العملية، وذلك بإفشائه للمعلومات المتميزة التي يصل إليها أثناء مزاولة مهنته أو بمناسبة قيامه بمهامه.
ومن خلال نص المادة السالف الذكر فإنه يعاقب الفاعل بمجرد نقل المعلومات إلى أشخاص من أجل إنجاز عمليات داخل السوق، «وليس من الضروري أن يكون على علم بالأشخاص الذي سيقومون بهذه العمليات، ولا بكيفية قيامهم بها» .
الفقرة الثالثة : وقت ارتكاب الأعمال غير المشروعة:
جاء في المادة 25 عبارة « قبل أن تصل على علم الجمهور»ن وهكذا فإن وقت ارتكاب الفعل يكون بعد حصول الشخص على المعلومات المتميزة وقبل أن تصل إلى علم الجمهور، أما إذا وصلت إلى الجمهور لم تعد تعتبر معلومة متميزة وإفشائها لا يعاقب عليه لانتفاء الصفة المميزة.
وتعد المعلومة متميزة مادام المستثمرون والمكتتبون الذي يعملون في السوق المالي، لم يتوصلوا بها، ولو كانت في علم مجموعة من الأشخاص الذي توصلوا بها بحكم مهنتهم أو أثناء القيام بها.
الفقرة الرابعة : الركن المعنوي في جريمة استغلال معلومات متميزة
إذا كنا قد تحدثنا أعلاه عن العنصر المادي، وعن شروطه سواء تلك المتعلقة بإنجاز بعض العمليات غير المشروعة وطبيعة هذه العمليات أو وقت ارتكابها، فإن هذه الجريمة لا يكتمل وجودها إلا بتوافر العنصر المعنوي، الذي يجب التمييز فيه حالتين :
الحالة الأولى : ما إذا كان الشخص المطالع على المعلومات المتميزة قام مباشرة أو بواسطة شخص آخر بعملية من العمليات غير المشروعة.
والحالة الثانية: وهي ما إذا كان هذا الشخص قد ساعد أحد الأغيار على إنجاز واحدة أو أكثر من تلك العمليات في السوق، وذلك بتزويده بمعلومات متميزة.
بالنسبة للحالة الأولى المشرع لا يفرض قصداً جنائيا، حيث أن العنصر المعنوي يتحقق بمجرد أن يكون المتابع على علم بأنه يتوفر على معلومات متميزة وقرر استعمالها.
أما بالنسبة للحالة الثانية فقد استعمل النص المذكور أعلاه عبارة «عمداً» التي تفترض وجود القصد الجنائي.
ويتحقق القصد الجنائي في جريمة استغلال المعلومات المتميزة بمجرد خرق الالتزام الملقى على عاتق الشخص المطلع على المعلومات المتميزة.
الفقرة الخامسة: الأشخاص المرتكبون لجريمة استغلال المعلومات المتميزة
لقد أتى المشرع بنص يضم عبارات عامة في الفقرة الأولى من المادة 25 من قانون مجلس القيم المنقولة، ولم يحدد تحديدا دقيقاً الأشخاص الذي قد يرتكبون جريمة استغلال المعلومات المتميزة.
وإذا كان نص المادة 25 قد عرَّف الشخص المطلع على المعلومات المتميزة بكون الشخص الذي تخوله «مهنته أو القيام بمهامه» التوفر على معلومات متميزة متعلقة بسوق، فإن هذا التحديد يبقى قاصرا مقارنة مع التشريع الفرنسي في المادة 161-1 من قانون الشركات الذي نص على مجموعتين:
الصنف الأول : تشمل المدير العام والمديرين العامين والإداريين وأعضاء مجلس الرقابة وممثلي الأشخاص المعنوية الذي يقومون بوظائفهم المذكورة، وهؤلاء يسألون جنائيا متى ثبت ارتكابهم جريمة استغلال معلومات متميزة.
الصنف الثاني : يتضمن كل الأشخاص الطبيعيين الذين يتوفرون على معلومات متميزة بمناسبتهم وظائفهم أو مهامهم، وهؤلاء يفترض فيهم العلم بهذه المعلومات.
إذا كان المشرع الفرنسي قد نص في المادة 161- 1 من قانون الشركات، فإن المشرع المغربي أتى في القانون 01-23 تعديل أضاف فيه المادة 25-1 التي تشمل الصنف الثاني المنصوص عليه في المادة 161-1 من قانون الشركات الفرنسي.
نصت المادة 25-1 على ما يلي: « تطبق نفس العقوبات على كل شخص غير الشخص المشار إليه في نفس الفقرة، يتوفر عن علم على معلومات متميزة حول آفاق أو وضعية شركة مسعرة سنداتها في البورصة أو حول آفاق تطور قيمة منقولة، ينجز أو يساعد على إنجاز عملية بصفة مباشرة أو غير مباشرة أو يطلع الغير على معلومات قبل إطلاع الجمهور عليها».
فمن خلال هذا التعديل، نرى أن المشرع المغربي وسع من نطاق الأشخاص المخاطبين، وبالتالي وسَّع من نطاق التجريم، حيث أصبح يشمل جميع الأشخاص الذي تربطهم مع الشركة أية علاقة مهنية.
والفرضية الأكثر وضوحا عملاً حينما يتعلق الأمر بالصحافة والوسطاء الماليين، وبصفة عامة المتخصصين في السوق المالي.
المطلب الثاني : جريمة إفشاء السر المهني
نصت المادة 80 من قانون البورصة رقم 1.93.211 على ما يلي: « يلزم أعضاء أجهزة إدارة وتدبير وتسيير الشركة المسيرة وشركات البورصة أو مجلس رقابتها ومستخدموها بكتمان السر المهني في جميع القضايا التي ينظرون فيها بأية صفة من الصفات وإلا تعرضوا للعقوبات المنصوص عليها في المادة 446 من القانون الجنائي».
وكذلك المادة في الفقرة الأولى من القانون المتعلق بإحداث وديع مركزي، وتأسيس نظام عام للقيد في الحساب والتي نصت على أن "كل عضو في مجلس إدارة الوديع المركزي أو كل شخص كان عضوا فيه، وكل شخص يساهم أو ساهم بصفة ما في إدارته أو تسييره، أو كل من هو مستخدم أو كان مستخدما لدية يلزم بكتمان السر المهني وفق الشروط وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 ق.ج".
ويراد بالسر المهني في قانون البورصة كل الوقائع والبيانات التي لها طابع معني تتصل بعمل الفاعلين في السوق المالي، من شركات بورصة، والشركات المسيرة والهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم لمجلس القيم المنقولة.
وتبعا لما جاءت به المادتين أعلاه 80 و 5 (الفقرة 1) والفصل 446 من القانون الجنائي المحال عليها وكل العقوبات الواردة بها، فإن الأسرار التي يجب كتمانها لا تتعلق بالوقائع فقط التي أفضى لهم بها المعنيون، وإنما أيضا تلك التي توصلوا إليها أو عاينوها أو استطاعوا معرفتها بحكم وظيفتهم أو مهامهم سواء كانت هذه الأخيرة دائمة أو مؤقتة.
ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بالإفشاء أي اطلاع الغير على السر، ويقصد بالغير كل شخص أخر غير المعني بذلك، السر وأيا كانت الطرقة التي يتم بها إفشاء السر، سواء شفاهة أو كتابة في شكل تقرير أو شهادة...
والركن المادي يتحقق بكل إطلاع فعل يغير من طبيعة الواقعة التي يتم إنشاؤها لذلك من واقعة سرية إلى واقعة معروفة، وتكرار الإقصاء بالسر لا تنزع عنه صفة السرية. كنا أن كثرة الذين يعرفون السر لا يزيل عنه هذا الوصف.
أما الركن المعنوي لهذه الجريمة، فلا نجد المادة 80 أو المادة 5 السالفتي الذكر فيهما أية إشارة إلى ضرورة توفر العقد الجنائي حتى تقوم الجريمة، هما يعني أن مجرد إفشاء السر المهني يكون كافيا للمساءلة، ومرد ذلك إلى أن قواعد المهنية تتطلب الحذر والحرص في عدم الإضرار بالغير وإلى جانب أهمية المعلومات والأسرار المهنية في البورصة تحديدا.
غير أن هناك حالات قد تنتمي فيها شروط المساءلة، عندما يصطدم إفشاء السر المهني مع ما يبرره، حيث لا تطبق مقتضيات الفصل 446 من ق.ج عندما يلزم القانون بعدم الاحتجاج بكتمان السر المهني، سواء تعلق الأمر في مواجهة مجلس القيم المنقولة في إطار الأبحاث المنوطة به من أجل الكشف عن المخالفات المرتكبة أو في مواجهة السلطة القضائية .
الفصل الثاني : الجرائم المرتبطة بتنظيم السوق
و مراقبة مجلس القيم المنقولة للمعلومات.
في سبيل حماية كل المتعاملين داخل السوق تصدى المشرع المغربي لمعاقبة كل من يسعى للتأثير في سير السوق المالي، وأعطى في هذا الباب لمجلس القيم المنقولة سلطات واسعة في الرقابة على السوق المالية.
سنحاول في هذا الفصل التطرق في هذا الفصل الجرائم المتعلقة بتنظيم السوق المالي (المبحث الأول) ثم للجرائم المرتبط بمراقبة مجلس القيم المنقولة (المبحث الثاني).
المبحث الأول : الجرائم المتعلقة بتنظيم السوق المالي
سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في (المطلب الأول) نشر معلومات كاذبة أو مضللة و في (المطلب الثاني) لعرقلة السير المنتظم للسوق.
المطلب الأول : نشر معلومات كاذبة أو مضللة
تعد هذه الجريمة من الجرائم التي يعود لمجلس القيم المنقولة دور الكشف عنها، أثناء قيامه بعمليات البحث والمراقبة المكلف بها.
وقد نصت المادة أعلاه يتضح أن الركن المادي للجريمة ينهض موجودا عندما يقوم كل شخص بنشر معلومات كاذبة أو مضللة ويكون من شان هذه المعلومات أن تؤثر في الأسعار أو بصفة عامة أن توقع الغير في الخطأ.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن هذه المادة قد تعرضت للتعديل في الشق الأخير منها بمقتضى القانون رقم 01-23.
- شروط قيام الركن المادي:
1- أن تكون المعلومات التي وقع نشرها كاذبة أو مضللة:
يقصد بالمعلومات الكاذبة المعلومات الخاطئة أو غير الصحيحة، كما لو نشر شخص زيادة غير صحيحة في رقم المعاملات للشركة المسعرة أو معلومة خادعة، الهدف منها تحقيق أسعار مرتفعة لسنوات الشركة ومنح حظوظ أوفر لأسهم نقدية صادرة عنها.
أما المقصود بالمعلومات المضللة فهو كل معلومة تدليسية حتى وإن لم تكن كاذبة غير أنها قدمت بطريقة سيئة من أجل ايقاع الغير في الغلط كتقديم رسم بياني مضلل حول تطور نتائج الشركة .
وتقوم هذه الجريمة سوءا نشرت المعلومات الكاذبة أو المضللة بين الجمهور حول: آفاق أو وضعية أحد الأشخاص المصدرين للسندات أو حول آفاق قيمة منقولة إذا كان من شأنها أن تؤثر في الأسعار أو بصفة عامة ان توقع الغير في الخطأ.
المطلب الثاني : عرقلة السير المنتظم للسوق:
نصت المادة 26 في فقرتها الثالثة المضافة بمقتضى القانون 23.01 المذكور على ما يلي: "تطبق نفس العقوبات الواردة في هذه المادة على كل شخص قام أو حاول القيام عمدا، بصفة مباشرة أو بواسطة شخص آخر بممارسة تحايل في سوق قيم منقولة قصد التأثير في الأسعار أو بوجه عام عرقلة السير المنتظم لسوق من خلال ايقاع الغير في الخطأ".
يظهر من خلال هذه الفقرة، أن جريمة عرقلة السير المنتظم للسوق تتم عن طريق القيام بأعمال تستهدف التأثير على الأسعار.
قبل التعديل الذي أتى به القانون رقم 01-23 لم تكن المقتضيات الموجودة في المادة 26 تسعف في معاقبة مرتكبي هذه الجريمة، حيث أنه كانت تتم المتابعة على أساس الفقرة الأولى من المادة 26 التي تتحدث عن جريمة نشر معلومات كاذبة أو مضللة التي تؤدي بدورها إلى التأثير على الأسعار.
المشرع المغربي حسنا فعل حيث سد الفراغ التشريعي الذي كان يلاحظ على النص المذكور، وأوجد تنظيما خاصا ومستقلا لهذه الجريمة.
والعنصر المادي لهذه الجريمة حسب القانون رقم 01-23 له وجهان:
1- فعل احتيالي يهدف إلى عرقلة السير المنتظم للسوق: القيام بأعمال احتيالية أو محاربة القيام بها هدفها عرقلة السير المنتظم للسوق.
2-احتيال يؤدي إلى ايقاع الغير في الخطأ: من خلال الفقرة الثالثة من المادة 26 أصبح من الثابث والضروري أن يثبت الغير وقوعه في خطأ دفعه إلى شراء سندات بواسطة أعمال احتيالية.
أما بالنسبة للعنصر المعنوي فإن هذه الجريمة هي جريمة عمدية حيث نصت الفقرة الثالثة على عنصر العمد بكون الهدف منه عرقلة السير المنتظم للسوق.
3- أن يكون من شان هذه المعلومات التأثير على الأسعار او بصفة عامة أن توقع الغير في الغير.
كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك أعلاه فإن هذه المسألة قد عدلت بمقتضى القانون 01-03 الذي أضاف عبارة "أو بصفة عامة أن توقع الغير في الخطأ).
حيث أنه أصبح بمقتضى هذا التعديل أصبح من اللازم إثبات الخطأ الذي وقع فيه الغير سوءا كان مستثمرا أو مكتسبا دفعه هذا الخطأ إلى شراء سندات أو الأسهم بواسطة الأعمال الاحتيالية.
أما العنصر المعنوي:
فقد نصت المادة 26 على أن العنصر المعنوي يتحقق حينما يقوم الفاعل عمدا وعن قصد بنشر معلومات كاذبة أو مضللة عمدا من أجل ايقاع الغير في الخطأ.
المبحث الثاني : الجرائم المرتبطة بمراقبة مجلس القيم المنقولة
فيما يتعلق بجرائم المراقبة المنوطة بمجلس القيم المنقولة سنتناول فيها جريمتين بارزتين الأولى: جريمة عدم تأشير و إعداد ونشر المعلومات في (المطلب الأول) والثانية : عرقلة مهام البحث المنوطة بمجلس القيم المنقولة في (المطلب الثاني).
المطلب الأول : عدم تأشير و إعداد ونشر المعلومات
بعد أن يتأكد مجلس القيم المنقولة من تقيد الشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في اسهمها أو سنداتها بواجبات الإعلام المنصوص عليها في القانون رقم 212-93-1 كما تم تعديله، يقوم بالتأشير على بيان المعلومات.
حيث انه في هذا الصدد نصت المادة 32 على ما يلي: « يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر على سنة وبغرامة من 20.000 على 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص طبيعي يعمل لحساب شخص معنوي ويصدر بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر أو سندات بدعوة الجمهور إلى الاكتتاب فيها دون أن يؤشر مجلس القيم المنقولة على بيان المعلومات المنصوص عليها في المادة 13 من هذا القانون.
وتطبق العقوبتان المذكورتان على الشخص نفسه إذا لم يقم بإعداد أو نشر بيان المعلومات المذكور وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 13 ».
نلاحظ من خلال المادة أعلاه أن المشرع يعاقب في الفقرة الأولى على جريمة عدم التأشير على بيان المعلومات المنصوص عليها في المادة 13.
أما المادة الثانية فقد نصت على جريمة إعداد أو نشر بيان المعلومات وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 13.
وبالعودة إلى المادة 13 المعدلة بمقتضى القانون رقم 01-23 المذكور نجدها تنص على ما يلي: «مع مراعاة أحكام المادة 15 بعده يلزم كل شخص يدعو الجمهور إلى الاكتتاب بإعداد بيان المعلومات ويجب:
- أن ينشر في جريدة مرخص لها نشر الإعلانات القانونية؛
- أن يسلم أو يوجه إلى كل شخص يسعى إلى اكتتابه
- أن يوضع رهن تصرف الجمهور في مقر الشخص المعنوي المصدر وفي جميع المؤسسات الموكول إليها بتلقي الاكتتابات...».
يتضح مما سبق أن هذه الجرائم تقوم حينما لا يقوم الشخص المعني سواء تعلق الأمر بالتأشير على بيان المعلومات من طرف مجلس القيم المنقولة، أو عدم قيام الأشخاص المذكورين بإعداد ونشر بيان المعلومات كما هو منصوص عليه في المادة 13.
ويظهر من خلال المادة 32 من القانون المتعلق بمجلس القيم المنقولة إن الركن المادي يقوم بمجرد عدم تأشير مجلس القيم المنقولة على بيان المعلومات أو عدم إعداد أو بيان المعلومات .
أما بالنسبة للركن المعنوي، فإن الجرائم المذكورة سواء في الفقرة الأولى أو الثانية لا تتطلب قصدا جنائيا، إذ يكفي عدم تأشير المجلس في الجريمة الأولى المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 32، أو عدم نشر إو إعداد بيان المعلومات كما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة المذكورة.
كما أنه ليس من الضروري إثبات الخطأ غير العمدي، فمجرد إغفال القيام بذلك يكفي لمعاقبة مرتكبيها إلى أن يثبتوا انتفاء أي خطأ من جانبه .
المطلب الثاني : عرقلة مهام البحث المنوطة بمجلس القيم المنقولة
يعتبر مجلس القيم المنقوة صاحب الولاية العامة داخل السوق المالي، لذلك فهو الذي يسهر على تنظيم ومراقبة السوق، ومن أجل القيام بمهامه، فقد نص المشرع في 24 من قانون 212-93-1 على مهمة المراقبة عن المخالفات تطبيقا لمقتضيات المنصوص عليها في هذا القانون.
وعاقب المشرع على جريمة عرقلة مهام مجلس القيم المنقولة في القيام بعمليات البحث، وهكذا نجد المادة 28 من قانون 212-93-1 على مايلي:« يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم كل شخص يعرقل اليقام بمهام البحث والمراقبة المنوطة بمجلس القيم المنقولة
وفي حالة العود، يعاقب مرتكب المخالفة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من50.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط».
ونشير إلى الفقرة الثانية التي نصت على حالة العةد، رفع المشرع من عقوبة الغرامة بعدما كانت قبل التعديل الذي أتى به قانون 01-23 الغرامة تتراوح بين 20.000 إلى 200.000 درهم.
وهكذان فإن هذه الجريمة تنشا في حالة التعرض على الأعمال التي تنص عليها صراحة المادة 24.
فالعنصر المادي في هذه الجريمة يتمثل في عرقلة مهمة الدركي (مجلس القيم المنقولة).
أما العنصر المعنوي في هذه الجريمة، فالمشرع لم يتطلب صراحة وجود العمد في إرتكاب هذه الجريمة، غير أن القيام بعرقلة المجلس هي جريمة تنشأ إذا عاق الشخص عمدا مهامهم .
خاتمة
إن السوق المالي المغربي أصبح يحظى بحماية جنائية كبرى لكل الفاعلين المساهمين، حيث أنه إذا كانت قوانين السوق المالية لسنة 1993 اعتراها بعض القصور في تنظميها لبعض الجرائم، فإن التعديلات التي أتت بعد ذلك وبالخصوص لسنة 2004 كان لها أثر كبير وتغيير جذري على السوق المالي، وما يبقى على القائمين سوى تفعيل النصوص للنهوض بالسوق.