1- حوار الأديان ..... النشأة والهدف.
بدأت فكرة حوار الأديان في الظهور على الساحة العالمية في القرن الماضي وتحديدا في عام 1932م كانت فرنسا أول من نادى بها، عندما قامت بإرسال ممثلين إلى علماء الأزهر للتحاور معهم حول إمكانية توحيد الديانات الثلاث، الإسلام والنصرانية واليهودية.
2- التطور الفكري لحوار الأديان:
ومع مرور الأعوام؛ تطورت فكرة حوار الأديان، تم انعقاد الكثير من المؤتمرات العالمية، إلى جانب الندوات المحلية، والحوارات التي جرت بين رجال الدين، والتي تبنت الفكرة في حيز التنفيذ.
إلا أن الصورة لم تظل على حالها، وتباينت أهداف و منطلقات حوار الأديان.
3- حوار الأديان، رؤى مختلفة:
اختلفت رؤى علماء الدين، ورجال الفكر والسياسة في قضية حوار الأديان، وما هي الصورة المرجوة منه، وذلك على عدة آراء:
1- مبدأ وحدة الأديان، أو تعانق الأديان: أي الاتفاق على قواسم مشتركة بين الأديان، بحيث أنه من آمن بتلك المبادئ المجمعة من الأديان السماوية، وربما غير السماوية صار مؤمناً، ولا يخفى بطلان تلك الدعوى لطمسها للهوية الإسلامية.
2- توسيع حوار الأديان ليشمل الأديان الغير السماوية: وهذا ما حدث في المؤتمرات الأخيرة، حيث تم دعوة ممثلين عن الديانة البوذية، والهندوسية، لحضور المؤتمر، وإن كان الحوار مع أهل الكتاب له ثابت شرعي؛ للاتفاق على وجود إله ورسالة سماوية، فكيف يكون الحوار حوار أديان بين من لا يعترف بوجود رسالة، أو من يعبد صنماً، أو يسجد لدابة؟!!!
3- اتخاذ حوار الأديان مطية لتطبيق أجندة سياسية معينة: وهذا ما حدث على سبيل المثال،
في مؤتمر حوار الأديان بقطر، حيث تم الحوار بدعوى من الفاتيكان، الذي جاء بممثلين عنه ودعا أطرافاً إسلامية معينة دون أخرى، وتم فرض الموضوع المطروح للمناقشة؛ وهو حرية الردة، هذا إلى جانب دعوة حاخامات صهيونيين للمؤتمر، مما جعل بعض من علماء منظمة المؤتمر الإسلامي يقاطع المؤتمر؛ لأن هذا يجر الأمة إلى التنازل على ثوابت ومرتكزات رئيسية .
4- أن حوار الأديان فرصة لاجتماع الأديان السماوية، والاتفاق على بعض القضايا المشتركة، كأهمية الأخلاق الفاضلة، وحقوق الإنسان، وتحريم الاغتصاب، وغيرها من القضايا...
ويبقى أصحاب تلك التوجه في خانة المثالية، حيث لم يسلك هذا المسلك في أي من المؤتمرات السابقة، وإن كان؛ فينتهي ببعض التوصيات التي لم تقدم شيئاً ولم تؤخر.
ولاشك أن حوار الأديان - على النحو الذي يراه الثلاثة فرق الأولى- أمر مرفوض، فالأديان لا تتحاور، ولا يذوب بعضها في بعض، ولا يمكن أن تكون القواسم المشتركة بين الأديان هي معيار الإيمان لدى أصحاب الحوار.
إن هذا مما يفرغ رسالة الإسلام من مضمونها، تلك الرسالة التي أتت فنسخت الشرائع التي نزلت من قبلها، [[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ]]، [[وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ]].
أضف إلى ذلك؛ أنه كيف يتم الحوار بين الأديان، والآخر لا يعترف بك؟ أو من يعرض عليك أجندة مسبقة للحوار.
حيث صرح الدكتور محمد سليم العوا [الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين] -وذلك في الاجتماع الأول لجمعية مقاصد الشريعة، الذي عقد بالقاهرة بتاريخ 15/ 12/ 2005- :أن حوار الأديان أصبح بلا جدوى، خاصة مع رفض الاعتراف بالإسلام كدين سماوي ورفض اعتبار فلسطين دولة إسلامية.
وأشار العوا إلى أن: هناك مسائل يتم الحرص عليها في الحوار من الجانب المسيحي أهمها: السماح ببناء الكنائس بلا قيد، والسماح بالبعثات التبشرية في الدول الإسلامية، والسماح بزواج المسلمة من غير المسلم.
أما الحوار بين الأديان للدفاع عن الثوابت الأخلاقية المشتركة؛ كحرمة الزنا، واللواط، والقتل، إلى غير ذلك، أو الحوار الذي يأخذ طابع درء الشبه عن الإسلام؛ فهذا مما ينبغي الحرص عليه؛ ولكن لا تحت مسمى حوار الأديان بل حوار مع الآخر أو الحوار على كلمة سواء مع أهل الكتاب كما سماه القرآن .
وبعد أن تعرفنا بشكل سريع على ما يسمى بحوار الأديان، نعود للإجابة على السؤال الذي طرحناه في أول المقال:
هل حوار الحضارات نسخة مطورة من حوار الأديان؟
في الأصل الأمران مختلفان للأسباب الآتية:
1- اختلاف النشأة: حيث ظهرت فكرة حوار الحضارات وتبلورت أكثر على يد المفكر الفرنسي [جارودي] في أوائل الثمانيات من القرن الماضي، أما حوار الأديان فكما ذكرنا بدأ على يد الوفد الفرنسي عام 1932م.
2- اختلاف أسباب النشأة: فكانت أطروحة حوار الحضارات كرد على الهيمنة الغربية، أما حوار الأديان؛ فكان سبب تفعيله هو ما ذكرناه في أول المقال من إرسال فرنسا ممثلين إلى علماء الأزهر للتحاور معهم حول إمكانية توحيد الديانات الثلاث، الإسلام والنصرانية واليهودية.
3- مفهوم الحضارات أعم من مفهوم الدين: فالحضارة هي عبارة عن الجهد الذي يقوم به فئة معينة من البشر في شتى الميادين إلى جانب التصور السليم للحياة ما يقود الإنسان إلى الرقي والإخاء والأمان، أما الدين فهو اعتقاد بأمر مقدس،
إذا ففي الأصل حوار الحضارات يختلف عن حوار الأديان، أما واقعياً فهناك اتجاه يدمج حوار الأديان بحوار الحضارات ذلك بعد أن وصل حوار الأديان لطريق مسدود بسبب ما شابه من محاولات تمرير أجندات سياسية مسبقة، وتمييع الثوابت الإسلامية، فكان الاتجاه لبعض الساسة والمفكرين إلى تغيير الاسم مع بقاء السياسة .
ففي هذه الحالة يجب الامتناع عن حوار الحضارات؛ إن كان سيؤدي إلى تمييع الثوابت والمرتكزات الإسلامية، إما إن كان حوار الحضارات بمنأى عن حوار الأديان فلا مانع من الحوار بين الحضارات مع التزامه بالضوابط والأهداف التي ذكرنها في المقال السابق [الحوار مع الآخر......أهداف وضوابط].